نشرت مجلة أتلانتيك الأميركية مقالا تناولت فيه الحرب الجوية التي تشنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الحوثيين في اليمن، والتي كانت محور الرسائل النصية التي سربت فيها الخطط الحربية للجيش الأميركي إلى رئيس تحرير المجلة جيفري غولدبيرغ، وقد تتحول إلى فضيحة بحد ذاتها على غرار فضيحة تسريبات "سيغنال".

ويشير كاتب المقال الصحفي الأميركي روبرت ورث إلى أن الحرب على الحوثيين بلا إستراتيجية واضحة، سوى تعطش ترامب إلى ما يسميه "عملا سريعا لا يرحم" على جميع الجبهات. ومن المرجح أن تنقلب عليه بشكل سيئ إن لم تُغير الإدارة مسارها.

منذ منتصف مارس/آذار الماضي، ألقت القوات الأميركية صواريخ وقنابل وقذائف بقيمة تزيد على 200 مليون دولار على الصحاري والجبال النائية في اليمن، ضمن ما سماها وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث -في تعثر تاريخي فاضح- عملية "الفارس الخشن". ويحاول هذا الاسم استحضار هجوم الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت عام 1898 على تلة سان خوان خلال الحرب الأميركية الإسبانية. لكن يبدو أن هيغسيث لا يعلم أن الولايات المتحدة تكبدت ضعف عدد ضحايا الإسبان في تلك المعركة، التي كانت مقدمة لحرب عدوانية باهظة الثمن ولا داعي لها.

وقال ترامب إنه يهدف إلى "القضاء التام على الحوثيين"، الذين هاجموا سفنا في البحر الأحمر على مدار الـ18 شهرا الماضية لدعم الفلسطينيين. والضربات الأميركية الجديدة أكثر كثافة بكثير من تلك التي نفذتها إدارة الرئيس الأسبق جو بايدن العام الماضي، وتشمل محاولات لاغتيال قادة حوثيين (أُشير إلى أحدهم في سلسلة الرسائل، دون ذكر اسمه).

إعلان

ويلفت الكاتب إلى أن الضربات ألحقت بعض الأضرار بالآلة الحربية للحوثيين، وقتلت بعض الضباط والمقاتلين، ودفعت الباقين إلى العمل تحت الأرض. لكن القوة الجوية وحدها نادرا ما تحسم الحروب، والحوثيون يتمتعون بميزة المناطق الجبلية النائية والمناطق الوعرة والمعزولة التي تؤمّن لأسلحتهم الحماية. وإذا صمدوا في وجه هذه الحملة المكثفة، فقد "يخرجون منها أقوى سياسيا، وبقاعدة دعم شعبية أكثر صلابة، حسب المحلل الأمني اليمني محمد الباشا.

القوة الجوية وحدها نادرا ما تحسم الحروب (الأناضول) حملة برية

ويقول الكاتب إن انتزاع الأراضي من الحوثيين يتطلب حملة برية، وهو ما لا تتضمنه عملية "الفارس الخشن". ولم تُجرَ أيضا أي محاولات دبلوماسية مع خصوم الحوثيين المحليين في الجنوب والغرب من اليمن، رغم أنهم منقسمون لكنهم كُثر. وتتخذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من الجنوب مقرا لها وتعتمد على الدعم الأجنبي. وقد قال له مسؤول هناك إن "الأميركيين لا يردون حتى على أسئلتنا. لا وجود دبلوماسيا على الإطلاق".

في الواقع، أضرت إدارة ترامب بحلفائها اليمنيين من دون قصد: "فالحكومة اليمنية المعترف بها شرعيا تعتمد على برامج مساعدات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي ألغتها إدارة إيلون ماسك الجديدة. العام الماضي، موّلت هذه المساعدات جهدا لتوحيد خصوم الحوثيين، لكن المشروع أُلغي كذلك".

ويشير الكاتب إلى أن ترامب قد يسعى لاغتيال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي. ومثل هذه الضربة قد تهز الجماعة بعض الشيء، وتمنح ترامب لحظة نصر تلفزيونية كتلك التي حصل عليها قبل 5 سنوات باغتيال قائد قوة الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي نظم هجمات عديدة على الأميركيين.

لكن إذا ظن ترامب وفريقه أن بإمكانهم قطع رأس جماعة الحوثي وتجاهلها بعدها، فعليهم إعادة النظر في التاريخ. فجماعة الحوثي -حسب الكاتب- تعرضت للتدمير عدة مرات خلال العقدين الماضيين، وفي كل مرة عادت أقوى. قُتل أول زعيم للجماعة، حسين الحوثي، (شقيق عبد الملك الأكبر) عام 2004، لكن الجماعة استبدلته بسرعة، ومن المؤكد أنها ستفعل الشيء ذاته مع الزعيم الحالي.

ويرى الكاتب أن إيجاد حل حقيقي لمشكلة الحوثيين ليس أمرا سهلا؛ يتطلب الأمر جهدا منظما لتوحيد أطرف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي تنقسم حاليا إلى 8 فصائل مسلحة، مشيرا إلى أن وزارة الدفاع الأميركية قد تنجح في هزيمة الحوثيين إذا وفرت دعما جويا للقوات اليمنية البرية، ووفرت الحماية للخليج من انتقام الحوثيين، بحسب مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

إعلان

قد يبدو هذا عبئا ثقيلا، حتى على إدارة أقل تقلبا من إدارة ترامب. فبايدن لم يسعَ حقا لمواجهة الحوثيين، مفضلا دعم جهود الأمم المتحدة الطويلة الأمد للتوصل إلى اتفاق سلام بين الجماعة وخصومها.

لكن من المرجح أن تضطر الولايات المتحدة لمحاربة الحوثيين في نهاية المطاف، فقد أصبحوا أكثر خطورة، ويواصلون تعطيل ممر مائي حيوي يمر عبره نحو 15% من التجارة العالمية (عبر قناة السويس). وهناك أهداف أخرى معرضة للخطر في البحر الأحمر، منها 14 كابلا بحريا للإنترنت (عددها يقارب تلك العابرة للأطلسي). ويدّعي الحوثيون أنهم أسقطوا 17 طائرة بدون طيار من نوع "ريبر" منذ بدء النزاع، وتبلغ قيمة كل منها نحو 30 مليون دولار. أما الصواريخ والقذائف الأميركية، فقد كانت تعاني من نقص كبير منذ العام الماضي، حسبما كتبه مارك بودين في هذه المجلة في وقت سابق. وتُقدر تكلفة عملية "الفارس الخشن" بأكثر من مليار دولار حتى الآن.

الكاتب يقول إن الحوثيين ربما حصلوا مؤخرا على تكنولوجيا تطور قدرات طائراتهم المسيّرة (رويترز) صعوبة في رصد المسيرات

ويقول الكاتب إن الحوثيين ربما حصلوا مؤخرا على تكنولوجيا خلايا وقود هيدروجينية، مما يجعل طائراتهم المسيّرة أكثر صعوبة في الرصد، وقادرة على الوصول إلى مسافات أبعد. الحوثيون يصنعون أسلحتهم الآن، وهو تحول لافت لجماعة كانت تعتمد في السابق على غنائم من الجيش اليمني أو دعم إيراني. وهم يصدرون أسلحة خفيفة إلى القرن الأفريقي أيضا.

ويضيف الكاتب أن قدرة الحوثيين على إرباك التجارة العالمية جعلتهم أكثر فائدة للدول المعادية للولايات المتحدة وأوروبا، وأبرزها إيران، التي فقدت كثيرا من حلفائها في "محور المقاومة". وروسيا كذلك زودت الحوثيين ببعض الأسلحة، واقتربت العام الماضي من تزويدهم بصواريخ متطورة مضادة للسفن، ردا على دعم أميركا لأوكرانيا. كما أشاد قوميون روس مثل الفيلسوف ألكسندر دوغين بالحوثيين، واعتبروهم مناضلين ضد الغرب. أما الصين، فقد باعتهم مكونات أسلحة مفيدة لترسانتهم.

إعلان

ويرى الكاتب أن الحوثيين سعداء بدورهم الجديد، وقد أوضحه زعيمهم عبد الملك الحوثي في خطاباته المتكررة. وقد ضاعفوا جهودهم لغرس عقيدتهم الثورية في الشباب، وقد حصدوا دعما عالميا العام الماضي بسبب موقفهم الداعم الصريح من غزة، الذي ميزهم عن معظم قادة العالم العربي. وقد حاولوا استغلال هذه الشعبية.

وكما أظهرت رسائل "فضيحة سيغنال"، فإن هناك خلافات داخل فريق ترامب للأمن القومي، واحتكاكا أكبر مع الحلفاء الأوروبيين. فقد عبّر جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي عن شكوكه في العملية، ليس لأن الضربات الجوية لن تنجح، بل لأنه رأى أن وقف الحوثيين سيفيد أوروبا أكثر من أميركا، إذ كتب فانس: "أنا فقط أكره أن نضطر لإنقاذ أوروبا مرة أخرى".

ويخلص الكاتب إلى أنه إذا ساد هذا المنطق، فقد يقرر ترامب أن هذه الحرب لا تستحق العناء. حينها، سيعلن الحوثيون نصرا تاريخيا على "الشيطان الأكبر".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات على الحوثیین العام الماضی إلى أن

إقرأ أيضاً:

ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الاثنين أنه أنقذ العالم من 6 حروب، مضيفا أنه سيحدد موعدا نهائيا جديدا لروسيا لتنهي حرب أوكرانيا، خلال يومين وسيقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ترامب: إسرائيل تتحمل مسؤولية تدفق المساعدات إلى غزةاستشهاد 5 فلسطينيين من منتظري المساعدات في غزة

وقال الرئيس الأمريكي خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أنه ليس مهتما بالحديث مع بوتين مجددا.

وأشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات إضافية على روسيا، لكن العقوبات ستتوقف حال التوصل إلى صفقة بشأن الحرب الأوكرانية.

وأوضح ترامب أنه تحدث إلى بوتين عدة مرات وكان يبدو أننا على وفاق، لكنه خيب ظني مشيرا إلى أنه سيمنحه حوالي 12 يوما لوقف حرب أوكرانيا.

إيران ترفض التفاوض مع أوروبا حول برنامجها الصاروخيلأول مرة.. هولندا تدرج الاحتلال الاسرئيلي ضمن الدول التي تشكل تهديداً

وسعى ترامب منذ بدء ولايته الثانية إلى وقف الحرب الأوكرانية إلا أن طرفي الصراع لم يتوصلا إلى صيغة تفضي إلى وقف المواجهات بينهما على الرغم من انطلاق المفاوضات المباشرة بينهما منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022.

طباعة شارك الرئيس الأمريكي ترامب حرب أوكرانيا بوتين رئيس الوزراء البريطاني الحرب الأوكرانية

مقالات مشابهة

  • الرئيس الإيراني: واشنطن مهدت الطريق أمام العدوان الإسرائيلي علينا الشهر الماضي
  • تايوان تنفي منع رئيسها من زيارة الولايات المتحدة الأميركية
  • ترامب: إسرائيل ترفض حصول حماس على المساعدات التي يتم توزيعها في غزة
  • الدبيبة يلتقي الكاتب «محمود البوسيفي» ويبحث دعم الإعلام الوطني وترسيخ حرية التعبير
  • رسوم ترامب تكلف الأميركيين أكثر.. 6 قطاعات تحت الضغط
  • منتخب لبنان للركبي تاتش يشارك في كأس أتلانتيك في إيرلندا
  • إيران تُحذّر: سنردّ بحزم أكبر في حال تكرار الهجمات الأميركية أو الإسرائيلية
  • أكثر من 265 مليار ريال نموّ السيولة المحلية بنهاية مايو الماضي
  • ترامب يقلص المهلة التي منحها لبوتين لوقف الحرب
  • ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين