أثار تعيين بيت هيغسيث (Pete Hegseth)، المعلق التلفزيوني الأميركي والمحارب السابق وزيرًا للدفاع في الإدارة الأميركية الحالية، جدلًا واسعًا حول طبيعة الهوية الأميركية، وما إذا كانت الولايات المتحدة دولة علمانية أم متدينة.

في الواقع، تُظهر العلاقة بين الدين والسياسة في أميركا جدلًا تاريخيًا ممتدًا لم يُحسم بشكل نهائي.

وبسبب هذا التداخل المستمر، يبقى التساؤل قائمًا ومتجددًا: هل أميركا دولة قائمة على العلمانية، أم إن الدين لا يزال يلعب دورًا محوريًا في تشكيل سياساتها وهويتها الوطنية؟

وشوم الجسد

يُعرف بيت هيغسيث، وزير الدفاع الأميركي، بحمله أوشامًا تحمل دلالات تاريخية ودينية مثيرة للجدل. خلال مقابلة في بودكاست مع زميله المخضرم شون رايان، كشف هيغسيث أن أحد زملائه الجنود وصفه بـ"قومي أبيض محتمل"؛ بسبب الرموز المنقوشة على جسده، والتي تعود إلى فترات الحروب الصليبية في العصور الوسطى، أبرزها:

وشم "Deus Vult" على الذراع: وهي عبارة لاتينية تعني "يريد الله ذلك"، وقد استخدمها الصليبيون خلال حروبهم ضد المسلمين في العصور الوسطى. وشم "صليب القدس" على الصدر: يرتبط هذا الرمز بالحملات الصليبية ومملكة القدس الصليبية، التي تأسست بعد الحملة الصليبية الأولى عام 1099. وشم مستوحى من إنجيل متى (10:34): يرمز إلى "لم آتِ لألقيَ سلامًا، بل سيفًا"، وهو تعبير يحمل دلالة قوية على الصراع الديني. وشم الاسم العبري "ישוע" على الذراع اليمنى: وهو الاسم العبري ليسوع المسيح، مما يعكس بُعدًا دينيًا قويًا في معتقداته الشخصية. إعلان

أثار ظهور هذه الأوشام العديد من التساؤلات حول توجهات هيغسيث السياسية، خاصة فيما يتعلق بالقومية البيضاء.

يرى بعض المحللين أن استخدام رموز الحروب الصليبية قد يكون مرتبطًا باليمين المتطرف، مما يجعل تفسير هذه الرموز حساسًا في السياقات السياسية الحديثة. بالمقابل، دافع هيغسيث عن نفسه، موضحًا أن هذه الأوشام تعكس إيمانه الشخصي وخلفيته العسكرية، وليست تعبيرًا عن أي توجهات عنصرية أو عدائية.

لم يقتصر الجدل حول هيغسيث على الأوشام فقط، بل انتشر مقطع فيديو له وهو يشارك في مسابقة رمي الفأس التي تم بثها على التلفزيون، حيث أخطأ الهدف وكاد أن يصيب أحد المارّة، الذي نجا بأعجوبة من إصابة خطيرة.

رؤيته السياسية والفكرية

يُعرف بيت هيغسيث بمواقفه المحافظة القوية تجاه قضايا الشرق الأوسط، إذ يركز فكره على دعم إسرائيل، ومعارضة إيران، ومكافحة ما يُطلق عليه "التطرُّف الإسلامي".

كما أنّه من أبرز الأصوات الداعية إلى تعزيز الهُوية الوطنية الأميركية ومقاومة التأثيرات الليبرالية في السياسة والمجتمع. من خلال مؤلفاته المختلفة، يعرض هيغسيث رؤيته حول إحياء روح المواطنة، وإصلاح النظام التعليمي، والدفاع عن الجيش الأميركي ضد ما يعتبره تهديدات داخلية وخارجية.

1- في الساحة (In the Arena ،2016)

يقدم هيغسيث في هذا الكتاب رؤيته حول إحياء روح المواطنة الأميركية وتعزيز دور الولايات المتحدة عالميًا. يستلهم أفكاره من الخطاب الشهير للرئيس ثيودور روزفلت بعنوان "المواطن في الجمهورية"، الذي عُرف بمقولته الشهيرة "الرجل في الساحة" (Man in the Arena).

يؤكد هيغسيث أن القيم التي نادى بها روزفلت، مثل "المواطنة الصالحة"، "تكافؤ الفرص"، و"القيادة الأميركية القوية"، لا تزال ضرورية لمواجهة التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم.

وهو يدعو الأميركيين إلى تبني هذه القيم والعودة إلى المبادئ التي جعلت أميركا قوة عالمية رائدة، مع التركيز على دور الفرد في بناء مستقبل أفضل للأمة.

إعلان 2- محاربون معاصرون: قصص حقيقية من أبطال حقيقيين (Modern Warriors :Real Stories from Real Heroes ،2020)

يستعرض هيغسيث في هذا الكتاب قصص خمسة عشر محاربًا أميركيًا خدموا في القوات المسلحة، بمن فيهم جنود القوات الخاصة (Navy SEALs)، حراس الجيش (Army Rangers)، مشاة البحرية (Marines)، وطيارو القتال.

يعتمد الكتاب على سلسلة حلقات قدمها هيغسيث في برنامجه على قناة FOX Nation الذي يحمل نفس الاسم. يقدم نظرة على الدروس التي تعلمها هؤلاء المحاربون خلال خدمتهم العسكرية، وكيف تعاملوا مع التحديات في بعض من أشد المعارك التي خاضتها الولايات المتحدة.

3- الحملة الصليبية الأميركية (American Crusade، 2021)

في هذا الكتاب، يناقش هيغسيث واقع أميركا في خضم الصراعات الثقافية والسياسية الراهنة، متسائلًا عما إذا كان انتخاب دونالد ترامب يمثل بداية نهضة وطنية، أم إنه مجرد فصل أخير في تاريخ أمة استسلمت للأجندة اليسارية.

يرى أن الولايات المتحدة تواجه "هجومًا يساريًا" يسعى إلى تعزيز الاشتراكية، والعولمة، والعلمانية، وهيمنة النخب السياسية. ويؤكد أن الصراع ليس مجرد معركة سياسية، بل هو أيضًا صراع ثقافي وأيديولوجي يهدف إلى حماية القيم الأميركية التقليدية.
يطرح الكتاب كدليل عملي للمحافظين الوطنيين، لحثهم على الدفاع عن هويتهم والانخراط في معركة الحفاظ على القيم الأميركية.

4- المعركة من أجل العقل الأميركي (Battle for the American Mind ،2022)

يُشارك بيت هيغسيث مع ديفيد غودوين في تحليل سيطرة الأيديولوجية التقدمية على النظام التعليمي الأميركي، وتأثيرها على الأجيال الجديدة. يكشف المؤلفان كيف أن التعليم في الماضي كان يهدف إلى تعزيز التفكير الحر، وحب الوطن، والقيم الدينية، لكنه اليوم يتحول إلى أداة لإعادة تشكيل وعي الطلاب وفقًا لأجندة ليبرالية.

إعلان

يناقش الكتاب كيف تعرض الطلاب على مدار 16,000 ساعة من التعليم العام لغسل دماغ ممنهج، مما أثر على صورة أميركا، وأضعف دور الدين في المجتمع، وأعاد تشكيل التاريخ بطرق مختلفة. وهو يدعو المحافظين إلى العمل على استعادة التعليم التقليدي من خلال المدارس الخاصة، والتعليم المنزلي، ودعم القيم الكلاسيكية.

5- الحرب على المحاربين (The War on Warriors ،2024)

في أحدث مؤلفاته، يقدم هيغسيث نقدًا لاذعًا للتحولات التي طرأت على الجيش الأميركي، معتبرًا أن القيادة العسكرية انحرفت عن المبادئ الأساسية التي جعلت منه قوة لا تُهزم.

يستعرض كيف أن الجيش الذي انضم إليه قبل عقدين كان يركز على الكفاءة القتالية والحياد العرقي، لكنه اليوم أصبح خاضعًا للثقافة الليبرالية والسياسات التصحيحية. ويرى أن هناك "حربًا ثقافية" تُشن ضد القوات المسلحة الأميركية، مما أدى إلى إضعاف الروح القتالية للجنود، وتدهور جاهزية الجيش.

ويحذر من أن هذا التحول قد يؤثر على الأمن القومي الأميركي، داعيًا إلى إصلاح الجيش وإعادة التركيز على الجدارة والقدرة القتالية.

عبر كتبه المختلفة، يقدم بيت هيغسيث رؤية محافظة صارمة حول مستقبل أميركا، حيث يربط بين الوطنية، والدين، والقيم التقليدية. يركز على التحديات التي تواجه الولايات المتحدة من الداخل والخارج، محذرًا من انهيار الهوية الأميركية تحت تأثير السياسات الليبرالية والتغيرات الثقافية.

وتدور أفكاره حول إحياء روح المواطنة، وإصلاح التعليم، وحماية الجيش الأميركي، مما يجعله أحد أبرز الأصوات المحافظة في المشهد السياسي الأميركي اليوم.

وفيّ لإسرائيل!

تعكس تصريحات هيغسيث دعمًا قويًا لإسرائيل، إذ يرفض حل الدولتين، ويعتبر الضفة الغربية، التي يشير إليها بـ"يهودا والسامرة"، جزءًا لا يتجزأ من أرض إسرائيل، كما أيد في السابق بناء الهيكل الثالث فوق أنقاض المسجد الأقصى، ويرى أن تدمير قطاع غزة حل نهائي للصراع مع الفلسطينيين.

إعلان

يؤمن بأن "الصهيونية والأمركة تشكلان الجبهة الأمامية للحضارة الغربية والحرية في عالمنا اليوم". وأشار إلى أن "الرابطة غير القابلة للكسر" بين البلدين، مؤكدًا التزام واشنطن بنسبة 100% بأمن إسرائيل.

رؤية هيغسيث حول أهمية الدين في الحياة العامة ليست منفصلة عن الوعي التاريخي واسع الانتشار في الولايات المتحدة، والذي شكل فيه "الكتاب المقدس العمود الفقري للعقل السياسي"؛ وساهم إلى درجة كبيرة، في صنع الرأي العام الأميركي، وثقافته، وسياسته، تجاه محددات الصراع، وموقفه من إسرائيل.

فعقب اكتشاف كولومبس، أميركا، سنة 1492، كان من الثابت تاريخيًا أن الحجاج البيوريتانيين الأوائل الذين هاجروا من أوروبا إلى أميركا في القرن السابع عشر رأوا أنفسهم "شعب الله المختار" واعتبروا عبورهم للأطلسي موازيًا لخروج بني إسرائيل من مصر إلى "أرض الميعاد".

كانت الولايات المتحدة بالنسبة لهم الأرض الموعودة التي وهبها الله لهم لنشر الرسالة المسيحية في العالم. تحولت الولايات المتحدة إلى ما يُعرف بـ"أورشليم الجديدة"، حيث أصبحت الرموز التوراتية عنصرًا أساسيًا في الحياة الأميركية.

وفي بداية القرن الثامن عشر، سيطر على هذه التيارات الدينية، فكرة أن المجيء الثاني للمسيح، رهينة بإعادة اليهود إلى فلسطين، تلتها مرحلة استكشاف فلسطين، والسير على خطى (بني إسرائيل) المُتخيلة.

وفي القرن التاسع عشر، سعت جماعات أميركية إلى إنشاء مستوطنات في الأراضي المقدسة لتعجيل المجيء الثاني للمسيح، تزامنًا مع تصاعد النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. وبدأت الولايات المتحدة الأميركية الهيمنة على العالم.

تشير تصريحات ومواقف بيت هيغسيث إلى أنه يمثل وجهًا صريحًا من وجوه السياسة الأميركية، حيث يجمع بين الولاء غير المشروط لإسرائيل، والرؤية القومية الدينية التي تربط الهوية الأميركية بالموروث التوراتي.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة بیت هیغسیث

إقرأ أيضاً:

الدويري يرجح دخول أميركا بثقلها في حرب إسرائيل وإيران

قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن على إيران الأخذ بالحسبان أن "مواجهة الولايات المتحدة ليست كمواجهة إسرائيل"، مرجحا أنه "يجري التحضير حاليا لدخول واشنطن في الحرب كقوة هجومية ضاربة".

وأشار الدويري -في حديثه للجزيرة- إلى أن سيناريوهات أميركية وضعت لمهاجمة إيران في زمن الرئيسين جورج بوش الابن ودونالد ترامب (الولاية الأولى) وتباينت بين هجوم أميركي منفرد أو مزدوج مع إسرائيل، أو هجوم إسرائيلي منفرد.

ووفق الدويري، فإن التقييم الإستراتيجي لهذه السيناريوهات رجح "تدمير البرنامج النووي الإيراني، لكنها لن تلحق هزيمة كاملة بإيران".

ويعد الهجوم المشترك -حسب هذه السيناريوهات- الخيار الأمثل لضرب إيران، إذ تتولى إسرائيل "دور رأس الحربة في الحرب ثم تكمل أميركا المهمة"، معربا عن قناعته بأنه هذا السيناريو يتم التحضير له حاليا.

وشدد على ضرورة أن تدرك إيران أن مواجهة أميركا ليست كمواجهة إسرائيل، وعليها تفحص الأمور بدقة متناهية لأن "إسقاط نظامها قد يكون واردا" أو "قد يحدث تقسيما لها في حال قتل المرشد علي خامنئي".

وترك الدويري الباب مفتوحا بشأن ما ستؤول إليه المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، وربط النتيجة بموقف واشنطن وإمكانية انخراطها بشكل هجومي في الحرب الحالية.

وأمس الخميس، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الرئيس ترامب سيتخذ خلال أسبوعين قرارا بشأن مهاجمة إيران، مؤكدة أنه "يجب ألا يفاجأ أحد بموقف الرئيس".

ووفق الخبير العسكري، فإن الولايات المتحدة دخلت الحرب في الإطار الدفاعي في ظل وجود مدمرات وقطع بحرية ومنظومات دفاعية تشارك في إسقاط الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، فضلا عن تسيير جسر جوي كامل لإسرائيل.

وإذا دخلت أميركا الحرب في بعدها الهجومي، فإن على إيران أن تفكر ملّيا -كما يقول الدويري- في ظل وجود قاذفات إستراتيجية ومقاتلات حربية وصواريخ توماهوك وحاملتي طائرات للولايات المتحدة في المنطقة.

إعلان

وبناء على هذا المشهد، سيكون موقف طهران "صعبا"، لكنه تساءل في الوقت نفسه "إذا كان باستطاعة الولايات المتحدة إلحاق هزيمة كاملة بإيران وإجبارها على الاستسلام".

وبشأن أداء إيران في الحرب، قال الخبير العسكري إنها اعتمدت مقاربات مختلفة "أضفت نوعا من الضبابية وسببت إرباكا للإسرائيليين".

ولفت إلى أن إيران بدأت ردها على إسرائيل بهجمات مكثفة ثم هجمات نوعية أعقبتها هجمات متزامنة زمانا ومكانا ثم هجمات متزامنة زمانا متباعدة مكانا ثم هجمات منفردة.

وتحمل كل مقاربة إيرانية إيجابيات وسلبيات حسب الدويري، إذ تتمثل الإيجابيات بالإغراق، في حين تتلخص السلبيات في تقديم إنذار مبكر لإسرائيل عن الهجمات الإيرانية إذا كانت متزامنة.

ومنذ فجر 13 يونيو/حزيران الجاري تشن إسرائيل هجمات واسعة النطاق على إيران، استهدفت منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وردّت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي.

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع الأميركي: أنهينا طموحات إيران النووية واتخذنا قرارات لحماية قواتنا
  • وزير الدفاع الأميركية: دمرنا البرنامج النووي الإيراني
  • ما هي المنشآت النووية الثلاث التي استهدفتها الولايات المتحدة في إيران؟
  • عاجل | رسميًا أميركا تدخل الحرب .. وتضرب مواقع نووية
  • أستاذ علوم سايسية: الدفاع عن سماء إسرائيل تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية
  • من الرجل الذي يؤخر دخول الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران؟
  • هل ستخوض الولايات المتحدة حربًا ضد إيران؟ اسألوا سارية العلم!
  • 6 طائرات شبح تقلع من الولايات المتحدة!
  • الدويري يرجح دخول أميركا بثقلها في حرب إسرائيل وإيران
  • كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟