تسببت الحرب في أوكرانيا بتصعيد غير مسبوق بين روسيا والدول الغربية على مختلف مساحات التماس بينهما في أوروبا، إذ أصبح بحر البلطيق أحد أبرز نقاط المواجهة بين قوى تتنافس على النفوذ فيه تاريخيا.

وينذر التنافس بين روسيا من خلال حصنها المتقدم في قلب القارة بمقاطعة كالينينغراد وحلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يسعى لجعل البلطيق بحيرة مغلقة للحلف بمواجهة مفتوحة على جميع السيناريوهات.

وتعد كالينينغراد -وفق تقرير بثته الجزيرة- شوكة روسيا النووية في خاصرة أوروبا ودرعها المتقدم في مواجهة دول الناتو، إذ منحها موقعها الجغرافي المطل على بحر البلطيق خصوصية إستراتيجية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية.

وتحولت منطقة البلطيق مع تدهور العلاقات الروسية الغربية إلى ساحة صراع بين موسكو والناتو، وهو صراع يتصاعد يوميا لتحشيد الجيوش وتفجير أنابيب الغاز وقطع شبكات الاتصالات البحرية واعتراض السفن التجارية.

وتتجمع في مقاطعة كالينينغراد قوة عسكرية روسية جوية وبحرية ضاربة مزودة بأحدث الأسلحة ومنظومات الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، إضافة إلى محطات الرادار والكشف المبكر عن الهجمات الصاروخية الإستراتيجية.

ويتمركز فيها أيضا أسطول بحر البلطيق الروسي، ويضم عشرات قطع البحرية المتعددة المهام.

إعلان

ووفق فاليري غروماك، وهو قبطان بأسطول بحر البلطيق الروسي، فإن المقاطعة محمية بشكل متين، وفيها أحدث الأسلحة الروسية.

وقال غروماك للجزيرة إن الصواريخ الموجودة في كالينيغراد "تحتاج دقائق معدودة لتصل إلى مراكز القرار في أوروبا"، مشيرا إلى أن كالينينغراد موجودة عمليا في العمق الأوروبي.

وتخشى دول البلطيق إمكانية سيطرة روسيا على ممر سوالكي الذي يربط بيلاروسيا بكالينينغراد عبر ليتوانيا وفصل تلك الدول عن بقية بلدان الناتو.

ويزيد من حدة التوتر، توسيع نشاط الناتو ووجوده العسكري في المناطق المحيطة بكالينينغراد، إضافة إلى ما تراه موسكو استفزازات عبر إعادة دول أوروبية تسميات قديمة للمنطقة قبل ضمها إلى الاتحاد السوفياتي، مما أثار استياء روسيا.

ويقول الخبير الإستراتيجي يوري زفيريف إن خلف كالينينغراد تقف كل القوة العسكرية الروسية، لذلك "لن تكون لقمة سائغة لدى المواجهة مع الناتو"، معربا عن قناعته بأن "محاولة حصارها لعب بالنار".

وحسب حديث زفيريف للجزيرة، فإن الغرب يعي ذلك جيدا خصوصا بعد تعديل العقيدة النووية الروسية التي تنص على أنه "إذا لم تتمكن روسيا من إيقاف العدوان بالأسلحة التقليدية فستكون حينئذ للسلاح النووي كلمة الفصل".

وكان الزعيم السوفياتي ستالين استحوذ على كالينينغراد من ألمانيا النازية بهدف الحصول على ميناء لا يتجمد على بحر البلطيق، ثم أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي جزءا من روسيا الاتحادية بسبب تبعيتها الإدارية لها في الحقبة السوفياتية.

لكن الحال تغير اليوم، إذ تعد جيبا منفصلا عن روسيا في العمق الأوروبي محاطا بدول الناتو من جميع الجهات، كما قيدت دول البلطيق عبور البضائع من أراضيها بين روسيا والمقاطعة مع اندلاع حرب أوكرانيا، وفرضت عقوبات لوجستية لتصبح كالينينغراد أكثر الأقاليم الروسية تضررا جراء العقوبات الغربية.

إعلان

ويبقى الطريقان البحري والجوي المجال الوحيد المتاح لإمداد المقاطعة باحتياجاتها، كما تراجعت الحركة الصناعية والتجارية في المقاطعة التي كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الاستيراد والتصدير مع دول الاتحاد الأوروبي بسبب إغلاق الحدود.

تقول آلا إيفانوفا مساعدة حاكم مقاطعة كالينينغراد إن حظر عبور البضائع عبر البر يكلف نفقات إضافية، وكذلك يواجه النقل البحري صعوبات لوجستية، مؤكدة وجود أسطول من 25 سفينة روسية يعمل على مدار الساعة، لتأمين نقل البضائع من كالينينغراد وإليها.

وترى موسكو أن حصار مقاطعة كالينينغراد وعزلها بالكامل عن البر الروسي يهددان بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب.

ولم تخفِ موسكو هواجس محاولات الغرب تحويل بحر البلطيق إلى بحيرة مغلقة للناتو، مما يهدد بإغلاق البحر أمام السفن الحربية والتجارية الروسية عند اندلاع مواجهة مباشرة مع الغرب، خاصة بعد انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بحر البلطیق

إقرأ أيضاً:

إعلان أمريكي: السعودية حليف رئيسي خارج الناتو

أعلنت الولايات المتحدة رسمياً تصنيف المملكة العربية السعودية كـ"حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي"، في خطوة تعكس عمق الشراكة الأمنية بين البلدين وتهدف إلى ترسيخ موقع السعودية كركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي. 

ويتيح هذا التصنيف للمملكة الحصول على امتيازات عسكرية استراتيجية، منها الأولوية في شراء أسلحة أميركية متطورة، والمشاركة في برامج تطوير الأسلحة المشتركة، إضافة إلى تسهيلات في التدريب العسكري والاستخباراتي، وكذلك تخزين معدات عسكرية أميركية على أراضيها لاستخدامها في حالات الطوارئ.

ويحمل هذا التصنيف رسائل سياسية وأمنية متعددة: فهو يؤكد الدعم الأميركي للمملكة في مواجهة التحديات الإقليمية، ويعكس استعداد واشنطن لتوسيع التعاون العسكري مع الرياض، دون الالتزام بالتدخل العسكري المباشر في حال التعرض لهجوم، كما يحدث ضمن حلف الناتو أو اتفاقيات الدفاع المشترك. ومن شأن هذا التصنيف أن يمنح السعودية قدرة أكبر على التأثير في ملفات الأمن الخليجي، بما في ذلك مواجهة التهديدات الإيرانية وتثبيت الاستقرار في البحر الأحمر والخليج العربي.

إلى جانب البعد العسكري، يفتح هذا التصنيف المجال أمام السعودية لتعزيز مشاريعها الدفاعية المحلية، وتطوير الصناعات العسكرية بالتعاون مع شركات أميركية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، والمعادن الاستراتيجية. كما يتيح للحكومة السعودية الحصول على موارد إضافية لمشاريع البحث والتطوير العسكري، بما يواكب طموحاتها في التحول التقني وتوطين صناعة الأسلحة.

رسائل سياسية ودبلوماسية

يأتي إعلان ترمب خلال مأدبة أقيمت على شرف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في سياق تعزيز العلاقات الثنائية، وإظهار الثقة الأميركية في رؤية المملكة واستقرارها الداخلي. كما يشير هذا التصنيف إلى دعم واشنطن لمواقف الرياض في ملفات إقليمية حساسة، مثل جهود الوساطة في النزاعات الفلسطينية، حيث أشاد ترمب بدور ولي العهد السعودي في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ما يعكس رغبة أميركية في تثبيت دور الرياض كلاعب رئيسي في استقرار المنطقة.

وتصنيف السعودية كحليف رئيسي خارج الناتو يمنحها نفوذاً إضافياً على الساحة الإقليمية، لكنه يضعها أيضاً في مواجهة معقدة في توازن القوى الإقليمي. فبينما يعزز هذا التصنيف موقفها الأمني تجاه التهديدات الإيرانية والميلشيات المدعومة من طهران، فإنه يربطها بشكل أوثق بالاستراتيجيات الأميركية، بما قد يؤثر على سياساتها في التعامل مع القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا وقطر وروسيا.

ويمثل هذا الإعلان خطوة استراتيجية متقدمة تعزز الشراكة الأمنية الأميركية، وتضع المملكة في مركز القرار الإقليمي، مع توفير أدوات عسكرية وتقنية متقدمة لتعزيز استقرارها الداخلي وقدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية. وبينما يضمن هذا التصنيف دعم واشنطن المستمر، فإنه يفرض على الرياض مسؤولية الحفاظ على توازنها بين تعزيز قدراتها الدفاعية ومواجهة الضغوط الدولية والإقليمية، ما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة في تحديد موقع المملكة ضمن التحالفات الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يزور أمريكا حاليا أكد أثناء لقائه دونالد ترامب ، رغبته في أن تكون بلاده جزءا من الاتفاقات الإبراهيمية، لكنه اشترط أن يكون الطريق نحو حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل مرسوما بوضوح، وذلك في أول زيارة له إلى واشنطن منذ 7 سنوات.

وقال بن سلمان في المكتب البيضاوي بعيد استقبال حافل من الرئيس الأميركي ترامب: "نرغب في أن نكون جزءا من الاتفاقات الإبراهيمية. لكننا نريد أيضا التأكد من أن الطريق نحو حلّ الدولتين مرسوم بوضوح". وأضاف أنه أجرى "مناقشة بنّاءة" بشأن هذا الملف مع ترامب، مؤكدا: "سنعمل على ذلك لضمان تهيئة الظروف المناسبة في أقرب وقت ممكن لتحقيق هذا الهدف".

وأبلغ ولي العهد السعودي ترامب بزيادة قيمة الاستثمارات السعودية البالغة 600 مليار دولار التي وعده بها خلال زيارته للمملكة في مايو. وقال بن سلمان في المكتب البيضاوي: "في إمكاننا اليوم وغدا أن نعلن أننا سنزيد مبلغ الـ600 مليار إلى نحو تريليون دولار (ألف مليار) للاستثمار".

ورحب ترامب بولي العهد السعودي في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، حيث أُطلقت نيران المدفعية ترحيبا، قبل أن يشاهدا عرضا جويا صاخبا لمقاتلات عسكرية أميركية. ثم أطلع الأمير على معرض جديد لصور الرؤساء في حديقة الورود.

مقالات مشابهة

  • بالتفصيل.. أبرز بنود الخطة الأميركية للسلام في أوكرانيا
  • بين الانسحاب الأمريكي والتهديد الروسي.. هل أوروبا مستعدة للدفاع عن نفسها؟
  • WP: معركة جواسيس محتدمة بين روسيا والغرب بسبب عميل موقوف بأذربيجان
  • ترامب يعلن السعودية حليفًا رئيسيًا من خارج "الناتو".. ماذا يعني ذلك؟
  • إعلان أمريكي: السعودية حليف رئيسي خارج الناتو
  • أوروبا على صفيح ساخن.. قرار بولندي عاجل بحق روسيا
  • ما الذي يعنيه مصطلح حليف من خارج الناتو؟
  • ماذا تستفاد السعودية من تصنيفها كحليف رئيسي لأميركا من خارج الناتو؟
  • ترامب يصنف السعودية رسميا حليفا رئيسيا من خارج حلف الناتو
  • ترامب يصنّف السعودية "حليفا رئيسيا من خارج الناتو"