نيودلهي- البلاد احتفلت الهند مؤخرًا بعيد الفطر المبارك في أجواء من البهجة والحماس والمشاركة الواسعة. وقد شهدت البلاد بدءًا من كشمير في الشمال إلى كيرالا في الجنوب تجمع آلاف المواطنين الهنود المسلمين لأداء صلاة العيد؛ حيث تبادلوا الوجبات والحلويات مع العائلة والأصدقاء، وشاركوا في الأعمال الخيرية. ويُعد عيد الفطر من أهم الأعياد بالنسبة للمسلمين حول العالم؛ بما في ذلك الهند حيث تمثل الاحتفالات به مناسبة للتقارب ولمّ الشمل بين العائلات والأصدقاء والمجتمعات في أجواء من الفرح والسرور.

ويلاحظ انه طالما كانت دولة الهند- بتنوعها الثقافي الغني- موطنًا للتعايش بين أناس من خلفيات دينية مختلفة، يحتفلون بأعيادهم ومناسباتهم في سلام ووئام. وقد كانت مناسبة عيد الفطر، على مر القرون، تتجاوز الحدود الدينية، وتتميز بروح عميقة من الألفة والاحتفال المشترك. وفي هذا العام 2025، استمر العيد ليكون مناسبة للوحدة المجتمعية، حيث احتفل به ملايين المسلمين دون عوائق أو تمييز ديني. ويُعد ذلك مثالًا حيًا على مكانة الهند؛ كمنارة للتسامح الديني في منطقة كثيرًا ما تتسم بالاضطرابات. في حين ذكر بيان صحفي أصدرته الحكومة الهندية في اعقاب عيد الفطر المبارك، “أن للهند تاريخًا حافلًا بالاحتفال بعيد الفطر المبارك دون أي اضطرابات أو تحيز ديني يذكر، وهذه التقاليد مازالت مستمرة حتى الآن، وعلى الرغم من أن الهند دولة ذات أغلبية هندوسية إلا أنها لطالما احتضنت سكانها المسلمين وأعيادهم بكل احترام وتقدير. كما يتيح دستور الدولة لكل مواطن- بغض النظر عن ديانته- ممارسة شعائره الدينية بكل حرية، وهو ما يتجلي بشكل خاص خلال احتفالات عيد الفطر المبارك. غالباً ما يشارك الهندوس والسيخ والمسيحيون وغيرهم من أبناء الطوائف الأخرى في احتفالات العيد عبر الولايات الهندية، ما يعكس روح التعددية في البلاد. وفي السنوات الأخيرة، أصبح من أبرز رموز الوحدة الدينية في الهند خلال عيد الفطر المبارك، مشاركة الملايين في صلاة العيد. فعلى سبيل المثال، في عام 2025م، تجمع الملايين من المسلمين في مختلف أنحاء البلاد لأداء الصلاة، بما في ذلك “مسجد حضرة بال” الشهير في سريناغار، جامو وكشمير. كما يمثل هذا الحدث لحظة بالغة الأهمية للمجتمع المسلم؛ إذ إن مشاركة هذا العدد الكبير من الناس تعكس الطابع السلام والتسامح من خلال الاحتفالات. ومن أبرز السمات التي تميز عيد الفطر في الهند، هو مظاهر الوحدة الملفتة التي يبديها القادة من مختلف التيارات السياسية. وكما هو الحال في الأعوام الماضية، قدم قادة من جميع الأحزاب السياسية، بما في ذلك أحزاب المعارضة، تهانيهم الحارة للمسلمين بمناسبة العيد هذا العام. وفي لفتة رمزية خاصة، أرسل رئيس الهند، إلى جانب قادة بارزين من حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، رسائل تهنئة مؤثرة، متمنين للمسلمين الازدهار والسعادة. ما يجعل هذه البادرة أكثر أهمية هو أن العديد من هؤلاء القادة؛ بمن فيهم كبار أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا؛ كونه الحزب الحاكم في الهند، اخذوا وقتاً لكتابة تهانيهم باللغة الأردية، وهي لغة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالثقافة الإسلامية في الهند. وأنه من خلال استخدامهم للأردية، وهي لغة منتشرة على نطاق واسع بين المجتمعات المسلمة، لم يعبّر هؤلاء القادة فقط عن أمنياتهم الطيبة، بل أظهروا أيضًا تضامنهم مع السكان المسلمين. هذا المستوى من التفاعل والاحترام من أعلى مستويات السلطة يُعد دليلًا على الشمولية التي تميز النسيج الديمقراطي للهند. كما أن هذا العمل التضامني يحمل أهمية كبرى في سياق المناخ السياسي السائد في الهند؛ ففي ظل تصاعد سياسة الهوية ، ترسل تهاني العيد من قبل قادة من مختلف التيارات السياسية رسالة قوية عن الوحدة. ولا يمكن المبالغة في أهمية مثل هذه المبادرات، خاصة في وقت كثير ما تهيمن فيه الخطابات الانقسامية على عناوين الأخبار . كما تعزز افعال هؤلاء القادة السياسيين فكرة أن قوة الهند تكمن في تنوعها، وأن جميع الناس- بغض النظر عن ديانتهم- يشكلون جزءاً لا يتجزأ من هوية البلاد. يذكر أن مسجد حضرت بال يقع في مدينة سريناغر الخلابة، التي كانت دائماً ذات أهمية دينية كبيرة للمجتمع المسلم في ولايتي جامو وكشمير. وفي كل عام يعد المسجد مركزاً لأداء صلاة العيد؛ حيث يجتمع آلاف المسلمين في خشوع وسلام . وفي هذا العام 2025م، شهدت المشاركة في صلاة العيد في مسجد حضرت بال زيادة ملحوظة، وهو ما يعكس توجهاً أوسع نطاقاً. وبعد سنوات من الصراع، الذي عطل الحياة الطبيعية والشعائر الدينية، عاد الهدوء الآن إلى كشمير. ونتيجة ذلك، تغيرت اجواء العيد بشكل تام، في حين تقف الهند مثالاً ساطعاً ومشرقاً للتسامح الديني خلال فترة العيد المبارك، في وقت يختلف الوضع تماماً في عدد من الدول الأخرى؛ حيث تفسد اعمال العنف الطائفية والتوترات الأجواء الاحتفالية. وفي المقابل، لطالما استطاعت الهند الاحتفال بعيد الفطر المبارك دون أي عنف طائفي. وليست غريباً سواء في كشمير أو اوتر براديش أو ماهاراشترا أو تاميل نادو ، وقد تمكن المسملون في الهند من التجمع لأداء صلاة العيد بكل حرية وتبادل الوجبات والتعبير عن فرحتهم دون خوف من أي اضطرابات عنيفة. هذا السلام والاستقرار ليسا وليد اللحظة؛ بل نتيجة التزام الهند الطويل باحترام الحريات الدينية. وفي مدن مثل جايبور وفارانسي، ليس من النادر أن تشهد مشاركة الهندوس في احتفالات العيد بطرق مختلفة، وعلى سبيل المثال في هذا العام 2025م، شهدت البلاد حالات عديدة أهدى فيها الهندوس الزهور للمسلمين خلال صلاة العيد في لفتة رمزية تعبر عن حسن النوايا، والوحدة بين المجتمعين. هذه اللفتات- وإن كانت بسيطة- إلا انها تحمل في طياتها معاني عميقة في عالم تستغل فيه الخلافات الدينية لزرع الانقسامات. كما نلاحظ في جايبور- على سبيل المثال- تقاسم الهندوس والمسلمون فرحة العيد معاً؛ في مشهد رائع يجسد الوحدة وكانت اللفتة نثر الزهور على المسلمين أثناء صلاة العيد تذكيراً جميلاً؛ رغم الاختلافات التي قد توجد بين الطوائف الدينية، إلا أنهم قادرون على الالتقاء بروح المحبة والاحترام المتبادل والإنسانية المشتركة. هذه الإيماءات ليست معزولة أو حالات فردية بل هي تعبر عن توجه أوسع في الهند؛ حيث يلاحظ التعاون بين الأديان بشكل متكرر خلال المناسبات الدينية الكبرى. وفي فاراناسي؛ المدينة التي تُعتبر القلب الروحي للهندوسية، كانت مشاعر الود والتآخي بين الهندوس والمسلمين خلال احتفالات عيد الفطر. ففي هذه المدينة المعروفة بمعابدها القديمة وأضرحتها و”الغاتات” يعني بها “الدرَج المؤدية إلى نهر الغانج” يُجسّد الاحترام المتبادل والمشاركة بين الهندوس والمسلمين مثالًا حيًا على الطبيعة التعددية للمجتمع الهندي؛ حيث تُبرز مظاهر التضامن بين الأديان خلال عيد الفطر المبارك في فاراناسي وغيرها من المدن الروابط العميقة، التي توحّد الناس بغض النظر عن اختلاف أديانهم في الهند. تسعى الهند مع استمرار الاحتفال بعيد الفطر المبارك؛ فإنها توجه رسالة إلى العالم مفادها أن الوحدة والوئام مكونان اساسيان لبناء مجتمع مزدهر وشامل، في وقت تبدو فيه الانقسامات العالمية مستعصية على الحل؛ حيث يقدم الهند اسلوباً متميزاً في الاحتفال بعيد الفطر المبارك، ونموذجاً مثالياً للتعايش، وتؤكد الهند أنه من الممكن أن نعيش معاً ونحتفل معاً ونزدهر معاً؛ بغض النظر عن الاختلافات الدينية أو العرقية أو الثقافية.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: التعدد الثقافي المسلمون في الهند الهند مسلمو الهند بعید الفطر المبارک عید الفطر المبارک بغض النظر عن صلاة العید هذا العام فی الهند

إقرأ أيضاً:

محافظ جنوب سيناء يبحث مع سفير الهند تعزيز التعاون السياحي وتنظيم فعاليات بشرم الشيخ وسانت كاترين

بحث محافظ جنوب سيناء، الدكتور خالد مبارك اليوم بمكتبه في مدينة شرم الشيخ، مع السفير الهندي لدى جمهورية مصر العربية "سوريش كي ريدي"، سبل آفاق التعاون بين الجانبين في قطاع السياحة، حيث جرى التأكيد على أهمية السوق الهندية؛ كأحد الأسواق الواعدة التي يمكن أن تسهم بقوة في دعم وتنشيط السياحة المصرية، لا سيما في ظل اهتمام شريحة واسعة من المواطنين الهنود بالسياحة الروحية والثقافية، وهما نمطان تتفرد بهما محافظة جنوب سيناء بما تزخر به من مقومات طبيعية ودينية وبيئية فريدة.


وأكد المحافظ - خلال اللقاء - أن هذا التعاون يأتي تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية التي تضع قطاع السياحة في صدارة أولويات التنمية، مشيراً إلى أن مدينة شرم الشيخ تشهد حالياً تطوراً ملحوظاً على صعيد البنية التحتية والسياحة المستدامة. وأضاف: "نعمل وفق رؤية واضحة تهدف إلى جعل جنوب سيناء وجهة عالمية للسياحة المستدامة والمتنوعة، ونرحب بكافة أشكال التعاون التي تسهم في تحقيق هذا الهدف، وفي مقدمتها الشراكة مع جمهورية الهند الصديقة".


كما تم خلال اللقاء تبادل الرؤى حول سبل تعزيز حركة السياحة الوافدة من الهند إلى جنوب سيناء، لاسيما من خلال الترويج لإقامة حفلات الزفاف الهندية الفاخرة بمدينة شرم الشيخ، التي تتمتع بمقومات طبيعية ومرافق سياحية عالمية تؤهلها لتكون وجهة مثالية لهذا النوع من الفعاليات، التي تحظى بإقبال واسع في السوق الهندية.


وفي السياق، ناقش الجانبان مشاركة محافظة جنوب سيناء في مؤتمر سياحي تجاري دولي؛ يُعقد قريباً في الهند، بهدف عرض الفرص الاستثمارية والسياحية بالمحافظة، والترويج لها أمام كبرى شركات السياحة والمنظمات المعنية بالسوق الهندي.


وأشار المحافظ إلى انضمام مدينة شرم الشيخ، في 13 مايو 2025، كعضو كامل في المجلس الدولي للمبادرات البيئية المحلية (ICLEI) – الحكومات المحلية من أجل الاستدامة، وهو ما يعكس التزام المدينة بتطبيق المعايير الدولية في مجال التنمية المستدامة وحماية البيئة.


وذكرت محافظة جنوب سيناء - في بيان اليوم /الأحد/ - أن الحديث تطرق إلى مشروع "التجلي الأعظم" بمدينة سانت كاترين، والذي يُعد من أبرز المشروعات التنموية ذات الطابع الروحي والبيئي، حيث جرى بحث إمكانية إنشاء مدرسة دولية متخصصة في رياضة اليوجا بالتعاون مع الجانب الهندي؛ بما يعزز من مكانة سانت كاترين كوجهة فريدة للسياحة الروحانية والعلاجية.

طباعة شارك محافظ جنوب سيناء مدينة شرم الشيخ السفير الهندي لدى جمهورية مصر العربية قطاع السياحة دعم وتنشيط السياحة

مقالات مشابهة

  • "الأوقاف" تطلق مبادرة "بصائر" لتعزيز الوعي الديني
  • أبوسليم.. الدبيبة يوجه بهدم سجن “المضغوطة”
  • وكالة الشؤون الدينية النسائية بالمسجد النبوي تُطلق مبادرة “المحجّة في مغانم ذي الحجة”
  • احتفالات ذكرى ثورة 30 يونيو.. محمد صبحي: لم أتوقع بورسعيد بالجمال ده | شاهد
  • «أسد يهوذا».. البعد الديني في استهداف إسرائيل لإيران؟
  • محافظ جنوب سيناء يبحث مع سفير الهند تعزيز التعاون السياحي وتنظيم فعاليات بشرم الشيخ وسانت كاترين
  • الرهوي يطلّع خلال لقائه وزير الخدمة المدنية على خطة الرقابة على الدوام عقب إجازة العيد
  • الجو حر.. طالبة ثانوية عامة تحضر مروحة خلال أداءها امتحان التربية الدينية
  • احتفالات الجيش الأمريكي تتحول إلى موجة احتجاجات ضد ترامب
  • الهند.. تحطم مروحية تقل حجاجاً إلى معبد كيدارناث ومقتل جميع ركابها