بوابة الفجر:
2025-06-01@18:54:25 GMT

٥٥ عامًا على عار قصف أطفال مدرسة بحر البقر

تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT

في صباح الثامن من أبريل عام 1970، كانت الحياة تسير في قرية بحر البقر بمحافظة الشرقية كما اعتادت، قرية ريفية هادئة، ومدرسة ابتدائية بسيطة تتكون من ثلاثة فصول دراسية، مكتظة بتلاميذ صغار يحملون أحلامهم في حقائبهم المدرسية، كان يومًا دراسيًا عاديًا، بدأ بنداءات المعلمين وترتيب الجلوس في الفصول، بينما تعالت ضحكات الصغار في فناء المدرسة، ولم يكن أحد يدري أن تلك الضحكات ستنقطع إلى الأبد بعد دقائق قليلة.

 

وعند الساعة التاسعة وعشرين دقيقة صباحًا، شُقت سماء بحر البقر بصوت رهيب، خمس طائرات إسرائيلية من طراز "فانتوم F-4" تحلق على ارتفاع منخفض، وتحمل في أحشائها حممًا جهنمية تزن ألف رطل من المتفجرات ولم يكن هناك إنذار أو تحذير مسبق، لم تكن هناك فرصة للهروب، فقط وميض خاطف تلاه انفجار مدوٍ، ثم صمت ثقيل لم يقطعه سوى صرخات الأطفال الجرحى.

 

في لحظات، تحولت المدرسة إلى كومة من الأنقاض الملطخة بدماء 30 طفلًا قتلوا في الحال، بينما أصيب 50 آخرون، بعضهم فقد أطرافه، وبعضهم عاش بعاهات مستديمة، ولم يكن المشهد مجرد قصف عابر، بل كان مجزرة متعمدة، استهدفت أطفالًا صغارًا في فصلهم الدراسي، تاركة وراءها كراسات محترقة وأحلامًا لم تكتمل.

 

وكعادة الاحتلال، لم يعترف بجريمته، بل زعم وزير دفاعه آنذاك " موشي ديان"، أن القصف استهدف "هدفًا عسكريًا"، مدعيًا أن الأطفال كانوا يرتدون زيًا عسكريًا ويتلقون تدريبًا، وكأن العالم بأسره سيصدق أن طلاب مدرسة ابتدائية يتحولون فجأة إلى جنود، لم تكن تلك سوى كذبة أخرى تضاف إلى سجل الاحتلال الحافل بالمجازر والتبريرات الواهية والخيالات الصهيونية في نسج سيناريوهات لا تمت للواقع بصلة. 

 

في مصر، لم يكن الصمت خيارًا، فقد شنت الدولة حملة دبلوماسية واسعة لفضح الجريمة أمام العالم، لكن رد الفعل الدولي كان باهتًا، كما هو الحال اليوم تجاه مجازر غزة ومع ذلك، لم يكن الرد المصري مقتصرًا على الإدانات، بل جاء ميدانيًا في ساحة القتال بتنفيذ مصر لعملية "السبت الحزين"،. ففي الثلاثين من مايو عام 1970، وبعد مرور أقل من شهرين على مجزرة بحر البقر، قررت القوات المصرية الرد بشكل مباشر على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، فنفذت عملية نوعية أطلق عليها اسم "السبت الحزين". 

 

كانت العملية بمثابة ضربة موجعة للعدو، حيث نصبت قوات الصاعقة المصرية كمينًا محكمًا لرتل إسرائيلي كان يتحرك في منطقة شمال القنطرة شرق، على طريق العريش - القنطرة، واعتمدت الخطة على عنصر المفاجأة واستغلال الطبيعة الصحراوية للمنطقة، حيث تمركزت مجموعة من أبطال الصاعقة المصرية في أماكن استراتيجية وانتظرت وصول القوات الإسرائيلية إلى نقطة الاستهداف، وبمجرد دخول الرتل الإسرائيلي إلى منطقة الكمين، فتحت القوات المصرية نيرانها بكثافة، مستخدمة الأسلحة الخفيفة وقذائف الـ RPG، مما أدى إلى تدمير عدد كبير من المركبات الإسرائيلية، وإيقاع خسائر فادحة في الأرواح.

 

استمرت المواجهات لعدة ساعات، حاول خلالها العدو طلب الدعم الجوي، لكن الطيران المصري كان في حالة استنفار، ما صعب من إمكانية التدخل الإسرائيلي لإنقاذ قواته المحاصرة، وأسفرت العملية عن مقتل وجرح العشرات من الجنود الإسرائيليين، بالإضافة إلى أسر عدد منهم، وهو ما شكل ضربة نفسية قوية للقيادة الإسرائيلية التي كانت تعيش نشوة استهداف المدنيين في بحر البقر، وجاءت هذه العملية كرسالة واضحة بأن الجيش المصري لم يكن ينسى دماء أبنائه، وأن لكل مجزرة إسرائيلية ثمنًا ستدفعه قوات الاحتلال في ساحة المعركة.

 

 وقد أثرت هذه العملية بشكل كبير على الروح المعنوية للقوات الإسرائيلية، كما كانت واحدة من العمليات التي ساهمت في إعادة الهيبة للجيش المصري خلال حرب الاستنزاف، والتي مهدت فيما بعد لنصر أكتوبر 1973.

 

لم يكن ذلك الرد الوحيد، بل استمرت الضربات المصرية حتى انتهت حرب الاستنزاف، وتوجت ببناء حائط الصواريخ، الذي قلب موازين القوى وأسقط العديد من الطائرات الإسرائيلية، مما مهد الطريق لنصر أكتوبر العظيم بعد ثلاث سنوات فقط من تلك المجزرة ليعود حق أطفالنا من شهداء مدرسة بخر البقر.

 

اليوم وبعد 55 عامًا، لم يتغير شيء القاتل نفسه، والضحايا أنفسهم أطفال لا حول لهم ولا قوة، والصمت العالمي ذاته، الفرق الوحيد أن المجازر لم تعد تقتصر على مدرسة صغيرة في الريف المصري، بل أصبحت تغطي مدنًا بأكملها في غزة، حيث تتكرر مشاهد الأطفال القتلى تحت الأنقاض، وتستمر الأكاذيب ذاتها لتبرير الجريمة.

لكن كما أثبتت مصر أن الدم لا يضيع هدرًا، ستبقى القضية الفلسطينية حية، ولن تُنسى جرائم الاحتلال، حتى يحاسب عليها يومًا أمام عدالة التاريخ، إن لم تكن عدالة الأرض قد أدركته قبل ذلك.



 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: المتفجرات اسرائيل محافظة الشرقية جرائم الاحتلال القنطرة شرق مدرسة ابتدائية قوات الصاعقة بحر البقر لم یکن

إقرأ أيضاً:

لمواصلة التهجير.. قيادي بفتح: إسرائيل تُفشل خطة الإعمار المصرية

أعرب الدكتور ماهر صافي، القيادي بحركة فتح الفلسطينية، عن غضبه العميق واستيائه من تعامل جيش الاحتلال الإسرائيلي مع المساعدات الإنسانية الموجهة إلى الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن تلك المساعدات أصبحت أداة للابتزاز السياسي، وتُوزع بطريقة مهينة تفتقر إلى الحد الأدنى من الإنسانية، وهو ما وصفه بـ"انعدام الضمير".

وأكد «صافي»، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي محمد موسى ببرنامج «خط أحمر» المذاع عبر شاشة فضائية «الحدث اليوم» مساء الجمعة، أن ما يحدث على أرض الواقع يتجاوز مجرد العقبات اللوجستية، إذ سقط العشرات من الشهداء الفلسطينيين بسبب التدافع العشوائي أثناء تسلم المساعدات، إلى جانب ضحايا القصف الإسرائيلي المباشر، فضلًا عن المواطنين الذين أصيبوا أو فقدوا حياتهم نتيجة الرصاص الطائش الذي يطلقه جنود الاحتلال في محيط نقاط التوزيع.

وانتقد القيادي بحركة فتح صمت الإعلام الدولي حيال هذه الممارسات، متسائلًا: "لماذا لا يتم تسليط الضوء على السياسات الإسرائيلية الممنهجة؟ ولماذا يُغيب الإعلام دور الاحتلال في استغلال لقمة عيش الفلسطينيين كورقة ضغط؟".

وشدد على أن الاحتلال يتعمد تحويل معبر رفح من منفذ إنساني إلى وسيلة ضغط وابتزاز، بالرغم من مصر أدخلت أكثر من 85% من المساعدات إلى قطاع غزة، إلا أن إسرائيل تعنتت وأغلقت المعبر أمام المرضى والجرحى، وأفشلت خطة مصرية طموحة لإعادة الإعمار.

وأكد أن إسرائيل، على الرغم من الرفض العربي والمصري، تسير وفق خطة تهجير قسري ممنهجة تقوم على مرحلتين: بدأت في شمال غزة بتدمير البنية السكانية، وتلتها المرحلة الثانية عبر نقاط توزيع وهمية للمساعدات هدفها تفريغ القطاع من سكانه تحت غطاء "الإغاثة"، وسط تجويع منظم للشعب الفلسطيني.

وثمن صافي موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد بوضوح رفضه لتهجير الفلسطينيين، موجهًا رسائل حاسمة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن "الشعب الفلسطيني له أرض وله كرامة ولن يُسمح بإزاحته عنها"، داعيًا إلى تحرك إعلامي وسياسي واسع لكشف زيف السياسات الإسرائيلية التي تهدف لتفتيت القضية الفلسطينية عبر الضغط الغذائي والإنساني.

طباعة شارك معبر رفح قطاع غزة الاحتلال حركة فتح

مقالات مشابهة

  • كم بلغت أعداد ضحايا آلية المساعدات الأمريكية الإسرائيلية في غزة؟
  • فصائل فلسطينية تعقب على المجزرة الإسرائيلية غرب رفح
  • مظاهرة حاشدة في برلين احتجاجا على حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة
  • يونيفيل: أبلغنا مجلس الأمن بجميع الانتهاكات الإسرائيلية في لبنان
  • منظمة الصحة تكشف عن موت أطفال غزة جوعا ونفاد الأدوية تحت الحصار
  • لمواصلة التهجير.. قيادي بفتح: إسرائيل تُفشل خطة الإعمار المصرية
  • مجزرة جديدة.. 13 شهيدا في قصف صهيوني مدرسة تؤوي نازحين بخان يونس
  • الخارجية الفلسطينية تطالب بآليات دولية فاعلة لوقف مخططات الضم الإسرائيلية
  • «مجزرة جديدة».. 13 شهيدا إثر قصف طائرة مسيرة إسرائيلية خيمة نازحين في خان يونس
  • 13 شهيدا إثر قصف طائرة مسيرة إسرائيلية خيمة نازحين في مواصي خان يونس