السودان بين أنياب القاهرة وطهران (2)
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
السودان بين أنياب القاهرة وطهران (2)
تأسيس… الجوهرة في قلب الشمس والتلال وحدائق المرجان
عن المشروع الذي يخشاه السلطويون، ويجهله الحلفاء… ومآلات الصمت عن جوهر التغيير
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
لقد أثارني، بعمق وامتنان، ما كتبه الدكتور إبراهيم برسي في نقده الصادق والبصير لمداخلتي الأخيرة. لقد لمس في عباراته منابع الصراع الحقيقية التي يتعرض لها السودان اليوم، ليس بسبب ضعفه، بل بسبب ما يختزنه من عناصر قوة نادرة، تكاد تفوق ما تزخر به أراضي الكونغو.
نعم، هناك طمع ممنهج في خيرات هذا البلد، غُلّف بخلافات حدودية مصطنعة، زُرعت عمدًا شرقًا وشمالًا. في الأعماق، يربض حوض المياه الجوفية النوبي، الذي تستنزفه ليبيا بلا حساب، وتمده مصر بسخاء، كأنها مالكة له، إلى إسرائيل، وربما لاحقًا إلى جزيرة العرب، دون أن تمسّ أعماقه عصيّ موسى!
أما المعادن، فحدث ولا حرج. حين كنت شابًا غِرًّا في أوائل سبعينيات القرن الماضي، رأيت بأم عيني كيف كان الصينيون يتوغلون في جبال الإنقسا، يدرسون طبقاتها وسرّها. أرضنا تخبئ في باطنها ذهبًا، ونحاسًا، ورخامًا، وبترولًا، وسليكونًا، وبلاتينًا، ومعادن أخرى ترتفع قيمتها كلما تقدّم العلم. أما فوق الأرض، فهناك شمس وريح ومساحات لا تحدّها إلا تخوم الأفق.
وهنا، تحديدًا، يصدق قول الدكتور برسي: "لا يهدد الحدود فحسب، بل يفكك منطق السيطرة." ذلك أن الخطر الأكبر على الأنظمة السلطوية ليس فوضى السودان، بل نهوضه.
غير أن المسألة لا تقف عند الجغرافيا والموارد، بل تغور في عمق التنوع الثقافي والإثني الفريد الذي يشكل نسيج السودان. ذلك التنوع – الممتد من دارفور وكردفان إلى أرض الفونج، ومن النوبة في الشمال إلى البجا في الشرق – ليس صدفة، بل هو جوهر القوة وسرّ البقاء. وأي مشروع نهضة يتجاهله، أو يحاول الالتفاف عليه باسم "النقاء العرقي" أو "الهوية الواحدة"، هو مشروع محكوم عليه بالفشل.
لن تنهض بلادنا و هي تتماوج على لحنٍ واحد، أو فوق منصة واحدة. النهضة التي تُبنى على احتقار التعدد، وتقديس اللون الواحد، واللسان الواحد، لا تختلف كثيرًا عن استبداد اللحى وهيمنة سدنة دولة ١٩٥٦. أولئك الذين التفوا حول عباءة رفاعة الطهطاوي، وأدب المحجوب، وتقعّر عبدالله الطيب، زاعمين أن لسان الضاد يمنحهم صكّ امتياز عرقي على ابن سينا والخوارزمي!
تأسيس المشروع الحضاري الذي لم تقدر قيمته بعد
وفي هذا السياق، أجد من الواجب أن أستدعي "تأسيس" — هذا المشروع الحضاري الذي لم تُقدّر قيمته بعد كما ينبغي.
-*تأسيس ليست مجرد تحالف، بل وعيٌ جمعي، ونواة لفكرة الدولة الجديدة في السودان.
-*تاسيس هي الجوهرة التي عجز ملتقطوها عن حملها تحت الشمس، وفوق التلال، وفي حدائق المرجان تحت البحار.
-*تاسيس هو مشروعٌ أقمناه على أسس متينة: ميثاق، ودستور، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا من بواطنه ولا من ظواهره.
غير أنني أصبت، في الأسبوع الماضي، بالقنوط والهلع، وأنا أشرح لزملائي من قادة البحث الزراعي في العالم CGIAR ماهية هذا المشروع الحضاري. هالني قصورنا في إيصال الرسالة. وفجّر في داخلي مرارة الاعتراف بأن "تأسيس" كثيرًا ما تتدثر — بلا قصد — برداءٍ شبيهٍ بقيادة الحزب الشيوعي السوفييتي في أيامه الأخيرة؛ قيادة أذابت النظام كما يذوب مكعب السكر في الماء، لا لأن الفكرة فاسدة، بل لأن الوعي اختُطف.
وها أنا، أحفظ في عضلات أمعائي المُلتهبة، غضبي على من أكّد لي — بثقة وطيبة قاتلة — أن الطريق لا بد أن يمر عبر محاصصات التحالف!
لكنني أعود، وأسترجع كلمات **قائدنا**، الذي أشار بذكائه المعهود إلى **غربال الذهب**: أن نعترف حين نخطئ، وأن نعتز حين نصيب، وأن لا نخجل من إعلان التصحيح.
**فجوهرتنا ليست للكنز في الخزائن، بل للعرض في الضوء.**
ولا نهوض بلا وضوح. ولا وضوح بلا شجاعة.
**أيها الأصدقاء و الصديقات**
**إن من يخشون السودان ليسوا فقط في القاهرة وطهران، بل بيننا أيضًا. يخافونه حين يفكّر، حين يرفض، حين يُبدع، حين يقول: كفى**. **ويخافون "تأسيس" لأن فيها روحًا لا تُختزل، ولا تُبتلع.
فلنحمل جوهرتنا في الضوء، لا في الظل.
ولنرفعها فوق الرؤوس، لا خلف الكواليس**.
نواصل
د. احمد التيجاني سيد احمد
١٢ أبريل ٢٠٢٥ روما /نيروبي
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السودان.. تحالف «تأسيس» يعلن تشكيل حكومة موازية والجيش يصفها بـ«حكومة المليشيا»
رد الجيش السوداني، اليوم الأحد، على إعلان تحالف “تأسيس” تشكيل حكومة موازية، واصفاً إياها بـ”حكومة المليشيا”، معتبراً أنها تمثل “محاولة لخداع حتى شركائهم في الخيانة”، وتهدف إلى الاستيلاء على السلطة خدمةً لأجندات خارجية وطموحات شخصية.
وقال الجيش، في بيان رسمي، إن قادة “الدعم السريع” لا تجمعهم أي صلة حقيقية بالسودان، ويعتمدون على السلاح والنفوذ لنهب موارده، مضيفاً أنهم مستعدون لـ”اللعب بكل الأوراق الممكنة”، بما في ذلك قبولهم أن يكونوا أدوات لتنفيذ أجندات إقليمية تتجاوزهم.
ووصف البيان الحكومة الموازية بأنها “تمثيلية هزيلة”، تجمع بين “عملاء وجهلة ومجرمي حرب”، مؤكداً أن الشعب السوداني سيُفشل هذا المخطط، وسيظل السودان موحداً رغم ما سماه “اتساع دائرة التآمر”، بفضل وحدة شعبه وتماسك جيشه.
من جهتها، أدانت وزارة الخارجية السودانية، الأحد، إعلان “قوات الدعم السريع” عن تشكيل ما وصفته بـ”حكومة وهمية”، معتبرة الخطوة استفزازاً صارخاً واستهتاراً بمعاناة السودانيين الذين يواجهون العنف والانتهاكات منذ اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023.
وقالت الوزارة في بيان رسمي إن نشر الإعلان عبر منصات التواصل الاجتماعي يكشف تراجع “الدعم السريع” تحت ضربات القوات المسلحة السودانية، مشيرة إلى أن مشاركة شخصيات مدنية في الإعلان يُعد دليلاً على “مؤامرة مشتركة للاستيلاء على السلطة بالقوة”.
وعبّرت الخارجية عن استيائها الشديد من سماح كينيا بعقد اجتماعات تمهيدية لهذا الإعلان في نيروبي، معتبرة ذلك خرقاً لسيادة السودان وتدخلاً سافراً في شؤونه الداخلية، فضلاً عن تعارضه مع مواثيق الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد.
ودعت الحكومة السودانية المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية إلى إدانة هذا الإعلان، مؤكدة أن “أي تعامل مع كيان سياسي يصدر عن قوات الدعم السريع يُعد مساساً بسيادة السودان وحقوق شعبه”.
وكان أعلن تحالف “تأسيس”، تشكيل حكومة موازية في السودان، وتعيين محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء، في خطوة وُصفت بأنها تحدٍّ مباشر للحكومة الرسمية بقيادة الجيش، وسط احتدام الصراع السياسي والعسكري في البلاد.
وذكر التحالف، في بيان صدر من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، أنه “تم تشكيل سلطتين سيادية وتنفيذية”، مشيرًا إلى أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” سيتولى رئاسة المجلس الرئاسي للحكومة الجديدة، مع تعيين عبد العزيز الحلو نائبًا له، وفارس النور حاكمًا للخرطوم.
وأوضح المتحدث باسم التحالف، علاء الدين عوض نقد، خلال مؤتمر صحفي في نيالا، أن “الاختيارات جاءت بعد مشاورات واسعة اتسمت بالشفافية، وأسفرت عن تشكيل هيئة قيادية من 31 عضوًا”، مؤكدًا أن الهدف هو تفكيك ما وصفه بـ”السودان القديم”، ومعالجة جذور الحروب وتحقيق السلام المستدام.
وأشار التحالف إلى انفتاحه على القوى المدنية والعسكرية الرافضة للحرب والداعمة لتغيير جذري، داعيًا “جميع المظلومين والمضطهدين للانضمام إلى صفوفه”.
يأتي هذا الإعلان في وقتٍ تشهد فيه مدينة الفاشر بشمال دارفور تصعيدًا عسكريًا، بعد أن أعلنت حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي تحويلها إلى “منطقة عمليات”، مطالبة المدنيين بالنزوح إلى مناطق أكثر أمانًا، بالتنسيق مع قوات “تحالف تأسيس”.
وكان التحالف قد تأسس في فبراير الماضي بالعاصمة الكينية نيروبي، ويضم قوى من الدعم السريع والحركة الشعبية – قطاع الحلو وحركات مسلحة أخرى، وسط رفض رسمي إقليمي ودولي لأي حكومة موازية، وتحذيرات من تفتيت الدولة وزيادة معاناة المدنيين في ظل الانهيار الإنساني الواسع في البلاد.
آخر تحديث: 27 يوليو 2025 - 15:44