يتبادر تساؤلٌ في أذهاننا فحواه هل بات شبابنا في حاجة للمهارات الناعمة؟، والإجابة بعد البحث، والتحري: نعم؛ حيث حتمية اكتسباها، وهذا يرجع إلى أهميتها في إحداث توازن لديهم؛ فهناك ضرورة لأن نتبنى خططًا تنير لنا الطريق، وتعمل على توجيه خطواتنا في الاتجاه الصحيح، وتكشف لنا مدى تقدمنا فيما نحن منوطين به، بل وتدفعنا إلى المزيد من العطاء؛ بغية جني الثمار، وتساعدنا في الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وهنا نوقن أن التخطيط مهارة ناعمة قد أضحت لا تمت للاختيار بصلة.

رغم إتقان كثير من شبابنا الواعد للمهارات النوعية في مجالاتها المختلفة؛ إلا أنه ثمت شكوى من ضعف مهارات التواصل الكلي؛ حيث تقتصر آليات، وصور التواصل على البيئة الرقمية، وقد لا يتعدى حدود تبادل المعلومات، أو البيانات، أو الخبرات ذات الاهتمام المشترك وفق بروتوكول قد تم التوافق عليه؛ لكن ما يعوز شباب اليوم، والغد يتمثل في مهارات ناعمة تتعلق بالاتصال، والتواصل المباشر؛ حيث مقدرة الفرد على الحوار، والمناقشة، وإبرام تفاهمات مع الآخرين بصورة مباشرة؛ فنلاحظ فنون التعامل، ونرصد حالة الاندماج، والتفاعل والمقدرة على التعبير عن المشاعر، ولغة الجسد التي تشير دلالتها إلى معان ذات مغزى يفهمها الآخرون بسهولة، ويسر.

إن فقد التواصل الكلي، أو حتى مرحلة منه يؤدي بالإنسان إلى حالة من جفاء المشاعر، وصعوبة تقدير الجوانب الإنسانية لدى من يتعامل معهم؛ فتبدو هناك لا مبالاة تجاه ما يحتاجه الغير من وجدانيات تعد ضرورية لبقاء العلاقات في صورتها المنشودة؛ ومن ثم فقد تُبتر العلاقات، أو تتوقف حينما ينتهي الفرد من المهمة التي يؤديها مع الآخرين، وهذا لا يمكنه من أن يعقد علاقات اجتماعية، ولا يؤهله لمزيد من التواصل الاجتماعي بالآخر، كما أن اللفظية تصبح في حالة من الفقر؛ إذ يفقد الشاب المقدرة على التواصل اللفظي في الغالب.

في ضوء ما تقدم نؤكد على أهمية التواصل باعتباره مهارة ناعمة داعمة للفرد؛ كي يصبح مؤهلًا؛ للانغماس مع الآخرين، وهنا نقصد صورة العمل الجماعي؛ حيث تقاسم المهام، والأداءات، وشراكة المراحل، والمسار؛ فيعمل ذلك على تعضيد العلاقات، وتقوية أطر المحبة، والانسجام بين الأقران، أو الأصدقاء حتى وإن تباينت الخبرات، وتدخلت العديد من المتغيرات سواءً ارتبطت بالعمر، أو النوع، أو البيئة الاجتماعية، أو غير ذلك من المؤثرات التصنيفية التي يصعب حصرها لكثرتها.

إن العمل بروح الفريق مهارة ناعمة تشعر الجميع بالرضا، والمودة، والتقارب، بل وتحث الإنسان على الالتزام بتكليفاته؛ فيبدو حرص الانتهاء من المهمة في قمة الأولويات، وتبدو إدارة الوقت لها مكانة خاصة في وجدانه؛ وهذا ما يجعله متبنيًا لجدول زمني يحد من هدر ثمين للوقت، ويشجعه نحو بلوغ غايته؛ لذا فقد باتت إدارة الوقت من المهارات الناعمة ذات الأهمية القصوى.

المرونة التي يتحلى بها الإنسان منا تجعله قادرًا على تحمل المسئولية، بل ولديه طاقة تفكرية تساعده في إدارة التحديات، أو الأزمات التي قد تواجهه في إطار مؤسسي، أو مجتمعي أو حياتي، وهذا بالطبع يحد من التداعيات التي قد تنجم عن ذلك، وتتيح الفرصة لمزيد من التفكير؛ كي يصل الفرد إلى بدائل عديدة يشكل أحدها حلًا لا بأس به في تجاوز الأزمة، أو المحنة، أو الإشكالية؛ ومن ثم نؤكد على ضرورة اكتساب فنيات إدارة الأزمات باعتبارها من المهارات الناعمة الرئيسة التي منحنا فرصة مواصلة الطريق مهما تفاقمت الصعوبات.

ما ذكر من مهارات ناعمة يصعب أن ينفك عن ضرورة امتلاك الفرد لنمط التفكير الناقد؛ حيث المقدرة على التفسير، والاستنتاج، والاستنباط، وإقامة البراهين، وتقديم الحجج، ناهيك عن وعي بطرائق التغلب على المشكلات، وفق مراحل تعتمد على توظيف المعطيات؛ كي يصل الإنسان منا لحل مُرْضٍ يسهم في تجاوز المحنة، أو كسب القضية؛ ومن ثم يستطيع أن يصنع قرارًا صائبًا، ويتخذه، ويتحمل مسئوليته، وهذا يعزز في أذهاننا ضرورة امتلاك الفرد لفنيات النقد البناء؛ لذا صارت مهارات التفكير الناقد من المكونات الأساسية للمهارات الناعمة.

أعتقد أن المهارات الناعمة في مجملها يجب أن يكتسبها شبابنا صاحب الفكر، والرؤية الطموحة؛ كي يحدث ما نسميه التوافق، والتكيف النفسي داخل الفرد، ومعه الآخرون؛ لذا فإن التدريب عليها يعد من الأولويات التي تقع على عاتق كافة المؤسسات المعنية ببناء الإنسان؛ فما أجمل من تفاعلات اجتماعية سوية! تحدث أثرًا مرغوبًا فيه بشتى المجالات التنموية ببلادنا الحبيبة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المهارات الناعمة مهارات التواصل البيئة الرقمية المزيد المهارات الناعمة

إقرأ أيضاً:

يسألونك عن الفردانية .. هـل حاضـرنا فوضـوي؟

شكّلت العلاقات الاجتماعية، حتى عهد قريب، صورة مفعمة بالحيوية والنشاط، ونُظر إليها آنذاك على أنها المقياس الذي يُقاس به تكاتف المجتمع، وتقارب أفراده، وتآزرهم، وتكاتفهم، دون إغفال أثر تلاحم الأسر الممتدة على المنظومة الاجتماعية ككل. هذا الوضع ساعد كثيرا على تجاوز المعضلات الاجتماعية، كبيرها وصغيرها، وفسح للأفراد مساحة واسعة للاستمتاع بمزايا كل ما يُشار إليه بأنه من فضائل الحياة الاجتماعية.

فلم يُختزل مفهوم «الاجتماعية» في مجرد لَمَّة عابرة لحدث ما، سعيدًا كان أو حزينًا، بل أصبح حالة ذهنية؛ بمجرد ذكر اسم «الجماعة» تهدأ الأنفس، وتحلق بأحلامها نحو تحقيق ما تصبو إليه، مستحضرة ذلك الكم الهائل من المؤازرة والتقارب والتعاون. بل يشعر الفرد بكثير من الزهو؛ فهو في حاضنة الجماعة، وليس فردًا معزولًا، مقصيًّا أحلامه، مهدورًا كرامته. فإن استمر على عزلته بقرار فردي، أصبح في ثقافة الجماعة شخصًا منبوذًا، يُشار إليه بالسوء، لأنه خرج عن الدائرة.

هذا كان في زمن كان للجماعة فيه دورٌ محوري في تصويب الأخطاء الفردية، بقصد أو بغير قصد. ولأن دور الجماعة كان مؤثرًا، خصبًا في العطاء، جادًّا في الإصلاح، كان اليقين قائمًا بأن الفرد جزء لا يتجزأ من الجماعة، فلا غنى له عنها، ولا غنى لها عنه. ظل هذا الحال حتى عهد قريب، قبل أن تتنامى الأسر النووية، التي ساعد على نشأتها المخططات السكنية الحديثة، وتكاثرها لأسباب أغلبها اقتصادية، كتنامي الوظائف التي استوطنت العاملين في بيئات غير بيئاتهم الأصلية.

رغم ذلك، يحاول الأفراد في هذه المجتمعات الحديثة التخفيف من وطأة الفردانية عبر استحضار مفهوم القرية، بإنشاء معززات مجتمعية كالمساجد، ومدارس القرآن، والمجالس العامة، والأسواق التقليدية، وإحياء القيم الاجتماعية كالتزاور والعزائم، ومؤازرة بعضهم بعضًا في حالات الوفاة وغيرها من المناسبات. وأنا هنا أخص بالحديث المجتمع العُماني، المتحاب، المتعاطف، المتآزر، المتعاون، المتكامل، المتجاوز لكثير من التباينات.

تتحمّل الوظيفة الحديثة قسطًا كبيرًا من مسؤولية تنامي الفردية، بسبب خصوصية بعض الوظائف التي تتطلب انفصال الموظف عن مجتمعه فترات طويلة. وهذا «الاحتجاز» الوظيفي الذي يُمارَس على الفرد لم يأتِ بقصد، بل تحوّل إلى أمر طبيعي، يعتاده الفرد، ويصبح جزءًا من سلوكه اليومي. ولكن، بالمقابل، يخسر الفرد الكثير من المعززات الاجتماعية التي تُبقي اللحمة المجتمعية حيّة.

تنعكس هذه القطيعة على أفراد الأسرة، وخاصة الأبناء، الذين يقضون جلَّ أوقاتهم، ما عدا أوقات الدراسة، بين الجدران الأربعة، يعتركون مع الفراغ مستخدمين الأجهزة الذكية، والحواسيب، وأدوات الاتصال الحديثة.

وبمرور الزمن، يصبح هذا السلوك طبيعيًا، فتترسخ الفردانية في الناشئة، التي تفقد كثيرًا من السمت الاجتماعي، والقيم الضابطة للسلوك، والإيمان بأهمية وجود منظومة قيمية تقود نحو السلوك القويم، الذي يؤصّل الهوية والانتماء إلى المجتمع والوطن.

أرخت الاجتماعية، عبر تجربتها الطويلة، الكثير من القوانين والنظم والقيم الحاكمة، التي شرعنت تفاصيل العلاقة بين الأفراد والمجموعات. وكان تجاوزها يُعد خروجًا على الإجماع، ويستدعي تدخل الجماعة لإعادة الفرد إلى رشده. هذا النظام الاجتماعي الذي كان قائمًا في مجتمعنا العُماني، أسهم كثيرًا في الحفاظ على تماسك المجتمع، وتعاونه، وتكافله.

لكن هذا التموضع بدأ يعاني من حراك موضعي وتململ، لم يصل بعد إلى التفكك، لكنه يسير نحوه، في ظل الانفتاح على المجتمعات الأخرى، والتداخل الديموغرافي، كحالات الزواج من خارج المجتمع، وتنامي التجنيس للوافدين، ما أدى إلى استقطاب أنماط ثقافية وسلوكية مختلفة عن بنية المجتمع الأصلية. ومثل هذه التباينات قد تخلخل النسيج الاجتماعي، وتُحدث فوضى قيمية، وتنازلات عن هوية المجتمع.

وقد ظهرت ملامح ذلك في السماح بالتصوير باللباس غير التقليدي في الوثائق الرسمية. وإن كانت هذه التغيرات مفروضة بمبررات الاستقطاب، فإن آثارها السلبية لن تكون غائبة، بل مرشحة للتنامي، ما يُفقد النسيج الاجتماعي الكثير من خصوصيته.

والسؤال هنا:

هل على الدولة أن تتحمّل مسؤولية إعادة الإنتاج الاجتماعي؟

الإجابة المباشرة: نعم. ولكن عمليًّا، ليس الأمر يسيرًا، حتى في ظل وجود القوانين. فالأمر تحكمه اعتبارات سياسية واقتصادية وحقوقية واجتماعية.

لقد صار العالم قرية كونية، ولم يعد بالإمكان التحكم في الهوية كما في السابق.

تبقى المسؤولية الكبرى على الفرد، ومدى وعيه بأهمية التوازن في تعاطيه مع الآخر، سلوكًا ولباسًا وقناعات، ومقدار ما يأخذ من الآخر عند الضرورة، دون الانفصال عن واقعه. الأهم هو إحساس الفرد بمسؤوليته الاجتماعية والوطنية، حين يبلغ الأمر تهديدًا للهوية.

وقد أشار الكاتب جون إهرنبرغ في كتابه «المجتمع المدني - التاريخ النقدي للفكرة» إلى هذا المعنى قائلا: «فالدولة لا يمكن أن تأخذ على عاتقها مسؤولية إعادة الإنتاج الاجتماعي، والسياسة هي أكثر من كونها حريات مدنية وحقوقًا دستورية؛ والحرية أوسع من تحقيق الرغبات المادية؛ والحياة العامة لا يمكن أن تكون وسيلة لحماية المجتمع المدني، وضبطه، أو إعادة تنظيمه».

من هذا المعنى، يُستشف أن المسؤولية التاريخية في الحفاظ على الهوية تقع على أبناء المجتمع أنفسهم. فلا ينبغي أن يتيحوا، ولو قيد أنملة، المجال لمن يريد العبث بالمكتسبات الاجتماعية، تحت أي مبرر.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني

مقالات مشابهة

  • وزير الزراعة: التنمية الزراعية المستدامة ضرورة حتمية لضمان الأمن الغذائي العالمي
  • زوجة عصام صاصا تنفي شائعات انفصالهما بصور جديدة
  • مساجد زنجبار والقوة العُمانية الناعمة
  • جوزيف ناي.. مطلق الرصاصة الناعمة التي تقتل أيضا
  • تمارين شاقة.. الحضري يشارك جمهوره فيديو من الجيم
  • دعوات تطالب بدمج المهارات الرقمية في المناهج الدراسية وحماية الطفل من مخاطر الإنترنت 
  • محمد صلاح.. أتحدث مع سلوت أكثر وأشعر بالراحة أكثر معه في مسألة التواصل.. وهذا ما يقضي على تجارب المحترف المصري
  • المجلس الأعلى لامازيغ ليبيا ينفي صلته بالمجموعة التي التقت الدبيبة
  • يسألونك عن الفردانية .. هـل حاضـرنا فوضـوي؟
  • تعيين اللواء عبد القادر طحان معاوناً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، واللواء أحمد محمد لطوف معاوناً للشؤون الشرطية، والعميد زياد فواز العايش معاوناً للشؤون المدنية، والعميد عبد الحميد المنصور معاوناً للشؤون الإدارية والقانونية