يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه في خضم حرب داخلية موازية، لتتسع موجة الرفض لسياساته وعدوانه على قطاع غزة، والذي قاد لأكبر حرب إبادة.

وكان رئيس الأركان إيال زامير قد صدّق الخميس الماضي على قرار فصل قادة كبار ونحو ألف جندي احتياط من الخدمة، وذلك بعد توقيعهم على رسالة تدعو لإنهاء هذه الحرب.

وتحاول الجزيرة نت في التقرير التالي شرح الملابسات التي أدت إلى اتساع دائرة هذه الاحتجاجات: كيف بدأت؟ وما أبرز الجهات التي قادتها؟ وما تأثيرها على سير الحرب في غزة؟

وتقدر إسرائيل وجود 59 أسيرا محتجزا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في السجون الإسرائيلية أكثر من 9500 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا مما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

وكانت إسرائيل جندت نحو 360 ألفا من جنود الاحتياط للمشاركة في هذه الحرب منذ شنها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كيف بدأت في إسرائيل الاحتجاجات المناهضة للحرب؟

منذ "طوفان الأقصى" شهدت إسرائيل احتجاجات تطالب نتنياهو بإيقاف الحرب وإبرام صفقة مع المقاومة الفلسطينية لاستعادة الأسرى، ثم رفض إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، وشهدت الاحتجاجات أيضا اتخاذ مواقف رافضة للحرب على القطاع الفلسطيني يقودها عسكريون من مختلف وحدات الجيش.

إعلان

وكشف تقرير إسرائيلي أن الجيش يواجه أكبر أزمة رفض منذ عقود، إذ إن أكثر من 100 ألف إسرائيلي توقفوا عن أداء الخدمة الاحتياطية، ويرفض بعضهم الانضمام للحرب على قطاع غزة بدوافع "أخلاقية".

ورغم اختلاف الأسباب التي دعتهم لذلك، فإن حجم التراجع يُظهر تراجع شرعية الحرب على قطاع غزة.

من هم المحتجون؟

تتصاعد حملات توقيع جنود احتياط ومتقاعدين إسرائيليين على عرائض تطالب الحكومة بإعادة الأسرى من غزة، حتى على حساب وقف الحرب.

ووفق المجلة الإسرائيلية "972" فإن الغالبية العظمى من أولئك الذين يتحدون أوامر التجنيد "ممن يعرفون بالرافضين الرماديين" أي الأشخاص الذين ليست لديهم اعتراضات أيديولوجية حقيقية على الحرب ولكنهم أصبحوا بدلا من ذلك محبطين أو متعبين "أو سئموا من استمرار الحرب لفترة طويلة جدا".

وتحدثت عما سمته "أقلية ولكنها في تزايد" من المجندين الذين يرفضون الحرب في غزة على أساس أخلاقي.

وتتوالى منذ الخميس الماضي عرائض المطالبة باستعادة الأسرى ولو كان ثمن ذلك وقف الحرب، من عسكريين بالجيش الإسرائيلي يتنوعون بين قوات احتياط يمكن استدعاؤهم للخدمة وآخرين متقاعدين، وبينهم قيادات بارزة سابقة.

واستنادا إلى ما ذكره الإعلام الإسرائيلي، فإن من ضمن الموقّعين عسكريين في لواءي المظليين والمشاة، وآخرين من جهاز الاستخبارات العسكرية.

أرقام ووحدات

ووقّع أكثر من 1600 من قدامى الجنود في لواءي المظليين والمشاة رسالة تدعو إلى إعادة جميع الأسرى المحتجزين حتى لو كلّف ذلك وقف الحرب، كما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وقد انضم لهذه الاحتجاجات ضباط وجنود من وحدات جمع المعلومات الاستخباراتية التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" من بينهم جنود في الخدمة الفعلية، وضباط احتياط، إضافة إلى متقاعدين من الجيش.

كما انضم نحو ألفي أكاديمي من أعضاء هيئة التدريس إلى هذه الاحتجاجات، مؤكدين ضرورة التوصل إلى صفقة تفضي إلى الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين حتى لو تطلب ذلك وقف العمليات القتالية في غزة.

إعلان

ومن جهتها، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي -اليوم الاثنين- إن نحو 170 خريجا من برنامج "تلبيوت" التابع للاستخبارات العسكرية وقّعوا رسالة طالبوا فيها بإطلاق المحتجزين عبر إنهاء الحرب، دون دعوة لرفض الخدمة الاحتياطية.

وفي 11 أبريل/نيسان الجاري، وقّع نحو ألف من جنود الاحتياط والمتقاعدين في سلاح الجو الإسرائيلي رسالة تدعو إلى وقف الحرب لتحرير الأسرى بغزة، وتبعهم في خطوتهم 150 ضابطا سابقا بسلاح البحرية وعشرات العسكريين في سلاح المدرعات.

وفي 12 أبريل/نيسان، انضم إليهم نحو 100 طبيب عسكري من قوات الاحتياط الإسرائيلية ومئات من جنود الاحتياط بالوحدة 8200 الاستخبارية و2000 من أعضاء هيئات التدريس في مؤسسات التعليم العالي.

وذكرت مجلة "972" أن الأرقام المتداولة حول عدد جنود الاحتياط الذين يبدون استعدادهم للخدمة العسكرية غير دقيقة، مشيرة إلى أن النسبة الحقيقية أقرب إلى 60%، بينما تتحدث تقارير أخرى عن نسبة تحوم حول 50% فقط.

وتضيف قائلة "في ذروة هذه الاحتجاجات، في يوليو/تموز 2023، أعلن أكثر من ألف طيار وفرد من القوات الجوية أنهم سوف يتوقفون عن الحضور للخدمة ما لم تتوقف التعديلات القانونية، مما أدى إلى تحذيرات من كبار الضباط العسكريين ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) مفادها أن التعديلات القضائية تهدد الأمن الوطني".

تأثير هذه الاحتجاجات على سير الحرب؟

حذّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير الحكومة من أن نقص عدد الجنود قد يحدّ من القدرة على تحقيق طموحات القيادة السياسية ومخططاتها في غزة.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" -اليوم- إن زامير الذي تولى مؤخرا قيادة الجيش أبلغ نتنياهو وحكومته أن "الإستراتيجيات العسكرية وحدها لا يمكنها تحقيق جميع الأهداف في غزة، لا سيما في غياب مسار دبلوماسي مُكمل".

وأضافت "يعكس تحذير زامير فجوة متزايدة بين القدرة العملياتية للجيش والتطلعات السياسية الأوسع للحكومة، حيث يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته البرية المحدودة بموجب خطة مصغرة".

إعلان

وكان رئيس الأركان الإسرائيلي قد صدّق الخميس الماضي على قرار فصل قادة كبار ونحو ألف جندي احتياط من الخدمة، وذلك بعد توقيعهم على رسالة تدعو لإنهاء حرب غزة.

وأكد زامير أن توقيع هؤلاء الجنود على العريضة يُعتبر أمرا خطيرا، مشيرا إلى أنه لا يمكن للمجندين في القواعد العسكرية التوقيع على رسائل ضد الحرب ثم العودة إلى الخدمة.

وكان الجيش الإسرائيلي تحدث في الأشهر الماضية عن نقص في الجنود النظاميين بسبب عدم تجنيد اليهود المتدينين (الحريديم) وأيضا عزوف جنود من الاحتياط عن الخدمة لأسباب عديدة.

وكشف تحقيق لصحيفة "هآرتس" في مارس/آذار الماضي أنه مع تراجع الاستجابة لطلبات الخدمة الاحتياطية بالجيش الإسرائيلي، فإن بعض وحداته لجأت إلى إعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي لتجنيد أفراد.

خرق "الإجماع"

رغم أن المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية غالبا ما تُظهر تماسكا في فترات الحرب، فإن وجود أصوات معارضة من داخل منظومتها الأمنية والأكاديمية -حسب مراسلة الشؤون العسكرية لهيئة البث العامة كرميلا منشه- قد يحدث خلخلة في "الإجماع الوطني" ويضع ضغوطا متزايدة على القيادة السياسية.

ووفقا لمنشه، فإن قدرة هذه الاحتجاجات على التأثير المباشر في صنع القرار تتوقف على مدى تصاعدها وانتقالها إلى قطاعات أوسع تشمل الاحتياطيين في الجيش، وقيادات سابقة، ومجموعات ضغط سياسية. أما في حال تبني الحكومة خطوات حاسمة نحو وقف إطلاق النار أو التهدئة، فقد تتراجع وتيرة هذه الاحتجاجات تدريجيا.

وفي مقال تحليلي تحت عنوان "جاهزية للتصعيد وقلق من الاحتجاج" تناول يوسي يهوشع -المحلل العسكري بصحيفة يديعوت أحرونوت- تصاعد ظاهرة رفض الخدمة العسكرية داخل وحدات واسعة من الجيش الإسرائيلي، محذرا من تأثيرها المباشر على جاهزية الجيش إذا اندلع أي تصعيد مفاجئ.

إعلان

ويشير يهوشع إلى أن القيادة العسكرية تجد نفسها اليوم منشغلة بمعالجة أزمة الانضباط الداخلية، بدلا من تركيز أنظارها على التهديدات الخارجية.

ومن جهته، هدد قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومر بار بأنه لن يتسامح مع إضعاف الجيش خلال "خوضنا حربا تاريخية" معتبرا أن عرائض الاحتجاج تعبر عن انعدام الثقة وتضر بتماسك الجيش ولا مكان لها وقت الحرب.

أثر الاحتجاجات

سعى نتنياهو لوصف هذا التحرك بأنه "رفض" للخدمة بالجيش لكن الموقعين سارعوا لنفي ذلك، وحرصوا على التأكيد أن "هذه الحرب في هذا الوقت تخدم بالأساس مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية" في اتهام لنتنياهو بمحاولة إطالة أمد الحرب لأسباب شخصية.

وتنصل نتنياهو من الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، واستأنف حرب الإبادة على غزة منذ 18 مارس/آذار الماضي، مما أدى إلى استشهاد 1563 فلسطينيا على الأقل وإصابة أكثر من 4 آلاف، معظمهم أطفال ونساء ومسنون.

وفي السياق ذاته، حذرت قراءات وتقديرات المحللين ومراكز الأبحاث الإستراتيجية من تداعيات قرارات نتنياهو على مستقبل إسرائيل "كدولة يهودية ديمقراطية ذات مؤسسات تحكم بشكل هرمي".

ورجحت قراءات الباحثين الإسرائيليين أن التوازن المضطرب في العلاقات بين الساسة والعسكر سيخلف تداعيات على مستقبل الحروب وجولات القتال التي تخوضها إسرائيل و"تحديدا ضد الشعب الفلسطيني الذي يشكل الجبهة الأكثر سخونة في هذه المرحلة".

كما حذر الباحثون من التحولات الحاصلة على المستوى السياسي للهيمنة والسيطرة على الجيش، وتحييد تأثيره وإخضاعه لرغبات وتطلعات هذا المستوى الممثل بهذه المرحلة في نتنياهو ومعسكر "اليمين المتطرف وتيار الصهيونية الدينية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجیش الإسرائیلی هذه الاحتجاجات جنود الاحتیاط رسالة تدعو وقف الحرب أکثر من نحو ألف فی غزة

إقرأ أيضاً:

احتفالات الجيش الأمريكي تتحول إلى موجة احتجاجات ضد ترامب

وكالات

شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن، السبت، عرضًا عسكريًا ضخمًا وغير معتاد في إطار الاحتفال بالذكرى 250 لتأسيس الجيش الأميركي، وسط أجواء مشحونة سياسيًا واجتماعيًا تخللتها احتجاجات واسعة ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ففي وقت مبكر من اليوم نفسه، اغتيلت نائبة ديمقراطية في مجلس نواب ولاية مينيسوتا برصاص مسلح لا يزال طليقًا، فيما أُصيب نائب آخر خلال الحادث، ما أضاف أجواء توتر على المشهد العام.

وبالتزامن مع الاستعراض العسكري، نظّمت مجموعات معارضة لترامب نحو 2000 مظاهرة في مختلف أنحاء البلاد. وخرج مئات الآلاف من المتظاهرين في شوارع مدن كبرى مثل نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلوس، للتعبير عن رفضهم لسياسات الرئيس منذ عودته إلى الحكم في يناير، في واحدة من أوسع موجات التظاهر التي تشهدها البلاد في السنوات الأخيرة.

واصطفت الدبابات والعربات المدرعة على طول طريق “كونستتيوشن أفينيو”، بينما سار الجنود أمام آلاف المتفرجين، في مشهد نادر الحدوث داخل الولايات المتحدة، التي لا تُعرف بإقامة عروض عسكرية بهذا الحجم.

وقال ترامب في كلمته أمام الحشود بعد انتهاء العرض: “جميع الدول تحتفل بانتصاراتها، وقد آن الأوان لأن تحتفل أميركا أيضًا”.

وحضر الرئيس العرض من منصة زجاجية مضادة للرصاص، بينما احتشد معارضوه أيضًا في مواقع قريبة ورفعوا لافتات تعكس رفضهم لنهجه، ما دفع قوات الأمن إلى التدخل للفصل بين المتظاهرين ومؤيدي الرئيس.

وشارك في العرض أكثر من 7 آلاف جندي، بالإضافة إلى 150 مركبة عسكرية، شملت دبابات ومدرعات ومدافع، واستُعرض خلاله تاريخ الجيش الأميركي منذ نشأته في حرب الاستقلال وحتى يومنا هذا. وتوقف ترامب عدة مرات لتحية القوات المشاركة.

ورغم الزخم الذي رافق الحدث، أثارت التكاليف الضخمة للعرض موجة انتقادات، إذ قدّرت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية أن التكلفة الإجمالية تتراوح بين 25 إلى 45 مليون دولار، تشمل عمليات النقل والإقامة والإعاشة للقوات المشاركة.

ووصف منتقدون، بينهم سياسيون ومراقبون، العرض بأنه “استعراض استبدادي للقوة”، لا يليق بدولة ديمقراطية، ويأتي في وقت ينادي فيه ترامب بخفض الإنفاق الحكومي.

مقالات مشابهة

  • المواجهة العسكرية تدخل مرحلة اشتباك إستراتيجية| 3 سيناريوهات تنتظر المنطقة بعد الصراع الإيراني الإسرائيلي.. وخبير يعلق
  • مستعدون لتقديم المساعدة.. السوداني يؤكد للرئيس الإيراني حرص العراق على عدم اتساع نطاق الحرب
  • احتفالات الجيش الأمريكي تتحول إلى موجة احتجاجات ضد ترامب
  • القوات المسلحة تنظم زيارة للملحقين العسكريين المعتمدين لعدد من المنشآت العسكرية
  • صور.. تنظم زيارة للملحقين العسكريين إلى عدد من المنشآت العسكرية المصرية
  • القوات المسلحة تنظم زيارة للملحقين العسكريين المعتمدين لعدد من المنشآت العسكرية| صور
  • القوات المسلحة تنظم زيارة للملحقين العسكريين العرب والأجانب المعتمدين بمصر لعدد من المنشآت العسكرية
  • إيران تتهم أمريكا بدعم الهجوم الإسرائيلي وتحذر من اتساع نطاق الحرب
  • الصدر محذراً من اتساع الحرب بين إيران وإسرائيل: العراق ليس بحاجة لصراعات جديدة
  • باختصار.. نقاط سريعة تشرح لك ما حدث في إيران بالساعات الماضية