تمر علينا الذكري الثانية لهذه الحرب المدمرة التي اجتاحت بلادنا من أدناها الى أقصاها، وأنه من المؤسف
حقا ورغم كل ما لحق بالبلاد وشعبها من الموت والدمار والخراب، ما زال صوت البندقية هو الأعلى ولا
تزال أطراف الحرب تتوعدنا بالمزيد من القتل والدمار والاجهاز على ما تبقى من حطام الوطن.
إنه لمن دواعي الأسف أيضا أن قوى نظام الإنقاذ البائد، الذي أسقطه شعبنا العظيم في ثورة ديسمبر المجيدة،
لا تزال تؤجج نار الحرب ولا يهمها إلا ما يعيدهم إلى كراسي السلطة ويحافظ على ما نهبوه من موارد الشعب
السوداني.


كما أن الانتشار الواسع للممارسات الداعشية مؤخرا، تعيدنا لذات الممارسات والارتباطات التي
كانت قد أدرجت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب طوال عمر النظام المباد، وتهدد اليوم بتحويل
السودان إلى أرض خصبة لجماعات التطرف والإرهاب الدولي.
ومن المقلق للغاية أن نهج النظام السابق في زعزعة الاستقرار في دول الجوار والدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي والذي قد قاد لعزلة البلاد ثلاثين عاما، أخذت تطل برأسها من جديد. ولعل التهديدات العسكرية الصادرة مؤخراً ضد تشاد وجنوب السودان وكينيا ودول الإقليم والدعوة المرفوعة ضد دولة الامارات في محكمة العدل الدولية مؤشرات خطيرة في ذات الاتجاه.
إننا نثمن ونقدر عاليا تحمل دول الجوار ودول الإقليم عبء استضافة الملايين من أبناء الوطن الذين شردتهم
الحرب كما نقدر مساهمة هذه الدول مع المجتمع الدولي في العديد من المبادرات الرامية لوقف الحرب.
وعوضا عن البحث عن كبش فداء علينا التحلي بشجاعة الاعتراف بأن هذه الحرب أشعلتها أيدى سودانية
وعلى عاتق السودانيين وحدهم تقع مسئولية وقفها فوراً.
لست بحاجة إلى تكرار الحديث إليكم عن الآثار المدمرة لهذه الحرب وما تعانونه من ويلات أكبر كارثة
إنسانية في العالم اليوم، فمعاناتكم ماثلة أمام كل ضمير حي وكل من في قلبه ذرة من إنسانية.
وأود أن أحي هنا كل المبادرات الوطنية في مواجهة الكارثة الإنسانية والتي تقودها بشجاعة نادرة غرف الطوارئ والتكايا والطرق الصوفية.
كما أعرب عن التقدير العميق لكل الدول والمنظمات الإقليمية والدولية التي لم تبخل على الشعب السوداني أمام محنته الإنسانية. وفي هذا السياق أرحب بمبادرة المملكة المتحدة بعقد الاجتماع الوزاري بلندن اليوم حول الأزمة السودانية وأدعو الدول المشاركة فيه للخروج بقرارات عملية تساهم في وضع نهاية لمعاناة السودانيين بما في ذلك تدابير عاجلة لحماية المدنيين.

أخبار ذات صلة بيان دولة الإمارات بشأن مرور سنتين على اندلاع الصراع في السودان «الإخوان».. أدوار مشبوهة لتأجيج الحرب في السودان المصدر: الاتحاد - أبوظبي

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: عبدالله حمدوك السودان

إقرأ أيضاً:

مَن يُوقِف هولوكوست غزة ؟

لا أظن أن هناك إنسانًا سويًّا بقادر على متابعة المشاهد المروعة لهولوكوست أو محرقة غزة التي تعرضها يوميًّا شاشات التلفاز ومواقع شبكة المعلومات، وهي محرقة بالفعل قد استُخدِمت فيها القنابل التي تذيب أجساد البشر وتقطِّعهم أشلاء، وتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، بل تحرق خيامهم التي يلوذون بها في العراء.

ولقد بات من الواضح الآن لكل ذي فطنة أن الكيان الإسرائيلي لا يستهدف في المقام الأول احتلال غزة والقضاء على المقاومة، بل يستهدف إبادة الشعب الفلسطيني نفسه، وخلق بيئة طاردة تستعصي العيش فيها (بما يخدم مخطط تهجير هذا الشعب)؛ وهو ما يتبدى من خلال تجويع مَن لاذ منهم بالفرار من المحرقة، ومن خلال القتل المتعمد للأطفال في نوع من الإصرار على وأد النسل.

ومن الحوادث المروعة التي جرت مؤخرًا، تلك المأساة التي تفوق الخيال والتي تجسدت في حالة الطبيبة آلاء النجار حينما استقبلت جثامين أطفالها التسعة في أثناء عملها بالمستشفى، بعد قصف منزلها الذي يؤوي هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يمثل كل منهم نبتة جميلة يانعة في بيئة قاسية لا حياة فيها، حتى إن المستوطنين فيها من الصهاينة يحرقون أشجار الزيتون؛ فلم يتركوا الحجر ولا الشجر، فما بالك بحرق البشر.

ولنا أن نتخيل وقع هذه المأساة على الأم المكلومة التي تلقت الفاجعة بروح الصبر والإيمان، مثلما كان موقف الأب وموقف الجد الذي واسى ابنته الطبية بكلمات بليغة وبروح إيمانية عميقة تكشف عن ثقافة دينية قد ربى ابنته عليها، وكل هذا يكشف في النهاية عن أن شعب فلسطين يموت يوميًّا رجاله ونساؤه وأطفاله، ولكنه سيبقى غير قابل للإبادة.

ومن المدهش حقًّا أن هذا كله لم يحرك ملياري مسلم حول العالم إلا قليلًا؛ فباستثناء تظاهرات بعض الشعوب العربية والإسلامية هنا وهناك، لم تحدث انتفاضات كبرى في العالم الإسلامي لنصرة هذا الشعب الذي يتعرض لمحاولات الإبادة، كما أن الدول التي تمتلك أوراق ضغط على الكيان الإسرائيلي تبدو عاجزة- لأسباب أو لحسابات سياسية مختلفة- عن اتخاذ مواقف صارمة إزاء هذا الكيان، وهو أضعف الإيمان.

ويبدو أن تكرار المشاهد المروعة يوميًّا قد أصاب أكثر الناس بحالة من التبلد في الشعور، بل إن الناس الذين لديهم حمية الشعور في بعض الدول لا يُسمح لهم حتى بالتعبير عن نصرتهم للشعب الفلسطيني. إضافة إلى ذلك، فإن هناك رأيًّا شائعًا لدى كثير من الناس مفاده أن كل هذه الأحداث المروعة قد جرت بسبب أحداث السابع من أكتوبر؛ وبالتالي فإن المقاومة الفلسطينية هي المسؤولة عما جرى ويجري للشعب الفلسطيني! ولكن هذا الرأي- الذي يردده الكثير من السياسيين والإعلاميين وغيرهم- غافل أو يتغافل أحيانًا عن أن كل ما جرى بعد أحداث السابع من أكتوبر هو ما جعل حقوق شعب فلسطين معروفة وقضيتهم مسموعة عبر العالم كله، بعد أن كانت طي الكتمان، ويتم تداولها بين حين وآخر في اجتماعات الساسة.

ولو أن ما حدث لم يحدث، فإنه كان لا بد من أن يحدث يومًا ما؛ لأن شعب فلسطين الأبي الحر لا يمكن أن يعيش عبدًا في كنف كيان محتل يستهدف منذ نشأته سلب أرض هذا الشعب واقتلاع جذوره. ولذلك فإن ذيوع قضية هذا الشعب على المستوى الإعلامي والشعبي قد أدى إلى تغير في موقف الغرب الذي طالما كان نصيرًا ومؤيدًا للكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني. بل إن هذا التغير قد امتد حتى إلى المواقف السياسية سواء على مستوى سياسات كثير من الدول أو على مستوى كثير من الساسة والمشاهير.

حقًّا إن التغير في السياسات الغربية إزاء إسرائيل يبدو مائعًا غير صارم أو يحدث على استحياء (باستثناء بعض المواقف الرسمية الواضحة لدى حكومات من قبيل: إسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا، التي تطالب بالاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة)؛ ولكن مواقف السياسيين والمشاهير المضادة لإسرائيل أكثر صرامة وصراحة.

ومن الإنصاف القول بأن بعض اليهود الذين يعيشون في الغرب يدينون بقوة المحرقة الإسرائيلية، حتى إننا قد رأينا مؤخرًا نائبة يهودية في الكونجرس تطارد وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير وهي تصرخ في وجهه بصوت عالٍ قائلة: أنت مجرم حرب، وديانتي اليهودية تعتبرك كذلك! ورغم ذلك كله، فلا تزال الحكومة العدوانية بزعامة نتنياهو تمارس الإرهاب والإبادة ضد شعب فلسطين، وهي ترفض وقف العدوان على غزة بشكل دائم، وإنما من خلال هدنة مؤقتة يتم فيها تبادل الأسرى، على تستأنف العدوان بعد ذلك: منتهى التعطش للقتل والدماء!!

السؤال الآن: هل التغير الذي جرى في مواقف الدول والشعوب في الغرب بقادر على إنهاء المحرقة بشكل دائم، والانتهاء إلى حل الدولتين؟ قد يؤدي ذلك إلى وقف المحرقة، ولكن الانتهاء إلى حل الدولتين أمر آخر؛ لأنه يقتضي تحولًا استراتيجيًّا في موقف الولايات المتحدة الأمريكية من إسرائيل، وهو أمر لا يمكن تصور حدوثه إلا إذا حدث تحول جذري راديكالي في مواقف الدول العربية في مواجهة إسرائيل، وعلى رأسها الدول التي تمتلك أوراق عديدة للضغط السياسي.

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي إلى وقف حرب الإبادة في غزة
  • الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بوقف العدوان على فلسطين
  • مَن يُوقِف هولوكوست غزة ؟
  • السودان.. فرار 4 ملايين لاجئ والضغط يتصاعد على الدول المجاورة
  • "الوطنية للتمويل" تتعاون مع "دار العطاء" لدعم الأسر المتعففة في عيد الأضحى
  • في إدلب.. وزير الثقافة يطلع على مبادرات ثقافية بمخيم للنازحين بمعرة مصرين ومواقع أثرية بمعرة النعمان
  • «تنمية المجتمع» تطلق «أثر» لتمكين المبادرات الاجتماعية في أبوظبي
  • مفتي الهند يطالب بتكثيف الضغط الدولي لإنهاء الحرب في غزة
  • الشعب السوداني يشكر جماهير الاتحاد على تكريم “العم كمال الدولي” في تيفو مؤثر.. فيديو
  • سلمى عبد الجبار عقب أداء القسم: أول ما سنبدأ به هو رفع المعاناة عن الشعب السوداني – فيديو