سودانايل:
2025-06-03@12:34:05 GMT

سنوات في صحبة الفريق طيار الفاتح عروة !

تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT

بقلم: بابكر الجنيد

شط بنا النوي باكرا وراء بحر الظلمات ونحن في شرخ الشباب إلي المدينة الصاخبة التي كانت قبل الطيران مدخلا للولايات المتحدة لاستقبال طلاب الحرية الهاربين من عسف كل أنواع التطرف السياسي والديني والعرقي في أوروبا أولا ثم في العالم الفسيح .أما أنا فقد جئتها مأمورا للإشراف علي حسابات بعثة السودان الدبلوماسية لدي الأمم المتحدة ، نعم جئت إلي نيويورك والتي وجدتها تموج بالحياة والحيوية ليل نهار وقد سبقني إليها لفيف من السفراء والدبلوماسيين، محاسبين وإداريين وغيرهم.

وبين السفراء منذ أول سفير يعقوب عثمان والذي خلفه عمر إبراهيم عديل مشاهير تبأوا مناصب رفيعة في الحكومات السودانية مثل السفير عبدالرحمن عبدالله، والدكتور منصور خالد والسفير أحمد سليمان محمد ونائب الرئيس جوزيف لاغو والفريق ووزير الدولة الفاتح محمد أحمد عروة رحمهم الله جميعا. وهذه السطور الباقية مخصصة لعلاقتي بالفريق السفير الفاتح عروة الذي عملت معه لتسع سنوات، وتلك أطول مدة لسفير عمل مندوبا دائماً للسودان لدي الأمم المتحدة في مدينة نيويورك.

* جاء الفريق طيار الفاتح أول ما جاء والعلاقات بين البلد المضيف لمقر الأمم المتحدة وهي الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقاتها شديدة التوتر مع حكومة السودان واتهاماتها للسودان لا تكاد تتوقف خلفا للمرحوم السفير أحمد سليمان محمد الذي نقل ليصبح سفيرا للسودان في واشنطن ولم يكن راضيا بذلكً قال لي وهو يغادر ( علي الطلاق .. علي الطلاق .. ما حيجيكم سفير أحسن مني!). وبعد أن جاء الفاتح عروة خلفا له اتصل بي مجددا قائلا ( يا بابكر تذكر قلت ليك ما حيجيكم سفير أحسن مني؟ قلت له اذكر ذلك؟) قال لي ( علي الطلاق .. علي الطلاق ..اللي جاييكم دا ود أصول ود أصول! )يعني الفاتح عروة ولم تكن لي سابق صلة او سابق معرفة به . ولما كان التوتر سيد الموقف في علاقات السودان بأمريكا والاتهامات علي السودان تتري من قبلها فقد سبقت الفاتح فرية راجت بأنه وهو طيار عسكري قد قصف مدينة جوبا وأن أبرياء، نساء وأطفالا قد أزهقت أرواحهم جراء ذلك القصف فتنادي معارضون إلي مقر البعثة وهم يهتفون منددين بقدومه ويحملون لافتات من القماش كتب عليها (لا مرحبا بقاتل الأطفال! ) فنزل إليهم دون خوف أو وجل وقال لهم بثقة وقوة
* (أنا جنرال لا أقتل الأطفال بل احمي الاعراض والذمار )وما لبث أن شرع في معاملتهم بالرفق واللين والحسني وكان يزورهم في بيوتهمً حتي أقتحم قلوبهم فأحبوه وانقطعت التظاهرات عن البعثة بعد ذلك.
* وأشهد والله خير الشاهدين وقد مضي الرجل إلي ربه بأنه كان عف اليد في المال العام وفي المال الخاص الذي يخصص للسفراء للإنفاق علي ما لا يجوز أن يسجل علي الدفاتر العامة والذي يدونه السفير إبراء لذمته أمام الله ويطلع عليه مسؤولا في الرئاسة عند انتهاء مدته. حتي هذا الخاص رفض قبوله نقداً وأصر علي وضعه في حساب بالبنك بمعرفتي ومعرفة نائبه واذكر مرة أن عقد مجلس الامن الدولي جلسة في نيروبي فطلب مني تزويده بستة آلاف دولار للفندق والإقامة. ولما عاد سلمنيها كاملة غير منقوصة قائلا لقد تكفلوا بكل شئ في نيروبي.
* كان إنسانا بحق فقد كان رفيقا بعمنا عبدالله كوكو العامل الذي قضي نحو أربعين عاما في خدمة البعثة فكان عندما يتساقط الجليد يطلب من نجليه مجتبي ومصطفي تنظيف الجليد وأن لا يتركا ذلك لعبد الله رأفة بسنه وقد حكي لي عمنا عبدالله نفسه مرة بأن ابني الفاتح كانا خارج المدينة عند تساقط الجليد، قال لي لما تأهب لازالته وجد السفير الفاتح بنفسه نزل لتنظيفه. وعند وداعه لطاقم البعثة خص العم عبدالله كوكو بالشكر وقال كنت ائتمنه علي أسرتي وبيتي وكان أهلا لذلك وأجهش بالبكاء. وكان يعامل كل الطاقم بالاحترام هاشا باشا مداعباً. فأحبوه لذلك كان عندما يناديهم ليلا للقدوم للبعثة ليطلعوه علي مادار في لجان الأمم المتحدة في شأن السودان كانوا يهرولون إليه بكل الرضا وتلك دلالة علي تفانيه وحرصه علي الإتقان كان أحيانا يفعل ذلك كل ليلة ينصح ويأمر ويوجه بلا كلل. وكان لا يقبل طعنا في أي واحد منهم ويصر في تناول قضاياهم مع رئاسة الوزارة في الخرطوم أنه الأقدر علي تقييم أدائهم حتي لا يضاموا ولا تنتقص حقوقهم في النقل والترقيات وإذا أخطأ أحدهم كان يخطر رئاسة الوزارة بأنه يتحمل مسؤولية ذلك الخطأ.
* وكان السفير الفاتح ذو رؤية مستقبلية ثاقبة ، أذكر أنه التقي بعضو مجلس الشيوخ وقتها باراك أوباما فأعجب به وتنبأ بأن يصبح الرجل في مقبل الأيام بأن يصبح أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية أو علي الأقل نائبا للرئيس! وبالفعل بعد عامين فقط اعتلي أوباما المنصب الرفيع الأول رئيسا للولايات المتحدة .
* وعندما غادر قام أفراد الجالية لا السفارة بإقامة حفل لوداعه وفيهم دبلوماسيون معارضون فصلوا من الخدمة وتباروا في مدحه والثناء الحسن عليه وبكت احداهن بحرارة وهي تذكر محاسن تعامله مع الجميع. ولعليّ اذكر طرفة له مع أحد من كان دائم التظاهر في الأيام الاولي والذي جاءه معتذرا قال كنا نتظاهر ضد الحكومة علي اعتبار أن الصور تذهب لدائرة الهجرة الامريكية فتسهل عملية حصولنا علي اللجؤ السياسي لكنها لم تجد نفعاً!
* وكان الفاتح في بيته أباً بحق فقد ربي أبناءه وبناته علي الخلق القويم والدين والتواضع فكان صديقاً لهم يحاورهم ويسمح لهم بمحاورته بالحرية التامة وهم اليوم بحمد الله زينة الشباب يحق له أن يفاخر بهم.وكانت حرمه المصون في حفلات السفارة تشارك النساء الخدمة طوال الليل لا تخص نفسها بغير المشاركة بنفسها في صنع الطعام فلله دره فقد كان يقول لي إني حريص علي اسم أبي وعائلته فهنيئا له فقد ترك وراءه عائلة حقيق ان يفاخر بها وصان اسم أبيه واسم الأسرة وتركه نقياً لا تشوبه حطة ولا درن.
* وعندما أصبح مندوبا للسودان في شركة زين للاتصالات ولج بها عالم الأعمال الخيرية والثقافيةً ورعاية المبدعين وكانت جائزة الطيب صالح السنوية لأفضل ابداعات الشباب والشابات في النثر والشعرعملا عظيما شرف السودان كله في المنطقة العربية.
* بموته فقدت البلاد رجلا عظيما خدمها بإخلاص ورجولة وتفان.
* إني والله علي فراقه لمفجوع ومحزون فقد خبرته لتسع سنين في سروره وغضبه فكان منصفا لا يحمله الغضب علي الجور والتعسف.
* أسأل الله بأسمائه الحسني وصفاته العلي أن يرحم الفاتح محمد أحمد عروة وأن يجعل معاناته القاسية مع المرض كفارة لذنوبه وأن يجزيه الفردوس الأعلي مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
* (إنا لله وإنا إليه راجعون) صدق الله العظيم
* بابكر الجنيد
* المحاسب الأسبق لدي بعثة السودان الدائمة بنيويورك.

abuasim.khidir@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأمم المتحدة الفاتح عروة علی الطلاق

إقرأ أيضاً:

بايدن أم روبوت | من الذي حكم الولايات المتحدة لأربع سنوات قبل ترامب؟.. نخبرك القصة

شارك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي، منشورا يروج لأحد نظريات المؤامرة الشائعة والتي تصل إلى حد الخيال العلمي.

ماذا نشر الرئيس؟

شارك ترامب منشورا لأحد الحسابات على منصته الخاصة، يقول فيه إن الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، مات منذ سنين، وتم استبداله بنسخة روبوتية بلا روح.

ما اللافت في الأمر؟

إن كان ترامب يصدق ما ورد في المنشور، كونه لم يعلق ساخرا أو نافيا، فهذا يعني أن ترامب ومؤيديه يؤمنون أن الذي حكم البلاد في السنوات الأربع الماضية لم يكن جو بايدن، علاوة على أنه ربما ليس إنسانا.

المرة الأولى؟

لجأ ترامب في كثير من الأحيان إلى مشاركة المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة غير المثبتة على مر السنين. 

وأبرز المعلومات المضللة هو ادعاء فوزه في انتخابات 2020 واستمرار الحراك المناهض لفوز بايدن الذي أدى إلى اقتحام مبنى الكابيتول في 2021 لمحاولة إلغاء فوز الأخير.

وقبل ذلك، زعم ترامب أن الرئيس السابق باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يتراجع عن ذلك لاحقا.

وخلال حملته الانتخابية الأخيرة، زعم أن المهاجرين الهايتيين يأكلون الحيوانات الأليفة في الولايات المتحدة.



كما نشرت الدائرة المقربة من ترامب الكثير من النظريات المغلوطة، لا سيما بخصوص اللقاحات، والدولة العميقة، وحالات التوحد في البلاد وأن سببها هو لقاح الحصبة.

ووجد تحليل أجرته صحيفة نيويورك تايمز لآلاف منشورات ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي على مدى ستة أشهر في عام 2024 أن ما لا يقل عن 330 منها كانت عن مؤامرات سرية ضد ترامب والشعب الأمريكي منها محاولة اغتياله، وأخرى عن أن هناك من دبر أعمال اقتحام الكابيتول لإلصاقها به.

ولا يؤمن ترامب بالتغيرات المناخية، أو الاحتباس الحراري، وانسحب من اتفاقية باريس للمناخ.

كما يصدق ترامب ما يقال عن مؤامرة "إبادة البيض" في جنوب أفريقيا.

مؤخرا

أبدى ترامب حزنه وتعاطفه مع سلفه بايدن، بعد الإعلان عن إصابته بسرطان البروستاتا.

وقال ترامب، على منصته الخاصة، إنّه وزوجته ميلانيا يشعران بالحزن لسماع أخبار التشخيص الطبي لبايدن، ويتمنيان له الشفاء العاجل، ولعائلته كل الخير.

الصورة الأوسع

طالما سخر ترامب من بايدن، وشكك دوما في قدراته العقلية، وقال في أحد المناسبات أنه "يصافح الهواء ويتجول على غير هدى"، وذلك تعليقا على مقاطع مصورة من لقاءات وفعاليات ظهر فيها بايدن بحالة سيئة.

وسخر ترامب غير مرة من قدراته الجسدية مؤكدا في أحد المرات أنه "لا يستطيع النزول من على المنصة"، ووصفه في أحد المرات بـ"جو النعسان".

كما سخر منه خلال أحد الأعياد، قائلا إن الأرنب في عيد الفصح أرشد بايدن إلى الطريق، بينما لا يستطيع أن يفعل أي أرنب هذا معي.



وفي تموز/ يوليو 2024، أعلن بايدن انسحابه من السباق الرئاسي لعام 2024 أمام ترامب، بعد أسابيع على الشكوك التي أحاطت بصحته الجسدية والذهنية، ودعم ترشيح نائبته كامالا هاريس.

وجاء انسحاب بايدن بعد أداء كارثي خلال مناظرة رئاسية أمام ترامب، سلطت الضوء على قدرته في قيادة البلاد لولاية ثانية.

مقالات مشابهة

  • السودان: هجوم على قافلة أممية في دارفور وسط تحذيرات من "أسوأ كارثة إنسانية في العالم"
  • الأمم المتحدة: 4 ملايين شخص فروا من السودان منذ أبريل 2023
  • بايدن أم روبوت | من الذي حكم الولايات المتحدة لأربع سنوات قبل ترامب؟.. نخبرك القصة
  • وزيرة البيئة: عاصفة الإسكندرية تندرج تحت مسمى التكيف.. وكان معلوم إنه جاي
  • السفير الأمريكي يهاجم فرنسا : لينشئوا دولة فلسطينية بالريفييرا
  • قصف روسي عنيف على أوكرانيا بطائرات بدون طيار
  • حماس تدين باشد العبارات تصريحات السفير الأمريكي
  • السلطان والسفاح.. كيف واجه العثمانيون وحشية دراكولا الحقيقي؟
  • رغم التحديات .. آلاف السودانيين يشدون الرحال إلى بيت الله الحرام
  • ناشطة مصرية: أول زيارة لي كانت إلى جنوب السودان أثناء الأزمة قبل 10 سنوات