سنوات في صحبة الفريق طيار الفاتح عروة !
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
بقلم: بابكر الجنيد
شط بنا النوي باكرا وراء بحر الظلمات ونحن في شرخ الشباب إلي المدينة الصاخبة التي كانت قبل الطيران مدخلا للولايات المتحدة لاستقبال طلاب الحرية الهاربين من عسف كل أنواع التطرف السياسي والديني والعرقي في أوروبا أولا ثم في العالم الفسيح .أما أنا فقد جئتها مأمورا للإشراف علي حسابات بعثة السودان الدبلوماسية لدي الأمم المتحدة ، نعم جئت إلي نيويورك والتي وجدتها تموج بالحياة والحيوية ليل نهار وقد سبقني إليها لفيف من السفراء والدبلوماسيين، محاسبين وإداريين وغيرهم.
* جاء الفريق طيار الفاتح أول ما جاء والعلاقات بين البلد المضيف لمقر الأمم المتحدة وهي الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقاتها شديدة التوتر مع حكومة السودان واتهاماتها للسودان لا تكاد تتوقف خلفا للمرحوم السفير أحمد سليمان محمد الذي نقل ليصبح سفيرا للسودان في واشنطن ولم يكن راضيا بذلكً قال لي وهو يغادر ( علي الطلاق .. علي الطلاق .. ما حيجيكم سفير أحسن مني!). وبعد أن جاء الفاتح عروة خلفا له اتصل بي مجددا قائلا ( يا بابكر تذكر قلت ليك ما حيجيكم سفير أحسن مني؟ قلت له اذكر ذلك؟) قال لي ( علي الطلاق .. علي الطلاق ..اللي جاييكم دا ود أصول ود أصول! )يعني الفاتح عروة ولم تكن لي سابق صلة او سابق معرفة به . ولما كان التوتر سيد الموقف في علاقات السودان بأمريكا والاتهامات علي السودان تتري من قبلها فقد سبقت الفاتح فرية راجت بأنه وهو طيار عسكري قد قصف مدينة جوبا وأن أبرياء، نساء وأطفالا قد أزهقت أرواحهم جراء ذلك القصف فتنادي معارضون إلي مقر البعثة وهم يهتفون منددين بقدومه ويحملون لافتات من القماش كتب عليها (لا مرحبا بقاتل الأطفال! ) فنزل إليهم دون خوف أو وجل وقال لهم بثقة وقوة
* (أنا جنرال لا أقتل الأطفال بل احمي الاعراض والذمار )وما لبث أن شرع في معاملتهم بالرفق واللين والحسني وكان يزورهم في بيوتهمً حتي أقتحم قلوبهم فأحبوه وانقطعت التظاهرات عن البعثة بعد ذلك.
* وأشهد والله خير الشاهدين وقد مضي الرجل إلي ربه بأنه كان عف اليد في المال العام وفي المال الخاص الذي يخصص للسفراء للإنفاق علي ما لا يجوز أن يسجل علي الدفاتر العامة والذي يدونه السفير إبراء لذمته أمام الله ويطلع عليه مسؤولا في الرئاسة عند انتهاء مدته. حتي هذا الخاص رفض قبوله نقداً وأصر علي وضعه في حساب بالبنك بمعرفتي ومعرفة نائبه واذكر مرة أن عقد مجلس الامن الدولي جلسة في نيروبي فطلب مني تزويده بستة آلاف دولار للفندق والإقامة. ولما عاد سلمنيها كاملة غير منقوصة قائلا لقد تكفلوا بكل شئ في نيروبي.
* كان إنسانا بحق فقد كان رفيقا بعمنا عبدالله كوكو العامل الذي قضي نحو أربعين عاما في خدمة البعثة فكان عندما يتساقط الجليد يطلب من نجليه مجتبي ومصطفي تنظيف الجليد وأن لا يتركا ذلك لعبد الله رأفة بسنه وقد حكي لي عمنا عبدالله نفسه مرة بأن ابني الفاتح كانا خارج المدينة عند تساقط الجليد، قال لي لما تأهب لازالته وجد السفير الفاتح بنفسه نزل لتنظيفه. وعند وداعه لطاقم البعثة خص العم عبدالله كوكو بالشكر وقال كنت ائتمنه علي أسرتي وبيتي وكان أهلا لذلك وأجهش بالبكاء. وكان يعامل كل الطاقم بالاحترام هاشا باشا مداعباً. فأحبوه لذلك كان عندما يناديهم ليلا للقدوم للبعثة ليطلعوه علي مادار في لجان الأمم المتحدة في شأن السودان كانوا يهرولون إليه بكل الرضا وتلك دلالة علي تفانيه وحرصه علي الإتقان كان أحيانا يفعل ذلك كل ليلة ينصح ويأمر ويوجه بلا كلل. وكان لا يقبل طعنا في أي واحد منهم ويصر في تناول قضاياهم مع رئاسة الوزارة في الخرطوم أنه الأقدر علي تقييم أدائهم حتي لا يضاموا ولا تنتقص حقوقهم في النقل والترقيات وإذا أخطأ أحدهم كان يخطر رئاسة الوزارة بأنه يتحمل مسؤولية ذلك الخطأ.
* وكان السفير الفاتح ذو رؤية مستقبلية ثاقبة ، أذكر أنه التقي بعضو مجلس الشيوخ وقتها باراك أوباما فأعجب به وتنبأ بأن يصبح الرجل في مقبل الأيام بأن يصبح أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية أو علي الأقل نائبا للرئيس! وبالفعل بعد عامين فقط اعتلي أوباما المنصب الرفيع الأول رئيسا للولايات المتحدة .
* وعندما غادر قام أفراد الجالية لا السفارة بإقامة حفل لوداعه وفيهم دبلوماسيون معارضون فصلوا من الخدمة وتباروا في مدحه والثناء الحسن عليه وبكت احداهن بحرارة وهي تذكر محاسن تعامله مع الجميع. ولعليّ اذكر طرفة له مع أحد من كان دائم التظاهر في الأيام الاولي والذي جاءه معتذرا قال كنا نتظاهر ضد الحكومة علي اعتبار أن الصور تذهب لدائرة الهجرة الامريكية فتسهل عملية حصولنا علي اللجؤ السياسي لكنها لم تجد نفعاً!
* وكان الفاتح في بيته أباً بحق فقد ربي أبناءه وبناته علي الخلق القويم والدين والتواضع فكان صديقاً لهم يحاورهم ويسمح لهم بمحاورته بالحرية التامة وهم اليوم بحمد الله زينة الشباب يحق له أن يفاخر بهم.وكانت حرمه المصون في حفلات السفارة تشارك النساء الخدمة طوال الليل لا تخص نفسها بغير المشاركة بنفسها في صنع الطعام فلله دره فقد كان يقول لي إني حريص علي اسم أبي وعائلته فهنيئا له فقد ترك وراءه عائلة حقيق ان يفاخر بها وصان اسم أبيه واسم الأسرة وتركه نقياً لا تشوبه حطة ولا درن.
* وعندما أصبح مندوبا للسودان في شركة زين للاتصالات ولج بها عالم الأعمال الخيرية والثقافيةً ورعاية المبدعين وكانت جائزة الطيب صالح السنوية لأفضل ابداعات الشباب والشابات في النثر والشعرعملا عظيما شرف السودان كله في المنطقة العربية.
* بموته فقدت البلاد رجلا عظيما خدمها بإخلاص ورجولة وتفان.
* إني والله علي فراقه لمفجوع ومحزون فقد خبرته لتسع سنين في سروره وغضبه فكان منصفا لا يحمله الغضب علي الجور والتعسف.
* أسأل الله بأسمائه الحسني وصفاته العلي أن يرحم الفاتح محمد أحمد عروة وأن يجعل معاناته القاسية مع المرض كفارة لذنوبه وأن يجزيه الفردوس الأعلي مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
* (إنا لله وإنا إليه راجعون) صدق الله العظيم
* بابكر الجنيد
* المحاسب الأسبق لدي بعثة السودان الدائمة بنيويورك.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الفاتح عروة علی الطلاق
إقرأ أيضاً:
سباق على الموت.. عبدالله محمد بطل مصر للتجديف رحل مع حلمه بسبب تريلا
أسدلت محكمة مستأنف جنح القاهرة الجديدة الستار على قضية وفاة لاعب منتخب مصر للتجديف عبدالله محمد، حيث قضت برفض استئناف سائق النقل الثقيل "تريلا"، وأيدت الحكم الصادر بسجنه 5 سنوات، بعد إدانته بالتسبب في الحادث المأساوي الذي أودى بحياة اللاعب وأصاب زميله وفي تلك السطور نرصد لكم القصة الكاملة :
وفاة بطل مصر عبد الله محمد صبحي
توفي بطل مصر ولاعب نادي الكهرباء السابق للتجديف عبد الله محمد صبحي يوم 15 مايو 2025، إثر حادث مروع نتيجة سباق بين مقطورتين على الطريق السريع بمنطقة التجمع الخامس وفر سائق المقطورة هاربًا من مصيره
الأجهزة الأمنية
ورد مديرية أمن القاهرة بلاغا يشير إلى وقوع حادث تصادم بين مقطورتين في شارع التسعين بالتجمع ما تسبب في وفاة شخص وهو ما دفع الأجهزة الأمنية للانتقال إلى محل الحادث لمعرفة تفاصيل الحادث والكشف عن الملابسات وكانت مرفقة بسيارة إسعاف لنقل جثة المتوفي
بدأت التحريات الأولية وخلال الفحص تبين أن المتوفي إثر حادث التصادم هو عبد الله محمد صبحي بطل مصر وإفريقيا وتم نقل جثمانه إلى مشرحة أقرب مستشفى.
الاتحاد المصري ينعي البطل
نعى الاتحاد المصري للتجديف اللاعب عبد الله محمد صبحي في بيان له عبر صفحاته الرسمية : بقلوب يعتصرها الحزن والأسى، ينعي الاتحاد المصري للتجديف برئاسة اللواء شريف القماطي، وجميع أعضاء مجلس الإدارة الفقيد الغالي الكابتن عبد الله محمد صبحي بطل مصر في التجديف، واللاعب السابق بنادي الكهرباء للتجديف، والذي وافته المنية بالأمس إثر حادث أليم (رحمه الله)
حبس 5 سنوات لسائق التريلا المتسبب في وفاة لاعب منتخب مصر للتجديفوكانت محكمة جنح القاهرة الجديدة قد أصدرت حكمًا سابقًا بمعاقبة السائق "م. خ" بالسجن 5 سنوات، كما قضت بحبس مالك السيارة 3 سنوات، على خلفية إهماله في صيانة المركبة وتمكين السائق من قيادتها بشكل يخالف شروط الأمان.
وتعود الواقعة إلى حادث تصادم مأساوي أسفر عن وفاة عبد الله محمد لاعب منتخب مصر للتجديف، وإصابة لاعب آخر، ما أثار حالة من الحزن الشديد في الأوساط الرياضية.