تقرير خاص سودانايل: قد لا يوجد تأثير مباشر للفيضانات والجفاف على عمل الإعلام بشكل واضح كما في حالة الحروب لذلك نجد أن الإعلام في معظمه يتم في نطاقات خارج دائرة كوارث الفيضانات والجفاف... فالفيضان في السودان في الغالب يؤثر على نطاق محدود هو النطاق النيلي وخاصة الزراعي، وعلى المساكن في الولايات الكبرى مثل الخرطوم التي تبنى بشكل غير مخطط.

.. من المعروف أن مدن ولاية الخرطوم (العاصمة) وطوال امتداد حرب الجنوب وحرب دارفور ظلت تستقبل اعدادا معقولة من النازحين اضطر معظمهم للسكن في حرم الأنهار وفي مساكن ليست بها أدنى مقومات القدرة على الصمود.

هنالك تأثير يمكن أن يكون مباشر على قطاع واسع من العاملين في الإعلام نتيجة تساقط الأمطار والسيول في مناطق سكنهم فغالبية الصحفيين يسكنون في مدينة الصحفيين وهي منطقة بعيدة من وسط الخرطوم تم توزيع أراضيها على مجموعة كبيرة من العاملين في الإعلام والصحافة حيث تتقطع بهم السبل أثناء السيول والأمطار لأنها منطقة سكنية منخفضة تتجمع فيها مجاري السيول التي تجرف المنازل أحيانا ولا توجد بها خدمات متكاملة مثل الاحياء في وسط الخرطوم.

أما الجفاف فهو يعتبر كارثة ماحقة في السودان لأن تأثيره يمتد لسنوات وهو أكبر مسبب لموجات النزوح وغالبا ما يؤثر على أنماط الإنتاج وعمليات الاستقرار في المدن الكبرى لأنه يدفع بالكثير من سكان القرى الذين يفقدون وسائل سبل كسب معيشتهم وينزوحون للمدن الكبرى مما يؤثر على الاستقرار وتتزايد على الأثر معدلات الجريمة... بالإضافة الي أنه ينقل طابع الريف للمدن وقبيل الحرب الحالية كان يصدق القول على مدينة الخرطوم أنها عاصمة تم ترييفها وبالتالي تأثرت كل أشكال الخدمات فيها بما في ذلك الإعلام.

التغطية الاعلامية لقضايا البيئة والمناخ 

معروف ان الإهتمام بقضايا البيئة يرتبط بمستوى الوعي الجمعي.. كما أنه يرتبط أيضا بمعدلات الفقر، ولما كانت نسبة الفقر مرتفعة للغاية نتيجة للتشوهات الاقتصادية فإن عملية الإهتمام بالبيئة يظل أمر ثانوي جدا بالنسبة لمتخذي القرار ويمكن هنا أن نلاحظ ظاهرة في منتهى الخطورة البيئية وهي تنامي انشطة ما يسمى بالتعدين الأهلي وهو من أكثر النشاطات الضارة بالبيئة وقد غضت الدولة نظرها عن هذه الظاهرة ولم تعمل على مكافحتها بل بالعكس وجد التعدين العشوائي للذهب تشجيع مبطن وأحيانا ظاهرا من الدولة خاصة في الولاية الشمالية ونهر النيل وولاية جنوب كردفان وأحدث إستخدام السياني والزئبق خسائر وأضرار بشرية مباشرة خاصة على المعدنين أنفسهم. وقد كان تناول الإعلام لهذه الظاهرة تناولا شكليا في بعض التغطيات المتفرقة وهي تغطية خجولة لا ترقى لمستوى بث الوعي المجتمعي ناهيك عن مكافحة الظاهرة.. ويعزى ذلك لتوجهات الحكومة في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي لم يكن فيه الإعلام يتمتع باي قدر من الحرية.

دور الإعلام في التوعية بالتغيّر المناخي

من المفترض أن يلعب الإعلام دوراً مهماً تبصير المجتمع وارسال رسائل تحذيرية للمواطنين لأنه شريك في عملية إدارة الكوارث بكل مراحلها وعليه تقع مسئولية التبصير والتوجيه من خلال ما يبثه من رسائل تحذيرية أو تطمينية، ولكن بكل أسف توجد فجوة كبيرة بين خبراء الحد من مخاطر الكوارث والاعلامييين خاصة الاعلام الرسمي من اذاعات وتلفزيون وقنوات فضائية والذي بكل أسف جل اهتمامه هو البعد السياسي ولا توفر الدولة أية امكانيات مادية أو بشرية للاعلام البيئي أو تدرب اعلاميين متخصصين في المجال البيئ.

فالإعلام في السودان للأسف الشديد اعلام غير متخصص ويركز جل اهتمامه على القضايا السياسية اليومية وبالرغم أن قضية التغير المناخي في السودان قضية مهمة وقد تأثرت به معظم ولايات البلاد الا انه لم يلق الإهتمام والتغطية الاعلامية الكافية.. ونجد على سبيل المثال أن عملية التغيرات المناخية أثرت على معظم ولايات السودان تأثيرا كبيرا خاصة في النواحي الزراعية والحيوانية، إلا أن الإعلام اهتم أكثر بإفرازات الظاهرة كالحرب والقبائل المؤثرة والمتأثرة بها أكثر من الولوج لعمق الظاهرة المتمثل في التغيرات المناخية.

الإعلام  ودوره في تسليط الضوء على العلاقة بين النزاعات والضغوط البيئية (مثل النزاع على الموارد؟)

يعتبر السودان نموذج للدولة التي تجري فيها النزاعات على الموارد بشكل كبير فمعظم النزاعات التي نشبت في السودان كان عنوانها الابرز مرتبط بقسمة الموائد وذلك لأن السلطة السياسية في السودان ذات طابع مركزي وتهيمن على معظم واردات الأقاليم، ولا تقوم بعمليات تنمية حقيقية لتلك المناطق المنتجة للموارد الطبيعية ويعزى ذلك لعامل أساسي وهو طبيعة السلطة القابضة التي تتطلب انفاقا أمنيا متزايدا.. وهذا الأمر بالتحديد ما حدى بالكثير من الجماعات على التمرد على الدولة وحمل السلاح.. في مثل هذه البيئة بالتأكيد يصعب الحديث على فكرة استدامة الموارد لذلك ظل الطابع العام هو استنزاف الموارد لا إستدامتها.

الممارسة الصديقة للبيئة في عمل المؤسسات الإعلامية

لا توجد اي ممارسات جيدة مستقرة أو أي نظام SOP Standing Operations Procedures لعمل الإعلام فيما يلي التعامل مع البيئة، ونتيجة لكثرة انقطاع التيار الكهربائي فإن معظم الصحف في السودان لديها مولدات كهرباء خاصة بها ومعظم هذه المولدات قديمة ومتهالكة وربما تشتريها المؤسسة الاعلامية بعد أن يكون قد تم استخدامها من قبل second hand وهذه المولدات تعمل على انبعاث ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير وهو احد اكبر عوامل التلوث في السودان وهذا يشمل أيضا كل مؤسسات الدولة العامة والخاصة.

في الآونة الأخيرة وخاصة أثناء هذه الحرب اتجهت معظم الصحف التي لم تتوقف عن الصدور لأن تكون صحف إلكترونية وهذه في حد ذاتها تطور إيجابي لأن الصحف الالكترونية لحد كبير صديقة للبيئة ولا تستخدم الطاقة بصورة كبيرة.

الإعلام ودوره الهام في مرحلة ما قبل وبعد الكارثة

للاعلام دوره الهام قبل وحدوث الكوارث الطبيعية والحروب فقبل وقوع الكارثة يلعب الاعلام دورا هاما في التبصير بأبعاد الكارثة وكيفية تلافيها والحد منها باتباع الارشادات المطلوبة وهذه الخطوة من شأنها تعزيز قدرات أفراد المجتمع وجعلهم ذا مرونة وقدرة عالية لمواجهة الكارثة.

أما دور الإعلام أثناء الكارثة له أهميته القصوى في الحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات والتخفيف من حالات الصدمات النفسية وبث الأمن والطمأنينة وتهدئة الرعب والخوف في النفوس وإزالة عوامل الفزع مع إبراز أهمية دور النفير والتطوع  وظهر ذلك جليا في الدور الهام الذي قامت به (التكايا) أثناء هذه الحرب وهي عبارة عن موائد أطعام تكفل بها بعض المواطنين خاصة من ابناء السودانيين بالخارج وبعض الميسورين من الداخل ولا زالت تقوم بها من تقديم وجات غذاء متكاملة للمواطنين الذين فقد معظمهم كل ما يملكون من ممتلكات واصبحوا لا يملكون قوت يومهم وقد ساهمت هذه الموائد كثيرا في تخفيف المعاناة عن المواطنين بل انقذت أرواح العديد من المواطنين من الموت جوعا خاصة وسط الاطفال والنساء وظهر ذلك جليا من خلال الطوابير الطويلة التي يقفها المواطنين انتظارا لدورهم في الحصول على وجبة، كما شملت (التكايا) برامج ترفيهية وتنويرية مثل الغناء والمسرح وألعاب للاطفال مما خفف كثيرا على المواطنين.

كان من المفترض أن يلعب الاعلام دورا حاسما في التصدي للشائعات السالبة من طرفي الحرب وتنوير المواطنين بحقيقة ما يحدث بكل تجرد، وأثناء هذه الحرب تلاحظ انقسام الإعلام إلى طرفي نقيض، طرف يعمل بموضوعية وتحرى الدقة والشفافية في نقل المعلومة من مصادرها الأصلية وتوخي البعد الإنساني في نقل وتحليل الأخبار ومراعاة المصلحة الوطنية وهو طرف بكل اسف محدود ومنبوذ من طرفي الحرب ومطارد وملاحق ومغلوب على أمره وقد دفع بعض الصحفيون أثمانا غالية نتيجة لذلك بل تعرض بعضهم للاغتيال والسجن والتعذيب ومصادرة ممتلكاته وبعضهم دفعت أسرهم الثمن خاصة الذين يعملون من خارج السودان، وطرف اخر من الاعلاميين ينساق ويسوق ويصور حسب ما تمليه عليه الجهة التي تخدمه وتصرف عليه وتوفر له الحماية والامتيازات وهذا الطرف بكل اسف يقدم خدمة مضللة لا علاقة لها بالاعلام ولا بالمهنية ولا بالاخلاق وهنا تكمن الكارثة ويدفع ثمن ذلك المجتمع أرواحا وممتلكات.

أما دور الاعلام المفترض بعد الكارثة هو شحذ الهمم والتعافي النفسي لدى الفرد والمجتمع الذي هو في امس الحاجة لذلك لتجاوز اثار الكارثة والإنتقال من مرحلة الدمار النفسي والعيني الى التماسك والإعمار وهذا الدور ضعيف جدا أو يكاد يكون معدوما بكل أسف ونأمل أن يلعب الاعلام دوره هذا عقب انتهاء الحرب والتي لا يظهر في الافق ما يشير إلى قرب انتهاءها.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإعلام فی فی السودان

إقرأ أيضاً:

ماذا فعلت الأصابع الخفية في السودان؟

(في كمبالا سلّمت السفارة الإسرائيلية رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول، هنأته فيها وحكومته وشعب الله المختار وأطفال إسرائيل على الانتصار على العرب في حرب 1967)،
من مذكرات الفريق جوزيف لاقو أحد مؤسسي حركة التمرد في جنوب السودان.

في السياسة، يحتاج قادة الدول إلى امتلاك فكر إستراتيجي يحيط بطبيعة التحديات التي يواجهونها، ومعرفة البيئة الدولية والداخلية التي تُبنى على أساسها الخطط.

وبهذا المعنى، ينطبق عليها تعريف الفيلسوف الألماني أرنست هيجل بأن "السياسة هي علم الأحياء التطبيقي". ولأن علم الأحياء يساعد على فهم البيئة ودورها في نمو الكائنات الحية، فإن فهم البيئة السياسية بصورة واقعية يساعد على إنتاج الأفكار التي تمكّن القادة من التعامل مع الظواهر السياسية بواقعية وعقلانية.

ومن الظواهر التي غشيت العقل العربي وسيطرت عليه لعقود طويلة، نظرية المؤامرة التي تفترض وجود جهة ما تكيد للدول العربية بانتظام. وخطورة سيطرة ذلك النوع من التفكير أنه أفضى إلى إعفاء الذات من تحمّل نتائج التقصير والفشل من ناحية، كما أفقد العقل العربي ميزة التفكير الموضوعي لمعالجة الظواهر السياسية بعقلانية دون "تهويل أو تهوين"، كما يقول الدكتور محمد المختار الشنقيطي.

وفي هذا المقال، الذي نعالج فيه أسباب استمرار الحروب في السودان بصورة حيّرت المراقبين، سنحاول تلمّس الأسباب الجوهرية لهذه الظاهرة، مع التركيز على أصابع خفية ظلّت تحتفظ بدور بارز وكبير في تحريك الأحداث. وإذ نفعل ذلك، سنحاول تجنّب التفسيرات الباطنية التي تُعظّم نظرية المؤامرة وتستسهل من خلالها الوصول إلى النتائج.

ما نعنيه بالأصابع الخفية في حروب السودان، التي امتدت منذ العام 1955 قبل سنة من إعلان استقلال السودان وإلى الآن، هي التدخلات الخارجية التي يُمثّل فيها الكيان الإسرائيلي رأس الرمح والماكينة التي تُحرّك الأحداث من وراء المشهد، وذلك دون إغفال الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها النخبة السودانية بجميع توجهاتها الفكرية وانحيازاتها السياسية.

إعلان

واحدة من هذه الأخطاء هي عدم الإدراك الصحيح للدور الإسرائيلي في حروب السودان، وعدم إيجاد المقاربات الناجعة للتعامل معه. فقد حرصت إسرائيل باكرًا على فهم السودان وتعقيداته، وبلورت إستراتيجية للتعامل معه، مدفوعة بمخاوف أمنية وتفسيرات أسطورية قديمة، تعتقد أن تابوت نبي الله موسى، عليه السلام، دُفن في كنيسة أكسوم الحبشية، وأن الملوك الإثيوبيين الذين حكموا السودان في زمان غابر تجري فيهم دماء يهودية من نسل نبي الله سليمان، عليه السلام، وأن هناك سبطًا من بني إسرائيل ضاع في منطقة البحيرات وجنوب السودان ولا بد من العثور عليه.

أما النص الحاكم للسياسة الإسرائيلية تجاه السودان، فيتلخص في التصريح الشهير لديفيد بن غوريون الذي يقول فيه:

"نحن شعب صغير وإمكاناتنا محدودة، ولا بد من اختزال هذه المحدودية في مواجهة أعدائنا من الدول العربية من خلال تشخيص ومعرفة نقاط الضعف لديها، وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات الإثنية والطائفية، حتى نضخّم هذه النقاط إلى درجة التحول إلى معضلة يصعب حلها أو احتواؤها".

يؤسس هذا "النص الحاكم" للنهج الإسرائيلي في التعامل مع الدول العربية، حيث صاغت من خلاله الدولة العبرية نظرية "شد الأطراف" للدول العربية أو "بترها" إذا لزم الأمر، كما حدث في جنوب السودان.

وتقوم تلك النظرية على إحداث القلاقل في أطراف البلدان العربية، إما استثمارًا للخلافات العرقية، أو تحريكًا للنزاعات الحدودية، وهو ما يحقق الهدف المركزي بإشغال هذه الدول بأنفسها حتى لا تكون جيوشها عامل دعم لدول المقاومة التي تقاتل إسرائيل.

وللتأكيد على قِدم المخطط الإسرائيلي، نستعين بمحاضرة رئيس الموساد مائير عاميت عام 1959 والتي قدمها بمناسبة تخريج دفعة جديدة، حيث يقول:

"لِمحاصرة التهديد الذي جسدته حركة المد القومي، كان لا بد أن ننجح في إثارة النوازع النفسية لدى الجماعات غير العربية داخل الدول العربية، وخاصة في العراق، وسوريا، ولبنان، والسودان".

ولتتبّع حجم الخراب الذي قامت به "الأصابع الخفية" في السودان، نحتاج إلى دراسة عدد من الوثائق على النحو التالي:

وثيقة "كيفونيم" التي قدّمها آرييل شارون 1983 لاجتماع وزراء حلف الناتو، والتي لخّصت إستراتيجيات إسرائيل في التعامل مع دول العالم العربي والإسلامي.
وفيما يتعلق بالسودان، ورد ما يلي: "السودان أكثر دول العالم العربي والإسلامي تفككًا، فإنه يتكوّن من أربع مجموعات سكانية كلٌّ منها غريبة عن الأخرى، فمن أقلية عربية مسلمة سُنيّة تسيطر على أغلبية غير عربية، إلى وثنيين، إلى مسيحيين." وتقرّر تلك الوثيقة في خاتمتها مؤكدة: "إن دولًا مثل ليبيا والسودان لن يكون لها حضور بصورتها الحالية".

في العام 2008، ألقى آفي ديختر، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، محاضرة لكبار القادة الأمنيين، وورد فيها ما يلي:

"السودان شكّل عمقًا إستراتيجيًا لمصر في حربها حيث تحوّل إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية، وأرسل قواته لمنطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف. لذلك، كان لا بد أن نعمل على إضعافه وانتزاع المبادرة منه، ومنعه من بناء دولة قوية موحدة، فهذا ضروري لدعم وتقوية الأمن القومي الإسرائيلي".

إعلان

في كتابي (مهمة الموساد في جنوب السودان) لعميل الموساد ديفيد بن عوزيل، والمعروف باسمه الحركي "الجنرال جون"، وكتاب (إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان) للكاتب الإسرائيلي والعميد المتقاعد من جهاز الموساد موشيه فرجي، ترد تفاصيل مخيفة عن حجم الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الذي قدّمته إسرائيل لحركة التمرد في جنوب السودان، حيث شمل إرسال شحنات السلاح، وإرسال الخبراء، وتدريب عشرات الآلاف من الجنود، والمساهمة في تفجير الكباري واحتلال بعض المدن، وتعطيل مشاريع التنمية. يقول موشيه فرجي في كتابه إن التحرك الإسرائيلي نجح في جنوب السودان لعدة عوامل، أبرزها:

إحباط الدعم العربي للحكومة السودانية.

توقيف العمل في قناة جونقلي التي كان من المؤمل أن توفر 5 مليارات متر مكعب من المياه تتقاسمها مصر والسودان، حيث حذّرت إسرائيل الجنوبيين من أن ذلك المشروع سيكون وبالًا عليهم.

كما أن إسرائيل نجحت في تنمية المشاعر القومية لدى الجنوبيين، مما ساعدهم على حسم خيار الانفصال عن الشمال.

نستخلص من هذه الوثائق أن إسرائيل صنّفت السودان منذ البداية باعتباره عدوًا إستراتيجيًا، ولذلك تعاملت معه على هذا الأساس في مخططاتها التي هدفت إلى إشغاله طوال الوقت بالنزاعات الداخلية.

يقول وزير الأمن الإسرائيلي السابق، آفي ديختر:
"أقدمنا على إنتاج وتصعيد بؤرة دارفور لمنع السودان من إيجاد الوقت لتعظيم قدراته. إستراتيجيتنا، التي تُرجمت على أرض الجنوب سابقًا وفي غربه حاليًا، نجحت في تغيير مجرى الأوضاع في السودان نحو التأزّم والانقسام. الصراعات الحالية في السودان ستنتهي عاجلًا أو آجلًا بتقسيمه إلى عدة دول أو كيانات".

ونستطيع تلخيص الرؤية الإسرائيلية تجاه السودان في النقاط التالية:

استهداف مصر عبر جارها الجنوبي، والعمل الجاد على تعطيل استفادتها من جهود هذا الجار. إشغال السودان بإشعال النزاعات فيه، وتأجيج روح الخلاف بين المكونات المختلفة. السعي لعدم استفادة السودان من موارده الهائلة حتى لا يتحول إلى دولة مركزية. إضعاف السودان عبر سياسة شد الأطراف أو بترها، وهو ما يؤكده آفي ديختر: "سودان هش ومجزأ خير من سودان قوي وفاعل".

ولم يقتصر الاستهداف الإسرائيلي للسودان على إشعال النزاعات وإشغاله بالحروب فقط، بل تواصلت المساعي الإسرائيلية في المجالات الدبلوماسية والمنظمات الدولية لخنق السودان وتشديد الحصار عليه.

ففي أوج أزمة دارفور، أنشأت المنظمات اليهودية تحالفًا ضم أكثر من 180 منظمة حول العالم للترويج لفكرة الإبادة الجماعية في دارفور، وانطلقت أنشطة تلك المنظمات من متحف الهولوكوست بواشنطن تحت رعاية منظمة "أنقذوا دارفور" والوكالة اليهودية للخدمة الدولية، وتوجت تلك الجهود بإحالة ملف السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية.

في الحرب الحالية التي اندلعت بعدما شنّت مليشيا الدعم السريع هجومًا مباغتًا على القوات المسلحة، قبل أن توسّع تكتيكاتها الحربية إلى استهداف البنية التحتية وتدمير المؤسسات العامة والخاصة بغرض إعادة السودان قرونًا إلى الوراء، كانت إسرائيل الحاضر الخفي الأبرز في المشهد.

فقد اندلعت الحرب بعد نشاط إسرائيلي محموم في البلاد بعيد تطبيع العلاقات مع السودان وتوقيع حكومة الفترة الانتقالية برئاسة حمدوك على "الاتفاقيات الأبراهامية"، حيث انخرطت إسرائيل في نشاط دبلوماسي مكثف تجاه الخرطوم، ركّز على الانشغالات الإسرائيلية الخاصة بجمع معلومات حول منظومة الصناعات الدفاعية السودانية و"تجنيب السودان مخاطر الخلايا الإيرانية"، كما صرّح مسؤول إسرائيلي بعد زيارة للعاصمة الخرطوم 2020. ولإخفاء نواياها الحقيقية بإطالة أمد الحرب، عرضت إسرائيل وساطة بين الجيش والدعم السريع.

وفقًا لبيان أصدره وزير الخارجية وقتها إيلي كوهين، الذي أكّد أن إسرائيل تعمل عبر عدة قنوات من أجل التوصّل إلى وقف إطلاق النار، لكن لم يرد أيّ ذكر لتلك الوساطة مرة أخرى، مما يشير إلى أن الدولة العبرية تساهم في إطالة أمد الحرب لإضعاف الطرفين، تنفيذًا لنظرية الأكاديمي الصهيوني إدوارد لوتواك "امنحوا الحرب فرصة".

إعلان

كما أن المعلومات بدأت تتكشّف عن حجم العلاقات الكبيرة بين إسرائيل وحميدتي، الذي حرص على فتح قنوات تواصل مستقلة عن الجيش والدولة منذ فترة مبكرة. ففي تقرير نشره موقع "واللا" الإخباري، قيل إن طائرة رئيس الموساد حطّت في الخرطوم في يونيو/ حزيران 2021، وكان على متنها قيادات من الموساد التقت بحميدتي وقادة من الدعم السريع.

بعد نشوب الحرب، نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالًا بعنوان "كيف ستكسب إسرائيل الحرب في السودان؟"، أكّد فيه أن إسرائيل حريصة على كسب الدعم السريع للحرب، بالنظر إلى الخدمات التي قدّمها حميدتي في ليبيا بمحاربة الإسلاميين هناك، وتعهّده بـ"تفكيك الإسلاميين داخل الجيش السوداني".

وفي الفترة الأخيرة، وبعد أن مالت كفة الانتصار لصالح الجيش، وبدا أن الجيش قادر على حسم المعركة، تعالت أصوات إسرائيلية تتهم السودان بالتعاون مع إيران، وتنادي بالتدخل الإسرائيلي المباشر، لأن الجيش السوداني أصبح "حماس أفريقيا" حسب تلك المزاعم.

تحتاج القيادة السودانية إلى إعادة تكييف علاقاتها الخارجية بما يضمن محاصرة المخططات الآثمة ووأدها قبل أن تواصل تدمير المقدرات السودانية.

وفي هذا الخصوص، فإن السودان بحاجة إلى جهود أصدقائه للمساهمة في دعم الشرعية التي يمثلها الجيش السوداني والحكومة المدنية برئاسة الدكتور كامل إدريس، كما أن القيادة السودانية بحاجة إلى مجهودات تعزز تماسك الجبهة الداخلية وتُفوّت على المتربصين مخططاتهم الآثمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الكوارث الطبيعية تسبب أضراراً بـ 131 مليار دولار
  • الكوارث الطبيعية على مستوى العالم تتسبب بأضرار بقيمة 131 مليار دولار في النصف الأول من 2025
  • ترامب يقلص المهلة التي منحها لبوتين لوقف الحرب
  • ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين
  • غوتيريش يرفض استخدام الجوع سلاحا في الحرب
  • وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى: نأمل بكل صدق ألا تُعرقل هذه القوافل من الجهة الخارجة عن القانون التي تسعى لتوظيف معاناة أهلنا لأهدافها الانعزالية
  • الكوارث الطبيعية تهدد ألفي نوع من الكائنات بالانقراض
  • ماذا فعلت الأصابع الخفية في السودان؟
  • محمود مسلم: انتخابات مجلس الشيوخ مختلفة حيث تعتمد على الشخصيات العامة التي لها ثقل سياسي في الشارع
  • عرمان .. جلوس الأطراف للوصول لوقف إطلاق نار إنساني فوري ينهي الكارثة