الهند- باكستان- إيران.. كيف توزّع واشنطن صكوك الشرعية النووية؟
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
منذ نشأة النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، سعت القوى الكبرى إلى فرض معايير محددة للشرعية في امتلاك السلاح النووي، فكانت معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) حجر الزاوية في ضبط التسلح العالمي، لكن مع مرور العقود، بدا واضحاً أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يتعامل مع هذا السلاح الفتاك بمنطق قانوني أو أخلاقي موحد، بل بمنطق المصالح، التحالفات، والخطاب السياسي الانتقائي.
رغم أن الهند فجّرت أول قنبلة نووية في عام 1974م فيما عُرف باختبار “بوذا المبتسم”، في تحدٍّ مباشر لمعاهدة حظر الانتشار التي لم توقّع عليها أصلاً، فإن رد الفعل الدولي لم يتجاوز حدود الإدانات الرمزية. وبحلول الألفية الجديدة، تحوّلت الهند من دولة نووية “مارقة” بنظر الغرب إلى حليف استراتيجي موثوق، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي المدني مع الولايات المتحدة عام 2008م، هذا الاتفاق منح الهند شرعية شبه رسمية للوصول إلى تكنولوجيا نووية دولية، دون أن تلتزم بتخفيض ترسانتها النووية أو الانضمام لـNPT.
في حين كان جاء التبرير الغربي: الهند “أكبر ديمقراطية في تلك المنطقة”، وتلعب دوراً مهماً في موازنة نفوذ الصين. وهكذا، غُلّبت الجغرافيا السياسية على القانون الدولي.
باكستان من جهتها، دخلت النادي النووي من باب الردع المضاد بعد التجارب النووية الهندية. لكنها لم تصل إلى هذه القدرة عبر سباق علمي داخلي وحسب، بل عبر اختراق استخباراتي وعلمي نفّذه العالم الباكستاني عبدالقدير خان، الذي حصل على تصميمات الطرد المركزي من أوروبا، وأنشأ شبكة تهريب نووية خدمت لاحقاً إيران وليبيا وكوريا الشمالية.
فيما كان الرد الغربي عبارة عن عقوبات مؤقتة أعقبت التجربة النووية عام 1998م، سرعان ما رُفعت بعد أن أصبحت باكستان شريكاً ضرورياً في “الحرب على الإرهاب” بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، ومع أن واشنطن والغرب يشككون في قدرة الدولة الباكستانية على تأمين ترسانتها النووية وسط تنامي “التطرف الداخلي” على حد تعبيرهم، اختاروا التغاضي الحذر بدل المواجهة، خشية تفجير توازن الردع مع الهند أو زعزعة استقرار جنوب آسيا.
أما إيران، فكانت مثالاً عن النفاق الغربي بأوضح صوره، على عكس الهند وباكستان، إيران وقّعت على معاهدة حظر الانتشار النووي، وخضعت لعقود من التفتيش المكثّف من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم يصرّح مسؤولوها مرة عن قرار إيراني ببناء سلاح نووي. ومع ذلك، فإن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، فرض على إيران أحد أقسى أنظمة العقوبات في التاريخ الحديث، مدّعياً أن برنامجها السلمي ليس سوى غطاء لطموحات عسكرية.
الاتفاق النووي الإيراني عام 2015م، كان فرصة لنزع فتيل الأزمة، لكنه انهار عملياً بعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب منه عام 2018م، في خطوة نالت مباركة إسرائيلية وعارضها الحلفاء الأوروبيون. لم تُجدِ التقارير الإيجابية من الوكالة الدولية نفعاً، ولا الانفتاح الجزئي الذي أبدته طهران مرات عديدة، وذلك، لأن إيران عدو استراتيجي لحلفاء واشنطن في المنطقة، خاصة كيان الاحتلال، ولذلك فامتلاكها أي قدرة نووية مرفوض تماماً.
إن هذا التعامل المزدوج يعيد صياغة مفهوم “الشرعية النووية” من أداة لضبط انتشار السلاح إلى أداة للهيمنة، فحين يُسمح لدولة كالهند بتطوير سلاح نووي وتُكافأ بالتكنولوجيا، ويُتسامح مع باكستان رغم سجلها في الانتشار، بينما تُخنق إيران اقتصادياً وسياسياً قبل حتى أن تُنتج قنبلة واحدة، لا يمكن الحديث عن نظام عالمي عادل، بل عن منظومة هيمنة بغطاء قانوني.
في الواقع، إن الاستمرار بمثل هذه السياسات يعني أمرين: فقدان الثقة في النظام الدولي، وخاصة في معاهدة NPT، التي باتت تبدو كمجرد أداة للسيطرة على بعض الدول دون غيرها، وتشجيع دول أخرى على السعي لامتلاك السلاح النووي خارج الأطر الرسمية، إدراكاً منها أن الردع الحقيقي لا يأتي من التوقيع على الاتفاقيات، بل من امتلاك القنبلة نفسها.
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في آسيا والشرق الأوسط، ومع تخبّط السياسة الخارجية الأمريكية بين التحالفات والمصالح، يبدو أن العالم يتّجه إلى مرحلة تفكّك تدريجي للمنظومة النووية التقليدية، فكلما شعرت دولة أن الاتفاقيات لا تحميها، وأن الغرب يستخدم القانون كعصا انتقائية، كلما زادت فرص أن ترى في السلاح النووي الضمانة الوحيدة لوجودها.
في هذا السياق، لا يمكن قراءة البرنامج النووي الإيراني، ولا حتى الطموحات التركية أو السعودية المحتملة، خارج هذا الإطار، فحين يصبح النووي مسموحاً لدول معينة رغم خروقاتها، ومحرّماً على أخرى رغم التزامها، فإن قاعدة اللعبة تصبح “من يملك النفوذ، يملك النووي”.
*صحفية لبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
عاجل| روسيا تحذر: هجمات إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية تنذر بكارثة نووية غير مسبوقة
أطلق مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن الدولي، فاسيلي نيبينزيا، الجمعة، تحذيرًا صارخًا من مغبة استمرار الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية السلمية، مؤكدًا أن هذه الهجمات قد تؤدي إلى "كارثة نووية لم يشهدها العالم من قبل"، مطالبًا إسرائيل بوقف فوري للهجمات، لا سيما تلك التي تستهدف البنية التحتية النووية.
الشرق الأوسط على شفا كارثة نوويةوفي كلمته خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن، أشار نيبينزيا إلى أن التصعيد الإسرائيلي يدفع الشرق الأوسط نحو "كارثة نووية واسعة النطاق"، معتبرًا أن ما تقوم به إسرائيل يمثل "مغامرة خطيرة وغير مسؤولة"، قد تخلّ بتوازن الأمن والاستقرار الإقليمي، وتمتد تبعاتها إلى أبعد من حدود المنطقة.
عاجل| إيران تتهم إسرائيل بارتكاب "جريمة حرب نووية" وتدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته عاجل| إسرائيل تأمر بتكثيف الهجمات على طهران: استهداف رموز الدولة والنووي الإيراني ضمن أولويات الجيش دعوة المجتمع الدولي إلى التحرك العاجلشدّد المندوب الروسي على أن المجتمع الدولي "لا يجب ولا يمكنه أن يظل متفرجًا أمام هذا الاستفزاز السافر"، محذرًا من العواقب الإشعاعية المحتملة في حال دُمرت المنشآت النووية، التي تحتوي على مواد مشعة وخطرة. وقال إن ما يحدث "أمر مقلق للغاية ويهدد بأزمة إنسانية وبيئية عابرة للحدود".
روسيا ترفض الحلول القسرية للملف النووي الإيرانيوأكد نيبينزيا أن روسيا كانت منذ سنوات ترفض الحلول القسرية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، موضحًا أن الضغوط العسكرية ستؤدي إلى عواقب وخيمة على الشرق الأوسط والعالم بأسره، ودعا إلى العودة للمسار الدبلوماسي والتفاوضي كخيار وحيد لتسوية النزاع النووي.
إيران تعلن استهداف مقر "مايكروسوفت" في إسرائيل وزير الاقتصاد الفلسطيني: عدوان إسرائيل يستهدف الإنسان والهوية والاقتصاد الوطني(فيديو) تصعيد متواصل بين طهران وتل أبيب منذ 13 يونيوويأتي هذا التصريح في ظل استمرار التوترات بين إيران وإسرائيل منذ 13 يونيو/حزيران الجاري، إذ يتبادل الطرفان الهجمات الجوية والصاروخية بشكل يومي. وفيما تصرّ إسرائيل على المضي قدمًا في تدمير البرنامج النووي الإيراني، تواصل طهران الرد بقصف منشآت عسكرية ومراكز إسرائيلية، مهددة بتوسيع نطاق المواجهة.
مدير المركز الفرنسي:موقف باريس من حرب إيران وإسرائيل تحذيريٌّ متوازن.. وماكرون لا يربط أمن إسرائيل بقمع الفلسطينيين إيران تعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية أخرى في منطقة همدان أزمة نووية تلوح في الأفق ومخاوف من انفجار إقليمييتزايد القلق الدولي من تحول التصعيد الحالي إلى مواجهة شاملة قد تشمل أطرافًا إقليمية ودولية، في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية وتضارب المصالح بين القوى الكبرى، ما يضع المنطقة والعالم أمام اختبار جديد لقدرتهم على منع انهيار الأمن النووي العالمي.