السودان.. تحديات جسيمة تعرقل عودة الجامعات إلى البلاد
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
سكاي نيوز عربية – أبوظبي/ يواجه قرار أصدرته وزارة التعليم العالي بعودة الجامعات السودانية التي ظلت تعمل عبر مراكز في الخارج تحديات أمنية ولوجستية كبيرة، بحسب أساتذة وطلاب، ويأتي قرار الوزارة بإجبار الجامعات على إغلاق مراكزها الخارجية والعودة إلى الداخل في ظل تدهور مريع في الأوضاع الأمنية والمعيشية والإنسانية في معظم مناطق البلاد، خصوصا العاصمة الخرطوم التي تتركز فيها نحو 60 في المئة من مؤسسات التعليم العالي، المقدر عددها بنحو 155 مؤسسة.
وأبدى طلاب وأساتذة جامعات مخاوفهم الكبيرة من تداعيات القرار، حيث تعرّضت منشآت ومعامل ومكتبات معظم الجامعات لدمار كبير أخرجها من الخدمة تماما، إضافة إلى المخاطر الأمنية في ظل استمرار عمليات القصف والاغتيالات والفوضى العارمة الناجمة عن تداعيات الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023.
كما يتوقّع أن تواجه الجامعات أزمة كبيرة في استعادة أعضاء هيئات التدريس وغيرهم من الكوادر المساعدة، الذين اضطر نحو 70 في المئة منهم للهجرة والعمل في جامعات ومؤسسات بحثية بالخارج، وفقا لبيانات غير رسمية.
ارتباك كبير
بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب، افتتح عدد من الجامعات مراكز لتدريس الطلاب في بعض الدول، من بينها تلك التي لجأ إليها نحو 3 ملايين من الفارين من القتال.
لكن القرار الأخير لوزارة التعليم العالي أحدث ارتباكا كبيرا في أوساط أساتذة الجامعات والطلاب وأسرهم، حيث أكدت الوزارة أنها لن تعتمد أو توثّق شهادة أي طالب درس عبر المراكز الخارجية للجامعات السودانية.
وأوضحت الوزارة أنها لن تستثني أية مؤسسة، مشيرة إلى أنها ستتخذ كافة الإجراءات الإدارية والقانونية تجاه أية جهة لا تلتزم بتوجيهاتها.
وأعلنت أن كافة إجراءات القبول وتدريس الطلاب لهذا العام ستكون من داخل السودان، ولن يتم اعتماد أي قبول أو دراسة في مراكز الجامعات والكليات خارج البلاد.
واعتبر سعد العاقب، الأستاذ بجامعة بحري، القرار "سياسيا" ولا يراعي الأوضاع الحالية، موضحا لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "معظم الجامعات تتركز في العاصمة الخرطوم، التي تشهد اشتباكات وتحديات أمنية كبيرة، إضافة إلى تردي الأوضاع الصحية".
وأضاف العاقب: "تعاني معظم الجامعات من دمار واسع في بنيتها التحتية الضرورية لأي عملية تعليمية ذات معنى، وحتى الجامعات التي حاولت إيجاد مراكز بديلة في الأقاليم لم تنجح في ذلك، لأنها تحتاج إلى مبانٍ ومنشآت ذات مواصفات محددة لاستيعاب الطلاب".
مخاوف جدية
رغم ارتفاع تكاليفها المالية، إلا أن المراكز الخارجية ساعدت عشرات الآلاف على الاستمرار في الدراسة، وتمكنت بعض الجامعات من إكمال خمسة فصول دراسية في مراكزها بالخارج.
وبالنسبة لإيمان محمد، التي التحقت بمركز خارجي لجامعة حكومية كانت تدرس فيها قبل الحرب، فإن صدور قرار العودة في الوقت الحالي لم يُراعِ الأوضاع الأمنية والأكاديمية التي يمكن أن يواجهها الطلاب.
وأوضحت محمد لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه "رغم فقداننا لفترة طويلة من عمرنا الأكاديمي بعد الحرب، إلا أن التحاقنا المتأخر بالمراكز الخارجية مكّننا من التقدم نسبيا في ظل أوضاع مستقرة، لكن القرار الأخير قد يضع أمننا ومستقبلنا الأكاديمي على المحك، فلن نجد المعامل والمكتبات اللازمة".
وأضافت: "بما أن الحرب لم تتوقف بشكل كامل، فمن الصعب إقناع أسرنا بالعودة في ظل انعدام الخدمات من كهرباء ومياه، والدمار الذي لحق بالبيوت، كما أنه ليس من المستبعد أن يتعرض أي مرفق جامعي لهجوم في أي وقت".
وفي حين أعلن عيسى بشير، مدير جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، عودة الجامعة إلى الخرطوم وإغلاق مركز لها بالخارج، أقرّ في الوقت نفسه بتعرض مجمعات الجامعة لأضرار بالغة تمثلت في فقدان جميع أجهزة الحاسوب والكابلات ومحولات الكهرباء وكثير من أجهزة المعامل، فضلا عن التدمير الكبير الذي لحق بالمرافق والمباني، بحسب بيان صادر عن إدارة الإعلام في الجامعة.
من المتوقع أن يستغرق إصلاح الدمار الذي لحق بالعديد من الجامعات فترة طويلة بعد انتهاء الحرب، نظرا لقلة الموارد لدى معظم الجامعات، خصوصا الحكومية منها.
وقبل الحرب، كانت موارد الجامعات بالكاد تكفي لاستمرار الحد الأدنى من العملية التعليمية، وكان معظمها يعاني من هجرة الأساتذة والكوادر المساعدة بسبب ضعف الموارد.
وخلال الحرب، تعرضت معظم المنشآت لتدمير واسع، وفقدت العديد من الجامعات معاملها ومكتباتها بالكامل، مما ضاعف من التحديات التي كانت تواجهها أصلا.
ووفقا لأحمد حسن، وهو مهندس عمل لسنوات طويلة في مجال إدارة المرافق، فإن إصلاح الدمار الهائل الذي لحق بمباني ومنشآت معظم الجامعات يحتاج إلى موارد مالية ضخمة ومدة زمنية طويلة.
وصرّح حسن لموقع سكاي نيوز عربية قائلا: "بعض المواقع مثل مجمع الطب والصيدلة في جامعة الخرطوم، وغيرها من مجمعات الجامعات، كانت تحتوي على معامل وأجهزة باهظة التكلفة، تعرض معظمها للتلف، وهي أساسية لاستمرار الدراسة في تلك الكليات".
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: سکای نیوز عربیة معظم الجامعات الذی لحق
إقرأ أيضاً:
طهران تستعيد نبضها الهادئ بعد صخب الحرب
طهران- في صباح اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بدأت العاصمة طهران -وهي المدينة الأكثر كثافة وحساسية في البلاد- تستعيد إيقاعها الطبيعي تدريجيا، بعد 12 يوما من الترقب والقلق والتأهب.
لم تصمت المدينة خلال أيام التصعيد بالكامل، لكن الحركة كانت قد خفّت في الشوارع، وأُغلقت الدوائر واعتُمد العمل عن بعد، وتغيّرت تفاصيل يوميات الناس الذين تعاملوا مع القصف بحذر وواقعية.
أما الآن، فعادت الحياة لتتقدم خطوة بخطوة في المؤسسات العامة والأسواق والمراكز الثقافية، في وتيرة متدرجة -لكنها واضحة- تعبّر عن رغبة شعبية في طي صفحة المواجهة، ولو مؤقتا، والانصراف إلى تفاصيل أكثر ارتباطا بالمعيشة اليومية.
عودة النبضفي شارع "انقلاب" المعروف بمكتباته ودور النشر، استعادت الأرصفة زوارها المعتادين من الطلاب والباحثين والقرّاء، وفتحت مكتبات مثل "نشر ثالث" و"نشر ني" أبوابها صباحا، وعاد باعة الكتب المستقلون إلى أماكنهم على الأرصفة.
يقول مهدي -وهو بائع كتب منذ أكثر من 20 عاما- إن "الناس بدؤوا يعودون ويسألون عن كتب جديدة، ربما لأنهم يريدون ما يُبعدهم عن نشرات الأخبار".
وبالقرب من هناك، وتحديدا في شارع "نوفل لوشاتو"، استأنفت بعض المسارح تدريباتها، ورغم أن الحركة لا تزال خفيفة، فإن العاملين في المجال الثقافي يرون في ذلك مؤشرا على عودة نوع من الحياة المدنية إلى الواجهة، بعد أن خيمت الأجواء الأمنية لأيام طويلة.
في مبنى الأحوال المدنية وسط طهران، اصطف المواطنون لإنهاء معاملاتهم الإدارية. ولم تعد الزحمة لتصبح معتادة بعد، لكن الحركة تشير إلى ازدياد ملحوظ في عدد المراجعين.
تقول نيلوفر عباسي -وهي موظفة في القسم الخاص بتسجيل الولادات- "لم نتوقف أيام الحرب، لكن عدد الناس كان قليلا، اليوم نلاحظ أن الناس عادت لأعمالها المعتادة، وكأنهم بحاجة إلى استعادة الإيقاع العادي، حتى لو لم ينته التوتر بالكامل".
إعلانوفي أحد البنوك الحكومية في ساحة فردوسي، عاد الازدحام تدريجيا. يقول أحد المراجعين ساخرا: "اشتقنا لزحمة طهران، كنت أقطع الطريق من شرق المدينة إلى غربها في نصف ساعة، الآن عدنا إلى الساعتين، لكن لا بأس، الزحام علامة صحة في هذه المدينة".
رغم أن العام الدراسي انتهى منذ أسابيع، فإن أثر الحرب لم يكن بعيدا عن الأطفال، ففي مركز ثقافي في ضاحية "سعادت آباد"، تنظم مجموعة من المتطوعين ورشا فنية للأطفال.
تقول سارة قاسمي، وهي مسؤولة في المركز: "لم نناقش الحرب مع الأطفال مباشرة، لكن كنا نلاحظ أثرها في رسوماتهم وسلوكهم، بعضهم رسم صواريخ، وبعضهم رسم بيوتا مهدمة، الآن بدؤوا يرسمون طيورا وأشجارا، وهذه إشارات صغيرة، لكنها مهمة".
وفي شمال المدينة، تحديدا في منطقة "تجريش"، عاد السكان لزيارة السوق الشعبي، بينما بدت المقاهي في "سعادت آباد" و"فرشته" أكثر ازدحاما من الأيام الماضية. وتقول ليلى (30 عاما)، وهي مهندسة معمارية، إنها جاءت اليوم إلى المقهى مع صديقاتها "للتنفّس، لا أكثر".
وتضيف -في حديثها للجزيرة نت- أنه "خلال الأيام الماضية، كنا نتابع الأخبار طوال الوقت، الآن نحتاج لما يشبه الاستراحة، لا أحد يثق بأن الهدنة دائمة، لكن لا أحد يريد أن يبقى في جو الحرب".
وإذا كانت الحرب قد تركت آثارها النفسية على سكان المدينة، فإن طهران -كما يبدو- اختارت أن تردّ عليها بهدوء، بالعودة إلى العمل، وإلى المقاهي والكتب، وإلى مكاتب الدولة، والأسواق والازدحام وسائر أمور الحياة.
عودة مع قلقعند ساحة "آزادي"، شوهدت، صباح الأربعاء، عشرات العائلات التي عادت إلى طهران من مدن في الشمال والشرق الإيراني، التي كانت أقل تعرضا للقصف وأصبحت ملجأ مؤقتا خلال فترة التصعيد، بعضهم وصل بسيارات خاصة، وآخرون عبر الحافلات.
يقول السيد رضا (50 عاما)، وهو موظف حكومي عاد إلى منزله في "يافت آباد" برفقة أسرته، "غادرنا لأجل الأولاد، اليوم عدنا، ليس لأن كل شيء انتهى، بل لأنه لا أحد يمكنه أن يبقى بعيدا عن بيته طويلا، البيوت ليست مجرد مأوى، إنها ما يذكّرنا بأن الحرب مؤقتة".
ورغم ارتياح الناس النسبي لوقف إطلاق النار، فإن القلق لا يزال حاضرا، فقد عبّر مواطنون كُثر عن خشيتهم من تجدّد المواجهة في حال لم تُترجم الهدنة إلى اتفاق أوسع.
تقول الطالبة الجامعية نازنين، التي تستعد للسفر هذا الصيف، "أنا متفائلة، لكن حذرة، ما حدث هذا الشهر مختلف عن كل ما سبق، لذلك الناس يشعرون أن ما بعده لن يكون كما قبله".
أما سائق سيارة الأجرة محسن، فيرى أن "الناس يريدون فقط أن يعملوا، ويعيشوا حياتهم، ويبتعدوا عن التوتر"، مضيفا أن "السياسة ليست بأيدينا، لكن الروتين، والعمل، والأسواق، والدراسة، هي ما تجعلنا نستمر".