تناولنا في مقالنا السابق حالة من حالات تجرؤ سعد الدين الهلالي على ثوابت الشريعة، وكم الافتراءات التي يفتريها على أحكام ثابتة، من خلال كلامه عن الحجاب، ومحاولة نفي فرضيته ووجوبه، ولكن الأدهى أن الهلالي في نفس اللقاء على قناة العربية والتي كذب فيها على الفقه الإسلامي في موضوع الحجاب، أكمل في تجرؤه على فريضة أخرى، أشد ثبوتا، وهي: الميراث، فدعا للمساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، وقد كان قال نفس القول منذ سنوات، مؤيدا ما ذهب إليه السبسي رئيس تونس الراحل، حين دعا لسن قانون بذلك في تونس.



وقد ساق نفس أدلة كلامه السابق لتأييد السبسي، لكنه هذه المرة زاد عن تدليسه على الشرع، فتناول قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء: 11، بأن الميراث جاء بصيغة الوصية، والوصية أمر مستحب، وبحرف اللام في قوله: (للذكر)، واللام هنا للملكية، أي: أنه يمكن أن يتنازل عنه، ويمكن أن يتم المساواة هنا بإجراء استفتاء للشعب فإذا أقر ذلك، يقر شرعا، وأن تركيا وهي عاصمة الخلافة سنة 1938م فعلت ذلك، وقانون المعاش في مصر يفعل ذلك.

كيف لأزهري درس اللغة، وأصول الفقه، فضلا عن أستاذ جامعي، يدرس الفقه لسنوات طوال، يزعم أن القرآن حين يأمر المسلم بعبارة الوصية، فمعنى ذلك أنها غير ملزمة، على الرغم من أن الهلالي في كل كتبه عن المواريث، يبين أن أول ما يفعل مع الميت، هو تغسيله ثم تكفينه ودفنه، ثم تسديد ديونه، ثم تنفيذ وصيته، لأنها في جملة الديون، وتنفذ الوصية قبل الإرث.فكيف لأزهري درس اللغة، وأصول الفقه، فضلا عن أستاذ جامعي، يدرس الفقه لسنوات طوال، يزعم أن القرآن حين يأمر المسلم بعبارة الوصية، فمعنى ذلك أنها غير ملزمة، على الرغم من أن الهلالي في كل كتبه عن المواريث، يبين أن أول ما يفعل مع الميت، هو تغسيله ثم تكفينه ودفنه، ثم تسديد ديونه، ثم تنفيذ وصيته، لأنها في جملة الديون، وتنفذ الوصية قبل الإرث.

ومفردة الوصية في القرآن وردت في شؤون العقيدة وأمهات الأصول، فقال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) الشورى: 13، وقال تعالى: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) البقرة: 132، فهل الوصية بإقامة الدين، وعدم التفرق فيه، هنا مجرد وصية، وهل الإنسان مخير فيها؟.

وقال تعالى عن البر بالوالدين: (ووصينا الإنسان بوالديه) فهل البر بالوالدين هنا ليس فرضا، وهل الإنسان مخير بين أن يبر والديه أو أن يعقهما؟ وقال: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) العنكبوت: 8، وكل مفردة الوصية بكل صيغها، لا تخرج عن إطار الوجوب والفرضية الملزمة، فلا ندري أهو ضلال مبين يقع فيه الهلالي، أم محي من عقله ورأسه أصول العلم؟!

والأعجب أن الهلالي له كتاب عن المواريث بعنوان: (فقه المواريث المقارن من هدي القرآن والسنة)، وقد صدر منه أربع طبعات، كانت آخرها قبل شهور، وكلامه فيها عن إرث البنات مع إخوانهن الذكور، هو النصف، ولم يجرؤ على ذكر قوله الذي ينشره في الإعلام منذ سنوات، تدليسا وتضليلا، لأنه يعلم أن كلامه هو محض استهلاك إعلامي، ولا يجرؤ عالم أن يذكر ذلك في ظل كتابة علمية بأدلة وتوثيق.

أعجب ما ذهب إليه الهلالي، أنه نادى بالمساواة في الميراث، بناء على استفتاء يجري بين الشعب، ولا ندري هل هنا يصل بمستوى تفكير الشعب لأن يكون فوق التشريع الإلهي؟ هل هو إيمان منه بقدر الشعوب ومكانتها؟ أم استهانة بالنص الإلهي الذي قال عنه الله: (فريضة من الله) وقال عنه: (تلك حدود الله)، وتوعد من يتعد هذه الحدود بالعذاب الأليم، فهي نصوص لا تحتمل وجهين، بل من النصوص ذات الدلالة الواحدة.وأعجب ما ذهب إليه الهلالي، أنه نادى بالمساواة في الميراث، بناء على استفتاء يجري بين الشعب، ولا ندري هل هنا يصل بمستوى تفكير الشعب لأن يكون فوق التشريع الإلهي؟ هل هو إيمان منه بقدر الشعوب ومكانتها؟ أم استهانة بالنص الإلهي الذي قال عنه الله: (فريضة من الله) وقال عنه: (تلك حدود الله)، وتوعد من يتعد هذه الحدود بالعذاب الأليم، فهي نصوص لا تحتمل وجهين، بل من النصوص ذات الدلالة الواحدة.

والأعجب من الهلالي وهو أستاذ الفقه وأصوله في جامعة الأزهر لسنوات طويلة، يدلل على ما يذهب إليه، بأنه قانون في تركيا، ويكذب فيقول عاصمة الخلافة، وهو قانون سنه مصطفى كمال أتاتورك بعد إسقاط الخلافة بأربعة عشر عاما، وهو قانون علماني، كان بناء على موقف علماني كاره للشريعة.

ثم هل درس الهلالي، أو درس لتلامذته أن من مصادر التشريع في الإسلام: القوانين التي يضعها البشر مخالفة للثوابت مخالفة واضحة؟ فإن بعض القوانين في بعض الدول تبيح محرمات، كتجارة الخمور والأعراض، فهل هذه القوانين ستلغي تحريم الشرع لها، فما قيمة مصادر التشريع الثابتة كالقرآن والسنة، إذا كان قانون يضعه شخص لا يؤمن بالشرع الإسلامي، سيقوم بإلغائه، فما قيمة وجود الأديان إذن، وما قيمة أن يظل الهلالي مدرسا للفقه بالأساس، وهو علم مهدد في كل فرائضه أن يلغيه أصغر دارس للحقوق والقوانين في أي جامعة، بقانون يسن، يصفق له مجموعة من الأعضاء أتوا للمجلس بالتزوير؟!!

وإذا كانت هذه ثقة الهلالي في استفتاء الشعب المصري، فما موقفه من أن يجري استفتاء على بقاء السيسي في منصبه أم عزله؟ هل يمكن أن يقبل بذلك؟ ولو أن سياسيا قام ونادى بهذه الدعوة ما موقف الهلالي من هذه الدعوة؟ معروف موقفه، سيحول الموقف من السيسي لموقف ثابت لا يتزحزح، بينما الثابت من الشرع حوله الهلالي بهواه لمتحول وقابل للتغيير.

هذا الاختبار هو حجر الزاوية في اختبار كل مدعي التنوير، فهم في الحديث عن الوحي، وعن التراث الإسلامي، لديهم تبجح ووقاحة في التعامل معه، شاهرين كل أسلحتهم للعمل في تشريح الوحي والتراث، بينما عندما يأتي الحديث عن السلطة السياسية تجدهم كهنة بكل ما تحمله الكلمة من الثيوقراطية، وإضفاء القداسة على من لا قداسة له، ونزع القداسة عن المقدس، والهلالي نفسه هو القائل عن محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق والسيسي، أنهما من رسل الله، بغض النظر عما يعنيه ويقصده، لكن الوصول بهما لهذه الدرجة من التعظيم، بينما لا يتعامل بنفس القدر من التقدير مع الثوابت الشرعية، ونصوص الوحي المقدسة، هي اختبار كاشف لمدى التردي العلمي والأخلاقي لدى هؤلاء، كهنة السلطة في كل زمان ومكان.

[email protected]

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الفقه مصر الإرث مصر رأي إرث جدل فقه قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المیراث الهلالی فی

إقرأ أيضاً:

الرئيس المشاط  يحدد ملامح المرحلة بكلمة هامة (نص الكلمة)

وجددّ فخامة الرئيس في خطاب وجهه مساء اليوم لأبناء الشعب اليمني بهذه المناسبة، التأكيد على الموقف اليمني الديني والمبدئي الثابت في مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم والأشقاء في غزة، واستمرار عمليات الإسناد مهما كانت التبعات.

وأكد ضمن هذا المسار، الاستمرار على معادلة الحظر الجوي وفرض الحظر على ميناء "حيفا" في فلسطين المحتلة حتى إنهاء العدوان ورفع الحصار عن إخواننا في غزة.. داعيًا إلى وقف العدوان الصهيوني والخرق المستمر لوقف إطلاق النار في لبنان.

وحذر الرئيس المشاط، الدول العربية والاسلامية من خطورة استمرار مواقفهم الضعيفة والمتواطئة مع الكيان الصهيوني وما سيترتب على ذلك من خطر مباشر عليهم في الدنيا وعقوبة ومساءلة إلهية في الآخرة.

كما جدّد التأكيد على موقف اليمن الثابت والمتصاعد في حظر الملاحة البحرية والجوية على العدو الصهيوني حتى إيقاف عدوانه ورفع الحصار عن غزة، باعتباره التزاما دينيا وإنسانيا وقانونيا لا مناص منه.

وقال "نتابع بقلق ما يعانيه أهلنا في المناطق المحتلة من تعز إلى عدن، ومن حضرموت إلى مأرب، من تدهور للأوضاع المعيشية والخدمات الأساسية، وانقطاع الكهرباء، وانتشار الفوضى، ونهب لثروات الشعب من قبل عصابات من المرتزقة تعيش في فنادق الخارج ولا تعبأ بآلام الناس ومعاناتهم واحتياجاتهم، حتى وصل الأمر إلى أن لا يجد أبناء تعز قطرة ماء، وبات انقطاع الغاز والكهرباء في عدن وحضرموت في الأيام شديدة الحرارة يهدد حياة الكثير من المواطنين".

وأشار فخامة الرئيس إلى أن هذه السياسة القاسية المتعمدة ليست سوى حلقة من حلقات الاحتلال الرامية إلى كسر إرادة أبناء هذه المحافظات وإذلالهم.

وأضاف مخاطبا أبناء المحافظات المحتلة "نقول لأهلنا في تلك المحافظات إننا نتألم لآلامكم، ونعدكم بأن نبقى معكم في خندق واحد حتى يزول هذا الظلم، وتشرق شمس الحرية والكرامة على ربوع الوطن كافة".

وتابع "سبق وأن وجهنا بفتح الطرقات بين المحافظات الحرة والمناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال ومرتزقته، وشكلنا لجاناً لتنفيذ ذلك، سعياً منا لتخفيف معاناة المواطنين، وتسهيل تنقلاتهم، انطلاقاً من اهتمامنا بحال المواطن اليمني وإيماناً بالمسؤولية تجاه شعبنا في كل المحافظات شمالاً وجنوباً على حد سواء".

ولفت الرئيس المشاط، إلى أن تلك الجهود والمساعي، كانت تصطدم بتعنت الأطراف الأخرى المرتبطة بالخارج وتعرضت اللجان التي شُكلت لاعتداءات مباشرة بإطلاق النار عليها من قبل الأطراف الأخرى في أكثر من مكان.

وبارك فتح طريق "صنعاء - الضالع – عدن"، مشددا على ضرورة فتح الطرقات بين جميع المحافظات اليمنية بما يخدم المواطنين ويحقق المصلحة الوطنية.

ودعا الرئيس المشاط، النخب اليمنية من علماء وسياسيين ومشايخ ووجاهات اجتماعية وإعلاميين إلى استكمال الدفع بجميع أبناء اليمن إلى توقيع وثيقة الشرف القبلية والبراءة من كل خائن وعميل يجند نفسه مع الخارج المتآمر على بلدنا للإضرار به.

وأوضح أن البعض من أبناء الشعب اليمني يتأثر بالعناوين البراقة التي ترفعها أبواق الخارج وعملاؤه، وقد يكون ذلك بسطحية أو بحسن نية، لكن حسن النية لا يكفي في الأوقات الحساسة وعلى الجميع التحلي بالوعي والبصيرة وترسيخ دعائم وقيم التعاون والوحدة بين أبناء البلد الواحد لإسقاط كل المؤامرات والمتآمرين.

كما توجّه بالشكر للقوات المسلحة والأمن البواسل على سرعة الإنجاز في ترميم كل ما خلفه العدوان الأمريكي على بلدنا في هاتين المؤسستين في وقت قياسي وصولاً للجاهزية بشكل أفضل من ذي قبل على مختلف الأصعدة.

وعبر فخامة الرئيس عن الشكر "لجميع الكيانات الدولية وغيرها على تعاطيها الإيجابي مع حرصنا على عدم الإضرار بأحد كمبدأ لدينا أياً كان ممن لا يشارك بدعم إجرام الصهاينة تجاه أهلنا في غزة، أو العدوان على بلدنا، وأي متجاهل لتحذيراتنا سيعض أصابع الندم على فوات الفرصة فنحن جادون ولسنا استعراضيين".

وأضاف "لقد حذرنا مرارًا وتكرارًا في خطاباتنا السابقة من الأطماع المعلنة للكيان الصهيوني المجرم، والتي لا تستهدف فلسطين وحدها، ولا لبنان أو إيران أو اليمن، بل تستهدف الأمة كلها".

وأكد الرئيس المشاط أن "إقرار ما يسمى الكنيست الإسرائيلي لمشروع قانون يتيح للمستوطنين الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، وإعلان العدو تعزيز الاستيطان على الحدود الشرقية مع الأردن، وإنشاء ثلاث مستوطنات جديدة في غور الأردن تضم عشرة آلاف وحدة سكنية، وكذلك بناء مواقع استيطانية منزوعة السلاح في سوريا – كل ذلك ليس إلا شاهدًا إضافيًا على صدق تحذيراتنا".

وأشار إلى أن الموقف الأمريكي الداعم للإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزة لهو وصمة عار تكشف للعالم الإجرام الأمريكي، وما كانت جرائم الإبادة الوحشية التي يرتكبها كيان العدو الصهيوني، المتعطش لدماء الأطفال والنساء في غزة لتحدث وتستمر لولا الدعم الأمريكي السياسي والعسكري منقطع النظير.. لافتا إلى أن الفيتو الأمريكي الأخير لنقض قرار مجلس الأمن الذي أجمعت عليه دول العالم يؤكد الشراكة والدعم الأمريكي للإجرام الصهيوني.

وفيما يلي نص الخطاب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابته الأخيار المنتجبين، وبعد.

يا أبناء الشعب اليمني العزيز في الداخل والخارج:

بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك أتقدم بإسمي ونيابة عن زملائي في المجلس السياسي الأعلى بأسمى آيات التهاني وأطيب التبريكات إلى قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله، وإلى كافة أبناء الشعب اليمني العزيز في الداخل والخارج، وإلى أبطال القوات المسلحة والأمن المرابطين والمجاهدين في جبهات العزة والكرامة، في سهول اليمن وجباله وبحاره، وإلى كافة الشعب الصامد في مواجهة آثار الحصار وتبعات العدوان، وإلى أبناء الشعب الفلسطيني وإلى المجاهدين والصابرين في غزة البطولة والإباء، والصامدين في لبنان الكرامة والمقاومة، وإلى أمَّتنا الإسلامية جمعاء، وحجاج بيت الله الحرام، بهذه المناسبة الإسلامية العزيزة على قلوبنا.

 

أيها الشعب اليمني العزيز في الداخل والخارج:

إن عيد الأضحى المبارك مناسبة عظيمة لترسيخ الروابط الاجتماعية والثوابت الإسلامية، وتأكيد الاستقامة على موقف الحق، وما يتطلبه ذلك من الاستعداد للتضحية في سبيل الله، وهو مناسبة هامة لتخليد ذكرى نبي الله إبراهيم وابنه نبي الله إسماعيل "عليهما السلام" حيث قدما أعظم درس في التضحية والتسليم لأمر الله، ومثّلا نهجاً للبشرية في وجوب القيام بأوامر الله التي لا تزال في الوسع ودون ذلك البلاء المبين، وضرورة مباينة الشيطان الرجيم الذي يصد عن اتباع أوامر الله وترك نواهيه.

كما أنها مناسبة لاستحضار هدي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في تعليم المسلمين مناسك الحج والعمرة والغاية السامية لفريضة الحج التي تحمل في طياتها الكثير من الدروس وترتقي بالأمة الإسلامية على المستوى الروحي والسلوكي، وتعبر عن أسمى مظاهر وحدة الأمة وقوتها وتماسكها، فلم يفرض الله سبحانه وتعالى على عباده أن يحتشدوا ذلك الاحتشاد المهيب في زمان واحد ومكان واحد وزي واحد دونما هدف سامٍ وغاية هامة، وإن من أسمى الغايات التي تحققها الأمة الإسلامية من فريضة الحج هي الوحدة، التي جسدوها في مظاهرهم وانطوت عليها ضمائرهم، فكان فرصة لتجسيد الوحدة، والعودة إلى ديارهم بالموقف الموحد في مسيرة الحياة ومواجهة المخاطر والتحديات.

وإن من أهم المقاصد التي تعززها شعائر الحج: تحقيق مبدأ البراءة من أعداء الله، ورجم الشيطان في رمزيته أثناء مناسك الحج، وفي حقيقته في ميادين الصراع، وتكبير الله سبحانه وتعالى الذي يحرر الإنسان من مشاعر الرهبة والخضوع للطاغوت والمستكبرين ويشده إلى الله الكبير المتعال.

إن هذه المناسبة المباركة تفرض علينا أن نمتثل لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف في دعوته لصلة الأرحام، والتراحم والتسامح، وتعزيز الروابط الأخوية بين المسلمين، ومواساة الفقراء والمساكين، والشكر لله تعالى ودوام التكبير والتهليل له سبحانه في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.

 

أيها الإخوة والأخوات

نستقبل عيد الأضحى المبارك، هذا العيد العظيم الذي تتجلّى فيه معاني الإيمان والتضحية، حيث يُقبِل المسلمون من كل بقاع الأرض إلى بيت الله الحرام، ملبّين نداء أبيهم إبراهيم، عليه السلام، مؤدين مناسك الحج والعمرة، ومقدمين الأضاحي تقربًا إلى الله تعالى، كما أمرهم مع ذكر الله والتهليل والتكبير والتعظيم. لكن كيف لقلوبنا أن تفرح وأرواحنا يعتصرها الألم لما يمرّ به أهلنا في غزة من محنة عظيمة.

وفي وقتٍ نرفع فيه التكبيرات، ترتفع هناك صرخات الثكالى وأنّات المكلومين، وعندما نرفع الأصوات بالتلبية والتهليل؛ تصدح حناجرهم بالدعاء لله أن يفرغ عليهم الصبر، وعندما تسيل دموعنا فرحاً برؤية الكعبة المشرفة وشوق زيارة الروضة النبوية الشريفة؛ تنهمر دموعهم وتسيل دماؤهم، وفي حين نذبح أضحياتنا، يذبح العدو الصهيوني رجال غزة ونساءَها، لا يرقب فيهم طفلاً ولا يستثني امرأة أو شيخاً، ولا يميّز بين مقاتل في الميدان ومدنيٍّ في مسكنه بأمان.

 

أيها الإخوة والأخوات

إن عيد الأضحى ليس طقسًا شكليًا، بل هو رسالة وموقف. فالتضحية التي علّمنا إياها نبينا الخليل إبراهيم عليه السلام، تفرض علينا أن نكون على استعداد لنُقدّم من أنفسنا، من وقتنا، من أموالنا، من كلماتنا، ومن دعائنا، نصرةً للمظلوم، ودفاعًا عن الحق.

فهل يتذكر المسلمون أن في غزة أجسادًا طاهرة تُقدَّم قرابين على مذبح صمت العالم، وأن صرخة الطفل تحت الركام، ودمعة الأم على ابنها، هي نداء لنا جميعًا أن ننتصر للحق، غير آبهين بسطوة المستكبرين ولا بغي الظالمين، هي تذكير لنا ألا ننسى آلامهم، وألا نخذل مجاهديهم، وألا نصمت عن التعريف بمظلوميتهم في كل المحافل وعبر كل الوسائل.

وفي الختام نؤكد على جملة من المواقف:

1- نجدُّد التهاني والتبريكات بهذه المناسبة لقائدِ الثورة السيّد عبد الملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله، ولشعبِنا اليمنيِّ في الداخل والخارج، وكافة شعوب أمتنا المسلمة، سائلين اللهَ تعالى أن يعيدها علينا وعلى الإنسانية جمعاء بالخير واليُمْن والبركاتِ وقد تحقّق لبلدنا وأمتنا الإسلامية السلامَ والاستقلالَ.

 

2- نتابع بقلق ما يعانيه أهلنا في المناطق المحتلة من تعز إلى عدن ومن حضرموت إلى مأرب، من تدهور للأوضاع المعيشية والخدمات الأساسية، وانقطاع الكهرباء، وانتشار الفوضى، ونهب لثروات الشعب من قبل عصابات من المرتزقة تعيش في فنادق الخارج ولا تعبأ بآلام الناس ومعاناتهم واحتياجاتهم، حتى وصل الأمر إلى أن لا يجد أبناء تعز قطرة ماء، وبات انقطاع الغاز والكهرباء في عدن وحضرموت في الأيام شديدة الحرارة يهدد حياة الكثير من المواطنين، إن هذه السياسة القاسية المتعمدة ليست سوى حلقة من حلقات الاحتلال الرامية إلى كسر إرادة أبناء هذه المحافظات وإذلالهم، ونقول لأهلنا في تلك المحافظات إننا نتألم لآلامكم، ونعدكم بأن نبقى معكم في خندق واحد حتى يزول هذا الظلم، وتشرق شمس الحرية والكرامة على ربوع الوطن كافة، بعون الله وتوفيقه.

3- سبق وأن وجهنا بفتح الطرقات بين المحافظات الحرة والمناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال ومرتزقته، وشكلنا لجاناً لتنفيذ ذلك، سعياً منا لتخفيف معاناة المواطنين، وتسهيل تنقلاتهم، انطلاقاً من اهتمامنا بحال المواطن اليمني وإيماناً بالمسؤولية تجاه شعبنا في كل المحافظات شمالاً وجنوباً على حد سواء، إلا أن جهودنا ومساعينا تلك كانت تصطدم بتعنت الأطراف الأخرى المرتبطة بالخارج وتعرضت اللجان التي شكلناها لاعتداءات مباشرة بإطلاق النار عليها من قبل الأطراف الأخرى في أكثر من مكان، وإننا إذ نبارك فتح طريق (صنعاء _ الضالع _ عدن) نشدد على ضرورة فتح الطرقات بين جميع المحافظات اليمنية بما يخدم المواطنين ويلبي المصلحة الوطنية، وندعو النخب اليمنية من علماء وسياسيين ومشايخ ووجاهات اجتماعية وإعلاميين إلى استكمال الدفع بجميع أبناء اليمن إلى توقيع وثيقة الشرف القبلية والبراءة من كل خائن وعميل يجند نفسه مع الخارج المتآمر على بلدنا للإضرار به، لأن البعض من أبناء شعبنا يتأثر بالعناوين البراقة التي ترفعها أبواق الخارج وعملاؤه، وقد يكون ذلك بسطحية أو بحسن نية، لكن حسن النية لا يكفي في الأوقات الحساسة وعلى الجميع التحلي بالوعي والبصيرة وترسيخ دعائم وقيم التعاون والوحدة بين أبناء البلد الواحد لإسقاط كل المؤامرات والمتآمرين.

4- نجدد التأكيد على موقفنا الديني والمبدئي الثابت في مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم وأهلنا في غزة، كما نؤكد استمرار عمليات الإسناد مهما كانت التبعات، وضمن هذا المسار نؤكد الاستمرار على معادلة الحظر الجوي وفرض الحظر على ميناء حيفاء في فلسطين المحتلة حتى إنهاء العدوان ورفع الحصار عن إخواننا في غزة، وضرورة وقف العدوان والخرق المستمر لوقف إطلاق النار في لبنان من قبل العدو الصهيوني، ونحذر الدول العربية والاسلامية من خطورة استمرار مواقفهم الضعيفة والمتواطئة مع الكيان الصهيوني وما سيترتب على ذلك من خطر مباشر عليهم في الدنيا وعقوبة ومساءلة إلهية في الآخرة.

5- نجدد التأكيد على موقف اليمن الثابت والمتصاعد في حظر الملاحة البحرية والجوية على العدو الصهيوني حتى إيقاف عدوانه ورفع الحصار عن إخواننا في غزة، باعتباره التزاماً دينياً وإنسانياً وقانونياً لا مناص منه.

6- أتقدم بالشكر الكبير لقواتنا المسلحة وأمننا البواسل على سرعة الإنجاز في ترميم كل ما خلفه العدوان الأمريكي على بلدنا في هاتين المؤسستين في وقت قياسي وصولاً للجاهزية بشكل أفضل من ذي قبل على مختلف الأصعدة.

7- الشكر لجميع الكيانات الدولية وغيرها على تعاطيها الإيجابي مع حرصنا على عدم الإضرار بأحد كمبدأ لدينا أياً كان ممن لا يشارك بدعم إجرام الصهاينة تجاه أهلنا في غزة، أو العدوان على بلدنا، وأي متجاهل لتحذيراتنا سيعض أصابع الندم على فوات الفرصة فنحن جادون ولسنا استعراضيين.

8- لقد حذرنا – مرارًا وتكرارًا – في خطاباتنا السابقة من الأطماع المعلنة للكيان الصهيوني المجرم، تلك الأطماع التي لا تستهدف فلسطين وحدها، ولا لبنان أو إيران أو اليمن، بل تستهدف الأمة كلها. وإن إقرار ما يسمى الكنيست الإسرائيلي لمشروع قانون يتيح للمستوطنين الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، وإعلان العدو تعزيز الاستيطان على الحدود الشرقية مع الأردن، وإنشاء ثلاث مستوطنات جديدة في غور الأردن تضم عشرة آلاف وحدة سكنية، وكذلك بناء مواقع استيطانية منزوعة السلاح في سوريا – كل ذلك ليس إلا شاهدًا إضافيًا على صدق تحذيراتنا.

إن هذه التحركات تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن دول الطوق حول فلسطين ستكون الهدف المباشر القادم بعد فلسطين. ومن هذا المنطلق، نؤكد اليوم أنه لا خلاص للأنظمة والشعوب العربية إلا بالجهاد والتصدي لهذا الكيان الغاصب، وأن مواجهة مخططاته الإجرامية، ليست مسؤولية طرف واحد، بل هو واجب ديني وقومي وأخلاقي يقع على عاتق الجميع.

9- إن الموقف الأمريكي الداعم للإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزة لهو وصمة عار تكشف للعالم الإجرام الأمريكي، وما كانت جرائم الإبادة الوحشية التي يرتكبها كيان العدو الصهيوني، المتعطش لدماء الأطفال والنساء في غزة لتحدث وتستمر لولا الدعم الأمريكي السياسي والعسكري منقطع النظير، وقد أكد الفيتو الأمريكي الأخير لنقض قرار مجلس الأمن الذي أجمعت عليه دول العالم وتعطيله الشراكة والدعم الأمريكي للإجرام الصهيوني.

 

تحيا الجمهوريةُ اليمنية..

 

الرحمة والخلود للشهداء..

 

والشفاء للجرحى..

 

والفرج القريب للأسرى..

مقالات مشابهة

  • لجنة الاعتصام تؤكد تصعيدها المشروع ضد قوى "الاحتلال" بالمهرة
  • رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصري والأمتين العربية والإسلامية بعيد الأضحى
  • السيد القائد يدعو لوقفات تضامنية مع فلسطين عقب صلاة العيد
  • الرئيس المشاط  يحدد ملامح المرحلة بكلمة هامة (نص الكلمة)
  • من نوال الدجوي إلى هبة يحيى.. ابنة محافظ أسبق تستغيث من أقاربها بسبب الميراث
  • تركيا.. إعادة انتخاب نعمان قورتولموش رئيسا للبرلمان
  • خالد ابو بكر يقدم نصائح هامة للأسر المصرية حول قضايا الميراث
  • طلاب القسم العلمي بالشهادة الثانوية الأزهرية بسوهاج يؤدون امتحان الفقه
  • هدوء قبيل العيد: طلاب "علمي" بمطروح ينهون امتحان الفقه ويستعدون للفيزياء
  • بعد قليل.. بدء امتحان «الفقه» لطلاب الثانوية الأزهرية