لجريدة عمان:
2025-05-28@12:59:47 GMT

الشلل يهدد حياة 600 ألف طفلٍ في غزة

تاريخ النشر: 3rd, May 2025 GMT

الشلل يهدد حياة 600 ألف طفلٍ في غزة

غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:

في خيمةٍ متواضعةٍ من مخيم البريج، وسط قطاع غزة، يرقد الطفل «أمجد عبد الله» على بساطٍ رقيقٍ في غرفةٍ ضيقة، ترتجف يداه الصغيرتان بلا وعيٍ حين تحاولان الإمساك بلعبةٍ بسيطة. يتحرك جسده النحيل بفعل التشنجات الدائمة، ويمرّ لسانه على شفتيه الجافتين بحثًا عن قطرات ماءٍ أو حليبٍ لا يعرف طعمهما منذ رحيل والديه.

بعد اندلاع حرب السادس من أكتوبر 2023 بأيام، اجتاح القصف منزلهما وانتهت حياة والده «عبد الله» وأمه «سلمى»، تاركين وراءهما أمجد وحيدًا في الظلام، بلا حضنٍ مألوفٍ أو حديثٍ مطمئن.

كانت الأم تعشق رؤية الشمس تلامس وجه طفلها وتغني له بصوتها الهادر لحناً يختبئ في قلبيهما، أما الأب فقد كان يرفض تفويت لحظةٍ واحدة من يومه دون أن يضحك مع أمجد أو يحكي له قصص الجنيات التي سمع عنها في طفولته. اليوم، وصمةُ شلل الأطفال تُزيد من آلامه، وهو ينتظرُ الجرعة التي قد تُغنيه عن حياةٍ من الألم والإعاقة.

طفولةٌ مُعلّقة

ليست قصة أمجد استثناءً، فهو واحدٌ من نحو 602 ألف طفلٍ في غزة قطعت عنهم إسرائيل – منذ أربعين يومًا – شريانَ الحياة الأهم: لقاح شلل الأطفال. في ذاك الصباح البائس، رمى العاملون الطبيون حقائبهم على الرصيف أمام مستشفى ناصر وأعلنوا أنهم لا يقدرون على إدخال المزيد من الأمصال.

كانت تلك الصدمة لدى ذوي الأطفال تشبه موجةً زلزاليةً هزّت صروح الأمل المتهالكة أصلاً. منهم من جَهِلَ أن جرعةً واحدةً كافيةٌ في كثير من الأحيان لوقايةٍ تدوم، وآخرون دانوا أنفسهم لأنها «ضربةٌ إضافية» في وجه أطفالٍ أرهقهم الحصار وقصفُ الحرب.

ثمّة أمرٌ مُرعبٌ في أن يعيش الطفل حالةَ اليتيم مع احتمال أن يبقى مُقعدًا مدى الحياة، وأن يُصبح أسيرَ شللٍ علّق ابتسامته بين المرارة والألم. وفي هذه اللحظة بالذات، ينثر الحصارُ غبارًا من اليأس فوق وجوه أهالي غزة، الذين جمعوا آخر ما تبقى لديهم من إرادةٍ ليدافعوا عن أبنائهم وأدنى حقوقهم في الحياة.

واقعٌ يُعانق الأزمة

لم تعد الوقاية من شلل الأطفال في غزة تتعلق بوصول اللقاح فحسب، بل صارت معركةً من نوعٍ آخر: معركة إرادةٍ بين حقِّ الطفل في صحته وبين سياساتٍ تمنع وصول أبسط أشكال الرعاية.

في سبتمبر 2024، نجحت المرحلة الأولى من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال بتطعيم أكثر من 560 ألف طفلٍ دون سن العاشرة بعد أن سجل القطاع أول إصابة مؤكدة لطفلٍ لم يتجاوز عشرة أشهر، وفق ما أعلن تيدروس أدهانوم غيبريسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية.

وفي نوفمبر من العام نفسه، أكملت المرحلة الثانية بتطعيم 556,774 طفلاً. واستُؤنفت المرحلة الثالثة في فبراير الماضي، فجمعت نحو 600 ألف طفلٍ تلقوا لقاحهم الفموي في إطار الجهود الوقائية. إلّا أن هذه الجهود كلها اصطدمت منذ أربعين يومًا بقرارٍ إسرائيلي يمنع دخول شحنات اللقاح الجديدة.

في عتمة هذا المنع، تبدو الإحصاءات مخيفةً: نحو 602 ألف طفلٍ مهدّدون بخطر الإصابة بشلل دائمٍ وإعاقةٍ مزمنة إذا لم يحصلوا على الجرعتين الأساسيتين من اللقاح الغذائي.

وقد أكدت وزارة الصحة في غزة أن أطفال القطاع باتوا عرضةً لمضاعفات صحية خطِرة وغير مسبوقة، تتقاطع مع أزماتٍ أخرى من انعدامٍ شبه تامٍ لمصادر التغذية السليمة ومياه الشرب النظيفة. وعليه، يُنذر هذا المنع بانفجارٍ وبائيٍّ جديدٍ يضاف إلى معاناةٍ متراكمةٍ منذ انطلاق حرب السابع من أكتوبر.

لكن السؤال الأهم يبقى: لماذا تصرّ إسرائيل على قطع شريان الوقاية عن الأطفال؟ ماذا يجني الاحتلال من إضافاتٍ جديدةٍ من المعاناة إلى أهل غزة؟ وإلى متى سيبقى 602 ألف طفلٍ يواجهون مصيرًا مجهولًا أمام الجدار المسدود؟

همساتُ القلق في قلب اليأس

«ما بدي يأخذ روحه».. تتحدث خالته منى محمد، بصوت يحدوه القلق: «أمجد زمان كان يلعب في كل ركن بالبيت، كان يصرخ باسم جدته، ويضحك من قلبه. الآن، أبيه وأمه استشهدوا وما بقى إلا أنا أحاول أن أحميه. كل ما تأتي له نوبة، أذهب الى المستشفى».

تتمنى أن ينجح المجتمع الدولي في الضغط على الاحتلال، الذي يتعمد منع دخول اللقاحات. اكمل خلال حديثها لـ«عُمان»: «نتمنى أن يستطيع أحد إن يجلب اللقاح قبل ما نفقده، لو أمل صغير عنده. أمجد لا يتمنى أن تنتهي حياته، وهي لم تبدأ بعد».

«هاللّقاح حقُّه».. تعقب عمّته سلوى عبد الله بغصةٍ ظاهرة: «يعني معقول يحرم هذا الطف الغلبان الصغير من أبسط حق؟! الحصار والبراميل خلّوه يتيم، والآن ما بقدر يأخذ جرعته. هذا لقاح يلزمه ليستطيع أن يعيش طبيعي، يكفي قهر على الأطفال».

صوتٌ من قلب الجراحة

د. حازم كحيل، جراحٌ وأخصائيُ أعصابٍ في مستشفى الشفاء بغزة، يصف الوضع بقوله: «منع إدخال لقاح شلل الأطفال إلى القطاع يُشكّل خطورةً بالغةً، خاصةً أنّ غزة سبق أن صُنّفت كبؤرة موبوءة في سبتمبر 2024 عقب تسجيل الإصابة الأولى».

ويؤكد: «اللقاح الفموي يُعَدّ الأساس الاحتياطي في حالات الأوبئة، وقد أنقذ حياة مئات الآلاف من الأطفال خلال حملات السنوات الماضية».

ويحذر خلال حديثه لـ«عُمان»: «في غياب اللقاح، سيبقى الأطفال عرضةً لتلفٍ دائمٍ في النخاع الشوكي، ولن يكون أمامنا سوى التعامل مع حالاتٍ من الإعاقة لا رادّ لها، مع ما تستلزمه من رعايةٍ طويلة الأمد وتكاليفٍ اجتماعيةٍ وصحيةٍ باهظةٍ».

تحذير صحي: مضاعفات وإعاقات مزمنة

أوضح منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة، أن قرار منع دخول لقاح شلل الأطفال مستمر منذ أربعين يومًا متواصلة، ما يعرض أكثر من 602 ألف طفل لخطر الإصابة بشلل دائم وإعاقة مزمنة.

وأشار البرش خلال حديثه لـ«عُمان» إلى أن هذا المنع يعطل تنفيذ المرحلة الرابعة من حملة تعزيز الوقاية من شلل الأطفال، ويهدد بتفشي المرض بين الأطفال الذين لم يتلقوا جرعتي اللقاح الأساسيتين.

وأضاف أن قطاع غزة يحتاج إلى توفير الجرعتين عبر الفم لكل طفل، خاصّةً مع تفاقم أوضاع التغذية والمياه الصالحة للشرب، ما يضاعف من خطورة التعرض للمضاعفات.

حجر الأساس في حملات التطعيم

في إطار الجهود الدولية والإقليمية، أُطلقت حملة التطعيم الأولى ضد شلل الأطفال في سبتمبر 2024 بعد الإعلان عن أول إصابة مؤكدة للفيروس لطفلٍ عمره عشرة أشهر.

ولفت برش إلى أن الحملة نجحت في تطعيم أكثر من 560 ألف طفلٍ، فيما وصل عدد الأطفال المحصنين في المرحلة الثانية 556,774 طفلاً دون العاشرة، قبل أن ينظم فريقٌ طبي المرحلة الثالثة في فبراير الماضي ويغطي نحو 600 ألف طفل.

وتُعدّ هذه الحملات حجر الأساس في خطط وزارة الصحة لمنع تفشّي شلل الأطفال الذي يُعدّ واحدًا من أخطر الأمراض المعدية.

ورغم النجاحات السابقة، تمثّل المرحلة الرابعة نقطةَ تحولٍ مصيرية: فإما أن تُستأنف شحنات اللقاح وتُمنح للأطفال حقهم في الوقاية، أو أن يعمّ صمتٌ قاتلٌ على أصوات ضحكاتٍ كانت تنطلق من أفواه الأطفال، وتتحوّل إلى صفارات إنذارٍ لصوت أجراس العناية الخاصة والعزلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شلل الأطفال ألف طفل فی غزة

إقرأ أيضاً:

خطر عالمي يهدد الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والخليج العربي

حذّر علماء من أن الشعاب المرجانية في العالم قد تذهب إلى "منطقة مجهولة" مع أسوأ حدث تبييض عالمي تم تسجيله والذي ضرب حتى الآن أكثر من 80٪ من الشعاب المرجانية على الكوكب.

وتُعرف الشعاب المرجانية باسم الغابات المطيرة البحرية، إذ تعدّ من أكثر النظم البيئية تنوعا بيولوجيا وقيمة على وجه الأرض، ويقدر أن 25% من الكائنات البحرية، بما في ذلك أكثر من 4000 نوع من الأسماك، تعتمد على الشعاب المرجانية في مرحلة ما من دورة حياتها.

كما تتمتع الشعاب المرجانية بقيمة بيئية واقتصادية وثقافية هائلة لمئات الملايين من البشر حول العالم، وتوفّر خدمات بيئية قيّمة، تشمل التغذية والأمن الاقتصادي والحماية من الكوارث الطبيعية.

وفي حديثه للجزيرة نت يوضح الدكتور محمد السرحان أستاذ الشعاب المرجانية المساعد في كلية علوم البحار بجامعة الملك عبدالعزيز، طبيعة المرجان وآلية تبييضه، فالمرجان كائن بحري لا فقاري يعيش في علاقة مع نوع من الطحالب المجهرية يُعرف بالطحالب التكافلية، والتي تعيش داخل أنسجته.

تقوم هذه الطحالب بعملية البناء الضوئي وتزوّد المرجان بالمواد الناتجة، إضافة إلى منحه ألوانه الزاهية، وفي المقابل، يوفّر المرجان لهذه الطحالب الحماية وبعض العناصر الغذائية الأساسية كالكربون والنيتروجين.

إعلان

ورغم بساطة هذه العلاقة في ظاهرها، فإنها في الواقع شديدة التعقيد، ولا تزال قيد الدراسة العلمية، وتُعد هذه العلاقة الحساسة سبباً في تعرض المرجان للإجهاد عند تغير الظروف البيئية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والذي يؤدي إلى اضطراب العمليات الأيضية وزيادة احتمال الإصابة بالأمراض، بل وقد يتسبب في ظاهرة تبييض المرجان، وتعني طرد الطحالب التكافلية نتيجة الإجهاد الحراري، وبالتالي يفقد المرجان ألوانه الزاهية ويتحول إلى اللون الأبيض.

تُعرف الشعاب المرجانية باسم الغابات المطيرة البحرية (رويترز) أسوأ حدث تبييض عالمي للمرجان

أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن برنامج مراقبة الشعاب المرجانية التابع للحكومة الأمريكية أن الشعاب المرجانية في 82 دولة ومنطقة على الأقل تعرضت لقدر كافٍ من الحرارة لتحويل الشعاب المرجانية إلى اللون الأبيض منذ بدء الحدث العالمي في يناير/كانون الثاني 2023.

وتبلغ نسبة الشعاب المرجانية المعرضة لدرجات الحرارة التي تصل إلى حد التبييض 84% في هذا الحدث الرابع الجاري، مقارنة بـ 68% خلال الحدث الثالث، الذي استمر من عام 2014 إلى عام 2017، و37% في عام 2010 و21% في الحدث الأول في عام 1998.

ويوضح السرحان للجزيرة نت، أسباب تزايد حدوث ظاهرة تبييض المرجان، وهي أحدى الظواهر الطبيعية التي كانت تحدث على فترات زمنية متباعدة ولكن مع زيادة معدلات الاحتباس الحراري بسبب التغير المناخي بدأت هذه الظاهرة بالازدياد والحدوث بشكل متكرر على فترات زمنية قصيرة نسبيا، الأمر الذي يجعل من الصعوبة على الشعاب إعادة تجديد نفسها واستعادة توازنها البيئي بين كل حدث وآخر.

وبحسب السرحان، يؤدي ذلك إلى تدهور حالتها وفقدان التنوع البيولوجي المرتبط بها، ومع تكرار ظاهرة الابيضاض، تصبح الشعاب أكثر هشاشة وأقل قدرة على مقاومة الأمراض أو التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة، وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى انهيار النظام البيئي المرجاني بالكامل.

كما أن تحمّض المحيطات، الناتج عن ارتفاع درجة حرارة المحيط وزيادة معدلات التبخر فيه، يفقد المرجان القدرة على تكوين الهياكل الكلسية (كربونات الكالسيوم) والذي يشكل أيضا تحديا جديا أمام الشعاب المرجانية، بحسب الباحث.

إعلان هل شعابنا المرجانية في خطر؟

تتميز البيئة البحرية في البحار العربية بدرجات حرارتها وملوحتها الشديدة، مما يؤدي إلى تكيفات فريدة من نوعها للشعاب المرجانية مع البيئة القاسية.

يُعدّ الخليج العربي وبحر العرب موطنا لـ 34 و103 نوعا من المرجان على التوالي، موزعة على 16 عائلة، ويستضيف البحر الأحمر وخليج العقبة أكثر من 265 نوعا من الشعاب المرجانية، والتي تشكل في الغالب شعابا مرجانية هامشية توفر الغذاء والمأوى لمئات الأنواع من الفقاريات واللافقاريات، بما في ذلك الأنواع المتوطنة والمهددة بالانقراض والتي تتطلب جهودا متزايدة للحفاظ عليها في المنطقة.

وتعزى ندرة الشعاب المرجانية في الخليج العربي مقارنة بـالشعاب المرجانية في البحر الأحمر بشكل رئيسي إلى اختلاف درجات حرارة المياه، وارتفاع ملوحتها، وتركّز المناطق السكنية والصناعية على طول ساحل الخليج، والصيد الجائر.

ويعدّ البحر الأحمر بحرا شبه مغلق، إذ يتصل بالبحر الأبيض المتوسط ​​وبحر العرب عبر ممرين ضيقين، هما قناة السويس ومضيق باب المندب على التوالي، ويشتهر بشعابه المرجانية الخلابة، التي تجعله مكانا فريدا لدراسة النظم البيئية المرجانية.

وتتمتع الشعاب المرجانية في المنطقة الشمالية من البحر الأحمر على خليجي السويس والعقبة بمقاومة استثنائية لموجات الحر، بالمقارنة مع الشعاب المرجانية في المناطق الوسطى والجنوبية منه، والتي شهدت تاريخيا حالات ابيضاض جماعي عند تعرضها للإجهاد الحراري.

ويمكن أن تصل حدود التحمل الحراري للشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر بشكل استثنائي إلى مستويات قياسية تزيد عن 5 درجات مئوية فوق أقصى درجاتها الصيفية، وهي درجات قاتلة للشعاب المرجانية في أماكن أخرى، ولم تُعثر على هذه الشعاب المرجانية المقاومة للحرارة في أي مكان آخر على الكوكب، مما يجعلها المستودع العالمي الوحيد لهذا النوع من الحياة البحرية.

إعلان

لكن مع ازدياد معدلات الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة سطح الماء يحذر السرحان في حديثه للجزيرة نت من عدم قدرة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والخليج العربي -في مرحلة ما- على متابعة التكيف مع هذه التغيرات والتي بدأت تتأثر بالفعل بحدث التبييض العالمي.

مقالات مشابهة

  • تكدس 250 ألف طن نفايات يهدد غزة بكارثة بيئية
  • اختتام المرحلة الخامسة والأخيرة من التكوين الخاص بالمحضّرين البدنيّين
  • أمجد الشوا: الوضع الإنساني في غزة كارثي والمستشفيات عاجزة
  • خطر عالمي يهدد الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والخليج العربي
  • العطش يهدد وجود العراق
  • الاحتلال يهدد بضم المستوطنات والأغوار حال الاعتراف بدولة فلسطين
  • تلوث الهواء يهدد عظام النساء بعد انقطاع الطمث
  • معتمد جمال: كأس مصر هدف الزمالك الأسمى في هذه المرحلة
  • شاب أميركي يهدد باغتيال ترامب وحرق سفارة بلاده في إسرائيل
  • إنقاذ ثلاثينية من الشلل النصفي بمستشفى شبين الكوم التعليمي