شهد العالم العربي ويشهد منذ عقود أزمات سياسية وحقوقية متفاقمة، دفعت آلاف النشطاء السياسيين إلى الهجرة نحو أوروبا والعالم الغربي بحثا عن الأمان والحرية.
وجد هؤلاء النشطاء أنفسهم اليوم في بيئة ديمقراطية تحترم الحريات وتتيح لهم إمكانيات واسعة للعمل من أجل قضاياهم الإنسانية وحقوق الإنسان في بلدانهم الأصلية.
وما هي التحديات التي تواجههم؟ وكيف يمكنهم أن يكونوا صوتا مؤثرا في الدفاع عن الحرية والعدالة في العالم العربي؟
واقع الجاليات والنشطاء العرب في أوروبا
تضم أوروبا ملايين العرب، كثير منهم من خلفيات سياسية أو حقوقية، هربوا من أنظمة استبدادية بحثا عن فضاء ديمقراطي.
لم تنجح الجاليات العربية في أوروبا، رغم وجودهم في مجتمعات ديمقراطية، غالبا في بناء مؤسسات ضغط قوية أو تكتلات سياسية مؤثرة في السياسات الأوروبية تجاه قضاياهم، فهي اتجهت إلى المؤسسات الاجتماعية والدينية التي لها وجود داخل المجتمع الإسلامي في أوروبا والعالم الغربي، مثل اتحاد المنظمات الإسلامية العامل في أوروبا وغيره من الجمعيات، ولكن ليس تواجدا في عالم السياسة وصنع لوبي حقيقي كقوة ضغط على الحكومات الأوروبية.
وبسبب المشاكل السياسية يعاني كثير من النشطاء من أزمة هوية واغتراب، ما ينعكس على اندماجهم في المجتمعات الجديدة ويحد من فاعليتهم السياسية.
إمكانات العمل في بيئة ديمقراطية
أتاحت الديمقراطيات الأوروبية حرية التنظيم، وتأسيس الجمعيات، والتعبير عن الرأي، والمشاركة في الحياة السياسية، وهي أدوات قوية يمكن للنشطاء العرب استثمارها، ولكن هذا الاستثمار يكون فرديا وليس جماعيا، وهذا يضعف التأثير في القضايا الكبرى للنشطاء العرب.
وأتيح للنشطاء العرب تأسيس منظمات حقوقية، إطلاق حملات إعلامية، وتنظيم فعاليات تضامنية للضغط على الحكومات الأوروبية من أجل تبني سياسات أكثر دعما لحقوق الإنسان في العالم العربي.
تتيح المشاركة في الأحزاب السياسية الأوروبية والانخراط في العمل البرلماني التأثير في السياسات الداخلية والخارجية للدول المضيفة.
التحديات أمام نشطاء العرب
- يحد ضعف التنظيم الداخلي للجاليات العربية، وغياب الأطر المؤسسية الفاعلة، من قدرتهم على التأثير الجماعي.
- يُضعف الاستقطاب الديني والسياسي داخل الجاليات وحدة الصف ويشتت الجهود، ويجعل بعض القضايا محصورة في أطر ضيقة.
- بعض الحكومات الأوروبية تضع المصالح الاقتصادية والسياسية فوق مبادئ حقوق الإنسان، ما يصعب مهمة النشطاء في التأثير على السياسات الخارجية.
- صعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا يفرض تحديات إضافية على النشطاء العرب، خاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة والاندماج.
نماذج من النشاط العربي في أوروبا
- شهدت السنوات الأخيرة تحركات نشطة من بعض المجموعات العربية في أوروبا، خاصة خلال موجات الربيع العربي، حيث نظمت فعاليات ومظاهرات لدعم الثورات والمطالبة بحقوق الإنسان.
- بعض المنظمات الحقوقية العربية في أوروبا نجحت في إيصال قضايا المعتقلين السياسيين والانتهاكات الحقوقية إلى المحافل الدولية. فمع الحرب الأخيرة على غزة نشطت المجموعات العربية واستغلت أجواء الحرية في أوروبا لعرض قضية فلسطين بصورة مختلفة كان لها الأثر في قرارات بعض الدول باعتراف بدولة فلسطين، وغيرها من مجموعات الضغط من مناهضة الصهيونية وغيرها. وهناك مؤتمر فلسطيني أوروبا وغير من المؤسسات التي تعنى بالشأن العربي والإسلامي.
كما أن هناك نموذج نجاح ولد في رحم هذا المناخ الحر؛ ألا وهو منظمة جاستس ماترز التي قامت بتجربة انتخابات ديمقراطية لاختيار مجلسها الإداري عبر الانتخابات الحر بكل شفافية بين أعضائها، ولم تقل إن الظروف الحالية غير مواتية للانتخابات.
فرص التأثير والتغيير
- يمكن للنشطاء العرب في أوروبا أن يشكلوا مجموعات ضغط (لوبيات) مؤثرة إذا ما توحدت جهودهم، خاصة في ظل وجودهم العددي الكبير وتأثيرهم الانتخابي المحتمل.
- يعزز التعاون مع منظمات حقوقية أوروبية ودولية من فرص إيصال صوت القضايا العربية إلى صناع القرار الأوروبيين.
- استثمار وسائل الإعلام والمنصات الرقمية يتيح للنشطاء العرب مخاطبة الرأي العام الأوروبي والعالمي، والتطور التكنولوجي الذي سهل من عمليات التواصل مع المجتمعات الغربية وكشف انتهاكات حقوق الإنسان في بلدانهم الأصلية.
توصيات لتعزيز دور النشطاء العرب في أوروبا:
رغم التحديات، فإن استثمار البيئة الديمقراطية الأوروبية يتطلب تنظيما أفضل، وتوحيدا للجهود، وانخراطا أعمق في الحياة السياسية والاجتماعية. وحده العمل الجماعي المنظم يمكن أن يحول الجاليات العربية من مجرد جاليات مهاجرة إلى قوة ضغط مؤثرة
1- بناء مؤسسات مجتمع مدني قوية ومستقلة تمثل الجاليات العربية وتدافع عن قضاياهم بطرق مهنية وشفافة.
2- تجاوز الخلافات الدينية والسياسية، وتوحيد الجهود حول قضايا الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
3- الانخراط الفعلي في الحياة السياسية الأوروبية، من خلال الأحزاب، والانتخابات، والمجالس المحلية.
4- تطوير شراكات مع منظمات حقوقية أوروبية ودولية، والاستفادة من خبراتها وإمكاناتها.
5- التركيز على القضايا الإنسانية والحقوقية بعيدا عن الأطر الأيديولوجية الضيقة، لجذب دعم أوسع من المجتمع الأوروبي.
6- محاولة انشاء اتحاد للجاليات العربية في كل دولة من دول أوروبا، حيث يكون صوت جامع للقضايا العامة العربية ويكون قادر على تحريك المسيرات الداعمة للقضايا المحورية التي تهم كل العرب.
وأخيرا..
يمثل وجود النشطاء السياسيين العرب في أوروبا فرصة تاريخية لإعلاء نداء الحرية والعدالة من أجل قضاياهم الإنسانية وحقوق الإنسان في العالم العربي. ورغم التحديات، فإن استثمار البيئة الديمقراطية الأوروبية يتطلب تنظيما أفضل، وتوحيدا للجهود، وانخراطا أعمق في الحياة السياسية والاجتماعية. وحده العمل الجماعي المنظم يمكن أن يحول الجاليات العربية من مجرد جاليات مهاجرة إلى قوة ضغط مؤثرة تدافع عن قيم الحرية والعدالة في أوطانها الأصلية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء العربي الجاليات لوبي التأثير عرب أوربا تأثير لوبي جاليات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الحیاة السیاسیة الجالیات العربیة الحریة والعدالة العرب فی أوروبا النشطاء العرب العالم العربی الإنسان فی العربیة فی
إقرأ أيضاً:
«البرلمان العربي» يطالب باتفاقية دولية ملزمة لضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي
الدوحة (وام)
أخبار ذات صلةطالب معالي محمد بن أحمد اليماحي، رئيس البرلمان العربي، بضرورة التوصل إلى اتفاقية دولية ملزمة تنظم استخدامات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتضمن توظيفها بشكل آمن، يخدم الإنسانية، ويحفظ حقوق الإنسان ويصون الكرامة البشرية.
جاء ذلك في كلمة معاليه خلال مشاركته في المؤتمر الدولي حول «الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان.. الفرص والمخاطر والرؤى لمستقبل أفضل»، المنعقد في العاصمة القطرية الدوحة، والذي تنظمه اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر بالشراكة مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية.
وشدد رئيس البرلمان العربي على أهمية صياغة ميثاق شرف أخلاقي عالمي يضع الضوابط الإنسانية لاستخدام هذه التكنولوجيا، محذراً من خطورة توظيف الذكاء الاصطناعي في انتهاك حقوق الإنسان، كما يحدث في قطاع غزة من قبل إسرائيل التي تستخدم أنظمة ذكية في إدارة عمليات القتل الجماعي واستهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية.
وأوضح اليماحي أن البرلمانات تتحمل جانباً كبيراً من مسؤولية ضمان التوظيف الآمن لهذه التكنولوجيا، مشيراً إلى أن البرلمان العربي كان سباقاً في هذا المجال بإصدار أول قانون عربي ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي قبل ثلاثة أعوام، ليسترشد به المشرعون في الدول العربية عند إعداد تشريعات وطنية ذات صلة.
وأكد، في ختام كلمته، أهمية وجود ضمانات دولية تحول دون احتكار هذه التكنولوجيا من قبل كيانات محددة، مشدداً على ضرورة تحقيق نفاذ عادل ومنظم للذكاء الاصطناعي، وتعزيز التمكين الرقمي المتوازن بين الدول، بما يضمن السيادة الرقمية، ويحفظ خصوصية الشعوب.