وافقت الأيام القليلة الماضية مرور 80 عامًا على مقتل الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني في قرية إيطالية قُبيل نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. واليوم التالي، تم التمثيل بجثته علنًا في ميلانو.

وبالنظر إلى حجم فظائع أدولف هتلر، فإن صورتنا عن الفاشية اليوم قد تشكلت إلى حد كبير بفعل النازية. ومع ذلك، سبق موسوليني هتلر.

وكان "إل دوتشي" (Il Duce) -اللقب الذي عُرف به موسوليني ويعني "الزعيم")- هو ملهم هتلر، كما يقول ماثيو شارب الأستاذ المشارك في الفلسفة بالجامعة الكاثوليكية الأسترالية.

وفي مقاله بموقع ذا كونفيرذيشن، كتب شارب قائلا إنه بينما يناقش المعلقون والمدونون والعلماء ما إذا كانت حكومات اليمين الأميركي والأوروبي يمكن أن توصف بالاستبدادية، يمكننا أن نتعلم من مسيرة إل دوتشي كيف تفشل الديمقراطيات وكيف يرسخ الطغاة الحكم الاستبدادي.

سنوات موسوليني الأولى

نشأ مصطلح "فاشي" نفسه في وقت قريب من تأسيس موسوليني عام 1914 لـ"فاشي داكسيون ريفولوتسيوناريا" (Fasci d’Azione Rivoluzionaria – حِزَم العمل الثوري) وهي جماعة عسكرية تروج لدخول إيطاليا في الحرب العالمية الأولى (1914-1918).

ونشأ موسوليني في عائلة يسارية. وقبل الحرب العالمية الأولى، قام بتحرير الصحف الاشتراكية والكتابة فيها. ومع ذلك، ومنذ وقت مبكر، انجذب هذا الشاب المتمرد أيضًا إلى مفكرين مناهضين للديمقراطية بشكل جذري مثل فريدريش نيتشه، وجورج سوريل، وفيلفريدو باريتو.

إعلان

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، انفصل موسوليني عن الاشتراكيين الذين عارضوا تورط إيطاليا في الصراع. ومثل هتلر، قاتل في الحرب. واعتبر موسوليني تجربته في الخطوط الأمامية أساسية لأفكاره المستقبلية حول الفاشية. وقادته تجربته الحربية إلى تصور جعل إيطاليا عظيمة مرة أخرى، وقوة إمبراطورية جديرة بتراث روما القديمة.

موسوليني ألهم هتلر وأرسى أسس الفاشية مستخدمًا تكتيكات العنف والقمع لترسيخ نظام شمولي (شترستوك)

وفي مارس/آذار 1919، شكل موسوليني "فاشي إيتالياني دي كومباتيمنتو" (Fasci Italiani di Combattimento – الحِزَم الإيطالية للقتال) في ميلانو. وجمعت هذه المجموعة تشكيلة متنوعة من قدامى المحاربين المهتمين في المقام الأول بمحاربة الاشتراكيين والشيوعيين. وتم تنظيمهم في "سكوادريستي" (Squadristi – فرق) -التي ستُعرف لاحقًا بقمصانهم السوداء وعنفهم- وقد أجبروا العديد من أهدافهم على شرب زيت الخروع.

ولكن النجاح السياسي لمُثُل موسوليني الفاشية لم يكن فوريًا ولا حتميًا. ففي الانتخابات الإيطالية عام 1919، حصل موسوليني على عدد قليل جدًا من الأصوات، حتى أن الشيوعيين نظموا مسيرة جنازة وهمية خارج منزله احتفالًا بموته السياسي.

الصعود إلى السلطة والزحف على روما

أصبحت الفاشية جزءًا من الحياة السياسية الوطنية عام 1920-1921، في أعقاب موجات من الإضرابات الصناعية والزراعية واحتلال العمال للأراضي والمصانع.

ونتيجة لذلك، لجأت النخب الريفية والصناعية إلى الـ"سكوادريستي" الفاشية لكسر الإضرابات ومحاربة منظمات العمال. كما قلبت الفرق الفاشية نتائج الانتخابات الديمقراطية في بولونيا وكريمونا، ومنعت المرشحين اليساريين من تولي مناصبهم.

وزاد رصيد موسوليني السياسي، بشكل ملحوظ، بفعل هذا العنف. ودُعي للانضمام إلى حكومة رئيس الوزراء إيفانو بونومي الأولى في يوليو/تموز 1921.

إعلان

وفي أكتوبر/تشرين الأول التالي، احتل الفاشيون مدينتي بولسانو وترينتو. وكان الليبراليون والاشتراكيون والملكية الإيطالية مترددين في مواجهة هذه الاستفزازات، مما سمح لموسوليني باغتنام اللحظة. وبحشد الفرق الفاشية، أمر بـ"الزحف الشهير على روما" أواخر أكتوبر/تشرين الأول 1922 للمطالبة بتعيينه رئيسًا للوزراء.

وتشير جميع الأدلة إلى أنه لو تدخلت الحكومة، لكان الزحف على روما قد تفرق. لقد كان عملاً مسرحيًا سياسيًا جريئًا. ومع ذلك، خوفًا من الحرب الأهلية -ومن الشيوعيين أكثر من أصحاب القمصان السوداء- رضخ الملك فيكتور إيمانويل الثالث دون إطلاق رصاصة واحدة.

وتم تعيين موسوليني زعيمًا لحكومة جديدة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1922.

بفضل العنف المنظم للفاشيين تمكن موسوليني من تعزيز نفوذه السياسي ودخول أول حكومة ائتلافية عام 1921 (شترستوك) ترسيخ الدكتاتورية

مثل هتلر (عام 1933) بدأ حكم موسوليني رئيسا لحكومة ائتلافية تضم أحزابًا غير فاشية. ولكن، مع وجود قوى الدولة القمعية الآن تحت تصرفه، استغل موسوليني الانقسام بين خصومه وعزز سلطته تدريجيًا.

وعام 1923، تم استهداف الحزب الشيوعي باعتقالات جماعية، وتم وضع الفرق الفاشية تحت سيطرة الدولة الرسمية كقوة شبه عسكرية. وبدأ موسوليني استخدام سلطات الدولة لمراقبة جميع الأحزاب السياسية غير الفاشية.

وفي الانتخابات العامة عام 1924، ومع وجود المليشيات الفاشية التي تهدد مراكز الاقتراع، فاز إل دوتشي بنسبة 65% من الأصوات.

وفي يونيو/حزيران، تم اختطاف الزعيم الاشتراكي جياكومو ماتيوتي وقتله على يد أصحاب القمصان السوداء. وعندما أشارت التحقيقات إلى مسؤولية موسوليني، نفى في البداية أي علم بالقتل. ولكن بعد أشهر، اعترف موسوليني بفخر بمسؤوليته عن الفعل، محتفلاً بوحشية الفاشيين. ولم يواجه أي عواقب قانونية أو سياسية.

إعلان

وجاء المسمار الأخير في نعش ديمقراطية إيطاليا الواهنة أواخر عام 1926. وفي أعقاب محاولة اغتيال خدشت أنف موسوليني (ارتدى ضمادة لبعض الوقت بعد ذلك) حظر موسوليني بشكل قاطع كل المعارضة السياسية.

من خلال تنصيب نفسه "رجل القدر" ادعى موسوليني أن الفاشية تجسد "التجديد الروحي" للشعب الإيطالي (شترستوك) "الشر الأهون"

بعد وفاته في أبريل/نيسان 1945، غالبًا ما تم تصوير دكتاتورية موسوليني على أنها "دكتاتورية مخففة" أي "شر أهون" مقارنة بالنازية أو روسيا الستالينية. وهذه السردية، التي عززتها الجرائم الألمانية ضد الإيطاليين الأشهر الأخيرة من الحرب، تم تبنيها بشكل مفهوم من قبل العديد من الإيطاليين.

ومع ذلك، كان نظام موسوليني هو أول من يروج لنفسه على أنه شمولي (توتاليتاري). ومن خلال تنصيب نفسه "رجل القدر" ادعى موسوليني أن الفاشية تجسد "التجديد الروحي" للشعب الإيطالي.

وتطلب هدفه في جعل إيطاليا قوة مرة أخرى سيطرة كاملة على الدولة. وتصف "عقيدة الفاشية" التي وضعها عام 1932 الحاجة إلى "ممارسة السلطة والقيادة" لجميع المؤسسات الإدارية والشرطية والقضائية. وشمل ذلك رقابة الصحافة والمؤسسات التعليمية.

وبينما صور الفاشية على أنها حركة "شعبوية" قام موسوليني أيضًا بإغلاق النقابات العمالية المستقلة، وأنقذ البنوك الكبرى، ومنع الحق في الإضراب. ونتيجة لذلك، اتسع التفاوت الاقتصادي بين الإيطاليين بالفعل تحت حكمه.

كما سعى موسوليني وراء حلم إمبريالي بغزو إثيوبيا. ومتحديًا الاتفاقيات الدولية، استخدمت قوات إل دوتشي الأسلحة الكيميائية والإعدامات بإجراءات موجزة لقمع أعمال المقاومة. ويقدر العلماء أن أكثر من 700 ألف إثيوبي قتلوا على يد الغزاة، مع إجبار حوالي 35 ألفًا على دخول معسكرات الاعتقال.

وأدار فاشيو موسوليني أكثر من 30 معسكر اعتقال من 1926 إلى 1945، كلها تقريبًا خارج البلاد. ومات ما بين 50 و70 ألف ليبي وحدهم في المعسكرات التي أقيمت تحت نظام إيطاليا الاستعماري الوحشي من 1929 إلى 1934. ومات عدد أكبر بكثير من خلال الإعدامات والمجاعة والتطهير العرقي.

إعلان

وعندما زار ليبيا زعيمُ "إس إس" (SS) -وهي منظمة شبه عسكرية نازية- سيئ السمعة هاينريش هيملر عام 1939، اعتبر المستعمرة الإيطالية نموذجًا ناجحًا يحتذى به.

وبعد أن ساعدت قوات موسوليني في غزوات المحور (دول المحور في الحرب العالمية الثانية) ليوغسلافيا وألبانيا وروسيا في الحرب العالمية الثانية، تم اعتقال أكثر من 80 ألف سجين آخر بالمعسكرات. وفي معسكر جزيرة راب الكرواتية، توفي أكثر من 3 آلاف سجين في ظروف غير إنسانية بشكل صارخ عام 1942-1943، بمعدل وفيات أعلى من معسكر بوخنفالد النازي.

ومنذ أواخر عام 1943، شارك الفاشيون الإيطاليون أيضًا في اعتقال أكثر من 7 آلاف يهودي إيطالي لنقلهم إلى أوشفيتز (معسكر إبادة نازي). وقُتلوا جميعًا تقريبًا.

وبعد الحرب، حتى مع موت إل دوتشي، لم يواجه سوى عدد قليل من الجناة العدالة على هذه الفظائع.

دروس للديمقراطيات بعد 80 عامًا

إن وصمة العار للجرائم المرتبطة بكلمة "فاشية" عنت أن قلة قليلة من الناس اليوم يتبنون هذا الشعار، حتى أولئك المنجذبين إلى نفس أنواع السياسات الاستبدادية والقومية العرقية.

وقد يبدو موسوليني، أكثر حتى من هتلر، أحمق منفوخًا، بزيه العسكري، وإيماءاته المسرحية، وذكوريته المفرطة المصطنعة، وفكه الفولاذي المسجل كعلامة تجارية.

ومع ذلك، فإن أحد دروس مسيرة موسوليني أن مثل هؤلاء المغامرين السياسيين ليسوا أقوياء إلا بقدر ما تسمح به المعارضة الديمقراطية، وإن الفشل في أخذهم على محمل الجد هو تمكين لنجاحهم.

ودفع موسوليني حظه مرارًا وتكرارًا بين عامي 1920 و1926. كما يُظهر المسلسل التلفزيوني الرائع الأخير عن صعوده "موسوليني ابن القرن" (Mussolini, Figlio del Seculo) -مرارًا وتكرارًا- فشل المعارضة في معارضة هجمات الفاشيين على الأعراف والمؤسسات الديمقراطية بشكل متضافر، ثم كان الأوان قد فات.

إعلان

وتسقط الديمقراطيات في الغالب بمرور الوقت، بألف جرح وتحول في معايير ما يعتبر "طبيعيًا". وعلاوة على ذلك، تعتمد الفاشية، بدرجة ليست بالقليلة، على الخداع السياسي الوقح، بما في ذلك الاستعداد لإخفاء نواياها الأكثر راديكالية.

ويتراكم "الرجال الأقوياء" الفاشيون مثل موسوليني السلطة بفضل عدم قدرة الناس على تصديق أن توحش الحياة السياسية، بما في ذلك العنف المفتوح ضد المعارضين، يمكن أن يحدث في مجتمعاتهم.

وهناك درس أخير ومقلق لمسيرة موسوليني. فقد كان إل دوتشي داعية ماهرًا صور نفسه على أنه يقود ثورة شعبية لاستعادة القيم المحترمة. وتمكن من كسب دعم شعبي واسع النطاق، بما في ذلك بين النخب، حتى وهو يدمر الديمقراطية الإيطالية.

ومع ذلك، لو حاولت الملكية والجيش والأحزاب السياسية الأخرى والكنيسة معارضة الفاشية بشكل مبدئي وموحد في وقت مبكر بما فيه الكفاية، لكان من المحتمل تجنب معظم ج رائم موسوليني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الحرب العالمیة فی الحرب أکثر من ومع ذلک بما فی

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني ضرب أميركا لإيران؟

اتّخذ الرئيس الأميركي ترامب قراره بضرب المفاعلات النووية الإيرانية مستخدمًا ‏القاذفات الأميركية "بي-2 سبيريت" ‏المتفوقة عالميًا، وذلك بعد ترقبٍ كبيرٍ وضغطٍ إسرائيلي مُتعاظِم- في ‏الأيام الأخيرة- لدفع الرئيس ترامب ‏للدخول في الحرب الدائرة حاليًا بين إسرائيل وإيران.

عجز الطيران الإسرائيلي الحربي عن تحقيق أهداف القضاء ‏الكامل على البرنامج النووي الإيراني، ‏وخاصة مفاعلها النووي في فوردو.

وجدت إسرائيل نفسها في مأزقٍ كبيرٍ تخشى من مغبة إطالة الحرب مع إيران، وصور سقوط الصواريخ الإيرانية في العمق الإسرائيلي والتكلفة المادية العالية للتصدي للصواريخ الإيرانية واستنزاف الاقتصاد الإسرائيلي في هذه الحرب ما لم تحقّق أهدافها سريعًا.

لذلك كان الضغط الإسرائيلي على الرئيس ترامب واضحًا في ‏الأيام الأخيرة بأنّ عليه التدخل فيما يشبه بتوجيه الضربة القاضية في جولات الصراع.

حاول نتنياهو وصقور الحزب الجمهوري تصوير مهمة القضاء على البرنامج النووي الإيراني مهمةً لسيت عصيّةً كما يتصوّر البعض، وأنّ النظام الإيراني هشٌّ جدًّا ‏لن يستطيع الدخول في حرب شاملة ضد المصالح الأميركية في المنطقة.

‏ولعلّ ترامب يعتقد أيضًا أن ردة فعل إيران ستكون شبيهة فعلها حينما اغتالت القوات الأميركية ‏القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني – إبان الفترة الرئاسية الأولى للرئيس ترامب- عندما هاجمت إيران أهدافًا أميركية محدّدة في المنطقة دون الدخول في حرب متهورة شاملة ضد الولايات المتحدة.

‏ ‏ليست هذه المرة الأولى للتدخل الأميركي ‏العسكري في إيران، ولكن يستطيع المرء أن يستخلص ‏عدة ‏دلالات إستراتيجية كبيرة لهذا التدخل الأميركي سيكون لها تأثير ‏عظيم في منطقة الشرق الأوسط.

‏الصراع الإسلامي الإسرائيلي

‏ هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها دولة إسلامية -غير عربية- في الصراع العربي الإسرائيلي مباشرةً مستهدفةً العمق الإسرائيلي للمرة الأولى منذ نشأة دولة إسرائيل في عام 1948.

إعلان

‏لقد انتقلت إيران الآن من مرحلة دعم الجماعات العسكرية المناهضة لإسرائيل إلى الدخول مباشرة في حلبة الصراع ضد إسرائيل. لقد أصبحت القضية الفلسطينية الآن فعلًا قضيةً إسلاميةً اُريقت فيها الدماء في طهران، وغيرها من المدن الإيرانية الأخرى.

‏أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو استغلال حرب غزة استغلالًا يمكّنه من السيطرة على منطقة الشرق الأوسط دون أي منافسٍ إقليمي آخر، ولذلك حرص منذ بداية الحرب في غزة على استهداف حزب الله في لبنان وتقليص مقدراته العسكرية تقليصًا كبيرًا، مستفيدًا أيضًا من إزالة نظام بشار الأسد في سوريا -الحليف الإستراتيجي لإيران- ممهّدًا بذلك الطريق للتخلص من البرنامج النووي الإيراني.

لا شك أن تعويل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على فوز الرئيس الأميركي ترامب في الانتخابات الأميركية لتحقيق أهداف إسرائيلية إستراتيجية قد آتى أُكله حين استجاب الرئيس ترامب لدعوته بضرب المفاعلات النووية الإيرانية.

حرص الرئيس الأميركي ترامب على الدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران- استمرت حوالي خمس جولات- لم تثمر في الوصول إلى اتفاق حيال الملف النووي الإيراني. ‏

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأميركي ترامب أبدى في البداية استعدادًا للقبول بفكرة استمرار إيران في عملية تخصيب ‏اليورانيوم بدرجات أقل للاستخدام السلمي بشروط محدّدة، ولكنه في الفترة الأخيرة مال إلى رأي الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو المطالِبة بحرمان إيران من حق تخصيب ‏اليورانيوم ‏حرمانًا كاملًا، كضمان ‏وحيد يمنع إيران من محاولات إنتاج السلاح النووي.

‏وعلى الرغم من تبني الحكومة الإسرائيلية حاليًا سياسة تغيير النظام في إيران، فإنه من المستبعد حاليًا أن تتبنى الولايات المتحدة الأميركية سياسة تغيير النظام، كما حدث قبل حربها في العراق سنة 2003.

يرغب ترامب رغبةً ‏كبيرةً في إرسال رسالة واضحة إلى إيران تشير إلى أن ضرباته الجوية ضد مفاعلاتها النووية، هي عملية اضطر إليها اضطرارًا بعد فشل المفاوضات بينهما.

‏وعليه سيحاول النظام الإيراني قراءة الواقع قراءةً متأنيةً لاختيار أسلوب الرد على الضربات الأميركية بناءً على دبلوماسية الأبواب الخلفية التي ربما بدأت الولايات المتحدة ممارستها حاليًا بالفعل؛ لإيصال رسالة واضحة إلى طهران تفيد بعدم رغبة الولايات المتحدة في تطوير الصراع العسكري بينهما أكثر من ذلك.

ويبدو هذا واضحًا من رسالة الرئيس ترامب ‏الأخيرة التي أخبر فيها بضرب المفاعلات الإيرانية، حيث ركّز على ضرورة البدء في عملية السلام الآن، وهي رسالة تحاول فتح صفحة جديدة مع إيران أكثر منها خطابًا لإعلان الحرب عليها- مثلما فعل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش حينما بدأ ضرباته الجوية ضد العراق ‏في مارس/ آذار عام 2003.

لا شكّ أن هذه الهجمات الأميركية الأخيرة ستجعل إيران أكثر حرصًا الآن مما مضى على المضي قدمًا لتطوير برنامجها النووي، وإنتاج السلاح النووي مهما كلّفها ذلك من مشاقَّ ومواجهات عسكرية.

‏ضعف النظام الإسرائيلي

كشفت هذه الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، حاجةَ الأخيرة الملحّة للدعم العسكري الأميركي المباشر ضد الأهداف الإيرانية، وضعفًا أمنيًا خطيرًا في إسرائيل، مما يجعلها ‏أكثر اعتمادًا على الولايات المتحدة الآن ‏من قبلُ، وربما أكثر عرضةً أيضًا للضغوط الأميركية، خاصة متى ما قرّر الرئيس الأميركي ترامب إنهاء الحرب الدائرة حاليًا في غزة.

إعلان

‏ولعلّ هذه هي الحرب الأولى في تاريخ إسرائيل التي تخوضها الولايات المتحدة الأميركية معها مباشرةً لتحقيق أهداف مشتركة. سيكون لهذا التدخل الأميركي المباشر لصالح إسرائيل آثاره المستقبلية، ربما في إحداث تقارب إسلامي عربي في المنطقة، مثل التقارب التركي السوري، أو التقارب التركي المصري.

‏لقد أخطأت إسرائيل خطأ إستراتيجيًا فادحًا في توسيع دائرة حربها في المنطقة، بدءًا من غزة إلى لبنان واليمن وسوريا، والآن إلى العمق الإيراني.

لقد كشفت الصواريخ الإيرانية هشاشة الأمن الإسرائيلي، وأن التفوق التكنولوجي النوعي الإسرائيلي ليس كفيلًا وحده بجلب الأمن والسلام لشعبها في إسرائيل. ‏ولأول مرة يجد المواطن الإسرائيلي نفسه- في تاريخ الحروب الإسرائيلية الطويلة في المنطقة- مهدّدًا في عقر داره في تل أبيب وحيفا، وغيرهما من المدن الإسرائيلية.

‏ بوادر تغيّر الرأي العام الأميركي

‏على الرغم من انشغال الرأي العام الأميركي عمومًا بقضاياه المحلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعزوفه عمومًا عن الانفعال والانشغال بالقضايا السياسية الخارجية، فإنّ بعض الحروب الخارجية – مثل الحروب في فيتنام والعراق- قد تركت بصمات واضحة في توجهات الرأي العام الأميركي.

‏الغريب في الأمر ربّما ستسهم الضربات الأميركية الأخيرة ضد إيران في توحيد طرفين أيديولوجيين متناقضين للمرة الأولى في السنوات الأخيرة نحو هدف مشترك، وهو إنهاء الحروب الأميركية ‏نسبةً للتكلفة المالية العالية، خاصةً بعد حربي أفغانستان والعراق، وأثر هاتين الحربين في زيادة الدين الأميركي العام والعجز في ميزانية الدولة ‏لأكثر من عقدين من الزمان.

وجدت بعض الأصوات اليمينية المتشدّدة الرافضة للتدخلات العسكرية، لأسباب اقتصادية بحتة، وكذلك التيار الليبرالي ‏‫اليساري، لدواعٍ إنسانية، أنفسهم مشتركين في هدف واحد يرفض أن تخوض الولايات المتحدة الأميركية حربًا خارجية أخرى مدمرة مثل حربَي العراق أو أفغانستان.

‏لقد أحدثت الحرب في غزة هزة كبيرة في أعرق الجامعات الأميركية مطالبةً بإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة. ‏وبلا شك ستثير الضربات الأميركية ضد إيران انتباه الرأي العام الأميركي للآثار السياسية والمالية العالية لدعم دولة إسرائيل.

ولعلّ النقاش الدائر حاليًا في بعض وسائل الإعلام الأميركية المحلية حول دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ووقوفها مع إسرائيل، أمرٌ لم يتعوّد عليه من قبل الرأي العام الأميركي، ممّا يجعل تأثيره مستقبلًا أمرًا جديرًا بالاهتمام.

‏ربما نجح ‏ترامب في الوقت الراهن في امتلاك زمام المبادرة السياسية والعسكرية حيال إيران وضرب مفاعلها النووي في فوردو، إلا أن إيران ما زالت تمتلك الكثير من الأوراق السياسية، والقدرات العسكرية ‏لإطالة أمد الصراع بينها وبين إسرائيل، ‏الأمر الذي لن تستطيع إسرائيل تحمّله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مسؤول إيراني كبير لـCNN: الحرب قد تستمر لعامين أو أكثر
  • ضبط أكثر من 10 آلاف مسيّرة في طهران.. وإسقاط 130 منذ بدء الحرب مع إسرائيل
  • لماذا سوريا من أكثر البلدان تضررًا من حرب إسرائيل وإيران؟
  • الذهب يتراجع مع صعود الدولار وترقب عالمي لرد إيران
  • ماذا يعني ضرب أميركا لإيران؟
  • الضربات الصاروخية الإيرانية تدمر أكثر من 240 مبناً في “إسرائيل”
  • ودخلت أمريكا الحرب.. ماذا بعد؟
  • إيران.. أكثر من 400 قتيل منذ بدء الحرب مع إسرائيل
  • ‏وزارة الصحة الإيرانية: أكثر من 400 قتيل منذ بداية الحرب مع إسرائيل
  • ارتفاع أسعار الذهب مع صعود الدولار في بغداد و اربيل ببداية الاسبوع