بعد 80 عامًا من وفاة موسوليني ماذا نتعلم من صعود الفاشية؟
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
وافقت الأيام القليلة الماضية مرور 80 عامًا على مقتل الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني في قرية إيطالية قُبيل نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. واليوم التالي، تم التمثيل بجثته علنًا في ميلانو.
وبالنظر إلى حجم فظائع أدولف هتلر، فإن صورتنا عن الفاشية اليوم قد تشكلت إلى حد كبير بفعل النازية. ومع ذلك، سبق موسوليني هتلر.
وفي مقاله بموقع ذا كونفيرذيشن، كتب شارب قائلا إنه بينما يناقش المعلقون والمدونون والعلماء ما إذا كانت حكومات اليمين الأميركي والأوروبي يمكن أن توصف بالاستبدادية، يمكننا أن نتعلم من مسيرة إل دوتشي كيف تفشل الديمقراطيات وكيف يرسخ الطغاة الحكم الاستبدادي.
سنوات موسوليني الأولىنشأ مصطلح "فاشي" نفسه في وقت قريب من تأسيس موسوليني عام 1914 لـ"فاشي داكسيون ريفولوتسيوناريا" (Fasci d’Azione Rivoluzionaria – حِزَم العمل الثوري) وهي جماعة عسكرية تروج لدخول إيطاليا في الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
ونشأ موسوليني في عائلة يسارية. وقبل الحرب العالمية الأولى، قام بتحرير الصحف الاشتراكية والكتابة فيها. ومع ذلك، ومنذ وقت مبكر، انجذب هذا الشاب المتمرد أيضًا إلى مفكرين مناهضين للديمقراطية بشكل جذري مثل فريدريش نيتشه، وجورج سوريل، وفيلفريدو باريتو.
إعلانوعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، انفصل موسوليني عن الاشتراكيين الذين عارضوا تورط إيطاليا في الصراع. ومثل هتلر، قاتل في الحرب. واعتبر موسوليني تجربته في الخطوط الأمامية أساسية لأفكاره المستقبلية حول الفاشية. وقادته تجربته الحربية إلى تصور جعل إيطاليا عظيمة مرة أخرى، وقوة إمبراطورية جديرة بتراث روما القديمة.
وفي مارس/آذار 1919، شكل موسوليني "فاشي إيتالياني دي كومباتيمنتو" (Fasci Italiani di Combattimento – الحِزَم الإيطالية للقتال) في ميلانو. وجمعت هذه المجموعة تشكيلة متنوعة من قدامى المحاربين المهتمين في المقام الأول بمحاربة الاشتراكيين والشيوعيين. وتم تنظيمهم في "سكوادريستي" (Squadristi – فرق) -التي ستُعرف لاحقًا بقمصانهم السوداء وعنفهم- وقد أجبروا العديد من أهدافهم على شرب زيت الخروع.
ولكن النجاح السياسي لمُثُل موسوليني الفاشية لم يكن فوريًا ولا حتميًا. ففي الانتخابات الإيطالية عام 1919، حصل موسوليني على عدد قليل جدًا من الأصوات، حتى أن الشيوعيين نظموا مسيرة جنازة وهمية خارج منزله احتفالًا بموته السياسي.
الصعود إلى السلطة والزحف على روماأصبحت الفاشية جزءًا من الحياة السياسية الوطنية عام 1920-1921، في أعقاب موجات من الإضرابات الصناعية والزراعية واحتلال العمال للأراضي والمصانع.
ونتيجة لذلك، لجأت النخب الريفية والصناعية إلى الـ"سكوادريستي" الفاشية لكسر الإضرابات ومحاربة منظمات العمال. كما قلبت الفرق الفاشية نتائج الانتخابات الديمقراطية في بولونيا وكريمونا، ومنعت المرشحين اليساريين من تولي مناصبهم.
وزاد رصيد موسوليني السياسي، بشكل ملحوظ، بفعل هذا العنف. ودُعي للانضمام إلى حكومة رئيس الوزراء إيفانو بونومي الأولى في يوليو/تموز 1921.
إعلانوفي أكتوبر/تشرين الأول التالي، احتل الفاشيون مدينتي بولسانو وترينتو. وكان الليبراليون والاشتراكيون والملكية الإيطالية مترددين في مواجهة هذه الاستفزازات، مما سمح لموسوليني باغتنام اللحظة. وبحشد الفرق الفاشية، أمر بـ"الزحف الشهير على روما" أواخر أكتوبر/تشرين الأول 1922 للمطالبة بتعيينه رئيسًا للوزراء.
وتشير جميع الأدلة إلى أنه لو تدخلت الحكومة، لكان الزحف على روما قد تفرق. لقد كان عملاً مسرحيًا سياسيًا جريئًا. ومع ذلك، خوفًا من الحرب الأهلية -ومن الشيوعيين أكثر من أصحاب القمصان السوداء- رضخ الملك فيكتور إيمانويل الثالث دون إطلاق رصاصة واحدة.
وتم تعيين موسوليني زعيمًا لحكومة جديدة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1922.
مثل هتلر (عام 1933) بدأ حكم موسوليني رئيسا لحكومة ائتلافية تضم أحزابًا غير فاشية. ولكن، مع وجود قوى الدولة القمعية الآن تحت تصرفه، استغل موسوليني الانقسام بين خصومه وعزز سلطته تدريجيًا.
وعام 1923، تم استهداف الحزب الشيوعي باعتقالات جماعية، وتم وضع الفرق الفاشية تحت سيطرة الدولة الرسمية كقوة شبه عسكرية. وبدأ موسوليني استخدام سلطات الدولة لمراقبة جميع الأحزاب السياسية غير الفاشية.
وفي الانتخابات العامة عام 1924، ومع وجود المليشيات الفاشية التي تهدد مراكز الاقتراع، فاز إل دوتشي بنسبة 65% من الأصوات.
وفي يونيو/حزيران، تم اختطاف الزعيم الاشتراكي جياكومو ماتيوتي وقتله على يد أصحاب القمصان السوداء. وعندما أشارت التحقيقات إلى مسؤولية موسوليني، نفى في البداية أي علم بالقتل. ولكن بعد أشهر، اعترف موسوليني بفخر بمسؤوليته عن الفعل، محتفلاً بوحشية الفاشيين. ولم يواجه أي عواقب قانونية أو سياسية.
إعلانوجاء المسمار الأخير في نعش ديمقراطية إيطاليا الواهنة أواخر عام 1926. وفي أعقاب محاولة اغتيال خدشت أنف موسوليني (ارتدى ضمادة لبعض الوقت بعد ذلك) حظر موسوليني بشكل قاطع كل المعارضة السياسية.
بعد وفاته في أبريل/نيسان 1945، غالبًا ما تم تصوير دكتاتورية موسوليني على أنها "دكتاتورية مخففة" أي "شر أهون" مقارنة بالنازية أو روسيا الستالينية. وهذه السردية، التي عززتها الجرائم الألمانية ضد الإيطاليين الأشهر الأخيرة من الحرب، تم تبنيها بشكل مفهوم من قبل العديد من الإيطاليين.
ومع ذلك، كان نظام موسوليني هو أول من يروج لنفسه على أنه شمولي (توتاليتاري). ومن خلال تنصيب نفسه "رجل القدر" ادعى موسوليني أن الفاشية تجسد "التجديد الروحي" للشعب الإيطالي.
وتطلب هدفه في جعل إيطاليا قوة مرة أخرى سيطرة كاملة على الدولة. وتصف "عقيدة الفاشية" التي وضعها عام 1932 الحاجة إلى "ممارسة السلطة والقيادة" لجميع المؤسسات الإدارية والشرطية والقضائية. وشمل ذلك رقابة الصحافة والمؤسسات التعليمية.
وبينما صور الفاشية على أنها حركة "شعبوية" قام موسوليني أيضًا بإغلاق النقابات العمالية المستقلة، وأنقذ البنوك الكبرى، ومنع الحق في الإضراب. ونتيجة لذلك، اتسع التفاوت الاقتصادي بين الإيطاليين بالفعل تحت حكمه.
كما سعى موسوليني وراء حلم إمبريالي بغزو إثيوبيا. ومتحديًا الاتفاقيات الدولية، استخدمت قوات إل دوتشي الأسلحة الكيميائية والإعدامات بإجراءات موجزة لقمع أعمال المقاومة. ويقدر العلماء أن أكثر من 700 ألف إثيوبي قتلوا على يد الغزاة، مع إجبار حوالي 35 ألفًا على دخول معسكرات الاعتقال.
وأدار فاشيو موسوليني أكثر من 30 معسكر اعتقال من 1926 إلى 1945، كلها تقريبًا خارج البلاد. ومات ما بين 50 و70 ألف ليبي وحدهم في المعسكرات التي أقيمت تحت نظام إيطاليا الاستعماري الوحشي من 1929 إلى 1934. ومات عدد أكبر بكثير من خلال الإعدامات والمجاعة والتطهير العرقي.
إعلانوعندما زار ليبيا زعيمُ "إس إس" (SS) -وهي منظمة شبه عسكرية نازية- سيئ السمعة هاينريش هيملر عام 1939، اعتبر المستعمرة الإيطالية نموذجًا ناجحًا يحتذى به.
وبعد أن ساعدت قوات موسوليني في غزوات المحور (دول المحور في الحرب العالمية الثانية) ليوغسلافيا وألبانيا وروسيا في الحرب العالمية الثانية، تم اعتقال أكثر من 80 ألف سجين آخر بالمعسكرات. وفي معسكر جزيرة راب الكرواتية، توفي أكثر من 3 آلاف سجين في ظروف غير إنسانية بشكل صارخ عام 1942-1943، بمعدل وفيات أعلى من معسكر بوخنفالد النازي.
ومنذ أواخر عام 1943، شارك الفاشيون الإيطاليون أيضًا في اعتقال أكثر من 7 آلاف يهودي إيطالي لنقلهم إلى أوشفيتز (معسكر إبادة نازي). وقُتلوا جميعًا تقريبًا.
وبعد الحرب، حتى مع موت إل دوتشي، لم يواجه سوى عدد قليل من الجناة العدالة على هذه الفظائع.
دروس للديمقراطيات بعد 80 عامًاإن وصمة العار للجرائم المرتبطة بكلمة "فاشية" عنت أن قلة قليلة من الناس اليوم يتبنون هذا الشعار، حتى أولئك المنجذبين إلى نفس أنواع السياسات الاستبدادية والقومية العرقية.
وقد يبدو موسوليني، أكثر حتى من هتلر، أحمق منفوخًا، بزيه العسكري، وإيماءاته المسرحية، وذكوريته المفرطة المصطنعة، وفكه الفولاذي المسجل كعلامة تجارية.
ومع ذلك، فإن أحد دروس مسيرة موسوليني أن مثل هؤلاء المغامرين السياسيين ليسوا أقوياء إلا بقدر ما تسمح به المعارضة الديمقراطية، وإن الفشل في أخذهم على محمل الجد هو تمكين لنجاحهم.
ودفع موسوليني حظه مرارًا وتكرارًا بين عامي 1920 و1926. كما يُظهر المسلسل التلفزيوني الرائع الأخير عن صعوده "موسوليني ابن القرن" (Mussolini, Figlio del Seculo) -مرارًا وتكرارًا- فشل المعارضة في معارضة هجمات الفاشيين على الأعراف والمؤسسات الديمقراطية بشكل متضافر، ثم كان الأوان قد فات.
إعلانوتسقط الديمقراطيات في الغالب بمرور الوقت، بألف جرح وتحول في معايير ما يعتبر "طبيعيًا". وعلاوة على ذلك، تعتمد الفاشية، بدرجة ليست بالقليلة، على الخداع السياسي الوقح، بما في ذلك الاستعداد لإخفاء نواياها الأكثر راديكالية.
ويتراكم "الرجال الأقوياء" الفاشيون مثل موسوليني السلطة بفضل عدم قدرة الناس على تصديق أن توحش الحياة السياسية، بما في ذلك العنف المفتوح ضد المعارضين، يمكن أن يحدث في مجتمعاتهم.
وهناك درس أخير ومقلق لمسيرة موسوليني. فقد كان إل دوتشي داعية ماهرًا صور نفسه على أنه يقود ثورة شعبية لاستعادة القيم المحترمة. وتمكن من كسب دعم شعبي واسع النطاق، بما في ذلك بين النخب، حتى وهو يدمر الديمقراطية الإيطالية.
ومع ذلك، لو حاولت الملكية والجيش والأحزاب السياسية الأخرى والكنيسة معارضة الفاشية بشكل مبدئي وموحد في وقت مبكر بما فيه الكفاية، لكان من المحتمل تجنب معظم ج رائم موسوليني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحرب العالمیة فی الحرب أکثر من ومع ذلک بما فی
إقرأ أيضاً:
ناشطون يعتبرون قصف بورتسودان قتلا ممنهجا وآخرون ينتقدون الحرب كلها
وتعتبر مدينة بورتسودان ملاذا لمئات آلاف النازحين لكنها لم تعد آمنة في ظل القصف العنيف الذي تشنه قوات الدعم السريع عليها لليوم الثالث على التوالي.
ووفقا لحلقة 2025/5/6 من برنامج "شبكات"، فقد تعرضت المدينة الواقعة على شاطئ البحر الأحمر، والتي تعدّ عاصمة إدارية مؤقتة للبلاد، لسلسلة ضربات جوية متتالية بالمسيّرات.
وتضم المدينة مكاتب الحكومة وقادة الجيش والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، إضافة إلى الميناء البحري الرئيسي ومطار بورتسودان الدولي، وهو أحد أهم المطارات وأكثرها حيوية من حيث الحركة الجوية والوحيد الذي يعمل في السودان بعد خروج مطار الخرطوم عن الخدمة.
واستقبل مطار بورتسودان عشرات الطائرات لإجلاء رعايا الدول الأجنبية، وأصبح مرفقا مهما لكل من الجيش والحكومة، لكن الضربات الأخيرة طالت خزانا للوقود في محيط المطار، وقد انتشرت مقاطع مصورة توضح اندلاع النيران وتصاعد السحب الدخانية من موقع الهجوم.
وأدت هذه الانفجارات إلى إخلاء المطار من المسافرين، وتعليق الرحلات الجوية من المطار وإليه، في وقت لا تزال فيه السلطات السودانية تعمل على احتواء الحريق الكبير الذي تعرضت له مستودعات الوقود الرئيسية.
إعلانكما استهدفت قوات الدعم السريع فندق "مارينا" الواقع في قلب المدينة، رغم أنه مقر لمجموعة من الوفود والمسؤولين، لكن لم تسجل أي إصابات أو خسائر بشرية.
قتل ممنهج
وتفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي مع الهجمات التي تعرضت لها المدينة، والتي وصفها ناشطون بأنها قتل ممنهج وتدمير للبنية التحتية ولاقتصاد السودان.
فقد كتبت فاطمة مرشدي "استهداف البنى التحتية في مدينة تضم آلاف النازحين هو فكرة ممنهجة للقتل والاستهداف"، مضيفة "هذا يعني أنه لا يوجد مكان آمن، هذا يعني قتل الملايين، نحن أبناء شعب واحد مهما اختلفت الأفكار والعقائد، كفى قتلا".
كما كتب ربيع مبارك "الموضوع دا (هذا) أثر على البلد اقتصاديا ودبلوماسيا، ما في رئيس دولة أو سفير أو دبلوماسي بجيك (يحضر إلى) السودان، لأنك أصبحت غير قادر على تأمين الأجواء ولا مقرات حكومتك، القصف متواصل".
في المقابل، كتب حساب يحمل اسم ألفا دلتا "من يتحدثون عن تدمير البنية التحتية، ماذا عن تدمير طيران الكيزان محطة كهرباء نيالا والفاشر؟ ماذا عن مستشفى نيالا؟ ماذا عن استهداف مصفاة الجيلي بالطيران عندما كان تحت سيطرة المليشيا؟! ماذا عن قصف أهلنا لأنهم حواضن للمليشيا؟! هل أهلنا أقل قيمة وأهمية؟".
وأخيرا، قال أحمد سليمان "يبدو أن استهداف فندق المارينا كان لاغتيال أحد القادة لكنها فشلت ولله الحمد، وإن شاء لله جميع مخططاتهم تفشل وما يصاب أحد بأذى من شعبنا الطيب".
6/5/2025