حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة، وهي بعنوان «إِنَّمَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرآنَ فَغَيَّرَ مَعْنَاهُ»، والهدف من هذه الخطبة هو توعية الجمهور بكيفية مواجهة القرآن للشبهات الفكرية، والاستفادة من ذلك، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول ضوابط التعامل مع السائحين، والتحذير من السلوكيات الخاطئة في التعامل معهم.

إِنَّمَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرآنَ فَغَيَّرَ مَعْنَاهُ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، هَدَى أَهلَ طَاعتِهِ إلى صِرَاطهِ المُسْتَقيمِ، وَعَلِمَ عَدَدَ أَنْفَاسِ مَخْلُوقَاتِهِ بِعِلْمِهِ القَديمِ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، إلهًا أَحَدًا فَرْدًا صَمَدًا، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ.

فَإِنَّ الفِكْرَ المُظْلِمَ يَقُودُ أَصْحَابَهُ إِلَى مَهاوِي التَّطرُّفِ وَالعُنْفِ، فَيُشوِّهُ جَمَالَ دِينِنَا الحَنيفِ، وُيُطَوِّعُ نُصُوصَ الوَحْيَينِ الشَّرِيفَينِ لِنَشرِ خِطابِ القُبحِ وَالدَّمَارِ وَالتَّخْريبِ، وَالتَّشْويهِ، وَالكَرَاهِيةِ، يَرْتَدِي أَصْحَابُهُ قِناعًا خَادعًا، مُزَخْرَفًا بِآيَاتٍ وأحاديثَ، قُلُوبُهُم خَاويَةٌ مِنَ الفَهْمِ العَمِيقِ لِرُوحِ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ وَصَفَهُم البَيانُ المُعَظَّمُ وَصْفًا عَجِيبًا حَيثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

عِبادَ اللهِ، أَلَمْ تُشَاهِدُوا بِأَعْيُنِكُم كَيفَ استَغلَّ المُتطرِّفُونَ قُدسِيَةَ النُّصُوصِ لِيُبررُوا جَرائمَهُم البَشِعَةَ تَحتَ مَفَاهيمِ الحَاكميةِ وَالجَاهليةِ وَالوَلاءِ وَالبَرَاءِ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ لَمَقَاصِدِ الوَحْيينِ الشَّريفينِ؟! أَيُّهَا الكِرَامُ، أَلَم تُرَقُ دِمَاءُ المُسلِمينَ أَنْهَارًا تَحْتَ شِعَارَاتِ العُصْبَةِ المُؤمنةِ، وَالطَّائفةِ المَنصُورةِ- كَمَا يَزْعُمُونَ!

أَلا تَرَونَ أيُّها النَّاسُ أنَّهُمْ حَوَّلُوا الدِّينَ إِلَى سَيفٍ مُصْلَتٍ عَلى رِقَابِ المُخَالِفينَ، بَدَلًا مِنْ أَن يَكُونَ نُورًا يُهتدَى بِهِ، وَرَحْمًةً تُهدَى إلَى العَالَمين؟! هَلْ يُعقلُ أنْ يَكُونَ جَوهرُ الدِّينِ هُوَ التَّضْييقَ والتَّعسِيرَ، بَدلًا مِنَ التَّيسيِر وَرَفعِ الحَرَجِ؟! وَكأنَّ الجَنَابَ المُعَّظمَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يَنظرُ مِنْ وَرَاءِ الحُجُبِ، وَيرَى الغَيبَ مِن سِترٍ شَفيفٍ، وَيَصفُ وَاحدًا مِن هَؤلاءِ وَصفًا عَجِيبًا، فَيقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ مَا أَتَخوَّفُ عَليكُم رَجُلٌ قَرَأ القُرآنَ حَتَّى إِذا رُئِيَتْ بَهْجتُه عَليهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلإِسْلامِ، غَيَّرَهُ إلَى مَا شَاء اللهُ، فانْسَلَخَ مِنْه ونَبَذَه وَرَاءَ ظَهْرِه، وسَعَى عَلَى جَارِهِ بالسَّيفِ، وَرَمَاهُ بالشِّرك».

أَرَأَيْتُمْ أَيَّتُهَا الأُمَّةُ المَرْحُومَةُ كَيْفَ تَورَّطَ هَذا الرَّجلُ الَّذِي سَرَي نورُ القرآنِ إليهِ، فَتَحوَّلَ إِلَى صَانِعٍ لِلمعرفَةِ، قَائمٍ بِالاستنبَاطِ، يَنحتُ المفاهيمَ والنظرياتِ مِن آيَاتِ القُرآنِ، وَلَكِن قَادَتْهُ الحَمَاسَةُ والانفِعَالُ والكِبرُ، فَتَولَّدتْ عَلَى يَدِهِ مَفَاهيمُ وَنَظريَّاتٌ وَقَواعِدُ، حَافلةٌ بِتَركِيبِ الآيَاتِ بَعضِهَا بِبَعضٍ عَلَى نَحوٍ مَغْلُوطٍ، فَخَرَجَ بِنتائجَ فِي غَايةِ البُعدِ وَالغَرابَةِ، غَابَتْ عَنْهُ خَرِيطَةُ العُلُومِ وَالأدوَاتِ وَالمقَاصِدِ التي يَستعينُ بِها العُلمَاءُ بِحَقٍّ، فَدَخَلَ إِلى القُرْآنِ بنظرياتٍ وأفهامٍ، انْتَزَعَهَا مِنَ القُرْآنِ عُنْوَةً، فَقَوَّلَ القُرآنَ مَا لَم يَقُلْهُ، وَنَسَبَ إليهِ نَقيضَ قَصْدِه، مُرْتَكِبًا فِي سَبيلِ ذَلكَ تَحْريفَ الغَالينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلينَ، وَتَأويلَ الجَاهِلِين «إِنَّمَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرآنَ فَغَيَّرَ مَعْنَاهُ».

عِبَادَ اللهِ، تِلكَ هِيَ نَمَاذجُ التَّدَيُّنِ الشَّكْلِيِّ الَّذِي يَقْتَصِرُ عَلَى تَرديدِ الشِّعاراتِ دُونَ تَدَبُّرٍ، وَعَلى اتِّبَاعِ الظَّواهرِ دُونَ فَهْمِ المَقاصدِ، لَقَدِ اسْتَبدَلُوا جَوهرَ الإيمَانِ بِالتزمُّتِ الأَعْمَى، وَرَحْمَةَ الإسْلَامِ بِالغِلظَةِ وَالقَسْوَةِ، يَرَونَ فِي الاخْتِلَافِ تَهْديدًا، وَفي التَّنَوِّعِ انقِسامًا، وَيُنصِّبُونَ أَنفُسَهمْ حُرَّاسًا لِلعَقِيدَةِ، يُفرِّغُونَ الدِّينَ مِنْ مُحتواهُ الرُّوحِيِّ وَالأَخْلَاقِيِّ، وَيُحَوِّلُونَهُ إِلَى قَوَالِبَ جَامِدةٍ لَا حَيَاةَ فِيهَا، وَيُشيعُونَ الفَسَادَ والإِفسَادَ فِي الأَرضِ، فَكَانَ الفَهمُ المَغْلُوطُ مَنهَجَ حَيَاتِهم، وَحمْلُ السِّلَاحِ وسيلتَهم، وتدميرُ الدولِ والأوطانِ أسمَى غايتِهم، وصَدَقَ فِيهم قَوْلُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}.

وَلَكِنْ أَبْشِرُوا أَيُّهَا المِصْرِيُونَ، فَكَمْ مِنْ مَوجَاتِ غُلُوٍّ وَتَطرُّفٍ حَاوَلتْ أَنْ تَجْتَاحَ سَاحتَنا، فَكَانَ الأَزهرُ الشَّريفُ هُوَ الَّسدَّ المَنيعَ والحِصْنَ الحصينَ، فَهُوَ نَهْرُ العِلْمِ وَالمَعْرِفةِ الَّذِي رَوَى ظَمأَ أَجْيَالٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَحَماهم مِنْ سَرابِ الأَفْكَارِ الهَدَّامَةِ، فَاقْدُرُوا لَهُ قَدرَهُ، وَانْشُرُوا وَسَطِيَّتَهُ، وَتَذَوَّقُوا جَمَالَ وَجَلَالَ خِطَابِهِ، وَحَصِّنُوا أَنفُسَكُمْ وَأَولادَكُمْ بِالعِلمِ النَّافِعِ، وَالفَهْمِ المُسْتَنيرِ، وَالتَّدَيُّنِ الحَقِيقيِّ الذِي يُلَامِسُ القُلُوبَ بِالنُّورِ وَالرَّحْمَةِ وَالسَّلَامِ وَالإِكْرَامِ.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فَاعْلَمْ أَيُّهَا النَّبِيلُ أَنَّ لِلْوَافِدِ عَلى بِلَادِنَا الكَرِيمَةِ مِنَ السَّائِحِينَ وَالزَّائِرينَ وَاجِبَ حُسْنِ الاسْتقبَالِ وَالمُعَامَلَةِ الطَّيبَةِ الحَسَنَةِ، فَكُنْ مَعَهُمْ كَريمَ الأَخْلَاقِ، جَمِيلَ المَعْشَرِ، أَظْهِرْ تَدَيُّنَكَ الحَقِيقِيَّ الَّذِي يَقْبَلُ الآخَرَ، وَيَسْمَحُ لِلسَّائِحِ بِالاسْتِمْتَاعِ بِآثَارِ بِلَادِنَا العَظِيمَةِ مُحَاطًا بِأَسْمَى آيَاتِ الإِكْرَامِ وَالنُّبْلِ وَالتِّرْحَابِ، فَقَدْ دَخَلَ السَّائِحُ بِلَادَنَا الَّتِي يُكرَمُ مَنْ دَخَلَهَا بِوَثِيقَةِ سَفَرٍ هِيَ عَقْدٌ وَاجِبُ الوَفَاءِ، وَإِنْ شِئْتَ فَاقْرَأْ هَذَا الأَمْرَ الإلَهِي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وَقَوْلَهُ جَلَّ جَلَالُهُ: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}.

أَيُّهَا المُكَرَّمُ، إِنَّ السَّائِحِينَ مُكَرَّمُونَ فِي بِلَادِنَا بعَقْدٍ وَعَهْدٍ، فَلَا غِشَّ لَهُم وَلَا خِدَاعَ وَلَا استِغْلَالَ وَلَا تَحَرُّشَ يُظْهِرُكَ بِأَخْلَاقٍ مُتَدَنِّيَةٍ! وَاعْلَمْ أَنَّ قُدُومَ الزُّوَّارِ وَالسُّيَّاحِ إِلَى بِلادِنَا فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَعْرِيفِهِمْ بِحَقِيقَةِ الإِسْلَامِ وَمَحَاسِنَهُ العِظَامِ، فَقَدِّمْ لَهُمْ طَيِّبَ الكَلَامِ وَجَمِيلَ الأَفْعَالِ، فَوَاللهِ إِنَّ القُلُوبَ وَالنُّفُوسَ تَتَأَثَّرُ بِالأَفْعَالِ أَكْثَرَ مِنْ تَأَثُّرِهَا بِالأقْوَالِ، فَكيفَ يكونُ الحالُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ إِلَى الأذَانِ وَإِلَى القُرآنِ، وَيرونَ المُصَلِّينَ فِي المَسَاجِدِ رُكَّعًا سُجَّدًا، وَيَنْدَهِشُونَ مِنْ أَحْوالِ أَهْلِ اللهِ وَعِبَادتِهِمْ وَأَنتَ تَفْعلُ مَعَهُم النَّقَائصَ؟! فَلَا تَكُنْ مُتَخَلِّفًا عَنْ الرَّكْبِ، وَأَظْهِرْ لِلدُّنْيَا جَمَالَ تَدَيُّنَكَ وَفِطْرَتَكَ، وَرَوْعَةَ أَخْلَاقِكَ وَخِصَالِكَ.

أَيُّهَا المُبَجَّلُ، أَعْلِنْ عَنْ جَمَالِ بِلَادِكَ بِجَمَالِ أَخْلَاقِكَ، وَأَظْهِرْ الصُّورَةَ الصَّحيحةَ للدِّينِ والأَخْلَاقِ، وَكُنْ فَاعِلًا لِلْخَيْرِ دَاعِيَةً إِلَيْهِ، قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَى بِلَادِنَا مِصْرَ بِسَاطَ الأَمَلِ والنُّورِ والفَيْضِ وَالإِكْرَامِ

وَافْتَحْ لَنَا البَرَكَاتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ

اقرأ أيضاًخطبة الجمعة غدًا لوزارة الأوقاف.. «ونغرس فيأكل مَن بعدنا»

خطبة الجمعة وزارة الأوقاف.. «سيناء - الأرض المباركة»

موضوع خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف.. «إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا»

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: وزارة الأوقاف خطبة الجمعة موضوع خطبة الجمعة موضوع خطبة الجمعة القادمة نص موضوع خطبة الجمعة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة موضوع خطبة الجمعة الثانية خطبة الجمعة ب ل اد ن ا الق رآن أ خ ل اق

إقرأ أيضاً:

اقبلوا على الحياة بالجد والرضى تسعدوا

حين نقول: إن في القرآن دواء وشفاء وحلولًا لكل المشكلات فلن ولم نكن مخطئين، فمن أراد حياةً هانئة مشرقة سعيدة، يجدها في القرآن ومن أراد رفعة وعافية، يجدها في القرآن، ومن أراد الخروج من أنفاق الضيق إلى سعة الطريق، فذلك بين طيات القرآن. الحمدالله على نعمة الإسلام وعلى نعمة القرآن فهو دستور حياة كريمة، وليس معنى الحياة الكريمة أن تكون دوماً وردية سلسة لا عقبات ولا منغِّصات فيها، إنما الحقيقة أن الحياة مليئة بالمكدِّرات، وفيها الحزن، وفيها الجوع، وفيها المرض، وفيها مالم يتحقق من الأمنيات، أو يتأخر. وفيها مالم يتم الحصول عليه، أو يصعب من الحاجات (خلق الإنسان في كبد ) لكن المعيار الحقيقي هو الرضى بما كتبه الله بعد الاجتهاد. والمحك الصحيح هو عدم اليأس ومواجهة المتاعب والعقبات بالاستعانة بالله والثقة به، ثم بالأمل والتفاؤل وعدم الاستسلام أو اليأس (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). حثَّنا الله عزَّ وجلَّ على عدم القنوط من رحمته مهما عظم الذنب (دون الشرك به) فكيف بهموم وأوجاع وإحباطات الدنيا؟ تستوقفني عبارات اليأس والإحباط من أناس يتمتعون بعقليات موزونة ومفاهيم جيدة وقد يكونون على مستوى من العلم والثقافة إلا أنهم سلبيون في تعاطيهم مع المشكلات أو المواقف التي تعترضهم وأي خسارات تواجههم: فخسارة المنصب تؤلمهم، والفشل في الزواج يحطمهم، وقد يوقف الحياة عندهم، وخسارة تجارتهم تدمِّرهم، وقد تقعدهم على كرسي متحرك. وهناك من الأصدقاء من ينسحبون من حياتك دون سبب ودون توضيح، وبعد الصداقة يصبحون أغراباً أو ربما أعداء! فيصيب البعض الألم والوساوس والتساؤلات كيف ولماذا ومتى؟ كيف يمكن لصديق العمر أن يبتعد دون إبداء أسباب؟ من منا لم يواجه الغدر أو الخيانة من حيث لم يتوقعها؟ من منا لم تتعثر له معاملة أو قضية في درج مسؤول؟ لم يسلم أحد منا من الفقد ووجعه في لحظات يحسب المرء أنه لن يفرح بعدها، ليجد نفسه بعد فترة يعيش لحظات مشرقة مليئة بالفرح: (وتلك الأيام نداولها بين الناس). لم يسلم أحد من تعطيل أمر له، أو حاجة فانقهر وتألم ليكتشف بعدها أن في ذلك كان خيراً لم يتوقعه، هي دنيا يوم تضحكك ويوم تبكيك ويوم ترسم على محياك ابتسامة صفراء ويوم تنساب دموع دافئة بدفء اللحظة وحنانها، أو ساخنة بحرقة. الدنيا هكذا في تعاطيها مع من يعيشونها تأرجحهم في أرجوحتها فيطيرون تارة ويقعون أخرى! ومن كرم الله على الإنسان أن ميزه بالعقل ليكون هذا العقل في خدمته دنيا ودين وكم تكرر في القرآن (ألا يعقلون -ألا يتدبرون -ألا يتفكرون وغير ذلك) فالعمليات العقلية الناضجة ترشد المرء إلى مصلحته وما ينفعه وتهدهده وتطبطب عليه مهما بلغ به العمر وكما يقال العمر ليس عائقاً إنما اليأس هو العائق، ولست هنا أرفض التعبير عن المشاعر التي تعترينا في كثير من مواقف الألم، لكنني استنكر استمرارها، أو اعتبار المواقف حظاً عاثراً وسوء طالع. كلنا نحزن ونتألم، إلا أننا نثق وبقناعة تامة (أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ) ولعل في ذلك خير، ثم ينطلق الإنسان مع الحياة يفرح، يعمل، يجتهد مهما بلغ به العمر وهنا نذكر أولئك الذين يعتبرون تقدم العمر عقبة، وباباً يوصد في وجه الحياة. نذكِّرهم أن العمر ما هو إلا مجرد رقم فكم من أشخاص بلغوا الثمانين وأكثر، ومجالستهم فرح، وعقولهم مدارس ينهل منها من يحظى بمجالستهم. نفوسهم طيبة، عقولهم نيِّرة، صحتهم جيدة، يحبون الحياة مبتهجين لا يعرفون اليأس ولا الاستسلام، يذهبون للأندية الرياضية والمنتديات والملتقيات، ويشاركون فيها، بينما نجد من بلغ الخمسين، أو أقل، استسلم للحزن والألم وفضل الوحدة وعدم ممارسة أية نشاط أو هواية أو عمل يربطه بالحياة. وبين هؤلاء وهؤلاء نجد من يستنكر على كبار السن بعض الممارسات المباحة والضرورية لهم، ويعتبرون أنهم كما يقول أي جاهل: (رجلهم والقبر) ، ممَّا يعني أنهم كبروا فلا يليق بهم أن يفرحوا أو يلبسوا أو يشاركوا. هؤلاء فهمهم للحياة قاصر ونظرتهم للوجود ضيقة عافاهم الله. كن جميلاً في كل مراحل العمر، ترى الوجود جميلاً، وكن متفائلاً راضياً بما كتبه الله مع كل المواقف، تكن سعيداً. كونوا أغنياء بالقناعة. وكونوا سعداء بالتفاؤل والأمل. ودمتم بعيدين عن الإحباط واليأس. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً)

almethag@

مقالات مشابهة

  • «بداية جديدة وأمل جديد».. تفاصيل موضوع خطبة الجمعة القادمة (النص الكامل)
  • تكريم سمسم شهاب بالدورة 14 لـ مهرجان " إيجي فاشون الدولي" الجمعة المقبل
  • يوسف داوود.. "مهندس الضحك" الذي ألقى خطبة الجمعة وودّعنا في هدوء
  • فى ذكرى وفاته.. يوسف داود مسيحي ألقى خطبة الجمعة على زملائه
  • دعاء آخر السنة الهجرية للرزق.. 5 كلمات تصب عليك الخير صبا
  • شاهد بالفيديو.. أثناء تقديمه وصلة غنائية في حفل حاشد..فنان سوداني ينفعل على أحد المعجبين ويدفعه بعيداً عنه (عليك الله انفك مني ياخ)
  • الأوقاف: حملات مكثفة لضبط العمل الدعوي بعدد من المحافظات
  • اقبلوا على الحياة بالجد والرضى تسعدوا
  • هل قراءة القرآن بصورة جماعية بدعة؟.. الإفتاء تجيب
  • أمير حائل يرعى المؤتمر الدولي للصيدلة السريرية في الرعاية الأولية الجمعة القادمة