دعاية السجون المصرية بين التجميل والتزييف.. ودور النخب بكشف الحقيقة
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
إنّ مواجهة النظام العسكري المستبد الذي يسعى لتجميل صورته في الداخل والخارج لا تكون إلا بفضح ألاعيبه ونشر الحقيقة التي تهدد أركان حكمه وتزلزل استقراره، ولذلك من واجبنا أن نكشف الستار عن ألاعيب العسكر في غسل العقول وتنويم الشعوب.
فحين يتحوّل القمع إلى دعاية ويُغسَل الدم بالتجميل في مشهد يبدو وكأنه مسرحية سوداء، يقف النظام المصري ليُصدر للعالم صورة مزيّفة عن واقعه القمعي، مستخدما بعض الفنانين للترويج لما يسميه "تطوير السجون"، وكأننا أمام منشآت سياحية من فئة الخمس نجوم، لا أوكار تعذيب وظلم حُشر فيها عشرات الآلاف من الأبرياء، فقط لأنهم خالفوا السلطة الرأي أو عارضوا انقلابا عسكريا ما زالت آثاره الكارثية تتراكم على الوطن والمواطن.
منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، دخلت مصر نفقا مظلما من القمع السياسي، جعل السجون المصرية عنوانا للمرحلة ومركز ثقلها، إذ قُدّر عدد المعتقلين السياسيين منذ ذلك التاريخ وحتى الآن بما يزيد على مائتي ألف معتقل، يوجد منهم حتى اليوم ما يزيد على ستين ألفا داخل السجون، بحسب تقارير منظمات حقوقية دولية ومحلية. بينهم آلاف من النساء، وأكثر من ألف معتقلة منذ لحظة الانقلاب، بعضهن تجاوزن السبعين من العمر، وآلاف من الشباب الذين قضوا زهرة أعمارهم في الزنازين، وعشرات من الأطفال القُصّر، ومئات من الشيوخ فوق الستين والسبعين.
هذه الحملات الإعلامية ليست سوى محاولة لتبييض وجه نظام فقد شرعيته، وتوثقت جرائمه، واستُهلكت كل مبرراته. فهل صار تجميل السجون أولوية وطنية؟ وهل تنمية البلاد تبدأ من تحويل المعتقلات إلى فنادق، بينما لا يجد الفقراء رغيفا ولا المريض سريرا ولا الشاب فرصة عمل؟
كل هؤلاء لم يُدانوا بجرم حقيقي، ولم يُحاكموا في محاكمات عادلة، بل كانت خصومتهم الوحيدة أنهم ينتمون إلى تيار سياسي معارض، أو أنهم عبّروا عن رأي، أو شاركوا في مظاهرة، أو كتبوا تدوينة تنتقد النظام.
التعذيب والانتهاكات.. سياسة ممنهجة لا استثناءات
داخل هذه السجون "العصرية"، تمارس أبشع صور التعذيب الجسدي والنفسي. تقارير موثقة لمنظمات كـ"هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" تشير إلى استخدام منظم للتعذيب، والصعق بالكهرباء، والضرب، والحبس الانفرادي، والحرمان من الزيارة والعلاج، والمنع من الطعام والشراب. لم يعد التعذيب حالة فردية تُدان، بل سياسة ممنهجة يُكافأ منفذوها وتُبرأ ساحتهم إعلاميا وقانونيا.
ويُضاف إلى هذه الانتهاكات، الإهمال الطبي المتعمّد الذي أودى بحياة المئات من المعتقلين، من بينهم رموز سياسية ودعوية وفكرية مثل الرئيس الراحل الدكتور محمد مرسي، الذي تُرك ينزف على أرض المحكمة حتى فاضت روحه، دون أي تدخلٍ طبي، ليُسدل الستار على واحدة من أبشع صور القتل البطيء المتعمّد في العصر الحديث.
التجميل الزائف.. غسل الأيدي القذرة بالدعاية
وفي مقابل هذه الكارثة الإنسانية، يخرج علينا النظام ببرامج مصوّرة، يصحب فيها بعض الفنانين والمشاهير لتفقد ما يسميه "مجمع السجون الجديد"، في محاولة ساذجة لتجميل وجهه القبيح. تتحدث هذه البرامج عن غرف مكيفة، ورعاية صحية، وملاعب رياضية، بل وسينمات ومسارح، بينما تُسجى في الزنازين أجساد معتقلين لا يرون الشمس لأسابيع، ويُمنعون من أبسط الحقوق كالماء النظيف أو العلاج أو الزيارات.
إن هذه الحملات الإعلامية ليست سوى محاولة لتبييض وجه نظام فقد شرعيته، وتوثقت جرائمه، واستُهلكت كل مبرراته. فهل صار تجميل السجون أولوية وطنية؟ وهل تنمية البلاد تبدأ من تحويل المعتقلات إلى فنادق، بينما لا يجد الفقراء رغيفا ولا المريض سريرا ولا الشاب فرصة عمل؟
المشروع الصهيوني وتمكين القمع
ما يجب أن يُقال بصراحة: إن ما يحدث في مصر هو جزء من مشروع إقليمي واسع، تتقاطع فيه مصالح سلطات الاستبداد المحلي مع أجندة صهيونية تريد تفكيك قوى الأمة الحية، وعلى رأسها الحركة الإسلامية، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل سدا منيعا أمام مشروع تصفية القضية الفلسطينية، وتطبيع العلاقة مع الاحتلال.
الصمت على هذه الجرائم هو شراكة في الظلم، ومن يتغافل عن هذه الانتهاكات، ويختار الصمت، إنما يصطف إلى جانب الجلاد، حتى ولو لم يرفع سوطا. إن من يسكت عن آلاف المعتقلين من الرجال والنساء والشيوخ، لا يختلف كثيرا عمّن يغلق عليهم الأبواب
إن اعتقال آلاف الدعاة والمفكرين والسياسيين، وملاحقة كل من ينتمي لفكرة أو دعوة أو حركة تقاوم الهيمنة الصهيونية، إنما هو تنفيذ مباشر لمطلب أمريكي صهيوني قديم: إنهاء كل تيار يوقظ الشعوب، أو يحرضها على الكرامة، أو يربطها بالإسلام كهوية ومشروع حضاري.
السكوت مشاركة.. والمقاومة واجب
الصمت على هذه الجرائم هو شراكة في الظلم، ومن يتغافل عن هذه الانتهاكات، ويختار الصمت، إنما يصطف إلى جانب الجلاد، حتى ولو لم يرفع سوطا. إن من يسكت عن آلاف المعتقلين من الرجال والنساء والشيوخ، لا يختلف كثيرا عمّن يغلق عليهم الأبواب.
إن المطلوب اليوم ليس مجرد الشكوى أو التحسر، بل تحرك عملي ومدروس لإنقاذ ما تبقى من مصر والكرامة فيها. يجب فضح هذا النظام في المحافل الدولية، ورفع قضايا أمام المحاكم الدولية، وتنظيم الحملات الشعبية والحقوقية، وتوحيد الجهود الإعلامية والسياسية للدفاع عن المعتقلين وحقهم في الحياة والحرية.
إن تجميل السجون لا يغيّر من طبيعتها، وإن تحويل المعتقل إلى فندق لا يبرر وجود سجين سياسي واحد خلف القضبان. وما لم نُدِن هذا النظام ونفضح جرائمه، ونحشد شعوبنا لمقاومته، فستمتد الزنازين، وتُطمس الحقيقة، ويُعاد تدوير الاستبداد بأدوات أكثر خداعا وبهتانا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء دعاية المصري السجون تعذيب المعتقلين مصر تعذيب سجون معتقلين دعاية قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
47 أسيرة في السجون الإسرائيلية.. الاحتلال يواصل انتهاكاته في غزة والضفة والقدس
البلاد (القدس المحتلة)
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيد انتهاكاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال حملات قمع متواصلة في القدس والضفة الغربية، إلى جانب استمرار العدوان العسكري العنيف على قطاع غزة.
ففي القدس المحتلة، واصلت قوات الاحتلال أمس (الاثنين)، إغلاق أبواب المسجد الأقصى تحت إجراءات عسكرية مشددة، حيث نصبت الحواجز الحديدية على مداخل البلدة القديمة والطرق المؤدية إلى المسجد، مما أعاق وصول المصلين والزوار الفلسطينيين إلى ساحات الحرم الشريف. هذه الإجراءات تأتي في إطار سياسة الاحتلال المتواصلة لتقييد حرية العبادة وفرض واقع جديد في المسجد الأقصى.
وفي الضفة الغربية، شنت قوات الاحتلال حملة دهم واعتقالات واسعة، أسفرت عن اعتقال 26 فلسطينياً في مناطق متفرقة خاصة في مدينتي الخليل ورام الله. وقد تخللت الحملة مواجهات عنيفة واعتداءات مباشرة على منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم، في استمرار واضح لسياسة القمع الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني.
وفي السياق ذاته، كشف نادي الأسير الفلسطيني عن تصاعد الاعتقالات بحق النساء الفلسطينيات، مؤكداً أن عدد الأسيرات في سجون الاحتلال ارتفع إلى 47 أسيرة، بعد اعتقال 7 نساء من الضفة الغربية خلال اليومين الماضيين. وأوضح النادي أن من بين المعتقلات طفلتين وطالبة جامعية وعدد من الأمهات، غالبيتهن محتجزات في سجن “الدامون”، في ظل تصاعد الانتهاكات التي طالت النساء منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023، واستخدامهن كرهائن، وسط تعتيم إسرائيلي متعمد على أوضاع الأسرى وخاصة أسرى قطاع غزة.
أما في قطاع غزة، فقد واصلت آلة الحرب الإسرائيلية استهداف المدنيين، حيث أدى قصف جوي إسرائيلي على منزل في بلدة الزوايدة وسط القطاع اليوم إلى استشهاد خمسة فلسطينيين وإصابة عدد آخر بجروح متفاوتة، لترتفع حصيلة شهداء القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ فجر اليوم إلى 34 شهيداً وعشرات الجرحى بينهم أطفال ونساء.
ووفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فقد ارتفع إجمالي عدد الشهداء منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023 إلى 55,959 شهيداً، إضافة إلى 131,242 جريحاً، بينهم آلاف الأطفال والنساء، فيما لا تزال فرق الإنقاذ عاجزة عن انتشال آلاف الشهداء الذين ما زالوا تحت أنقاض المباني المدمرة بفعل النقص الحاد في المعدات اللازمة.
هذا التصعيد الإسرائيلي المستمر يعكس انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وسط مطالبات فلسطينية ودولية بضرورة التدخل العاجل لوقف العدوان وحماية المدنيين.