شددت الباحثة في أمن الشرق الأوسط بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، بورجو أوزجليك، على أن هجمات دولة الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة على الأراضي السورية تهدد الاستقرار في الأردن.

وقالت الباحثة في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" وترجمته "عربي21"، إن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يواجه ردود فعل عنيفة تجاه اتفاقية السلام التي أبرمتها بلاده مع إسرائيل.

 

فمنذ اندلاع الحرب في غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قاوم الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، الضغوط الداخلية لإلغاء معاهدة السلام التي أبرمتها بلاده مع إسرائيل منذ 30 عاما. وبدلا من ذلك، سعى الأردن إلى الإقرار بالغضب الشعبي إزاء قتل إسرائيل للفلسطينيين مع الحفاظ على تعاونه الأمني مع جارته، حسب المقال.

وأضافت الباحثة أن الأردن يواجه الآن تحديا آخر. فمنذ أن أطاح الثوار بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عمّقت إسرائيل انخراطها العسكري في سوريا. ويحاول عبد الله إدارة العلاقات مع إسرائيل والحكومة السورية الجديدة دون إحداث اهتزازات في السياسة الداخلية - وربما زعزعة استقرار نظامه. 


ووفقا للمقال، فلطالما تميزت الملكية الأردنية ببراعتها في الموازنة بين السياسة الداخلية والمصالح الأمنية. ويتجلى ذلك بوضوح في علاقتها مع إسرائيل. في عام 1994، أصبح الأردن ثاني دولة عربية - بعد مصر - تعترف بإسرائيل. وتضمنت معاهدة السلام التي توصل إليها البلدان في ذلك العام التزامات بالتعاون في مجال الأمن ومراقبة الحدود. كما أكدت دور الأردن في رعاية الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس. 

يُعتبر السلام الأردني مع إسرائيل سلاما فاترا، ما يعني أنه يفتقر إلى دعم الرأي العام الأردني. ورغم أن الأردن حافظ بهدوء على تنسيق استخباراتي وأمني قوي مع إسرائيل - حتى بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 - إلا أن المسؤولين الأردنيين يُعدّون من أشد منتقدي إسرائيل علنا. في السنوات الأخيرة، نظّم الأردنيون احتجاجات واسعة النطاق مطالبين الحكومة بقطع العلاقات مع إسرائيل وطرد السفير الإسرائيلي. 

وأشارت الكاتبة إلى أن إسرائيل تقبلت نهج الأردن المزدوج - حيث تتعايش الإدانة الدبلوماسية الصاخبة مع براغماتية أمنية هادئة - كثمن للسلام مع المملكة. لكن توغلات إسرائيل في سوريا قد تُقوّض هذا التوازن. 

منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر، شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 700 غارة جوية على أهداف عسكرية في سوريا. وشملت أهداف الجيش ترسانات أسلحة كيميائية وأصولا عسكرية. والضربات الإسرائيلية في سوريا ليست بالأمر الجديد. فقد أقرّت إسرائيل سابقا بتنفيذ مئات الضربات في السنوات الأخيرة على أهداف في سوريا تقول إنها مرتبطة بإيران والجماعات المسلحة المتحالفة معها مثل حزب الله في لبنان. كما نفّذ جنود إسرائيليون عمليات توغل برية في سوريا انطلاقا من مرتفعات الجولان المحتلة. 

في حين أن إسرائيل ضربت أهدافا مرتبطة بإيران في سوريا خلال حكم الأسد، فإن الموجة الأخيرة من الضربات العسكرية واستيلاء إسرائيل على أراض سورية تقع خارج مرتفعات الجولان يُعدّان تصعيدا خطيرا. وصرح وزير الحرب الإسرائيلي إسرائيل كاتس في آذار/ مارس: "الجيش الإسرائيلي مستعد للبقاء في سوريا لفترة زمنية غير محدودة".  

الهدف العسكري الإسرائيلي المعلن هو الدفاع عن المنطقة العازلة في سوريا، التي تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع، وإنشاء منطقة أمنية تتجاوزها. كانت المنطقة محظورة بالفعل على القوات السورية بموجب اتفاقية فك الاشتباك التي أعقبت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973. 

كانت المنطقة العازلة خاضعة لدوريات قوة تابعة للأمم المتحدة، مدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفويضها مؤخرا حتى 30 حزيران/ يونيو. لكن إسرائيل سيطرت عليها بعد الإطاحة بالأسد، بحجة أن المنطقة تتطلب إشرافا مباشرا. لا يثق المسؤولون الإسرائيليون بالحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، وفقا للمقال.

ولفتت الباحثة إلى أن جماعة الشرع المسلحة المنحلة الآن، هيئة تحرير الشام، كانت امتدادا لفرع تنظيم القاعدة في سوريا، على الرغم من انقسامهما لاحقا. الآن في السلطة، حل الشرع جماعته وتعهد بالحكم لجميع السوريين. كما قال إنه لا يريد صراعا مع إسرائيل. 

أقام جيش الاحتلال الإسرائيلي تسعة مواقع عسكرية داخل الأراضي السورية منذ سقوط الأسد، بما في ذلك موقعان على جبل الشيخ، أعلى قمة في المنطقة. وصرح كاتس بأن "الجيش الإسرائيلي يعمل على جعل جنوب سوريا منزوع السلاح وخاليا من الأسلحة والتهديدات". 

في الشهر الماضي، شنت إسرائيل جولة أخرى من الغارات الجوية في عمق سوريا، مستهدفة، من بين أمور أخرى، مطار حماة العسكري وقاعدة جوية عسكرية في حمص. أصاب القصف الإسرائيلي منطقة بالقرب من سد الجبالية غرب بلدة نوى وبالقرب من تسيل غرب درعا، مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص. 

خلال الأسبوع الماضي، شنت إسرائيل العديد من الهجمات الإضافية التي زعمت أنها كانت دفاعا عن الأقلية الدرزية في سوريا. وتوغلت الضربات الإسرائيلية في عمق البلاد، بما في ذلك في دمشق، مما أسفر عن مقتل مدنيين اثنين على الأقل. 

في الأردن، أثار هذا التصعيد مخاوف. كان سقوط الأسد مصدر ارتياح للمسؤولين الأردنيين، الذين يرون في الشرع عامل استقرار محتمل في سوريا المجاورة. في الوقت نفسه، تشعر المملكة بالقلق من أن الإسلام السياسي الذي يتبناه الزعيم السوري الجديد قد يكتسب زخما جنوب الحدود، وفقا للكاتبة.

انتقد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي استيلاء إسرائيل على مناطق سورية في المنطقة العازلة، واصفا إياه بانتهاك للقانون الدولي واعتداء على سيادة سوريا. وطالب هو ونظيره المصري إسرائيل بالانسحاب من المنطقة. 

توترت علاقة الأردن بسوريا في عهد الأسد بسبب انحيازه لإيران ووكلائها، وكذلك بسبب تهريب سوريا للأسلحة والمخدرات - بما في ذلك الكبتاغون - على طول الحدود الممتدة بين البلدين لمسافة 233 ميلا. يستضيف الأردن حوالي 1.3 مليون سوري، كثير منهم لاجئون. 

ولاحتواء التهريب، بنى الأردن تحصينات حدودية وأنظمة مراقبة، وأجرى عمليات استخباراتية سرية. في كانون الثاني/ يناير، شنّت طائرات حربية أردنية غارات جوية على قرية شعاب جنوب سوريا، مستهدفة عمليات تهريب أسلحة ومخدرات. وفي آذار/ مارس، أفاد الجيش الأردني بمقتل أربعة مهربين ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة. 

يشارك الأردن إسرائيل بغضها للنفوذ الإيراني، حسب المقال، سواء في سوريا أو الضفة الغربية المحتلة. على مدار العام الماضي، أحبط الأردن محاولات تهريب أسلحة من قِبل ميليشيات موالية لإيران في سوريا ولبنان، وكانت بعض الأسلحة موجهة إلى الضفة الغربية. ومن المرجح أيضا أن الجهود الإسرائيلية لإضعاف البنية التحتية العسكرية السورية وشبكات حزب الله المتبقية قد قللت من التهديدات المحتملة للأردن على طول حدوده مع سوريا. 

ولكن مع تصعيد إسرائيل لعملياتها في سوريا - بالتزامن مع هجوم عسكري موسع على غزة - فقد يُجدد ذلك المعارضة الشعبية لمعاهدة الأردن مع إسرائيل، ويؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار السياسي في المملكة، وهو أمر لا يستطيع الملك عبد الله تحمّله، على حد قوله الكاتبة.

وأوضح المقال أن الملك عبد الله يأمل بالتأكيد أن تتمكن حكومة الشرع المؤقتة من تولي السيطرة السيادية على حدودها الجنوبية. من شأن ذلك أن يُطمئن الأردن بأنه يستطيع الاعتماد على شريكه الجديد في دمشق بدلا من الاعتماد على الضربات الإسرائيلية لتحييد التهديدات الموجهة للأردن في جنوب سوريا. لكن نجاح الشرع سيُشكل أيضا خطرا على الأردن. 

بحسب الكاتبة، فإن  شبح التعبئة السياسية الإسلامية يثير قلق الأردن. فأكبر حزب معارض في البلاد - جبهة العمل الإسلامي - مرتبط بحركة الإخوان المسلمين العابرة للحدود الوطنية. وقد حقق الحزب مكاسب في الانتخابات البرلمانية العام الماضي بفضل برنامجه المؤيد للفلسطينيين بشكل علني.
 
حظر الأردن جماعة الإخوان المسلمين فجأة الشهر الماضي، واعتقل 16 عضوا من أعضائها بزعم أنهم خططوا لشن هجمات داخل المملكة. وكشفت دائرة المخابرات العامة الأردنية أن خلايا الإخوان المسلمين هذه كانت تحت المراقبة منذ عام 2021، وأنها متورطة في تصنيع واستيراد الصواريخ والمتفجرات، بالإضافة إلى تشغيل موقع لإنتاج المسيّرات ومستودعات سرية. وبحسب ما ورد، تلقى بعض المخططين تدريبا وتمويلا في لبنان. 


ومن المُرجّح، وفقا للمقال، أن يكون تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل قد دعم عمليات السلطات الأردنية، لا سيما على الجبهة اللبنانية. نفت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أي علم لها بالمؤامرة المزعومة أو تورطها فيها. 

وأوضحت الكاتبة أن كل هذا قد يمهد في نهاية المطاف الطريق للأردن لحل حزب جبهة العمل الإسلامي بتهم الإرهاب، مما يُحدث تحولا جذريا في المشهد السياسي في المملكة. وإذا حدث ذلك، فسيُثير غضبا شعبيا من الأردنيين الذين سيعتبرون هذه الخطوة هجوما على الإسلام السياسي.

ومن المرجح أن يُحمّلوا إسرائيل - واتفاقية السلام التي أبرمتها مع الأردن - مسؤولية حملة القمع التي شنتها المملكة على الحزب، مما يُغذي احتجاجات شوارع جديدة مناهضة لإسرائيل وللنظام الملكي في وقت يشهد فيه الوضع الإنساني في غزة أسوأ حالاته، حسب المقال.

وشددت الكاتبة على أنه "عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، يبدو أن الأردن لا يستطيع الفوز. إذ تبدو إسرائيل مصدر متاعب النظام الملكي، وأحد حُماته في الوقت نفسه. ورغم أن اتفاقية السلام لعام 1994 تُسهم في الحفاظ على الأمن في الأردن، إلا أنها تُهدد باستمرار بزعزعة المناخ السياسي الداخلي في الأردن. هذه الثنائية سمة متأصلة في العلاقة بين إسرائيل والأردن، وخلل دائم في النظام".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الاحتلال غزة سوريا سوريا الاردن غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإخوان المسلمین الملک عبد الله السلام التی مع إسرائیل فی الأردن ت إسرائیل فی سوریا فی ذلک

إقرأ أيضاً:

ممارسات سيئة.. ماكرون يندد بالغارات الإسرائيلية على سوريا

ندد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اليوم الخميس بالغارات الإسرائيلية على سوريا.

ووصف ماكرون، هذه الغارات بـ"الممارسات السيئة" التي لن تضمن أمن إسرائيل على المدى الطويل، حسبما أوردت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية في موقعها على الإنترنت.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، في الإليزيه، قال إنه بالنسبة للغارات وعمليات التوغل، فأعتقد أنها ممارسات سيئة.

وأضاف أن إسرائيل لا يمكن أن تضمن أمنها بانتهاك وحدة أراضي الدول المجاورة.

طباعة شارك إيمانويل ماكرون سوريا إسرائيل أحمد الشرع

مقالات مشابهة

  • زعيم المعارضة الإسرائيلية يطالب بتصعيد الهجمات ضد الحوثيين ويوجه انتقادات حادة لنتنياهو
  • الأردن يدعو لوقف فوري لعدوان إسرائيل على غزة
  • الأردن يدعو لوقف فوري لعدوان إسرائيل على غزة ورفع العقوبات عن سوريا  
  • اردوغان: نرحب بدور العراق في استقرار المنطقة
  • أردوغان: حكمة السوداني جعلت العراق محور استقرار في المنطقة
  • ولي العهد يؤكد متانة العلاقة التي تربط الأردن واليابان
  • ممارسات سيئة.. ماكرون يندد بالغارات الإسرائيلية على سوريا
  • الحوثيون يطالبون بتحقيق دولي.. وزارة الخارجية التابعة لأنصار الله تتهم إسرائيل بالعدوان الممنهج على بنية اليمن التحتية المدنية
  • تعليق جميع الرحلات بمطار صنعاء بسبب الأضرار الجسيمة بعد الهجمات الإسرائيلية