خطيب المسجد النبوي: سيرة النبي محمد رحلة مفعمة بالدروس
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
قال الشيخ الدكتور عبد البارئ بن عواض الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي ، إن سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - تُمثّل رحلة مفعمة بالدروس من المهد إلى اللّحد، من خلوته في غار حِراء حيث بدأ الوحي، إلى مِنبر المدينة حيث أُعلنت الرسالة، من يُتمٍ وابتلاءٍ إلى ريادةٍ وتمكين.
رحلة مفعمة بالدروسوأضاف “ الثبيتي” خلال خطبة الجمعة الثانية من شهر ذي القعدة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة: من أول نداءٍ بالعلم: "اقرأ" إلى آخر وصية خالدة،"الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانُكُم"، ساردًا السيرة العظيمة لنبي الرحمة والهدى - صلى الله عليه وسلم -.
وأوضح أنه وُلِد يتيمًا، لكن اليُتم ليس ضعفًا، وإن بدا في ظاهره حرمانًا، فهو حافزٌ للنبوغ، ودافعٌ للتوكُّل على الله أولًا، ثم الاعتماد على النفس بثقة وثبات، فحطن يلتقي اليُتم بالإرادة، يتحوّل إلى شعلة تضيء الطريق.
وتابع: وهذا ما تجلّى في سيرة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وسِيَر العُظماء قبله وبعده، فكم من يتيم خطّ اسمه في سجلّ الخالدين، وارتقى بالإيمان، وتسلّح بالعلم، وسما بالعمل، حتى أصبح من روّاد النهضة، وصُنّاع الحضارة.
وأشار إلى أن النبي - عليه الصلاة والسلام - تزوّج خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها-، فكان زواجًا أُسّس على حبٍّ صادقٍ، ووفاءٍ ثابت، ومودة ورحمة، وشراكة صادقة، وأي بيت تُبنى دعائمه على هذه القيم النبيلة.
واستطرد: لا تهزّه العواصف، ولاتفته الخلافات، ولا ينهار أمام أتفه الأسباب، وفي سن الأربعين، وبينما كان النبي يختلي بنفسه في غار حراء، متأملًا في ملكوت الله، نزل عليه جبريل عليه السلام.
أعظم نداءونبه إلى أنه يحملُ أعظم نداءٍ سَمعتهُ البشرية: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" نداءٌ لم يكن مجرد أمرٍ بالقراءة، بل إعلانٌ لميلادِ أمة، شعارها القراءة باسم الله، ومنهجُها العلم، وحِصنُها الإيمان.
وأردف: فبدأت الرسالة الخالدة بـ "اقرأ" لِتؤسّس إنسانًا يعي، وعقلًا يُفكّر، وقلبًا يؤمن، وأمة تنهضُ على نورٍ من الوحي، وعاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته، وقد ارتجف جسدُه من هول أول لقاء بالوحي.
ولفت إلى أنه لم يجِد مأوىً أحنُّ ولا أصدقَ من حضن خديجة - رضي الله عنها-، فاحتوته بسكينة المرأة الحكيمة، وثبات القلبِ المُحبّ، وقالت كلمتها الخالدة التي سكنت قلبه، وبدّدت خوفه: "كلا، أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصِلُ الرّحِم، وتصدُقُ في الحديث، وتحمل الكلَّ، وتُقريء الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ".
وبين أنه بناء على ذلك لن يُخزي الله أبدًا، من سار على هدي نبيّه، فجعل الإحسان طريقه، والرحمة خُلُقه، والنبوّة قدوته، منوهًا بأن المنهج النبوي في الدعوة كان مؤسسًا على التوجيه الإلهي: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" .
بكلمة طيبةوأفاد أن دعوته انطلقت بكلمة طيبة تلامسُ القلوب، وصبرٌ جميلٌ يغلبُ الصُّدود، يردُّ على الجهل بالحِلم، ويقابل القسوة بالرفق، كانت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم- رحمة تسري، لا سطوة تُفرض.
واستشهد بما قال تعالى: "وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ"، رحمة بالحائر، ورفقٌ بالجافي، وحِلمٌ على من أساء، حتى في أشدّ المواقف، لم يُقابل الجهل بجهلٍ، ولا الغِلظة بغِلظة، بل قاد القلوب إلى الله باللين، وفتح المغاليق بالمحبة.
وأشار إلى أن زمننا هذا كثُرت فيه الأصوات، وارتفع فيه الجدل، وقلّ فيه الأسلوبُ الحكيم، ونحن في أمسّ الحاجة للعودة إلى ذلك المنهج النبوي الراشد، منهجٌ يُخاطب العقول بالحكمة، والقلوب بالرحمة، ويدعو إلى الله برفقٍ يُحيي، لا بغلظةٍ تُنفّر.
وأوضح أنه إذا تحدثنا عن خُلُق النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلن توفيه الكلمات قدره؛ فهو خُلُق تجسّد، ورحمة تمشي، فكان الصفحُ عنده سجيّة، والكرم عادة، والتواضع طريقًا، وكان يعفو عمن ظلمه، ويصلُ من قطعه، ويُُكرم من أساء إليه.
وتابع: يُواسي الحزين، ويمسح على رأس اليتيم، ويَرحمُ الصغير، ويوقِّر الكبير، لا يُفرّق بين غنيٍ وفقير، يجلس بين أصحابه، يُصغي إليهم ويؤانسهم، كأنه واحدٌ منهم، ومع ذلك كانت له هيبة تملأ النفوس، ومحبةٌ تأسر القلوب.
قائد يربي الرجالوبين أنه كان عليه الصلاة والسلام قائدًا يُربّي الرجال على الإيمان والصِدق، وحاكمًا يُدير دُفة أمة، ويُقيم أركان حضارة، وزوجًا حنونًا يرعى شؤون بيتِه بمحبة ومسؤولية، وعبدًا شكورًا يقوم بين يدي ربه في جوفِ الليل حتى تتفطّر قدماه، ومُصلحًا حكيمًا يُداوي عِلل المجتمع بالرحمة والعقل والبصيرة، وفي كل جانب من هذه الجوانب، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نموذجًا فريدًا، ومُعلمًا للقدوة والاقتداء.
وذكر أنه في حجته الأخيرة، وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على صعيد عرفات، تُحيطُ به أمواج من القلوب المؤمنة، أكثر من مئة ألف نفسٍ، تُنصت بخشوعٍ، لِتشهد أعظم بيانٍ عرفه التاريخ.
ونوه بما تضمنته خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، مبينًا أنه رسم فيها للأمة خارطة الطريق، وحدّد فيها معالم البقاء وعوامل العزّ، وأعلن فيها المساواة بين البشر، وأبطل كل تفاضُلٍ زائفٍ قائمٌ على النَسَب أو المال أو اللون أو الجنس، وغَرَس في القلوب ميزانًا ربانيًا واحدًا هو التقوى، ثم أوصى بالنساء خيرًا.
حذر من الظلموواصل: وحذّر من الظُلم، وذكّر بحرمة الدماء والأعراض، وأرسى مبادئ العدل والرحمة، وختم عليه الصلاة والسلام خطبته العظيمة، بوصيةٍ خالدة، هي حبل النجاة، ودستورُ الفلاح في الدنيا والآخرة، فقال: " تركتُ فيكم أمرين؛ لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما: كتابُ الله، وسُنّتي".
وأكمل: بعد أن بلّغ النبي -صلى الله عليه وسلم- الرسالة، وأدى الأمانة، وربّى أمة، وأقام حضارةً، اشتد عليه المرض في أيامه الأخيرة، لكنه لم يغفل عن أمته، بل كانت آخر وصاياه: "الصَّلاة الصَّلاة وما ملكت أيمانكم"، لعِظمِ شأنها، وجلالة قدرها.
ولفت إلى أنه بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ خرج إلى الناس في لحظاته الأخيرة، يتأمّلهم بعين المحبة، وكأن قلبهُ يطوفُ بهم مودّعًا، ثم عاد إلى بيته، وأسلم روحه الطاهرة في حِجر عائشة - رضي الله عنها، وارتجّت المدينة، لكن نوره لم ينطفئ، وسُنتهُ لم تَغِبْ، بل بقيت حية في قلوب المؤمنين راسخة في حياة الأمة، فمات الجسدُ، لكن بقي الأثر، وبقيت الأمانة في أعناق هذه الأمة، ليسيروا على هديه، ويحيوا سُنّته، ويُبلّغوا رسالته للعالمين، فمن أحبّ النبي حقًا، فليقتفِ أثره، وليُحيي سُنته في نفسه وأهله ومجتمعه، فالمحبة الصادقة ليست ادعاء باللسان، بل اتباع بالأفعال.
وأكد أن سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بوصفها منهجًا ودستورًا يصلُحُ بها حالُ البشرية جمعاء في كل زمان ومكان، وتمثّل رسالة تنبضُ بالحياة، تُحيي القلوب والضمائر، وترسّخ مبادئ العدل والرحمة والمساواة، وتُلغي كل تفاضُلٍ زائف بين البشر قائمٌ على العِرق أو المال أو اللون أو الجِنس، وتمنحُ البصيرة في زمن الفتن.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: خطيب المسجد النبوي إمام وخطيب المسجد النبوي خطبة الجمعة من المسجد النبوي صلى الله علیه وسلم المسجد النبوی إلى أن
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد الحرام: اللهم وفق القيادة الرشيدة لما تقدمه في خدمة الحرمين
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله -عز وجل-.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام: "في زمان كثرت فيه الفتن الظلماء، وعمت محن الدهماء، وفي أغوار الأحداث وأعماقها تتألق قضية فيحاء عريقة بلجاء، من الضرورات المحكمات، والأصول المسلمات، ومن أهم دعائم العمران والحضارات، إنها قضية الأمن والأمان، والاستقرار والاطمئنان".
ودعا الدكتور السديس الله أن يوفق القيادة الرشيدة حفظها الله، قائلا: "اللهم وفق الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان لما يقدمانه في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما والحجاج من جليل الخدمات".
كما أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام المسلمين بضرورة الوحدة والاعتصام لمواجهة المخاطر والتحديات، خاصة مآسي إخواننا المستضعفين وأحبتنا المكلومين في فلسطين العزيزة، والمسجد الأقصى المبارك، فلا ننساهم من دعائنا، ونبتهل إلى الله أن يكشف عنهم ما نزل بهم، وينصرهم على عدوهم.
خطيب المسجد الحرام الشيخ عبد الرحمن السديس: اللهم وفق الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان لما يقدمانه في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما والحجاج من جليل الخدمات#الإخبارية pic.twitter.com/mmnzdkIsNJ
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) May 9, 2025 خطبة الجمعةأخبار السعوديةالدكتور عبدالرحمن السديسأهم الأخبارالمسجد الحرامالقيداة الرشيدةقد يعجبك أيضاًNo stories found.