شهدت السياسة الأمريكية تحولاً لافتاً في تعاملها مع ملف الأزمة اليمنية. فبعد سنوات من الاعتماد بشكل كبير على التواصل والتعاون مع دول إقليمية في إدارة هذا الملف المعقد، تتجه واشنطن اليوم نحو التفاوض المباشر مع “أنصار الله”. هذا التحول، الذي يعكس اعترافاً ضمنياً بقوة الأمر الواقع التي فرضها “أنصار الله” على الأرض، يسلط الضوء على دروس قاسية من الفشل العسكري الأمريكي، ويحمل في طياته خسائر فادحة لما يسمى بـ “الشرعية”.
إن قرار الولايات المتحدة بالجلوس مباشرة مع “أنصار الله” لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تراكم لتحديات وعوامل عديدة أفشلت المساعي السابقة، وعقدت الحملة العسكرية التي استهدفت الحركة. ومن اللافت للنظر أن هذا التفاوض المباشر يجري مع جماعة تصنفها الولايات المتحدة نفسها حالياً كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO). هذه الحقيقة تجعل من التحول في النهج الأمريكي أكثر دلالة، وتشير إلى مدى الإدراك الأمريكي بضرورة التعامل مع القوة المهيمنة على الأرض بغض النظر عن التصنيفات الرسمية.
فمنذ البداية، اصطدمت واشنطن بحقيقة دامغة تتمثل في سيطرة “أنصار الله” الفعلية على مناطق واسعة ومكتظة بالسكان في اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي. هذه السيطرة جعلت من أي محاولة لتجاوز الحركة في البحث عن حلول أو تهدئة للأوضاع أمراً غير واقعي، بل وعقيماً.
علاوة على ذلك، أثبتت “أنصار الله” أنها قوة متجذرة بعمق في النسيج اليمني، تمتلك معرفة تفصيلية بالتضاريس المحلية، وولاءات قبلية واجتماعية يصعب اختراقها. طبيعة اليمن الوعرة نفسها شكلت تحدياً إضافياً، حيث يصعب تحديد وتدمير مواقع الحركة في الجبال والوديان المترامية الأطراف. وقد تفاقم هذا التحدي بسبب محدودية قدرة الولايات المتحدة على جمع معلومات استخباراتية دقيقة حول هذه المواقع، مما أعاق أي عمليات برية محتملة.
ولم تقتصر التحديات على الجغرافيا والانتشار، بل امتدت لتشمل القدرات العسكرية المتطورة التي يمتلكها “أنصار الله”. فقد كشفت الحركة عن ترسانة متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى، وامتلاكها لصواريخ فرط صوتية، وطائرات مسيرة حديثة أظهرت قدرة على اختراق المنظومات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية. هذه القدرات مكنت “أنصار الله” من شن هجمات مؤثرة على أهداف بعيدة، ابتداءً من منع الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر ثم المواجهة المباشرة مع حاملات الطائرات الأمريكية وتحقيق إصابات مباشرة، وكذلك تحقيق ضربات مباشرة لكيان الاحتلال في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وآخرها استهداف مطار اللد المسمى إسرائيلياً “بن غوريون” وصولاً إلى اتخاذ قرار بفرض حصار جوي شامل على الكيان بالتزامن مع قرار العقوبات الذي اتخذته صنعاء ضد عدد من الشركات الأمريكية، مما أجبر الولايات المتحدة على إعادة تقييم استراتيجيتها.
إن قدرة “أنصار الله” على التكيف مع الضربات الأمريكية واستمرار عملياتها النوعية، بالإضافة إلى الخسائر المادية التي تكبدتها الولايات المتحدة، بما في ذلك إسقاط عدد كبير من الطائرات المسيرة باهظة الثمن وخسارة 3 طائرات مقاتلة من طراز F18، كلها مؤشرات على فشل الرهان على الحل العسكري.
لكن هذا التحول في السياسة الأمريكية يحمل في طياته ثمناً باهظاً لما يسمى بـ “الحكومة اليمنية الشرعية”، التي كانت تُعد الشريك الأساسي لواشنطن في إدارة الملف اليمني. فالتفاوض المباشر مع “أنصار الله”، وهي حركة مصنفة إرهابياً من قبل الولايات المتحدة ولم تحظَ بالاعتراف الدولي الذي تتمتع به الحكومة المدعومة من الرياض، يمثل تآكلاً لمكانة “الشرعية” وتقويضاً لادعاءاتها بتمثيل الشعب اليمني.
هذا التحول يرسل رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة باتت تتعامل مع القوة الفعلية على الأرض، بغض النظر عن الشرعية الدولية أو حتى تصنيفاتها الخاصة. إنه اعتراف ضمني بأن “الحكومة الشرعية” لم تعد قادرة على تحقيق أهداف واشنطن في اليمن، سواء كانت تلك الأهداف تتعلق بمكافحة الإرهاب أو استقرار المنطقة.
في الختام، يمكن القول إن قرار الولايات المتحدة بالتفاوض المباشر مع “أنصار الله” هو بمثابة شهادة على فشل الاستراتيجيات السابقة، وعلى قوة وصلابة “أنصار الله” كطرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية لليمن. وبينما قد يفتح هذا التحول آفاقاً جديدة نحو تهدئة الصراع، فإنه في الوقت نفسه يمثل خسارة كبيرة لما يسمى “الحكومة الشرعية” التي وجدت نفسها مهمشة في معادلة إقليمية ودولية جديدة تفرضها حقائق القوة على الأرض. إن دروس الفشل العسكري الأمريكي في اليمن ستظل ماثلة للأذهان، مؤكدة على أن الحلول السياسية الشاملة هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في هذا البلد المنكوب.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ثُمَّ شَقَّتْ هَدأةَ الليلِ رُصَاصة !!
حاول الكثيرون أن يثنونني عن قرار العودة إلیٰ السودان، وجاءوا بكل ما يرون أنه يقوِّی منطقهم، ولكن عبثاً يحاولون، فقد قرَّ قراري بعد أن استخِرت الله وتوكلت عليه.
غادرت مصر بمساكنها الضيِّقة ومن مطاراتها الواسعة المريحة، إلی السودان بمساكنه الواسعة وأرضه الشاسعة ومطاراته المتواضعة الضيِّقة بتجهيزاتها الشحيحة بالرغم من أراضيها الفسيحة، وعلی متن طاٸرة شركة تاركو، بإدارتها الشابَّة وإرادتها الصلبة، وهبطنا مطار بورتسودان بسلام والشمس فی كبدِ السماء والجو مُلَبَّدٌِ بسحب دخانٍ أسودٍ كنوايا دويلة mbz وأزلامه من بغايا العملاء والمرتزقة، ومن بقايا مليشيا آل دقلو الإرهابية التی عجزت عن تحقيق أی نصر علی قوات الجيش المسلحةُ بشعبها قبل أسلحتها، الواثقة من نصر الله قبل إعتمادها علی خططها المدروسة، التی غدت تُدَرَّس في المعاهد العسكرية، فعمدت مليشيا آل دقلو الإرهابية إلیٰ سلاح المسيرات بدلاً عن تجنيد المسيرية، تلك القبيلة الشامخة التی ضَلَّت إدارتها الأهلية عن طريق الحكمة، وحار حليمها وخار عزمها واختارت الذل والمسكنة وخنعت فی إنكسار.
سجدتُ شكراً لله علی أسفلت المطار، ومن هناك تلقفتني اْيدي الأحبة، ومن فوري زرتُ مقبرة أخي الشقيق الوحيد فی هذه الفانية وسكبت دمعة حرَّیٰ علی شاهد قبره، ودعوت له واستغفرت ربی وأنبت.
في الطريق من المطار إلیٰ المدينة رأيت بورتسودان كما رأيتها للمرة الأولی عام 1963م مدينة تضجُّ بالحركة والناس، بيوتها، إنسانها، لهجة كلامهم، طريقتهم فی الملبس والمأكل والمشرب، هی ذاتها وكأنَّ شيٸاً لم يكن، ألِفُوا حتی دخان حريق مستودعات الغاز وكأنه صادر من مدخنة مصنع !!
الملاحظة الوحيدة هی إزدياد عدد السيارات فی الطريق وهذا مٶشر إيجابی، خلدت إلیٰ النوم بعد أن انصرف ضيوفي الذين لم يشعرونني بأنني أنا الضيف وليس العكس!!
و قبيل الفجر شقَٰت هدأة الليل رصاصة، قدرت إنها صادرة من دوشكا، وتوالت أصوات المضادات كما أعرفها وما إن تهدأ حتی تعود، ولاحظت إن الضارب يستمتع بالصوت الصادر من مدفعه، كأنه ذلك الإيقاع الذی يبعث علی الحماسة والطرب، فقلت فی نفسي يا لهٶلاء الرجال يسهرون لينام الناس آمنين ويبذلون أرواحهم فداءً للعقيدة وليكون الوطن حراً أبيَّاً .
هي المرة الوحيدة التي أستيقظ فيها لصلاة الفجر علی أصوات الدوشكا والمضادات الأرضية وليس علی صوت الآذان، لكن لم يطل انتظاري فقد صدحت المآذن بأن حیّ علی الصلاة حیَّ علی الفلاح الصلاة خيرٌ من النوم، وهی تخالط أصوات المدافع، وهرعت إلیٰ الصلاة فوجدت صف صلاة الفجر اْطول من ما اعتاده الناس، الله أكبر الله اكبر.
بورتسودان بلد الأمان ولامكان لأی جنجويدي جبان، ولا موطٸ قدم فيها لmbz آل نهيان الخيبان فقد ركله شعب السودان بعد العدوان علی مدينة بورتسودان.
ثمَّ شقت غَبَشَةَ الفجرِ رصاصة لم يجفل منها أحد، ولن يحفل بها شعب كشعب السودان الأبِي الذی لا يرضی الضيم، والمكضِب خَلِيه يجرِب.
هلموا إلیٰ وطنكم وطن الجمال.. علوه.. وخلوه.. في عين المحال.
أبنوه.. و مدوه.. بالمال و العيال.
زيديوه.. و أبنوه.. بعزم الرجال.
بأملنا وبعملنا و بالمحنة نبني جنة.
-النصر لجيشنا الباسل.
-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.
-الخزی والعار لأعداٸنا وللعملاء
محجوب فضل بدري
إنضم لقناة النيلين على واتساب