الثورة نت:
2025-11-06@05:46:24 GMT

دروس الفشل العسكري الأمريكي

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

 

شهدت السياسة الأمريكية تحولاً لافتاً في تعاملها مع ملف الأزمة اليمنية. فبعد سنوات من الاعتماد بشكل كبير على التواصل والتعاون مع دول إقليمية في إدارة هذا الملف المعقد، تتجه واشنطن اليوم نحو التفاوض المباشر مع “أنصار الله”. هذا التحول، الذي يعكس اعترافاً ضمنياً بقوة الأمر الواقع التي فرضها “أنصار الله” على الأرض، يسلط الضوء على دروس قاسية من الفشل العسكري الأمريكي، ويحمل في طياته خسائر فادحة لما يسمى بـ “الشرعية”.

إن قرار الولايات المتحدة بالجلوس مباشرة مع “أنصار الله” لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تراكم لتحديات وعوامل عديدة أفشلت المساعي السابقة، وعقدت الحملة العسكرية التي استهدفت الحركة. ومن اللافت للنظر أن هذا التفاوض المباشر يجري مع جماعة تصنفها الولايات المتحدة نفسها حالياً كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO). هذه الحقيقة تجعل من التحول في النهج الأمريكي أكثر دلالة، وتشير إلى مدى الإدراك الأمريكي بضرورة التعامل مع القوة المهيمنة على الأرض بغض النظر عن التصنيفات الرسمية.

فمنذ البداية، اصطدمت واشنطن بحقيقة دامغة تتمثل في سيطرة “أنصار الله” الفعلية على مناطق واسعة ومكتظة بالسكان في اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي. هذه السيطرة جعلت من أي محاولة لتجاوز الحركة في البحث عن حلول أو تهدئة للأوضاع أمراً غير واقعي، بل وعقيماً.

علاوة على ذلك، أثبتت “أنصار الله” أنها قوة متجذرة بعمق في النسيج اليمني، تمتلك معرفة تفصيلية بالتضاريس المحلية، وولاءات قبلية واجتماعية يصعب اختراقها. طبيعة اليمن الوعرة نفسها شكلت تحدياً إضافياً، حيث يصعب تحديد وتدمير مواقع الحركة في الجبال والوديان المترامية الأطراف. وقد تفاقم هذا التحدي بسبب محدودية قدرة الولايات المتحدة على جمع معلومات استخباراتية دقيقة حول هذه المواقع، مما أعاق أي عمليات برية محتملة.

ولم تقتصر التحديات على الجغرافيا والانتشار، بل امتدت لتشمل القدرات العسكرية المتطورة التي يمتلكها “أنصار الله”. فقد كشفت الحركة عن ترسانة متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى، وامتلاكها لصواريخ فرط صوتية، وطائرات مسيرة حديثة أظهرت قدرة على اختراق المنظومات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية. هذه القدرات مكنت “أنصار الله” من شن هجمات مؤثرة على أهداف بعيدة، ابتداءً من منع الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر ثم المواجهة المباشرة مع حاملات الطائرات الأمريكية وتحقيق إصابات مباشرة، وكذلك تحقيق ضربات مباشرة لكيان الاحتلال في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وآخرها استهداف مطار اللد المسمى إسرائيلياً “بن غوريون” وصولاً إلى اتخاذ قرار بفرض حصار جوي شامل على الكيان بالتزامن مع قرار العقوبات الذي اتخذته صنعاء ضد عدد من الشركات الأمريكية، مما أجبر الولايات المتحدة على إعادة تقييم استراتيجيتها.

إن قدرة “أنصار الله” على التكيف مع الضربات الأمريكية واستمرار عملياتها النوعية، بالإضافة إلى الخسائر المادية التي تكبدتها الولايات المتحدة، بما في ذلك إسقاط عدد كبير من الطائرات المسيرة باهظة الثمن وخسارة 3 طائرات مقاتلة من طراز F18، كلها مؤشرات على فشل الرهان على الحل العسكري.

لكن هذا التحول في السياسة الأمريكية يحمل في طياته ثمناً باهظاً لما يسمى بـ “الحكومة اليمنية الشرعية”، التي كانت تُعد الشريك الأساسي لواشنطن في إدارة الملف اليمني. فالتفاوض المباشر مع “أنصار الله”، وهي حركة مصنفة إرهابياً من قبل الولايات المتحدة ولم تحظَ بالاعتراف الدولي الذي تتمتع به الحكومة المدعومة من الرياض، يمثل تآكلاً لمكانة “الشرعية” وتقويضاً لادعاءاتها بتمثيل الشعب اليمني.

هذا التحول يرسل رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة باتت تتعامل مع القوة الفعلية على الأرض، بغض النظر عن الشرعية الدولية أو حتى تصنيفاتها الخاصة. إنه اعتراف ضمني بأن “الحكومة الشرعية” لم تعد قادرة على تحقيق أهداف واشنطن في اليمن، سواء كانت تلك الأهداف تتعلق بمكافحة الإرهاب أو استقرار المنطقة.

في الختام، يمكن القول إن قرار الولايات المتحدة بالتفاوض المباشر مع “أنصار الله” هو بمثابة شهادة على فشل الاستراتيجيات السابقة، وعلى قوة وصلابة “أنصار الله” كطرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية لليمن. وبينما قد يفتح هذا التحول آفاقاً جديدة نحو تهدئة الصراع، فإنه في الوقت نفسه يمثل خسارة كبيرة لما يسمى “الحكومة الشرعية” التي وجدت نفسها مهمشة في معادلة إقليمية ودولية جديدة تفرضها حقائق القوة على الأرض. إن دروس الفشل العسكري الأمريكي في اليمن ستظل ماثلة للأذهان، مؤكدة على أن الحلول السياسية الشاملة هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في هذا البلد المنكوب.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

قائد أنصار الله: من يقف مع “إسرائيل” خاسر ومجرم.. واليمن مستمر في الاستعداد للجولة القادمة

الجديد برس| أكد قائد حركة أنصار الله، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن من يقف إلى جانب “إسرائيل” أو يدعمها في عدوانها على الشعوب هو “خاسر وسَيّئ ويكشف عن إجرامه وخبثه”، مشيراً إلى أن من يعادي من يقف ضد “العدو الإسرائيلي” لا يكون إلا “من المجرمين والمنافقين والخاسرين حتماً في نهاية المطاف”. وقال الحوثي في خطاب متلفز له، اليوم الثلاثاء، إن القوى التي تدعم الإجرام في السودان هي نفسها التي تتبنى موقفاً معادياً للشعب الفلسطيني ولمن يناصره، مؤكداً أن هذا الموقف يكشف طبيعة الارتباط بين مشاريع الفتنة في المنطقة وبين الولاء لـ”إسرائيل” وأمريكا. وأضاف أن شعب اليمن قدّم موقفاً عظيماً ومشرفاً خلال العدوان على قطاع غزة، “وقف ضد العدو الإسرائيلي ومع الشعب الفلسطيني المظلوم الذي يتعرض للإبادة الجماعية”، منوهاً إلى أن الموقف اليمني كان واضحاً سياسياً وعسكرياً وشعبياً، عبر نشاط واسع ووقفات تضامنية مكثفة. وأشار الحوثي إلى أن اليمن خرج من هذه الجولة أقوى مما كان عليه، بفضل الله تعالى، ومن خلال التجارب المتراكمة التي عززت قدراته وإمكاناته، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد استمرار البناء والإعداد “للجولة القادمة من المواجهة مع العدو الإسرائيلي ومن يتورط معه”. وأوضح أن “لا استقرار ولا أمن ولا سلام يمكن أن تشهده منطقتنا طالما بقي العدو الإسرائيلي محتلاً لفلسطين ومتحركاً بمشروعه الصهيوني ضد الأمة الإسلامية”، داعياً إلى مواصلة العمل والجهوزية على كل المستويات. كما ثمّن الحوثي الوقفات القبلية والشعبية التي عمّت مختلف المحافظات اليمنية خلال الأيام الماضية، واصفاً إياها بـ”العظيمة والمشرّفة”، لما تمثله من تجسيد لروح الإيمان والوفاء للشهداء واستعداد دائم للتضحية دفاعاً عن الأمة وقضاياها. واختتم قائد أنصار الله كلمته بالتأكيد على أهمية العناية بأسر الشهداء والاهتمام بالمناسبات الوطنية والإيمانية، خصوصاً في “أسبوع الشهيد”، داعياً الجميع إلى استشعار المسؤولية تجاه هذه الأسر والوفاء لتضحيات الشهداء الذين “قدّموا أرواحهم في سبيل الله وفي مواجهة قوى الطغيان والعدوان”.

مقالات مشابهة

  • أنصار الله.. الرقم الأصعب
  • قائد أنصار الله: من يقف مع “إسرائيل” خاسر ومجرم.. واليمن مستمر في الاستعداد للجولة القادمة
  • حكم الإخبار بما في الخاطب من عيوب .. اعرف آراء الصوابط الشرعية
  • محمد أبو العينين: الإصرار والوصول للعالمية أهم دروس الصناعة التي نقلتها للرياضة
  • البخيتي: كلام نتنياهو “صحيح” ونهاية هذا الكيان على أيدينا
  • حكم الاحتفال بعيد الحب .. دار الإفتاء تحدد الضوابط الشرعية
  • «أنصار الله» مخاطبةً نتنياهو: نحن على أتم الجهوزية للرد بخيارات ستثقل كاهل إسرائيل
  • التحول الأميركي في إدارة ترامب الثانية.. من التدخل العسكري المباشر إلى الاستراتيجية الذكية
  • لاريجاني: الولايات المتحدة أدركت صعوبة نزع سلاح حزب الله اللبناني
  • فضل الله من أنصار: الدولة مطالبة بتحمّل مسؤولياتها في الحماية والإعمار