الشيوعي الصغير زهران ممداني.. مسلم يصنع التاريخ في نيويورك
تاريخ النشر: 4th, November 2025 GMT
في غمرة الفرحة بالفوز ببطاقة الترشيح من الحزب الديمقراطي في 25 يونيو/حزيران الماضي، متقدما على أندرو كومو، الحاكم السابق لولاية نيويورك، قال المرشح الديمقراطي الشاب زهران ممداني متوجها لأنصاره "اليوم دخلنا التاريخ.. فزنا لأن أهالي نيويورك دافعو عن مدينة يمكنهم تحمل تكلفة العيش فيها. مدينة يمكنهم فيها القيام بأكثر من مجرد الكفاح من أجل تأمين حاجاتهم".
                
      
				
ولكي تصبح تكلفة العيش بنيويورك في متناول أوسع قاعدة ممكنة من سكان المدينة تعهد ممداني (33 عاما)، الذي يسكن في شقة لا يزيد إيجارها الشهري على 2300 دولار، بتجميد زيادات الإيجارات لمليون شقة منتظمة الإيجار في المدينة، وتوسيع الخدمات العامة مثل النقل المجاني وتوفير رعاية شاملة ومجانية للأطفال.
 كما وعد ممداني، الذي لا يمتلك سيارة ويستعمل وسائل النقل العام، ناخبيه بإنشاء متاجر بلدية لبيع السلع بأسعار الجملة، وبرفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارا في الساعة بحلول 2030، ولتمويل هذه المقترحات يقترح فرض ضرائب إضافية على الشركات وأصحاب الدخل العالي الذي يفوق مليون دولار سنويا.
ويثير خطاب ممداني بعض المخاوف في أوساط رجال المال والأعمال بشأن تفعيل برنامجه السياسي، وخاصة في جانب التمويل. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت سابق، إن حملة ممداني تُشكل تهديدا خطرا لنيويورك، وعبر عن رفضه محاولة انتخابه وهدد بحجب التمويل الفدرالي عن المدينة إذا فاز.
 ومع بدء العد التنازلي لاختيار عمدة جديد للمدينة، غير الرئيس ترامب نسبيا لهجته اتجاه ممداني، وقال "يبدو أنه سيفوز.. هذه ثورة. هذه أيضا ثورة على المرشحين السيّئين"، وأضاف أنه مستعد للتواصل معه في حال فوزه نهائيا بالاقتراع.
ويعكس ذلك التصريح تحولا جذريا في موقف الرئيس ترامب الذي وصف ممداني في ذروة الحملة الانتخابية بأنه "شيوعي صغير" يريد تدمير نيويورك، وتعهد بأن "أميركا لن تكون شيوعية أبدا بأي شكل من الأشكال بما فيها مدينة نيويورك".
إعلانوعلى غرار ترامب، يواصل كثير من المعارضين الآخرين وصف ممداني بأنه شيوعي، لكن المعني بالأمر لا يفوت أيّ فرصة ليُعرّف نفسه بأنه شيء مختلف تماما عن ذلك وأنه اشتراكي ديمقراطي.
ووفق هذا التصور، فهو يعتقد أن على الحكومة أن تؤدّي دورا في الحد من التفاوت الاقتصادي بين سكان المدينة، دون أن يدعو إلى إقامة نظام شيوعي تكون فيه الملكية مشتركة.
وبذلك يعطي ممداني دفعة قوية للتيار الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي الذي يعيش حالة مخاض بعد الإخفاق الكبير في رئاسيات وتشريعيات عام 2024، ويحظى ممداني بدعم شخصيات بارزة من ذلك التيار، أهمها بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز اللذان انخرطا بشكل كبير في حملته الانتخابية.
وفي توصيف توفيقي بين التصورين الشيوعي والاشتراكي، يرى روبرت وولف، وهو عضو بارز في تسيير شؤون مدينة نيويورك وأحد أهم جامعي التبرعات للحزب الديمقراطي، أن زهران رأسمالي تقدمي.
وقال وولف في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، إن ممداني يدرك أهمية ازدهار القطاع الخاص في نيويورك ويسعى لإيجاد سبل لاستخدام الحكومة بالشكل الأمثل في أمور تُعزز المساواة وتُساعد الفئات المهمشة.
ساسة تقليديون ومليارديراتوعندما قرر ممداني في أكتوبر/تشرين الأول 2024 دخول السباق نحو رئاسة بلدية نيويورك، شكل ذلك مفاجأة بالنسبة لنخبة الحزب الديمقراطي التي تعاقب عدد من وجوهها التقليديين على إدارة المدينة منهم بيل دي بلازيو (2014-2021) ومايكل بلومبيرغ (2002-2013).
وجاء ترشيح ممداني تتويجا لعدة سنوات من تمثيل منطقة كوينز في المجلس التشريعي لنيويورك ولم يتردد في تحدي أسماء تقليدية في الحزب الديمقراطي واستطاع تدريجيا أن يحول حملته الانتخابية إلى استنفار لقواعد واسعة من الناخبين الذين بدؤوا يضيقون ذرعا بالنخبة المهيمنة في الحزب بسبب تورطها في قضايا فساد كثيرة.
وفي الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في يونيو/حزيران الماضي حقق ممداني إنجازا غير مسبوق وأصبح أول مسلم سيكون مرشحا باسم الحزب لخوض السباق النهائي إلى منصب العمدة يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وتقدم ممداني في ذلك الاقتراع على أندرو كومو (67 عاما) وهو حاكم سابق لولاية نيويورك لثلاث فترات، استقال في أغسطس/آب 2021 وسط فضائح مدوية تتعلق باتهامات بالتحرش الجنسي بموظفات في الولاية، وبطريقة تعامل إدارته مع وفيات دور رعاية المسنين بسبب جائحة كورونا.
ورغم الهزيمة القاسية التي مُني بها في الانتخابات التمهيدية، يخوض كومو المرحلة النهائية للانتخابات بصفته مرشحا مستقلا، ويحظى بدعم الأوساط المالية والاقتصادية التي لا ترغب في تولي ممداني إدارة شؤون المدينة.
وتشير سجلات تمويل الحملات الانتخابية إلى أن 26 مليارديرًا أو عائلة ثرية جدا أنفقوا ما يزيد على 22 مليون دولار إجمالًا في السباق الانتخابي، دعمًا لكومو وسعيًا لمنع ممداني من تولي منصب العمدة.
ويسعى كومو إلى حشد المعتدلين والديمقراطيين الساخطين، ويركز في حملته على التقليل من شأن ترشيح ممداني ويتهمه بقلة الخبرة الحكومية و"التطرف" ومعاداة السامية.
 لكن ممداني ما فتئ يوجه ضربات قوية لكومو، وخاصة في المناظرات التلفزيونية، حيث ذكره بقضايا الفساد التي تورط فيها، وبسوء تدبيره لشؤون الولاية خلال جائحة كورونا، وبتشابك مصالحه الشخصية مع أوساط المال والأعمال.
وقبل أيام قليلة، شارك ممداني مع متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا يخاطب فيه كومو "حبيبي (بالعربية)، اكشف عن عملائك"، تعليقا على تقرير صحفي يفيد أن كومو جنى عام 2024 أرباحا قدرها 4 ملايين دولار عن طريق شركة للخدمات الاستشارية، دون توضيح العملاء المستفيدين من خدماته.
وكان من المفترض أن يخوض غمار المنافسة أيضا العمدة الحالي للمدينة الديمقراطي إريك آدامز الذي تورط في فضائح وتحقيقات الفساد الفدرالية، وتعرض لضغوط سياسية واسعة قبل أن تسقط وزارة العدل، في عهد إدارة الرئيس ترامب.
وقرر آدمز (65 عاما) في 28 سبتمبر/أيلول 2025 وقف حملته الانتخابية لولاية ثانية التي خاضها مرشحا مستقلا بعد انسحابه من الانتخابات التمهيدية للحزب، وبرر قراره بمشكلة في التمويل وفي ظل تراجع شعبيته وتداعيات قضايا الفساد التي تورط فيها، وقرر دعم المرشح كومو.
وينافس على منصب العمدة أيضا المرشح الجمهوري كورتيس سيلوا (71 عاما) وهو شخصية عامة في المدينة، ويعرف بكونه مؤسس "الملائكة الحارسة"، وهي مجموعة تطوعية لمكافحة الجريمة. وهذا هو ثاني ترشيح لهذا الإعلامي المخضرم ويرتكز برنامجه الانتخابي على السلامة العامة واحترام القانون والنظام والصرامة المالية.
الأوفر حظا
 ولا تزال استطلاعات الرأي تشير إلى أن ممداني يحافظ على تقدمه بفارق كبير على خصميه، المستقل كومو والجمهوري سيلوا، حيث بلغ متوسط دعم ممداني 46.6%، وكومو 30.1%، وسيلوا 16.5%.
وحتى يوم الخميس الماضي، كان ممداني يتقدم بمتوسط 16.5 نقطة على كومو في ثمانية استطلاعات رئيسية. وأظهر استطلاع أجرته ذا هيل (كلية إيمرسون) في الفترة من 25 إلى 28 أكتوبر/تشرين الأول أن ممداني يحظى بدعم 50%، مقارنة بـ25% لكومو و21% لسيلوا، متقدما بـ25 نقطة.
وحسب تلك الاستطلاعات، فإن نسبة كبيرة من قوة ممداني في السباق الانتخابي تعود إلى تحالف من الناخبين الشباب ومجتمعات الملونين، ويبدو أن ذلك سيتعزز في الأيام الأخيرة من الحملة.
وفي تفاصيل تلك الاستطلاعات، فإن نسبة تأييد ممداني في صفوف الناخبين السود في المدينة ارتفعت إلى 71%، بعد أن كانت في حدود 50% قبل شهر واحد فقط، في حين شهد تأييد كومو لدى نفس الفئة، انخفاضا قدره 10 نقاط مئوية.
ويهيمن ممداني أيضا على أصوات الناخبين الذين هم دون سن الخمسين، حيث يدعمه 69% منهم، مقارنةً بـ37% فقط بين من تزيد أعمارهم على 50 عاما.
وعموما يحافظ ممداني على الصدارة في السباق حيث يعبر 52% من الناخبين المحتملين عن رأي إيجابي اتجاهه، متقدمًا بفارق كبير على كومو الذي حصل على 35% وكورتيس سيلوا الذي حصل على 27%.
ظاهرة فريدةومنذ ترشحه لهذا المنصب، تحول ممداني إلى ظاهرة سياسية فريدة، وفق تعبير الأكاديمية سحر خميس، وهي أستاذة إعلام في جامعة ماريلاند الأميركية، وأصبح مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام الأميركية التي تتوقع أن يصبح ممداني أول عمدة مسلم لنيويورك.
ويسجل ممداني حضورا لافتا في وسائل الإعلام التقليدية وخاصة المحطات التلفزيونية حيث يطغى بشكله الجذاب والعفوي وبحضور بديهته وابتسامه الدائم ووضوح أفكاره السياسية، علاوة على حس الفكاهة العالي الذي يتمتع به.
ووصف المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) نهاد عوض الاختراق الذي يحققه ممداني بأنه "زلزال سياسي" وأشاد بأسلوبه السياسي وقدرته على استمالة قطاعات واسعة من القواعد الانتخابية الغاضبة من القيادات الديمقراطية المتورطة في قضايا فساد مالي وأخلاقي.
حاضنة تعدديةوحقق ممداني ذلك الصعود السياسي الصاروخي متشبعا بالقيم التي تربى عليها في بيئة ثقافية تعددية مسكونة بأسئلة الهوية والانتماء على خلفية الأصول الهندية والأوغندية لوالده المؤرخ محمود ممداني، وهو أستاذ في جامعة كولومبيا (نيويورك) ووالدته المخرجة السينمائية الشهيرة ميرا نايير.
إعلانوقدم ممداني مع أسرته، وهو في سن السابعة إلى نيويورك بعد أن أمضى سنوات طفولته الأولى في مسقط رأسه بأوغندا وتأثر بتجربة والده السياسية والفكرية وبأعمال والدته الفنية، وكان بيت العائلة مفتوحا لأسماء وازنة في الفكر والفن منها المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد.
 في تلك الأجواء، بدأ اهتمام ممداني بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمس الفئات المهمشة وانخرط في العمل الميداني، وأثناء دراسته الجامعية في كلية بودوين بولاية مين ساهم في تأسيس فرع لمنظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وشارك في حملة لإقناع الكلية بالانضمام إلى مقاطعة أكاديمية لإسرائيل باعتبارها أداة فعالة للضغط السلمي من أجل احترام القانون الدولي.
وبعد التخرج من الجامعة، عمل ممداني مدرسًا ومغني راب، وفي عام 2016 ساعد والدته في تأليف موسيقى فيلمها "ملكة كاتوي". وكانت أول وظيفة شغلها بدوام كامل هي تقديم المشورة لأصحاب المنازل المتعثرين في تسديد الأقساط في إطار منظمة غير ربحية صغيرة في منطقة كوينز.
وخلال عمله في تلك المنظمة تبلور وعيه باحتياجات السكان وحوّل ذلك إلى رسالة سياسية وجدت تدريجيا صدى لدى سكان منطقة كوينز، من ذوي الأصول الآسيوية، ولدى باقي سكان نيويورك التي كانت تعيش أسوأ أزمة سكنية منذ عدة عقود.
مخاطبة الجالياتيوم السبت (1 نوفمبر/تشرين الأول) شارك ممداني على منصة فيسبوك فيديو مع متابعيه، يعرض بلهجة شامية الخطوط الكبرى لبرنامجه الانتخابي: "مرحبا! أنا اسمي زهران ممداني وعم رشّح حالي لأكون العمدة الجديد في مدينة نيويورك. بعرف شو عم تفكروا. شكلي كأني صهركم من الشام. بس العربي تبعي بدها شوي شغل".
وأضاف ممداني "مع هيك أنا حابب اليوم أطلب دعمكم يوم 4 نوفمبر. العيشة بنيويورك صارت غالية للكل.. وصار صعب نعيش فيها، ونربي أولاد. أنا كعمدة رح أجمّد الإيجارات لأكثر من مليوني شخص، وخلي الباصات سريعة ومجانا وأضمن رعاية الأطفال شاملة لكل العائلات.. أنا منكم وإليكم".
وردت في ذلك المقطع عبارة "شكلي كأني صهركم من الشام" وهي تلميح إلى زواجه مطلع العام الجاري من الفنانة السورية الأميركية راما دواجى التي رأت النور في الولايات المتحدة لأبوين سوريين ودرست في جامعة فرجينيا كومنولث وأصبحت مدرسة للفنون البصرية في نيويورك.
وفي مقطع فيديو آخر يتحدث ممداني باللغة الإسبانية وهو يتجول في شوارع منطقة كوينز التي يمثلها منذ خمس سنوات في المجلس التشريعي لنيويورك، ويوجه نفس الرسالة إلى الناطقين بالإسبانية بالمدينة.
 وفي واحدة من أكثر اللحظات وقعا ومفعولا، ظهر ممداني في لقاء خطابي قبل نحو أسبوع خارج مسجد في منطقة برونكس وهو محاط بعدد من أفراد الجالية المسلمة وتحدث بتأثر كبير عن الإهانات التي واجهها المسلمون في المدينة منذ فترة طويلة.
 وروى ممداني كيف أنه عندما دخل عالم السياسة لأول مرة اقترح عليه عمه بلطف أن "يحتفظ بإيمانه لنفسه"، لكنه تعهد بأن يكسر هذه القاعدة وأن يجاهر بتمسكه بهويته الإسلامية في وجه خطاب الإسلاموفوبيا والعنصرية السائد في البلاد.
وتجسد تلك المشاهد ملامح دالة من حملة ممداني الذي يخاطب ناخبيه المحتملين من أي منبر ممكن في إطار حملة منسقة ومكثفة تراهن بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي وعلى الالتحام المباشر مع الناس في الساحات العامة ووسائل النقل العام والمطاعم والحدائق وغيرها من الفضاءات.
وتجد تلك الحملة التي يسندها نحو 90 ألف متطوع صدى واسعا لدى الناخبين كما تدل على ذلك استطلاعات الرأي التي تشير إلى أنه المرشح الأوفر حظا لتولي منصب عمدة المدينة التي يقطنها 8 ملايين شخص ويبلغ مجموع ناتجها الخام نحو 2.3 تريليون دولار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات معمقة حملته الانتخابیة الحزب الدیمقراطی فی المدینة ممدانی فی
إقرأ أيضاً:
انتخابات عمدة نيويورك.. زهران ممداني لـCNN عن تأييد ترامب وماسك لكومو: يريدان دمية
(CNN)-- قال المرشح الديمقراطي لانتخابات عمدة مدينة نيويورك، زهران ممداني، لشبكة CNN، إن تأييد الرئيس دونالد ترامب للمرشح المستقل أندرو كومو يُظهر أن الحاكم السابق انتظر حتى اليوم الأخير قبل الانتخابات "ليحتضن حركة(ماغا) المؤيجة لترامب التي لطالما قلنا إنه مرتبط بها".
وأضاف ممداني، الاثنين، أن سكان نيويورك لا يريدون رؤية "من يُحاكي" أجندة ترامب يصل إلى مبنى البلدية.
وكان ترامب هدد، عبر منصته "تروث سوشيال"، بتقليص التمويل الفيدرالي لمدينة نيويورك إلى ما يتجاوز "الحد الأدنى المطلوب" إذا أصبح ممداني عمدة المدينة.
وردا على ذلك، قال ممداني لـ CNN : "كما هو الحال في حملته، شخّصنا الأزمة التي تواجهها الطبقة العاملة في نيويورك، ألا وهي غلاء المعيشة. لكن على عكسه، سنُحقق ذلك بالفعل، وهذا تناقض لا يطيقه".