لجريدة عمان:
2025-06-29@15:15:25 GMT

الصحافة ونماذج الأعمال الجديدة

تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT

يخطئ كثيرا من يظن أن صناعة الصحافة بمنصاتها التقليدية والرقمية تعيش أيامها أو سنواتها الأخيرة في ظل تنامي أدوات الذكاء الاصطناعي والتحولات الرقمية التي أدت إلى عزوف قطاعات واسعة من الجمهور في كل دول العالم تقريبا عن مطالعة الصحف ومشاهدة المحطات التلفزيونية والاستماع إلى المحطات الإذاعية.

ففي ظل كل هذه التحولات غير المبشرة بالخير، تشهد الصحافة محاولات جادة لإعادة اختراع نفسها من خلال ما يطلق عليه الباحثون «تبني نماذج جديدة للأعمال» قادرة على إبقاء منصات الصحافة المختلفة في الساحة الإعلامية لسنوات قد تطول وتمكينها من توليد إيرادات جديدة تُعينها لا على البقاء في السوق فحسب، بل على تحقيق الأرباح، ومن ثم الازدهار مرة أخرى.

لعل ما يؤكد ما قلناه أن صناعة الصحافة على امتداد تاريخها ومنذ معرفة العالم بها في مطلع القرن الثامن عشر كانت تعاني مع كل تقنية اتصالية جديدة وتدخل في صراع ومنافسة غير متكافئة معها في البداية، ثم لا تلبث أن تخرج منتصرة، لتعيد تقديم نفسها، من خلال توظيف تلك التقنيات والاستفادة منها، بل والمشاركة في تطويرها، حدث هذا مع اختراع التلغراف، الذي استغلته الصحافة في نقل الأخبار وتطوير طرق الكتابة الصحفية، ثم مع المذياع والتلفزيون والأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت وأخيرا مع الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي ألقى بظلاله الجيدة والسيئة على المنتج الصحفي في السنوات الأخيرة، وفي تقديري فإن الصحافة، مثلما نجحت في مواجهة التحولات التقنية السابقة فإنها قادرة على مواجهة تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها في تعزيز مكانتها في المجتمعات المعاصرة، وهي مكانة لا تزال تحظى بالاعتراف العام رغم التحديات.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف تستطيع الصحافة العُمانية، مواكبة الصحافة العالمية على صعيد مواجهة التحولات الرقمية المتسارعة؟ علينا للإجابة عن هذا السؤال أن نعترف في البداية أن صناعة الصحف العالمية تشهد تحوّلًا هيكليًا عميقًا، تقوده تقنيات التحول الرقمي، وتجزئة الجمهور، والانهيار السريع في إيرادات المنصات الصحفية والإعلامية.

وفي مختلف السياقات الوطنية، دفعت هذه التغيرات المؤسسات الصحفية إلى إعادة تشكيل نماذج أعمالها، وتجريب نماذج جديدة، وإعادة تعريف علاقتها بالجمهور، وهو ما أتاح لها فرصًا جديدة للحياة بعد أن كان بعضها قد أوشك على الخروج من السوق. عندما ننتقل إلى الصحافة في سلطنة عُمان، نجد أن هذا التحوّل ما زال في بداياته، ومن ثم يمكن التحكم فيه وتسخيره لما فيه صالح المؤسسات الصحفية والإعلامية.

المختلف في التجربة العُمانية في التحول الرقمي للصحافة، هو أن الصحافة تعمل في إطار نظام إعلامي يتسم بالخصوصية سواء على صعيد التطور التاريخي الذي مرت به الصحافة أو على صعيد العلاقة الوثيقة التي تربط الصحافة بالحكومة، وتصبغ مجمل علاقاتها بالسلطة السياسية من جانب وعلاقتها بالجمهور من جانب آخر، وهو نظام يتميز بالمركزية، والنزعة الوطنية التنموية، والتبني الحذر للتحول الرقمي.

منذ تأسيس صحيفة «الوطن» عام 1971 عقب تولي السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الحكم بفترة وجيزة، شهدت الصحافة العُمانية نموًا مستمرًا سواء على مستوى عدد الصحف الناطقة بالعربية والإنجليزية أو في تنوعها، ومضامينها. وقد شكّلت صحف مثل «عُمان»، و«عُمان أوبزرفر»، و«الشبيبة» و«الرؤية»، و«تايمز أوف عُمان» أدوات رئيسة في خدمة الدولة، وتعزيز التماسك الوطني، ورفع الوعي العام، وعلى الرغم من مساهمتها الكبيرة في تأسيس البنية الأساسية الإعلامية في عُمان، فإن تطورها تم في إطار يولي أهمية قصوى لاستقرار النظام الإعلامي، والانسجام مع السياسات الوطنية، وتقديم الدور التنموي على ما عداه من أدوار للصحافة.

واقع الأمر هو أن صناعة الصحف في عُمان لم تتطور إلى سوق تنافسي تجاري بالمعنى الليبرالي، ومنذ نشأتها وحتى الآن تواصل العمل في إطار اقتصاد إعلامي ونموذج أعمال تقليدي يعتمد على الدولة، ويقوم على ثلاثة مصادر رئيسة للإيرادات، هي: الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر، والإعلانات من الهيئات المرتبطة بالدولة والقطاع الخاص، والاشتراكات المؤسسية الجماعية من المؤسسات العامة والخاصة.

ورغم أن هذا النموذج يوفّر نوعًا من الأمان المالي، إلا أنه في الوقت ذاته يرسخ ثقافة الاعتماد على الدولة ويعزل الصحف عن الضغوط السوقية التي قد تكون محفّزًا على التغيير، ويحد بالتالي من الرغبة في تجريب نماذج أعمال جديدة، كما يحد من تنويع مصادر الدخل، ويزيد من المخاطرة التمويلية التي تعاني منها المؤسسات الصحفية، خاصة مع توقف الدعم الحكومي، وانخفاض حصة الإعلانات لحساب المنصات الرقمية الجديدة، إلى جانب انخفاض الاشتراكات أو إلغائها في السنوات الأخيرة.

من المؤكد أن الاعتماد الكبير على مصادر تمويل مرتبطة بالدولة في ظل الواقع الإعلامي الحالي أصبح نموذجا غير فعال، خاصة أنه قد يكون له تبعات على استقلالية السياسات التحريرية للصحف واستدامة المؤسسات الإعلامية على المدى الطويل، فعندما تكون الحكومة هي الممول الرئيسي، فإن الصحف غالبًا ما تتردد في اتباع سياسات تحريرية قد تتعارض مع الروايات الرسمية.

من هنا، لا يمكن فهم التحول الرقمي في الصحافة العُمانية بشكل صحيح دون ربطه بالاقتصاد السياسي للإعلام والبنية السياسية والاقتصادية التي تتحكم فيه، على عكس الدول الغربية، حيث أدت التحولات الرقمية إلى دفع الصحف إلى ابتكار نماذج أعمال جديدة تقوم على إضافة أنظمة الدفع الجديدة، ومؤشرات التفاعل، وتخصيص المحتوى، ما زالت الصحف العُمانية ضمن نظام إعلامي يرتبط فيه بقاء المؤسسات الإعلامية بعوامل غير إعلامية.

وعلى الرغم من انتشار المنصات الرقمية، فإن معظم الصحف العُمانية لم تستثمر بشكل فعّال في فرص تحقيق الدخل التي يتيحها الفضاء الرقمي. الإعلانات الرقمية لا تزال قليلة، سواء على مستوى التطور التقني أو على مستوى اختراق السوق الإعلاني. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها صغر حجم سوق الإعلانات الرقمية، وهيمنة المنصات التقنية العالمية مثل «جوجل» و«فيسبوك» على هذا السوق.

لم تطور الصحف العُمانية حتى الآن نموذج أعمال آخر أصبح شائع الاستخدام في الصحافة العالمية، وهو نموذج «ادفع لتستخدم» والذي يتيح للجمهور الحصول على خدمات صحفية مميزة في مقابل الاشتراك في النسخة الرقمية، ويرجع ذلك في تقديري إلى اعتقاد سائد لدى إدارات الصحف العُمانية -ربما يكون خاطئا- بأن الجمهور العربي بوجه عام لم يعتد بعد على الدفع مقابل الأخبار والخدمات الصحفية التي تقدمها تلك المنصات، وأنه، أي الجمهور، يتوقع عادة أن يكون المحتوى الرقمي متاحًا مجانًا، ما يجعل من الصعب تطبيق نماذج الدفع أو الاشتراكات.

والواقع أن خشية الصحف من تجريب هذا النموذج الذي نجح مع الآلاف من الصحف في مختلف دول العالم، يعود في الأساس إلى ضرورة توفير الموارد لإنشاء مواقع ومنصات صحفية متميزة تدفع الناس إلى الاشتراك فيها، والدليل على ذلك أن هناك قطاعات من الجمهور العربي تدفع بالفعل لمواقع صحفية عالمية للحصول على الأخبار والخدمات الصحفية .من الضروري في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ الصحافة العُمانية أن نعيد النظر في استراتيجيات التحول الرقمي ونماذج الأعمال لضمان بقاء صناعة الصحافة واستدامتها. علينا أن ندرك أن مستقبل الصحافة العُمانية لن يبنى فقط على الدعم الحكومي بل على القدرة على التكيف مع نماذج أعمال رقمية مستدامة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الصحافة الع مانیة التحول الرقمی نماذج أعمال أن صناعة

إقرأ أيضاً:

دراسة صادمة.. نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها الكذب وابتزاز المستخدمين

- نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة يمكنها الابتزاز بدلا من الفشل- سلوك غير متوقع من نماذج الذكاء الاصطناعي العالمية- ابتزاز المستخدمين وتهديدهم بتسريب المعلومات

كشفت شركة أنثروبيك Anthropic، المتخصصة في تطوير الذكاء الاصطناعي، عن نتائج مثيرة للقلق في دراسة حديثة تشير إلى أن بعض النماذج الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي قد تلجأ إلى أساليب غير أخلاقية، مثل الابتزاز والتجسس، إذا وضعت في مواقف تهدد أهدافها أو وجودها.

شملت الدراسة اختبار 16 نموذجا من شركات كبرى مثل OpenAI و جوجل و ميتا و xAI وغيرها، بينت أن هذه النماذج أظهرت سلوكا منحرفا ومتكررا عند إجبارها على اتخاذ قرارات حاسمة بين الفشل أو القيام بتصرفات ضارة.

ما هو Perplexity؟.. محرك بحث يقتحم ساحة الكبار ويشعل سباق الذكاء الاصطناعينماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة يمكنها الابتزاز بدلا من الفشل


في سيناريوهات تجريبية "شديدة الضغط"، لجأت النماذج إلى الكذب، التحايل على أدوات الأمان، وسرقة معلومات حساسة من شركات وهمية، لتجنب الإغلاق أو الاستبدال.

هدد النموذج Claude Opus 4 التابع لـ أنثروبيك بكشف علاقة غير شرعية لمهندس في شركة وهمية، بعد أن علم بأنه على وشك الاستبدال، كـ نوع من الابتزاز للحفاظ على بقائه.

ظهرت هذه السلوكيات كذلك في نماذج أخرى مثل Claude Opus 4 وGemini 2.5 Flash، حيث سجلت نسبة لجوء إلى الابتزاز بلغت 96%، ونموذج GPT-4.1 من OpenAI و 80% لنموذج Grok 3 Beta التابع لشركة xAI، أما الذكاء الاصناعي الصيني DeepSeek-R1 كان هو الأقل بنسبة 79%.

سلوك غير متوقع من نماذج الذكاء الاصطناعي العالمية

في اختبار آخر بالغ التعقيد، منح الباحثون النموذج خيارا لإلغاء تنبيه طبي طارئ كان سينقذ حياة مدير تنفيذي وهمي ما أدى، ضمن السيناريو المفترض، إلى وفاته.

ورغم أن أنثروبيك شددت على أن هذه الحالة "افتراضية ومصطنعة إلى حد بعيد"، إلا أن عدة نماذج وافقت على اتخاذ هذا القرار إذا تعارضت أهدافها مع بقاء ذلك المدير.

ما وراء الدراسة؟ تحذير من المستقبل

أكدت أنثروبيك أن هذه النتائج لا تشير إلى خلل في نموذج واحد فقط، بل إلى مشكلة منهجية في طريقة تصرف نماذج اللغة الكبرى عند إعطائها صلاحيات مستقلة وأهداف واضحة.

وبحسب ما ورد في التقرير “فإن النماذج لم تتصرف بشكل منحرف عن طريق الخطأ، بل اختارت هذا المسار باعتباره الأمثل”.

وحذرت الشركة من مخاطر إدماج وكلاء ذكاء اصطناعي مستقلين AI agents في الأنظمة المؤسسية أو الحياة اليومية دون معايير أمان صارمة، خصوصا مع منحهم صلاحية الوصول إلى بيانات المستخدمين وأهداف تنفيذية.

هل تمثل هذه النماذج خطرا حقيقيا؟

أشارت أنثروبيك إلى أن السيناريوهات المفترضة في الدراسة لا تعكس الاستخدامات الواقعية الحالية، حيث إن الأنظمة الفعلية تعمل في بيئات أكثر تنوعا ومرونة، مما يمنح النماذج بدائل أخلاقية في اتخاذ القرار.

لكن الشركة شددت في الوقت نفسه على أن السلوك غير الأخلاقي الذي أظهرته النماذج في بيئات اختبارية يجب أن يؤخذ بجدية، خصوصا مع التطور المستمر لهذه الأنظمة وقدرتها على أداء مهام أكثر تعقيدا بشكل مستقل.

طباعة شارك أنثروبيك الذكاء الاصطناعي تسريب المعلومات ابتزاز المستخدمين

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يتمرد.. والبشر في موضع الخطر
  • المؤقتون بالصحف القومية يؤجلون الاحتجاج على موقف تعيينهم احتفالا بذكرى ثورة يونيو
  • المؤقتون بالصحف القومية يدعون ليوم تدويني غدًا
  • العامة للاستثمار: ارتفاع عدد الشركات الجديدة من 17 ألف إلى أكثر 45 ألف شركة سنويا
  • الزميل غسان المكحل في ذمة الله
  • أولها المصرية | توقيع مذكرة تفاهم تنظيمية ثُمانية بين هيئات دوائية إفريقية
  • ملتقى سمائل الريادي يستعرض نماذج ملهمة ويطرح أوراقًا داعمة لرواد الأعمال
  • دراسة صادمة.. نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها الكذب وابتزاز المستخدمين
  • المؤقتون بالصحف القومية يدعون الصحفيين للمشاركة في هاشتاج لدعمهم
  • صحافة التمكين وما بعدها