لجريدة عمان:
2025-07-02@14:41:20 GMT

ما المسافة بين تصورات الأجيال المعاصرة؟

تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT

تتبادل الأجيال أدوارها، وتخلق تصوراتها الصائبة أو الزائفة عن جيلها وعن بقية الأجيال السابقة واللاحقة، فمثلًا يتعرض كل من ميشيل بيالو وستيفان بود، في دراستهما عن العلاقة الاجتماعية بين العمال الدائمين «العجائز» والمؤقتين الشباب في مصنع بيجو للسيارات قائلين: «كان العجائز يرون في المؤقتين مجرد «شباب» يسقطون عليهم رؤية شبابهم الخاص (اللامبالاة والتمرد)، علمًا أن هؤلاء الشباب يعيشون قبل كل شيء الخوف من ألا يمكنهم أبدًا الارتباط بسوق العمل».

الدراسة نفسها منشورة في الجزء الثاني من كتاب بؤس العالم La Misere Du Monde بإشراف عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، وترجم الكتاب للعربية تحت إشراف الناقد الفلسطيني فيصل دراج؛ يضيف الباحثان: «الشباب.. مالوا إلى بناء تصورهم لجيل القدامى في المصنع بالمقلوب، (وهذا الجيل هو بالنسبة لكثيرين منهم هو جيل أهاليهم) فهم جيل لا هم لديه، وربما هو جيل «سعيد» وذلك لمجرد أنه نجح بالماضي في الحصول بسهولة على عمل. هذا التصور.. يعزل عمليًا لحظة واحدة وهي لحظة دخولهم سوق العمل، ويتجاهل مجموع الضغوط التاريخية التي خضع لها أناس ذلك الجيل (كأبناء الفلاحين مثلًا الذين هربوا من عمل الأرض للوصول إلى خيرات ومسرات «المجتمع الاستهلاكي»).

من الواضح أن الأجيال ترسم تصوراتها بناء على خبرتها المعاشة، وتنظر للآخر من واقع همومها وهواجسها، وكل ذلك دليل اهتمام متبادل بين الأجيال وهو دليل صحة وعافية اجتماعية وحركة، وبدون ذلك يختل نمو المجتمع، مهما كانت تلك التصورات نفسها زائفة في غالب الأحيان، فهي على الأغلب طريقة تفكير إنسانية شائعة لتحديد حدود الذات والآخر، حتى في المجتمع الواحد نفسه، لكن الأهم من خلق تلك التصورات نفسها هو فتح أبواب الحوار البنّاء والتعبير الحر بين الأجيال ، وإدامة التواصل بين مختلف الأعمار، والنقاش حول تلك التصورات وعدم الاكتفاء برسمها وإشاعتها داخل أطر مغلقة تخص كل جيل بنفسه، فالمشاركة الاجتماعية وصحة المجتمعات مبنية على التواصل لا على الانقطاع.

لا شك أن لكل جيل متاعبه وهمومه التي حتمتها عليه ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبشكل عام من الأفضل للأجيال المتتابعة من المجتمعات أن تتقدم بدل الركود، وأن تطرح وتناقش وتحاور، بصوت عال وبأفكار متحررة، همومها ومخاوفها وأحلامها وآمالها، وذلك الحوار العام هو السبيل الأمثل لخلق مجتمعات متكاملة صحية.

إن الأوضاع الاقتصادية المتسارعة في اقتصاديات ما يدعوه سمير أمين اقتصاديات التبعية فرضت ثقلها على الأجيال المتتابعة، وهي بشكل عام تقلص مساحات حركتهم وحريتهم، ولكن ذلك الوضع نفسه يشمل حتى اقتصاديات المراكز العالمية اليوم، وقد اتسع الفارق بين الأغنياء والفقراء وفق بعض الدراسات إلى ٦٠ مرة عن مستوياته في سبعينيات القرن العشرين، والآثار الاقتصادية المترتبة على غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بلا شك يسبب قلقًا للأجيال، ويجعل نظرتها قاتمة إلى المستقبل، خاصة الأجيال الناهضة منها، وفي مجتمعاتنا التي تجد نفسها مدفوعة دفعًا للاستهلاك بكافة السبل والوسائل تتآكل الوفرة المادية والمدخرات، وذلك يجعل الأجيال تحمل شعور الإحباط تجاه نفسها وتجاه غيرها، وذلك الشعور النفسي لا يساعدها على بناء المجتمعات ولا على الانتاج أو العمل، بل بالعكس يهبط بمستويات إنتاجها وإبداعها، وينشر حالة السخط والاستنكار في الناس.

إن العناية بالشباب ليست مسألة دعائية، بل هي مسألة إجرائية وفعلية معنية بتأمين واضح لمستقبلهم، ووضع آليات جذرية ونظم حيوية تصنع حلولًا لما يواجههم من مصاعب، وتأخذ بعين الاعتبار قلقهم وخشيتهم، وتعمل فعليًا على بث الطمأنينة فيهم خاصة تجاه مستقبلهم، وهو المستقبل العام للبلاد والناس الذي يشكل الشباب عماده وأساسه.

يشيع في الجيل الأقدم معنا اليوم تصور عن الجيل اللاحق يجعله جيلا كسولا، مهملا، أقل معاناة وبالتالي أقل التزامًا، وأكثر استلابًا لعصره، وبالتالي أكثر خضوعًا وانعدام شخصية، ومطواعًا لكل المؤثرات، وبالتالي أقل قدرة على تولي المسؤولية، في حين يصنع الجيل اللاحق عن الجيل الأقدم تصورًا عن أنه جيل قديم، غير مواكب للعصر ولا لأفكاره، وأن كل محاولاته للحاق بالعصر هي محاولات خرقاء، غير عملية، وأنه جيل حصل على حياته بسهولة، وساعدته الظروف اللينة والصعود الاقتصادي ليعيش ويحقق ذاته، ولم يجابه أية تحديات حاسمة.

لا شك أن النقد في حد ذاته عملية بنّاءة، لكن هناك فرق بين النقد الذي يحاول الفهم وبين تبادل الاتهامات، وعملية النقد لا تكتمل إلا بإشاعة ثقافة نقدية تستهدف الفهم الصحيح واستخلاص العبر والتصحيح والتعديل ومواصلة التجارب، لا إيقافها.

نعيش اليوم بشكل عام متورطين في ثقافة شكلانية تهتم بالأشكال والشعائر والظواهر أكثر من أرواحها وبواطنها، وذلك يؤثر بلا شك حتى على نظرتنا لأنفسنا ولغيرنا، والأمل في الأجيال الجديدة أن تعمل على رفع تلك الثقافة إلى مصاف ثقافة مبدعة وحيوية وأكثر نشاطًا وديناميكية، ثقافة لا ترتهن للشكليات، بل تسعى للتبسيط قدر الإمكان، وهي ثقافة ظلت متوارثة معنا لأجيال، لكنها أضحت اليوم متوارية في الظل، لا تعيد الأجيال استدعاءها أو التفكير فيها، ورغم خطاب الحفاظ على التراث فإن ذلك الحفاظ يبدو شكلانيًا، بما أن الدرس العميق لتلك الثقافة المتوارثة فات مع دخول الحداثة، مع أن الشواهد، العمرانية خاصة، تحتفظ بتلك الثقافة القديمة، وتلك رسالة الأجيال الأقدم، ولكن الرسالة ضاعت كما يبدو مع دخول الحداثة، وأصبحت المجتمعات مهووسة بالشكلانية حتى توشك على الإفلاس من إرهاق ميزانياتها واقتصادها العام للحاق بسراب الشكلانية، ومحاولة التظاهر بالثراء، بدل تحقيق الثراء.

يشير غياب ثقافة البساطة عن عالمنا اليوم بوضوح لانقطاع الاتصال بين الأجيال المتلاحقة، وللفراغات التي نشأت بينها، ولا شك أن دخول الحداثة هو السبب المباشر لانقطاع الطريق القديم، والذي حوّل المجتمع من مجتمع أبرز سماته الإنتاجية إلى مجتمع أبرز سماته الاستهلاكية، لكن هناك سببًا آخر ولا شك يكمن في أننا لم نستوعب رسالة الأجيال في الوقت المناسب، ولم نستثمر حتى تاريخنا المعاصر، بل نسيناه أو تناسيناه، رغم أهميته الملحة وحاجتنا إليه.

لعل أبلغ درس يمكن استنباطه من التجربة العمانية في شرق إفريقيا، وزنجبار خاصة، هو أن أزمنة الوفرة والنشاط الاقتصادي قابلة للانقطاع، بل وللخراب، بيد الحماية الغربية المزعومة نفسها، وأن الأحلاف السياسية للمركزية الغربية متبدلة وفقًا للمصالح الخاصة بها، ولن تقدم بطبيعة الحال مصالح غيرها على مصالحها الذاتية، ففي الوقت الذي كانت فيه زنجبار وتنجانيقا في أوج ازدهارها كانت البلد الأم عمان في أسوأ حالاتها الاقتصادية والسياسية، وتعيش على تحويلات العمالة العمانية في شرق إفريقيا، واليوم يحدث العكس، ولا أبلغ من ذلك إذا نظرنا للتاريخ بعين متأملة.

إن التحديات الجديدة التي يضعنا فيها العالم المعاصر هي تحديات تحتاج التكاتف والحوار المفتوح بين الأجيال ، آباءً وأمهات وأبناءً وبنات، وترك الحوار والانكفاء وتبادل الاتهامات لا تعمل إلا على توسيع الهوة بين الأجيال، وتصنع سياجًا وهميًا بينها، ما يعطل التواصل وانتقال المفاهيم المشتركة والمبادئ والأخلاقيات والعبر التاريخية، وكل ذلك يعطل نمو المجتمع، وهو المجتمع الذي تقع على عاتقه اليوم تحديات جديدة، مختلفة في أشكالها، وأنماطها وأنواعها، وتتطلب حلولًا جذرية جديدة، تضمن قوة المجتمع وديمومة حيويته، وكل تلك الحلول رهن بوعي الفرد والجمع، وكلما ازدادت ثقة الفرد والجمع في ذاته ازدادت احتماليات نجاحه في تجاوز التحديات وصنع حلول أفضل، والعكس صحيح.

نتحدث عن الأجيال، والأجيال اللاحقة ابنة الأجيال السابقة، لكن الولادة ليست بالجسد فقط، بل هي كذلك سلسلة تواصل نفسية وروحية وفكرية ومعيشية، تنقل كثيرًا من الخبرات والمفاهيم التي لا تستطيع اللغة التعبير عنها، ولا يمكن وصولها للأجيال إلا عبر الحضور الكلي والروحي للأجيال ، وعبر المعايشة والتعبير الحر التي يكفلها التواصل الحي بين الأجيال، كي تنتقل الشعلة الحية عبر الأجيال جسديًا وروحيًا، وتبقى متصلة من الماضي إلى المستقبل.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الأجیال

إقرأ أيضاً:

«الجيل» يدفع بـ23 مرشحًا على المقاعد الفردية في انتخابات الشيوخ

عقد حزب الجيل الديمقراطي مساء أمس، الثلاثاء، اجتماعًا موسعًا بمقر الأمانة العامة للحزب، برئاسة ناجي الشهابي، رئيس الحزب، وبحضور أعضاء المكتب السياسي وأمناء المحافظات واللجان الحزبية والنوعية، وذلك في إطار الاستعدادات الجادة لخوض انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة لعام 2025.

ناقش الاجتماع تقارير الأداء الصادرة عن أمانات التنظيم والانتخابات في المحافظات، والتي استعرضت مستوى الجاهزية الميدانية للحزب ومدى تفاعل كوادره مع المواطنين، إضافة إلى آليات التنسيق بين اللجان النوعية والتنظيمية. 

وأشاد الحاضرون بحالة التفاعل الإيجابي التي يشهدها الحزب في الشارع المصري، وبالجهود المبذولة على الأرض من قبل أمانات الحزب في المحافظات المختلفة.

وأكد ناجي الشهابي، رئيس الحزب، أن حزب الجيل الديمقراطي قرر الدفع بـ23 مرشحًا على المقاعد الفردية في انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة، يمثلون نخبة من الكوادر الوطنية التي جرى تأهيلها سياسيًا وتنظيميًا، وفق معايير دقيقة تراعي الكفاءة والخبرة والانتماء الوطني، والقدرة على تمثيل مصالح المواطنين والدفاع عن قضاياهم تحت قبة المجلس.

وفي هذا السياق، أعلن رئيس الحزب أن برنامج الجيل الانتخابي الذي يتبناه مرشحوه في انتخابات الشيوخ يرتكز على مجموعة من المحاور الجوهرية، في مقدمتها: دعم الدولة الوطنية ومؤسساتها الدستورية، وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، وترسيخ مبدأ سيادة القانون والمواطنة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة في كل ربوع الوطن. 

كما يشمل البرنامج دعم مسيرة الإصلاح الشامل التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والارتقاء بدور مجلس الشيوخ كمؤسسة تشريعية مساندة تساهم في صناعة السياسات العامة الرشيدة، وتطرح البدائل الوطنية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.

المؤتمر: إعلان جدول انتخابات الشيوخ يجسد التزام الدولة بالدستور ويعزز الثقة في المسار الديمقراطيرئيس حزب الاتحاد: انتخابات الشيوخ خطوة لترسيخ الديمقراطية.. وحزب الاتحاد جاهز للمنافسةالجمل: انتخابات الشيوخ تعكس التزام الدولة بمسار ديمقراطيالوطنية : تسلمنا طلبات من 69 منظمة محلية و6 دولية لمتابعة انتخابات الشيوخ

وفيما يلي قائمة مرشحي الحزب على المقاعد الفردية:

محافظة القاهرة

دكتور مهندس محمد همام الزهري عبدالله


محافظة الجيزة

المستشار محمد السيد الدكرورى


2. إبراهيم علي محمد علي البكر


3. ياسر عبدالعظيم عبدالجليل


4. عبد الناصر سمير جمعة محمد

محافظة الإسكندرية

1. المهندس إيهاب محمود عبدالله أحمد


2. حسام الدين رجبي سالم عبد الحميد


3. الدكتورة رحمة أحمد محمد عبد الله


4. كريم سمير عبد الحميد القناني


5. سوزي سعيد عزيز ميخائيل

محافظة الدقهلية

1. السيد السيد محمد إبراهيم ملوه


2. عبد المنعم محمود السيد سليم


3. عبده عبد الحليم النواوي أحمد


4. غادة علي السيد علي البري

محافظة البحيرة

1. علي محمد علي حسين حصوري


2. نادر إسماعيل حامد مصطفى


3. أحمد أبوالخير أحمد رجل


4. جاسر فاروق صابر ضيف الله


5. محمود السيد عبد الفضيل محمد

محافظة الغربية

الدكتور وائل عبدالرزاق مروان دوابه


محافظة دمياط

الدكتور صبري بديع عبد المطلب الحسيني، أستاذ علم الاجتماع


محافظة السويس

المهندس أسامة حسن أحمد محمد الطهطاوى


محافظة القليوبية

علاء الدين صلاح عبد الحليم

ودعا رئيس الحزب، ناجي الشهابي، أمناء المحافظات إلى تكثيف الحملات الميدانية في المرحلة المقبلة، والتركيز على نشر البرنامج الانتخابي للحزب والتفاعل المباشر مع المواطنين.

وأكد أن خوض انتخابات مجلس الشيوخ يتم بروح وطنية خالصة، تنطلق من إيمان الحزب بأن المجلس يمثل منصة حيوية للحوار الوطني وصياغة السياسات العامة والتشريعات التي تعزز استقرار الدولة وتحمي أمنها القومي.

واختتم الاجتماع بالتأكيد على مواصلة الجولات الميدانية، والتفاعل الجماهيري، والعمل بروح الفريق الواحد من أجل تحقيق أفضل النتائج في الانتخابات المقبلة، بما يليق بتاريخ حزب الجيل الديمقراطي ورسالته الوطنية.

طباعة شارك حزب الجيل الديمقراطي أعضاء المكتب السياسي ناجي الشهابي انتخابات مجلس الشيوخ الكوادر الوطنية

مقالات مشابهة

  • «الجيل» يدفع بـ23 مرشحًا على المقاعد الفردية في انتخابات الشيوخ
  • أمين البحوث الإسلامية: استدعاء القيم الأخلاقية أساس نهضة المجتمعات المعاصرة
  • ضمن احتفالات ثورة 30 يونيو.. جامعة الإسكندرية تنظم ندوة تثقيفية عن حروب الجيل الرابع
  • الشباب يغذون الانقسام بين الأجيال في الحزب الجمهوري حول إسرائيل
  • الأستاذ العدني الذي علّم الأجيال.. يتخلى عن الطباشير ليكافح من أجل العيش
  • 15 عملا من المغرب ضمن قائمة ال18 لأفضل الأعمال في مختلف فئات جائزة كتارا للرواية العربية
  • في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات.. إتلاف ملايين الحبوب المخدرة وعشرات الكيلوات من الحشيش في إب وصعدة
  • الجيل Z.. إحباط وطني وتفاوت هائل بين مؤيدي الحزبين الأمريكيين
  • البحر صورة أخرى للمسافة
  • حصري.. عائلة الأنصاري الإستقلالية تطلب الإلتحاق بالبام لخوض الإنتخابات المقبلة