عربي21:
2025-07-31@06:12:11 GMT

ترامب وكارني: حين يتحدث المال وتتصادم العقول

تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT

في مشهد جمع بين المال والسياسة، ألقى لقاء ترامب مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الضوء على تصدّع عميق في فهم الاقتصاد العالمي، وكشف عن صراع خفي بين مقاربتين لصياغة القرار وصناعة النفوذ. ففي حين يُصرّ ترامب على سياسة الحمائية والرسوم الجمركية كأداة لإعادة تشكيل التجارة الدولية، يُحذّر كارني من التداعيات العميقة لهذه السياسات على استقرار الأسواق وثقة الحلفاء.

هذا التباين لا يُجسّد خلافا شخصيا بقدر ما يعكس مأزقا أكبر في مسار الاقتصاد الرأسمالي المعولم.

ترامب وكارني: فن التفاوض بين الخشونة والمؤسسية

في عالمٍ يشهد تصاعدا في الشعبوية والانكفاء القومي، لا يعود التفاوض مجرد ممارسة دبلوماسية تقليدية، بل يتحوّل إلى حلبة لصراع الأساليب والأمزجة والغايات. تتجلى هذه الحقيقة بوضوح في اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الاقتصاد الهادئ مارك كارني، محافظ بنك كندا ثم بنك إنجلترا سابقا. لقاء لم يكن مجاملة بروتوكولية، بل اختبارا صريحا لقدرة الأسلوب المؤسساتي على مجاراة أسلوب شعبوي صاخب.

خلال لقائه مع ترامب، لم يكن الرد بالمثل خيارا ذكيا؛ بل عمد كارني إلى امتصاص الحدة بذكاء مؤسساتي مقابل الانفعال الفردي. النتيجة؟ موقف تفاوضي حافظ فيه على كرامة مؤسسته دون استفزاز الرئيس الأقوى في العالم
لقاء بين نقيضين: من هارفارد وغولدمان ساكس إلى "فن الصفقة"

مارك كارني قادم من عالم الاقتصاد المؤسسي: هارفارد، وجولدمان ساكس، والبنوك المركزية. أدواته: والتحليل، والبيانات، والخطاب المتزن، والثقة في المؤسسات. أما ترامب، فرجل صفقات أكثر منه رجل دولة؛ يعتمد على الحدس، والمواجهة، والمكاسب الفورية، لا يؤمن إلا بالنتائج السريعة، ولا يكترث بالأعراف أو التفاصيل التقنية. لذلك، فإن لقاء الرجلين لا يُقرأ في سياق اقتصادي فحسب، بل في سياق سياسي وفكري واسع يعكس تحوّلا في مفاهيم القوة والسلطة والتفاوض.

من كندا إلى الصين: حدود التفاوض حين تختل موازين القوى

كندا تمثل حالة نموذجية لدولة متقدمة، لكنها محدودة التأثير مقارنة بوزن الولايات المتحدة. اقتصادها يعتمد بنسبة 75 في المئة على الصادرات إلى الولايات المتحدة، ما يجعل موقفها التفاوضي هشا أمام إدارة بقيادة ترامب لا تتردد في استخدام الرسوم الجمركية كأداة ضغط سياسي. في المقابل، لا تتجاوز صادرات الصين إلى الولايات المتحدة 15 في المئة من إجمالي صادراتها، ما يمنحها قدرة أكبر على المناورة، خصوصا بعد انضمامها إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) التي تضم قوى آسيوية كبرى وتُشكّل بديلا عن الهيمنة الغربية.

صراع الأساليب: الحسم الصاخب أم التأنّي التحليلي؟

في التفاوض، لا يُخفي ترامب نزعته الشخصية المفرطة، ويتعامل من منطلق هجومي يرتكز على منطق "رابح- خاسر"، تكتيكاته تقوم على الضغط النفسي والإعلامي. أما كارني، فيمثل المدرسة التي تؤمن بأن الاقتصاد علم واستراتيجية طويلة الأمد. خلال لقائه مع ترامب، لم يكن الرد بالمثل خيارا ذكيا؛ بل عمد كارني إلى امتصاص الحدة بذكاء مؤسساتي مقابل الانفعال الفردي. النتيجة؟ موقف تفاوضي حافظ فيه على كرامة مؤسسته دون استفزاز الرئيس الأقوى في العالم.

دروس استراتيجية للدول الناشئة

1. الاعتماد المفرط على سوق واحد يُضعف الموقف التفاوضي. النموذج الكندي يوضح حجم التحديات حين ترتبط دولة اقتصاديا بشريك واحد مهيمن.

2. تنويع الاقتصاد ضرورة وليس ترفا. الدول التي تعتمد على مورد واحد كالنّفط تصبح رهينة تقلبات السوق العالمي. الاستثمار في التكنولوجيا، الصناعة، الزراعة والسياحة يعزز الاستقلالية ويمنح مرونة في مواجهة الضغوط.

3. بناء تحالفات متعددة الاتجاهات. كما وسّعت الصين تحالفاتها في آسيا، يمكن للدول العربية تطوير شراكاتها مع اقتصادات كبرى مثل البرازيل، الهند، تركيا وأوروبا، لتقليص الاعتماد على أمريكا.

4. فهم سيكولوجية الخصم. في مواجهة شخصيات غير تقليدية، يجب ألا يكون الرد تقليديا، بل يُفترض فهم الشخصية المقابلة، وتكييف الخطاب بناء على منطقها لا على منطقنا فقط.

تُظهر تجربة كارني أن التفاوض مع قادة مثل ترامب ليس مستحيلا، لكنه يحتاج إلى أدوات غير تقليدية: تحليل نفسي، ومعرفة اقتصادية عميقة، وتحالفات استراتيجية
5. البراعة في الجمع بين القوة الناعمة والصلابة. ليس المطلوب مجاراة ترامب في صخب خطابه، بل استخدام أدوات القوة الناعمة بحنكة، مع الحفاظ على مصالح الدولة الأساسية.

دروس من "RCEP": عندما تتفاوض من موقع قوة

اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) أعادت تشكيل ميزان القوى في التجارة العالمية. بضمّها 15 دولة تمثل ثلث الناتج العالمي، تسعى إلى تحرير التجارة وتقليص الاعتماد على السوق الأمريكي. في المقابل، كندا وأمثالها تفتقر إلى هذا الخيار، ما يوضح الفارق في قوة التفاوض بين من يملك بدائل ومن لا يملكها.

هل نستطيع التفاوض مع "ترامب آخر"؟

ما حدث بين ترامب وكارني ليس بعيدا عن واقعنا العربي. بعض قادة العالم اليوم -في الغرب والشرق- يُشبهون ترامب في مزاجهم الأحادي، وفي تقديم الشعارات على المؤسسات، والصفقات على السياسات. لذلك، فإن دروس كارني تصلح كخارطة طريق للقيادات الاقتصادية والسياسية العربية: كيف نحاور دون أن نتنازل؟ كيف نواجه دون أن نستفز؟ كيف نصوغ مصالحنا في عالم لا يعترف إلا بالقوة حتى إن كانت ناعمة؟

الخاتمة: من المواجهة إلى المناورة الذكية

تُظهر تجربة كارني أن التفاوض مع قادة مثل ترامب ليس مستحيلا، لكنه يحتاج إلى أدوات غير تقليدية: تحليل نفسي، ومعرفة اقتصادية عميقة، وتحالفات استراتيجية. وعلى الدول الناشئة أن تتعلم: لا يكفي أن تمتلك الموارد، بل يجب أن تمتلك القرار، والمرونة، والحضور الذكي في الساحة العالمية. العالم لم يعد يتسع للضعفاء، لكنه ما زال يُنصت لمن يُحسن إدارة الصراع بذكاء وهدوء.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات ترامب التفاوض كندا امريكا كندا تفاوض ترامب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

«ملكية مكة» تحفز العقول الوطنية تماشياً مع رؤية 2030

البلاد (مكة المكرمة)
أطلقت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، مبادرة “هاكاثون مكة الذكية”؛ بوصفها خطوة عملية لتحفيز العقول الوطنية، وتمكين المجتمع من رسم ملامح مستقبل المدينة، تماشيًا مع رؤية المملكة 2030 ؛ لتحقيق الريادة في فضاء التقنية والذكاء الاصطناعي، وترجمة الحلول التي تنبض من واقع المجتمع إلى مبادرات ملموسة، تُسهم في تحسين جودة الحياة للسكان والزوار.
وأوضحت الهيئة أن المبادرة تنطلق بعدة مسارات؛ بداية من التوعية مرورًا بالتدريب، وصولًا إلى بناء حلول ذكية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، لتخدم سكان مكة المكرمة وزوارها على حدٍ سواء، إلى جانب تعزيز الأعمال المقدمة لضيوف الرحمن، وإثراء تجربتهم الثقافية والدينية بصورة ذكية تضع الأثر، وتكون جاذبة على مدار العام.
وبيّنت الهيئة أن”هاكاثون مكة الذكية” هذا العام 1447 هـ يُسلّط الضوء من خلال مساراته على عدة مجالات، تعكس أولويات التنمية الحضرية في مدينة مكة المكرمة؛ كالتخطيط الحضري لتفتح المجال أمام حلولٍ تقنية ذكية، تقلل من كلفة أدوات التخطيط التقليدية، والاستدامة لتحقيق جودة الحياة من خلال أفكار تعزز أنماط الحياة الصحية، وتحافظ على الموارد لمستقبل واعد، وصولًا إلى النقل الذكي، الذي يربط أحياء مكة بسلاسة، في عملية ترسم ملامح الطرق، وتسهل حركة المركبات خصوصًا في المواسم، إضافةً إلى تعزيز تجربة الزوار في قطاع الضيافة عبر ابتكارات رقمية ترتقي بالخدمة، وتُسهم في تحسين كل لحظة يعيشها ضيف الرحمن في الأراضي المقدسة.
وأكدت الهيئة الملكية أن الهاكاثون؛ هو مساحة مفتوحة لتبني الأفكار القابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وفرصة لربط التقنية باحتياجات المجتمع مواكبةً للتطورات، التي يشهدها العالم في مجال الذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات، وتسريع التحول نحو مدينة أكثر فعالية، وأكثر قدرة على الاستجابة لمتطلبات المستقبل وإيجاد الحلول الذكية، التي تتماشى مع النهضة العمرانية، التي تشهدها العاصمة المقدسة.
وتحرص الهيئة مع شركائها من خلال تنفيذ الهاكاثون على إحياء نهج جديد في إشراك العقول المحلية، وإعطاء الشباب والمبتكرين فرصة لصناعة أثر حقيقي، يضع مكة المكرمة في مصاف المدن المتقدمة عالميًا، والتعاون مع شركاء ممولين ومنفذين وممكنين؛ لتعزيز التعاون المشترك والمستدام بمبادرات، تُسهم في رسم خارطة المستقبل لمدينة مكة المكرمة.

مقالات مشابهة

  • الاقتصاد الأميركي ينمو 3% في الربع الثاني
  • العد التنازلي يبدأ.. ترامب يحدد 10 أيام لإنهاء الحرب في أوكرانيا أو فرض رسوم جمركية
  • ترمب يتحدث مجددا عن فكرة نقل سكان غزة
  • «ملكية مكة» تحفز العقول الوطنية تماشياً مع رؤية 2030
  • ترامب : سنرسل الكثير من المال إلى غزة
  • حكم معاشرة الزوجة المتوفاة.. الإفتاء: فعل مقزز تأباه العقول.. ومن الكبائر
  • ترامب يتنصل من الاعتراف بالمجاعة في غزة.. ويدعو الاحتلال لتغيير نهجه في التعامل مع الأزمة
  • ترامب يزعم: حركة حماس لا تريد التفاوض
  • ستارمر: صور أطفال غزة مروّعة.. وترامب يتحدث عن خطط مع نتنياهو
  • نزع العقول ..وعودة الوعي