عربي21:
2025-10-07@23:09:08 GMT

ترامب وكارني: حين يتحدث المال وتتصادم العقول

تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT

في مشهد جمع بين المال والسياسة، ألقى لقاء ترامب مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الضوء على تصدّع عميق في فهم الاقتصاد العالمي، وكشف عن صراع خفي بين مقاربتين لصياغة القرار وصناعة النفوذ. ففي حين يُصرّ ترامب على سياسة الحمائية والرسوم الجمركية كأداة لإعادة تشكيل التجارة الدولية، يُحذّر كارني من التداعيات العميقة لهذه السياسات على استقرار الأسواق وثقة الحلفاء.

هذا التباين لا يُجسّد خلافا شخصيا بقدر ما يعكس مأزقا أكبر في مسار الاقتصاد الرأسمالي المعولم.

ترامب وكارني: فن التفاوض بين الخشونة والمؤسسية

في عالمٍ يشهد تصاعدا في الشعبوية والانكفاء القومي، لا يعود التفاوض مجرد ممارسة دبلوماسية تقليدية، بل يتحوّل إلى حلبة لصراع الأساليب والأمزجة والغايات. تتجلى هذه الحقيقة بوضوح في اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الاقتصاد الهادئ مارك كارني، محافظ بنك كندا ثم بنك إنجلترا سابقا. لقاء لم يكن مجاملة بروتوكولية، بل اختبارا صريحا لقدرة الأسلوب المؤسساتي على مجاراة أسلوب شعبوي صاخب.

خلال لقائه مع ترامب، لم يكن الرد بالمثل خيارا ذكيا؛ بل عمد كارني إلى امتصاص الحدة بذكاء مؤسساتي مقابل الانفعال الفردي. النتيجة؟ موقف تفاوضي حافظ فيه على كرامة مؤسسته دون استفزاز الرئيس الأقوى في العالم
لقاء بين نقيضين: من هارفارد وغولدمان ساكس إلى "فن الصفقة"

مارك كارني قادم من عالم الاقتصاد المؤسسي: هارفارد، وجولدمان ساكس، والبنوك المركزية. أدواته: والتحليل، والبيانات، والخطاب المتزن، والثقة في المؤسسات. أما ترامب، فرجل صفقات أكثر منه رجل دولة؛ يعتمد على الحدس، والمواجهة، والمكاسب الفورية، لا يؤمن إلا بالنتائج السريعة، ولا يكترث بالأعراف أو التفاصيل التقنية. لذلك، فإن لقاء الرجلين لا يُقرأ في سياق اقتصادي فحسب، بل في سياق سياسي وفكري واسع يعكس تحوّلا في مفاهيم القوة والسلطة والتفاوض.

من كندا إلى الصين: حدود التفاوض حين تختل موازين القوى

كندا تمثل حالة نموذجية لدولة متقدمة، لكنها محدودة التأثير مقارنة بوزن الولايات المتحدة. اقتصادها يعتمد بنسبة 75 في المئة على الصادرات إلى الولايات المتحدة، ما يجعل موقفها التفاوضي هشا أمام إدارة بقيادة ترامب لا تتردد في استخدام الرسوم الجمركية كأداة ضغط سياسي. في المقابل، لا تتجاوز صادرات الصين إلى الولايات المتحدة 15 في المئة من إجمالي صادراتها، ما يمنحها قدرة أكبر على المناورة، خصوصا بعد انضمامها إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) التي تضم قوى آسيوية كبرى وتُشكّل بديلا عن الهيمنة الغربية.

صراع الأساليب: الحسم الصاخب أم التأنّي التحليلي؟

في التفاوض، لا يُخفي ترامب نزعته الشخصية المفرطة، ويتعامل من منطلق هجومي يرتكز على منطق "رابح- خاسر"، تكتيكاته تقوم على الضغط النفسي والإعلامي. أما كارني، فيمثل المدرسة التي تؤمن بأن الاقتصاد علم واستراتيجية طويلة الأمد. خلال لقائه مع ترامب، لم يكن الرد بالمثل خيارا ذكيا؛ بل عمد كارني إلى امتصاص الحدة بذكاء مؤسساتي مقابل الانفعال الفردي. النتيجة؟ موقف تفاوضي حافظ فيه على كرامة مؤسسته دون استفزاز الرئيس الأقوى في العالم.

دروس استراتيجية للدول الناشئة

1. الاعتماد المفرط على سوق واحد يُضعف الموقف التفاوضي. النموذج الكندي يوضح حجم التحديات حين ترتبط دولة اقتصاديا بشريك واحد مهيمن.

2. تنويع الاقتصاد ضرورة وليس ترفا. الدول التي تعتمد على مورد واحد كالنّفط تصبح رهينة تقلبات السوق العالمي. الاستثمار في التكنولوجيا، الصناعة، الزراعة والسياحة يعزز الاستقلالية ويمنح مرونة في مواجهة الضغوط.

3. بناء تحالفات متعددة الاتجاهات. كما وسّعت الصين تحالفاتها في آسيا، يمكن للدول العربية تطوير شراكاتها مع اقتصادات كبرى مثل البرازيل، الهند، تركيا وأوروبا، لتقليص الاعتماد على أمريكا.

4. فهم سيكولوجية الخصم. في مواجهة شخصيات غير تقليدية، يجب ألا يكون الرد تقليديا، بل يُفترض فهم الشخصية المقابلة، وتكييف الخطاب بناء على منطقها لا على منطقنا فقط.

تُظهر تجربة كارني أن التفاوض مع قادة مثل ترامب ليس مستحيلا، لكنه يحتاج إلى أدوات غير تقليدية: تحليل نفسي، ومعرفة اقتصادية عميقة، وتحالفات استراتيجية
5. البراعة في الجمع بين القوة الناعمة والصلابة. ليس المطلوب مجاراة ترامب في صخب خطابه، بل استخدام أدوات القوة الناعمة بحنكة، مع الحفاظ على مصالح الدولة الأساسية.

دروس من "RCEP": عندما تتفاوض من موقع قوة

اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) أعادت تشكيل ميزان القوى في التجارة العالمية. بضمّها 15 دولة تمثل ثلث الناتج العالمي، تسعى إلى تحرير التجارة وتقليص الاعتماد على السوق الأمريكي. في المقابل، كندا وأمثالها تفتقر إلى هذا الخيار، ما يوضح الفارق في قوة التفاوض بين من يملك بدائل ومن لا يملكها.

هل نستطيع التفاوض مع "ترامب آخر"؟

ما حدث بين ترامب وكارني ليس بعيدا عن واقعنا العربي. بعض قادة العالم اليوم -في الغرب والشرق- يُشبهون ترامب في مزاجهم الأحادي، وفي تقديم الشعارات على المؤسسات، والصفقات على السياسات. لذلك، فإن دروس كارني تصلح كخارطة طريق للقيادات الاقتصادية والسياسية العربية: كيف نحاور دون أن نتنازل؟ كيف نواجه دون أن نستفز؟ كيف نصوغ مصالحنا في عالم لا يعترف إلا بالقوة حتى إن كانت ناعمة؟

الخاتمة: من المواجهة إلى المناورة الذكية

تُظهر تجربة كارني أن التفاوض مع قادة مثل ترامب ليس مستحيلا، لكنه يحتاج إلى أدوات غير تقليدية: تحليل نفسي، ومعرفة اقتصادية عميقة، وتحالفات استراتيجية. وعلى الدول الناشئة أن تتعلم: لا يكفي أن تمتلك الموارد، بل يجب أن تمتلك القرار، والمرونة، والحضور الذكي في الساحة العالمية. العالم لم يعد يتسع للضعفاء، لكنه ما زال يُنصت لمن يُحسن إدارة الصراع بذكاء وهدوء.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات ترامب التفاوض كندا امريكا كندا تفاوض ترامب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

ترامب يتحدث عن تحرك في وقف إطلاق النار المقترح هذا الأسبوع.. مناقشات فنية جارية

أكد البيت الأبيض أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، تعمل جاهدة لإحراز تقدم في خطة مقترحة لإنهاء حرب الإبادة في قطاع غزة في أسرع وقت ممكن، موضحا إن "مناقشات فنية تجري في الوقت الراهن".

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، في تصريحات لها الاثنين: إن "محادثات فنية تجري حاليا بشأن خطة غزة والإدارة الأمريكية تبذل جهودا حثيثة لدفع الأمور قدما بأسرع ما يمكن".

وأضافت "نريد التحرك بسرعة كبيرة بشأن خطة غزة، وإسرائيل تتعاون بشكل رائع بشأن خطة غزة".

وعقب ذلك، أعلن ترامب أن محادثات وقف إطلاق النار في غزة التي جرت خلال عطلة نهاية الأسبوع كانت إيجابية وتتقدم بوتيرة سريعة، وذلك عبر منصة "تروث سوشيال" الخاصة به.


وقال ترامب: "كانت هناك محادثات إيجابية جدا مع حماس، ودول من جميع أنحاء العالم (عربا ومسلمين وغيرهم) خلال نهاية هذا الأسبوع، من أجل إطلاق سراح الرهائن (الأسرى الإسرائيليين) وإنهاء الحرب في غزة، والأهم من ذلك، السعي الحثيث لتحقيق السلام في الشرق الأوسط".

وأشار إلى أن المحادثات "تتقدم بوتيرة سريعة"، وأن الوفود المفاوضة ستجتمع في مصر، الاثنين، لمناقشة التفاصيل النهائية.

ولفت إلى أنه من المقرر استكمال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار المقترح هذا الأسبوع، مضيفا: "أحث الجميع على التحرك بسرعة".

وأردف: "الوقت عامل حاسم، وإلا فسيكون هناك الكثير من إراقة الدماء، وهذا أمر لا يرغب أحد في رؤيته".

وردا على أسئلة الصحفيين أمام البيت الأبيض، قال ترامب إن دولا إسلامية وعربية ودولا أخرى "تسهم جيدا" في محادثات وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف: "العديد من الدول المحيطة بإسرائيل، من مسلمين وعرب وغيرهم، تربطها علاقات جيدة جدا مع حماس، ويبدو أن هذه العلاقات تؤتي ثمارها".

وفي 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن ترامب خطة تتألف من 20 بندا، بينها: الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، ووقف إطلاق النار، ونزع سلاح "حماس".


وخلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي بالبيت الأبيض في اليوم نفسه، أعلن نتنياهو "دعم خطة ترامب"، معتبرا أنها "تحقق الأهداف الإسرائيلية من الحرب".

والجمعة، قالت "حماس" إنها سلمت ردها على خطة ترامب بشأن غزة للوسطاء، معلنة موافقتها على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات.

كما جددت موافقتها على تسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) بناء على التوافق الوطني الفلسطيني، واستنادا إلى الدعم العربي والإسلامي.

لكن حماس، أكدت أن مستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب سُتناقش في إطار فلسطيني.

وتقدر تل أبيب وجود 48 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم نحو 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها نحو 11 ألفا و100 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، قتل العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، خلّفت 67 ألفا و139 شهيدا، و169 ألفا و583 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينيا بينهم 154 طفلا.

مقالات مشابهة

  • ترامب يمازح كارني بشأن "اندماج" كندا وأمريكا
  • فيديو: ترامب يمازح كارني بشأن "اندماج" كندا وأميركا
  • ترامب: كندا ستكون سعيدة للغاية عقب زيارة كارني إلى البيت الأبيض
  • حماس تشترط لإطلاق الأسرى وترامب يتحدث عن فرصة لتحقيق إنجاز
  • بدء جلسات التفاوض غير المباشرة بين إسرائيل وحركة الفصائل الفلسطينية في شرم الشيخ
  • ترامب يتحدث عن مستجدات المفاوضات بشأن وقف العدوان على غزة
  • ترامب يتحدث عن تحرك في وقف إطلاق النار المقترح هذا الأسبوع.. مناقشات فنية جارية
  • ترامب يتحدث عن آخر مستجدات مفاوضات غزة.. هكذا وصفها
  • وفد حماس يصل مصر وتفاؤل قبيل بدء التفاوض
  • ترامب يتحدث عن اتفاق مع نتنياهو على إنهاء القصف في غزة