ترامب والصين.. مناورات غير مفهومة تربك بكين والعالم
تاريخ النشر: 7th, June 2025 GMT
في تحليل سياسي موسّع نشرته صحيفة فايننشال تايمز، وصف الكاتب إدوارد لوس علاقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالصين بأنها "لغز عميق"، يفتقر إلى أي اتساق أو ملامح إستراتيجية واضحة.
وبينما يعكس سجل ترامب السياسي مواقف راسخة إزاء بعض القضايا الداخلية كالهجرة والعجز التجاري، فإن سياساته تجاه الصين تُظهر تذبذبًا لا يمكن التنبؤ به، لا من قبل المسؤولين في واشنطن، ولا من قبل القيادة الصينية.
"فيما يخص الصين، كل شيء يصبح رهينة للحظ"، كما يعبّر التقرير ساخرًا، مضيفًا: "هل يهتم ترامب فعلًا بقضية تايوان؟ لنكتفِ برمي قطعة نقدية. هل يسعى لفصل اقتصادي كامل عن بكين؟ فلنجرّب عجلة الحظ".
مكالمة زائفة وغضب دبلوماسي صينيوبلغت درجة الغموض حدًا دفع بترامب، في مقابلة مع مجلة تايم في أبريل/نيسان الماضي، إلى الادعاء بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد اتصل به مؤخرًا، قائلًا "وأنا لا أعتقد أن هذا يُظهر ضعفًا من جانبه".
بيد أن وزارة الخارجية الصينية سارعت إلى نفي هذه المزاعم بشكل رسمي، ووصفتها بأنها "تضليل للرأي العام"، مستخدمة لهجة دبلوماسية اعتُبرت معتدلة بالنظر إلى حساسية الموقف.
إعلانويشير التقرير إلى أن أي محاولة لتحليل تفكير شي جين بينغ عبر تصريحات ترامب "تُشبه تفسيرات أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تهلوس"، في إشارة إلى عدم موثوقية أقوال ترامب.
في تصعيد جديد للتوترات بين الولايات المتحدة والصين، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الصيني شي جين بينغ بأنه "صعب جدًا، وصعب للغاية في التفاوض معه"، في منشور نشره على منصة "تروث سوشيال".
وكتب ترامب "أنا معجب بالرئيس شي، لطالما كنت كذلك، وسأظل كذلك، لكنه شخص صعب جدًا وصعب للغاية في إبرام صفقة معه!"، بحسب ما أوردت بلومبيرغ.
تايوان تحت المجهر.. ولكن لا أحد يثق في وزير الدفاعومن الملفات الأخطر في العلاقة بين واشنطن وبكين تأتي قضية تايوان، التي تعتبرها الصين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. وفي الوقت الذي تعزز فيه بكين مناوراتها العسكرية حول الجزيرة، خرج وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث ليعلن أن "التهديد الصيني تجاه تايوان حقيقي، وقد يكون وشيكًا".
لكن التقرير يشير إلى أن هذا التصريح لم يُؤخذ على محمل الجد، حيث يُنظر إلى هيغسيث على أنه شخصية دعائية، اختارها ترامب لتأدية دور وزير الدفاع "كما لو أنه يؤدي دورًا في برنامج تلفزيوني واقعي"، على حد وصف الصحيفة. وبذلك، تخلق إدارة ترامب فراغًا إستراتيجيًا في ملف حساس، يصعب على الحلفاء الوثوق في جدية المواقف الأميركية حياله.
سياسة تجارية مرتجلةوعلى الصعيد التجاري، تتقلب سياسات ترامب تجاه بكين بين التصعيد والتراجع. فقد فرض في فترة ما رسومًا جمركية على الواردات الصينية بنسبة 145%، قبل أن يخفضها إلى 30%، بعد توقيع اتفاق مؤقت لاستئناف تصدير المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة. غير أن ترامب عاد مؤخرًا وادعى أن الصين "نقضت الاتفاق"، مهددًا بتصعيد جديد.
والمعادن النادرة -التي تهيمن الصين على أكثر من 80% من إنتاجها العالمي- تُعد أساسية لصناعة السيارات الكهربائية، والإلكترونيات، والطائرات الحربية الأميركية، مما يمنح بكين ورقة ضغط إستراتيجية قد يصعب على واشنطن تجاهلها.
إعلان تيك توك والتقنية.. ازدواجية بلا حدودولم تسلم شركات التكنولوجيا من تناقضات ترامب، ففي ولايته الأولى، وصف تطبيق "تيك توك" الصيني بأنه تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي، وسعى لحظره. أما اليوم، فيُبقي ترامب على وجود التطبيق، وسط شكوك متزايدة بأن ذلك قد يكون تمهيدًا لبيعه إلى شريك تجاري مقرّب منه. ويضيف التقرير أن هذا التحوّل يعكس نظرة ترامب البراغماتية التي تخضع للصفقات أكثر من المبادئ.
وفيما يتعلق بصادرات الرقائق المتقدمة إلى الصين، خفف ترامب بعض القيود المفروضة سابقًا، رغم أن سياسة الرئيس جو بايدن تبنت ما يُعرف بـ"سياج عالٍ حول فناء صغير"، في إشارة إلى تشديد الرقابة على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويُعتقد أن جينسن هوانغ، المدير التنفيذي لشركة "إنفيديا"، كان من أبرز المؤيدين لتخفيف هذه القيود، نظرًا لمصلحة شركته المباشرة في السوق الصينية.
تأثير عالمي فوضويولا يقتصر الأثر السلبي للغموض في سياسة ترامب على العلاقة مع الصين، بل يمتد إلى النظام الاقتصادي العالمي. ففي قمة حديثة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح: "لا نريد أن نُعلّم يوميًا ما هو مسموح وما هو غير مسموح، وكيف ستتغير حياتنا بسبب قرارات شخص واحد". وهو تصريح يُعبر عن ضيق دول الاتحاد الأوروبي من الطابع الشخصي للسياسات الأميركية في عهد ترامب.
أما جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف "جي بي مورغان"، فقال بصراحة "الصين عدو محتمل… لكن ما يقلقني فعليًا هو نحن"، في إشارة غير مباشرة إلى السياسة الأميركية الفوضوية التي يرى فيها كثيرون الخطر الأكبر على استقرار الاقتصاد العالمي.
الصين حائرة.. والعالم يترقّبويختتم تقرير فايننشال تايمز بالقول إن الصين، مثل بقية العالم، تواجه معضلة متكررة في تفسير نوايا ترامب، أو حتى توقّع خطواته التالية. ومع انعدام التواصل الرسمي بين شي وترامب حتى الآن، يصعب تصوّر أن بكين ستخاطر بالدخول في لقاء علني قد يستخدمه ترامب لأغراض استعراضية أو دعائية. إذ سبق أن تحوّلت لقاءاته من هذا النوع مع قادة دول مثل أوكرانيا وجنوب أفريقيا إلى فصول درامية أضرت بتلك الدول أكثر مما أفادتها.
إعلانوهكذا، يبقى ملف ترامب والصين لغزًا مفتوحًا، تزداد تعقيداته مع كل تصريح، وتتسع تبعاته من الاقتصاد العالمي إلى الأمن الإقليمي، في وقت يبدو فيه أن الرئيس الأميركي لا يتّبع بوصلته الخاصة… بل يُغيّرها باستمرار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج شی جین بینغ
إقرأ أيضاً:
تايوان تنفي منع رئيسها من زيارة الولايات المتحدة الأميركية
نفت تايوان، أمس الثلاثاء، أن يكون رئيسها لاي تشينغ تي مُنع من زيارة الولايات المتحدة، مؤكدة أنه لا يعتزم القيام بأي رحلة إلى الخارج قريبا.
يأتي هذا النفي عقب تقارير إعلامية أميركية عن رفض إدارة الرئيس دونالد ترامب السماح للرئيس لاي بالتوقف في نيويورك ضمن رحلة رسمية إلى أميركا اللاتينية الشهر المقبل.
ولم يؤكد مكتب لاي رحلته تلك، لكن الباراغواي، الحليف الدبلوماسي الوحيد لتايوان في أميركا الجنوبية، أعلنت في منتصف يوليو/تموز أنها ستستضيف الرئيس التايواني في غضون 30 يوما.
وكان مرجحا أن تشمل هذه الزيارة توقفا في الولايات المتحدة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التايوانية هسياو كوانغ وي للصحفيين في تايبيه "لم يكن هناك من الجانب الأميركي تأجيل أو إلغاء أو رفض للسماح بالتوقّف".
وبدورها، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس للصحفيين في واشنطن أنه "لم يتم إلغاء أي شيء".
ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز"، أمس الثلاثاء، أن إدارة ترامب رفضت السماح للرئيس التايواني بالتوقف في نيويورك بعد اعتراض بكين على زيارته.
وأضافت الصحيفة أن لاي قرر إلغاء رحلته بعد تبليغه بأنه لن يتمكن من التوقف في نيويورك.
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غيو جياكون تأكيد أو نفي صحة التقارير التي تحدثت عن تدخل صيني في هذه المسألة، مؤكدا موقف بلاده "المعارض بشدة" لمثل هكذا زيارة "بغض النظر عن الذريعة أو المبررات".
إشارة خطرةوتعليقا على ما أوردته "فايننشال تايمز"، قالت رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إن "هذا القرار يُرسل إشارة خطرة".
واعتبرت الزعيمة الديمقراطية أن الرئيس (الصيني) شي جين بينغ انتصر على القيم الأميركية والأمن والاقتصاد من خلال منع إدارة ترامب رئيس تايوان المنتخب ديمقراطيا من القيام برحلة دبلوماسية عبر نيويورك.
إعلانوعبرت، في منشور على فيسبوك، عن أملها في ألا يكون رفض الرئيس ترامب لهذه المحطة في نيويورك مؤشرا إلى تحوّل خطر في السياسة الأميركية تجاه تايوان.
ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، فإن واشنطن تسمح للقادة التايوانيين بالقيام بتوقفات خاصة على الأراضي الأميركية.
وجميع الرؤساء التايوانيين الذين انتُخبوا منذ أول انتخابات جرت بالاقتراع العام في 1996 توقفوا في الولايات المتحدة.
وفي نهاية العام الماضي أجرى لاي تشينغ تي زيارة إلى هاواي وغوام، الإقليمين التابعين للولايات المتحدة.
ونددت الصين بشدة بسماح الولايات المتحدة لرئيس تايوان بزيارة هاواي، وتعهدت بكين باتخاذ "إجراءات مضادة حازمة" تجاه مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان.
الجدير بالذكر أن تايوان والصين انفصلتا في خضم الحرب الأهلية قبل 76 عاما، لكن التوترات تصاعدت منذ عام 2016، عندما قطعت الصين جميع الاتصالات تقريبا مع تايبيه.