لا شيء يشغل العالم خلال هذه الأيام أكثر من مجريات الهجمات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، ولا صوت يعلو فوق صوت الدمار والقتل الذي تُوِّج بمشاهدة حقيقية مباشرة للجمهور لهذا الصراع الذي يدخل فـي مفهوم الوجودية والبقاء للطرفـين.
ما يحدث هو فرصة انتظرها رئيس وزراء الاحتلال منذ 20 عامًا لإزاحة آخر دولة فـي الشرق الأوسط أمام مشروع إسرائيل الكبرى، التي لا تزال تقف عقبةً كأْداء وتعطل أحلامه.
ذهبت القيادة الإسرائيلية على حد تحليلها إلى خيار استثمار ذلك الضعف الذي تعتبره فرصة تاريخية فـي النظام الإيراني ووجدت من يدعمها فـي ذلك لتركيع طهران فـي المفاوضات الجارية وانتزاع إيقاف المشروع النووي منها.
اختارت القيادة الإسرائيلية الحرب، وهو أمر محيّر فـي هذا الوقت بالذات! فإما أنها غير مدركة لقدرات إيران الصاروخية التدميرية، أو أنها تجازف بحياة مواطنيها. السؤال: هل كانت تعلم بما قد يصيبها مقابل اغتيالات لمسؤولين إيرانيين وتدمير لمواقع المشروع النووي ومصافـي النفط ومراكز حكومية وعلماء الذرة وهجمات من الداخل الإيراني؟! الواضح أن قرار الحرب كان قرارًا وجوديًا فـي أن تبقى إسرائيل وحدها متفوقة فـي الشرق الأوسط مع بدء مشروع التوسعة الجغرافـية لأراضيها، أو أنها تريد أن تلتحق دول الغرب بجهودها الحربية ضد طهران، ولا خيار ثالث آخر لذلك.
لكن الصدمة للمجتمع الإسرائيلي وقادته؛ أن الرد الإيراني لم يتأخر واستطاع عبر موجات هجومية موجهة إلى تدمير العديد من أحياء تل أبيب الكبرى بما فـيها حيفا وعدد من مدن الشمال وغيرها وقد أوقع قتلى بالعشرات وإصابات لا تعد، وأن قدرة التأثير لهذه الصواريخ فاق التوقعات، بل ذهب إلى نزول هذه القيادة التي اختارت الحرب إلى الملاجئ خوفا من الصواريخ فرط صوتية.
إسرائيل فـي إطار نظرتها لدول الإقليم فـي الشرق الأوسط ترى منذ سنوات طويلة لا أحد يستطيع أن يوقفها إلا بمعجزة، وتستطيع أن تغتال هنا وهناك وأن تدمر وأن تفتح جبهات الصراع مع الفلسطينيين أصحاب القضية الوجودية ولبنان ومصر وسوريا واليمن والعراق وإيران، وأنها بالدعم الغربي تستطيع أن تضم الأراضي وتنسف الاتفاقيات وترفض قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وحقوق الإنسان وغيرها، بل وتنسحب منها، وأنها فوق القانون والجميع، وأن الإبادة التي ترتكبها فـي غزة حق مشروع للدفاع عن النفس ويصدقها بعض المتعصبين لها فـي دوائر القرار السياسي فـي دول الغرب.
100 سنة وهي تحارب وتقاتل بدءا من عصاباتها قبل قرار التقسيم فـي 1948م الذي تحول بعد ذلك إلى جيش وتعتاش على دماء الأبرياء فـي محيطها الإقليمي والعالم، ولا تريد لأحد أن يقف أمامها كونها الدولة الأوحد التي يحق لها ما لا يحق لغيرها، وطوال هذا التاريخ وهي تتنقل من حرب إلى أخرى وتريد من العالم الحر اليوم أن يساندها، الذي تيقن وفهم مشروعها «طبعا ليس العرب»، وألا يتظاهر وألا يصوت فـي منابر المنظمات الدولية ضد إرادتها، كما يحدث خلال إبادة غزة.
ولا تريد أن تدرك أن إيران ومصر وباكستان وتركيا واليمن وعديد الدول أن يكون لها الحق فـي تطوير قدراتها، وأنه لابد من تغيير الأنظمة فـيها وسحق جيوشها وقدراتها الدفاعية.
إسرائيل أمامها خيار واحد وهو التعقل الذي يبدأ بتغيير هذه القيادة المتعطشة للدماء واختيار السلام منهجا إذا أرادت أن تتعايش مع جيرانها فـي هذا الإقليم؛ لأن الظروف تبدلت ومواقع القوى تغيرت وتطورت وكذا التحالفات، وأن التغيير سنة الحياة ومرتكز التاريخ، وأن إيران وغيرها من الدول تستطيع أن تطور قدراتها وتؤلم الاحتلال فـي المواجهات.
سالم الجهوري كاتب صحفـي عُماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«خبير استراتيجي» يكشف خطة نتنياهو لتغيير الشرق الأوسط
كشف الدكتور صفوت الديب، الخبير الاستراتيجي أن ما يُعرف بـالشرق الأوسط الجديد الذي كثيرًا ما تحدّث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو في جوهره مخططٌ توسعي يستهدف السيطرة على أراضي دول الجوار، مستغلًا اللحظة الدولية الراهنة التي تشهد تراجعًا تدريجيًا لدولة عظمى، وصعود قوى دولية أخرى.
وقال صفوت الديب خلال لقائه مع الإعلامي مصطفى بكري، ببرنامج حقائق وأسرار المذاع على قناة صدى البلد، إن نتنياهو عرض خريطة الشرق الأوسط الجديد في مقر الأمم المتحدة قبل شهر من 7 أكتوبر، في خطوة وصفها بـالمهزلة، حيث تُعرض خريطة عدوانية داخل مقر الشرعية الدولية دون اعتراض من أحد، مضيفًا: أين القانون الدولي؟ وأين قرارات الأمم المتحدة التي صدرت لصالح فلسطين؟ أكثر من 800 قرار لم يُنفذ منها شيء.
وتساءل الخبير الاستراتيجي: كيف تستمر إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة، وهي دولة لا تلتزم بأي من قراراتها؟، معتبرًا أن هذا الوضع يضرب بمصداقية المجتمع الدولي في مقتل، ويُظهر ازدواجية المعايير بشكل فجّ.
كما حذر من الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية المتصاعدة على مصر، مشيرًا إلى أن الجبهة الشرقية لم تعد موجودة كما كانت من قبل، وأن حروب الجيل الرابع تستهدف عقول الشعوب وتعمل على تفكيك المجتمعات من الداخل.
واستعاد الخبير الاستراتيجي أحداث 2011، مؤكدًا أن المشهد آنذاك كان مركبًا، إذ شارك وطنيون حقيقيون إلى جانب عناصر مدرّبة ومدعومة من الخارج، إلى أن سيطرت جماعة الإخوان على المشهد بعد تنحي مبارك، وابتعدت الأصوات المخلصة عن الساحة.