النفط على صفيح ساخن.. هل يقود التصعيد الشرق أوسطي العالم إلى فوهة الركود؟
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في قلب الشرق الأوسط، وتزايد المخاوف من مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل، عاد شبح “السيناريو الأسوأ” ليرتسم مجددًا في أسواق الطاقة العالمية: هل تصل أسعار النفط إلى 200 دولار؟ وكيف يمكن لهذه القفزة، إن حدثت، أن تعصف بالاقتصاد العالمي؟
أسعار النفط، التي تشكّل شريانًا حيويًا للاقتصاد العالمي، باتت اليوم في قلب معادلة معقّدة من الصراعات العسكرية والتقلبات الاقتصادية والتحولات الاستراتيجية، تثير قلق الأسواق وصناع القرار على حد سواء.
تاريخ من الأزمات.. النفط لا ينسى
لطالما كانت تقلبات أسعار النفط عاملًا حاسمًا في رسم ملامح الاقتصاد العالمي. في أزمة عام 1973، قفزت الأسعار عقب الحظر العربي للنفط، ما أدّى إلى ركود تضخمي قاسٍ في الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي حرب الخليج 1990، سجلت الأسواق تقلبات عنيفة، تبعتها اضطرابات في السياسات النقدية والمالية، وحتى بعد حرب أوكرانيا 2022، قفز خام برنت بنسبة 30% خلال أسبوعين فقط، قبل أن يعود تدريجياً إلى مستوياته الطبيعية.
وبحسب البنك المركزي الأوروبي، فإن الصدمات الجيوسياسية تؤثر على الاقتصاد عبر مسارين:
مسار الخطر: ارتفاع مفاجئ في الأسعار بسبب علاوات المخاطر. مسار النشاط: تراجع الاستثمار والتجارة والاستهلاك بسبب انعدام اليقين.ورغم أن بعض تلك الصدمات لم تترك أثراً طويلاً، إلا أن “أزمة النفط الكبرى” تبقى مرادفًا لهزات عميقة تطال كل منزل ومؤسسة وميزانية.
مضيق هرمز.. عين العاصفة
في قلب المشهد الحالي، يقف مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 20% من الإمدادات العالمية من النفط والغاز، كأحد أكثر المواقع الجيوستراتيجية حساسية في العالم. أي تهديد مباشر له يعني اضطراباً هائلاً في سلاسل الإمداد وأسعار الطاقة.
وتنتج إيران، العضو المؤثر في “أوبك”، نحو 3.3 مليون برميل يوميًا، يصدر منها أكثر من مليوني برميل، 80% منها تتجه إلى الصين، الضربات الإسرائيلية الأخيرة على منشآت نفطية إيرانية أثارت المخاوف من رد إيراني عبر المضيق، أو حتى عبر استهداف منشآت نفطية خليجية مجاورة.
وقال المحلل توشيتاكا تازاوا لشبكة “سي إن بي سي”: “المخاوف لا تتعلق فقط بإنتاج إيران، بل باحتمال شلل الملاحة في المضيق، وهو ما سيرفع الأسعار بشكل غير مسبوق”.
الأسواق على حافة الهلع
ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 12% عقب الضربات الإسرائيلية الأولى، وهو ما وصفه خبراء بأنه تسعير للمخاطر لا للواقع، في ظل غياب اليقين بشأن مدى التصعيد.
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، حذّر جو يرق، رئيس الأسواق العالمية في “Cedra Markets”، من أن استمرار التصعيد قد يدفع أسعار النفط إلى ما فوق 150 دولاراً، وربما أكثر، مشيراً إلى أن البنوك المركزية ستجد نفسها مضطرة لتشديد سياساتها النقدية بقوة، ما يعني: مزيد من رفع أسعار الفائدة، تباطؤ النمو العالمي، خطر عودة الركود التضخمي.
الرابحون والخاسرون
تقلبات أسعار النفط لا تضرب الجميع بنفس الدرجة، فبينما تستفيد الدول المنتجة عبر تحقيق فوائض مالية، تتحمل الدول المستوردة كلفة باهظة: ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، زيادة أسعار السلع والخدمات، ضغوط على الميزانيات العامة والدعم الاجتماعي.
أما إذا انخفضت الأسعار بشكل حاد، فتنقلب الصورة، وتواجه الدول المنتجة تحديات في الإيرادات، ما يدفعها نحو التقشف أو الاستدانة.
هل تتكرر أزمة السبعينيات؟
بحسب دراسة حديثة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، فإن تأثير صدمة نفطية مشابهة لما حدث في 1973 أو 1979، سيؤدي اليوم إلى انخفاض الناتج العالمي بنسبة 0.12% فقط، ما يشير إلى مرونة أعلى للاقتصاد العالمي، لكن السيناريو الأسوأ لا يزال ممكنًا، خاصة إذا طال أمد التصعيد.
وجهات نظر تحليلية
الدكتورة وفاء علي، أستاذة الاقتصاد والطاقة، تؤكد أن الأسواق “لم تعد تتفاعل مع الواقع فقط، بل مع توقعات وسيناريوهات مستقبلية تتسم بالغموض”، مضيفةً أن “خطر الانزلاق إلى ركود تضخمي حقيقي قائم بقوة، خصوصاً إذا أضيف إلى الأزمة الجيوسياسية شحٌ في الطاقة أو قيود على التوريد”.
وفي هذا السياق، شدد “البزركان”، محلل الطاقة، على أن “ما نشهده اليوم ليس الذروة بل البداية، والأسواق تترقب الرد الإيراني وما إذا كان سيشمل المضيق أو منشآت استراتيجية أخرى”.
خبير روسي يحذر: أسعار النفط قد تقفز إلى 1000 دولار إذا أُغلق مضيق هرمز
حذر رئيس المعهد الروسي للطاقة الوطنية، ألكسندر فرولوف، من أن استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران قد يطلق شرارة أزمة غير مسبوقة في أسواق النفط العالمية، محذراً من سيناريو كارثي قد ترتفع فيه أسعار الخام إلى مستويات “خيالية” تصل إلى 1000 دولار للبرميل في حال إغلاق مضيق هرمز، أحد أكثر الممرات الملاحية حيوية في العالم.
وفي تصريحات نقلها عبر قناته على تطبيق “تلغرام”، أوضح فرولوف أن تأثير التصعيد على سوق النفط سيكون محدوداً إذا تطورت الأحداث على نحو مشابه للتبادل السابق للضربات بين الجانبين، والذي انتهى بسرعة، لكنه شدد على أن استمرار الأزمة الحالية سيهدد بشكل مباشر البنية التحتية لقطاعي النفط والغاز في البلدين، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على الإمدادات العالمية.
وأشار فرولوف إلى أن إيران، رغم أنها ليست من كبار موردي النفط عالمياً، إلا أنها تصدر ما بين مليون إلى 1.5 مليون برميل يومياً، خاصة إلى الصين، مؤكداً أن أي توقف مفاجئ في هذه الإمدادات سيؤدي إلى صعود الأسعار، رغم إمكانية تعويض هذا النقص عبر السحب من الاحتياطيات الصينية وزيادة إنتاج بعض دول تحالف “أوبك+”.
لكن الخبير الروسي حذر من أن السيناريو الأسوأ يتمثل في انخراط أطراف إقليمية ودولية أخرى في الصراع، ما قد يؤدي إلى اضطرابات حادة في حركة الملاحة عبر مضيق هرمز، الذي يمر عبره يومياً نحو 20 إلى 21 مليون برميل من النفط الخام، أي ما يعادل قرابة خمس الاستهلاك العالمي. وفي هذه الحالة، قال فرولوف: “إذا تم إغلاق المضيق، فإن سعر البرميل قد يقفز إلى 300 دولار، أو حتى 1000 دولار”.
ويأتي هذا التحذير في وقت ارتفعت فيه أسعار الخام بشكل ملحوظ بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، حيث صعد خام “برنت” وخام “غرب تكساس الوسيط” الأمريكي بنسبة قاربت 7% يوم الجمعة، في ظل تزايد المخاوف من اندلاع مواجهة أوسع نطاقاً بين طهران وتل أبيب قد تهدد الملاحة في الخليج.
مضيق هرمز، الواقع بين الخليج العربي وخليج عمان، يمثل شرياناً أساسياً لإمدادات الطاقة العالمية، ويُعد نقطة مرور رئيسية لنحو 20% من إجمالي الاستهلاك العالمي من النفط، مما يجعل أي تهديد لأمنه البحري عاملاً مباشراً في اضطراب الأسواق ورفع الأسعار عالمياً.
إلى أين؟ المستقبل رهينة برميل نفط
في المشهد الحالي، تبدو أسواق النفط كقطعة دومينو هشة تنتظر من يُسقط أول حجر. أي توتر إضافي، أي رد إيراني، أي خلل في الإمداد، قد يشعل موجة جديدة من الهلع الاقتصادي، وبينما تتسابق التوقعات حول المدى الزمني للتصعيد، ومدى قدرة تحالف “أوبك بلس” على سد أي فجوة، يبقى النفط، كما كان دائمًا، السلاح الاقتصادي الأخطر في جغرافيا لا تهدأ.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أسعار النفط إسرائيل إيران الاقتصاد العالمي أسعار النفط مضیق هرمز
إقرأ أيضاً:
النفط يقفز أكثر من 5 في المئة بفعل التصعيد بين طهران وتل أبيب
سجل خام "برنت" مكاسب قوية بنسبة قاربت 5.5 في المئة خلال تعاملات اليوم الإثنين قبل أن يقلص جزءاً منها ليستقر فوق مستوى 76 دولاراً للبرميل قفزت أسعار النفط العالمية في مطلع الأسبوع الجاري مدفوعة بتصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وسط مخاوف متزايدة من اضطرابات خطرة في إمدادات الخام، بخاصة من مضيق هرمز الحيوي.
وسجل خام "برنت" مكاسب قوية بنسبة قاربت 5.5 في المئة خلال تعاملات اليوم الإثنين قبل أن يقلص جزءاً منها ليستقر فوق مستوى 76 دولاراً للبرميل، بينما ارتفع خام "غرب تكساس الوسيط" إلى مشارف 75 دولاراً بدعم من تصاعد العمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران في الأيام الماضية.
ويأتي هذا الارتفاع الحاد بعدما شنت إسرائيل ضربات استهدفت مواقع استراتيجية إيرانية كان أبرزها الهجوم على مجمع "جنوب بارس" العملاق للغاز، مما أسفر عن إغلاق منصات إنتاج وتوقف عمليات المعالجة بعد اندلاع حريق ضخم، بحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية.
الأسواق ترتبك الاضطرابات المتصاعدة انعكست بصورة مباشرة على الأسواق المالية العالمية، إذ صعد النفط بأكثر من 13 في المئة الجمعة الماضي قبل أن يتراجع جزئياً، في وقت هرع فيه المستثمرون إلى الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب، الذي استفاد من هذه الأجواء المضطربة.
في المقابل ألغت إيران جولة محادثات نووية كانت مرتقبة مع الولايات المتحدة في سلطنة عمان، مما زاد الأوضاع تعقيداً وألقى بظلاله على الآفاق الدبلوماسية لتهدئة التوتر.
وعلى رغم أن الغاز الإيراني يستخدم بصورة أساسية محلياً ولا يصدر بكثافة، فإن الحقل المستهدف يوفر ثلثي حاجات البلاد من الغاز، مع وجود صادرات محدودة من المكثفات، مما يجعل تأثير الضربة في الداخل الإيراني أكبر من أثرها العالمي المباشر في أسواق الطاقة.
مضيق هرمز تحت التهديد وبينما شكل استهداف البنية التحتية للغاز الإيراني عامل ضغط فإن القلق الأكبر للأسواق يتركز على مصير مضيق هرمز الذي تمر عبره نحو 20 في المئة من إمدادات النفط العالمية يومياً.
وتراقب الأسواق من كثب أي تحركات إيرانية قد تمهد لمحاولة إغلاق المضيق، وهو سيناريو قد يقفز بالأسعار إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة.
وفي هذا السياق قال موكيش ساهديف، وهو محلل في شركة "ريستاد إنرجي"، في مذكرة حديثة، "الإغلاق المحتمل لمضيق هرمز من قبل إيران يظل أهم حدث قد يغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى أسواق النفط.
وعلى رغم عدم وجود مؤشرات إلى تحرك وشيك بهذا الاتجاه، فإن الأسواق تتفاعل مع هذه الفرضية بحذر شديد".
إشارات تحذيرية المؤشرات الفنية في الأسواق تدعم هذا القلق، إذ ارتفع الفارق بين عقدي ديسمبر لخام "برنت" إلى 3.48 دولار للبرميل، وهو أحد أهم مقاييس اختلال التوازن بين العرض والطلب في الأجل الطويل، كما أظهرت تعاملات عقود الخيارات تفضيلاً واضحاً للعقود الصعودية مع استمرار ارتفاع مستويات التقلب بصورة لافتة