تُعد قرية القورة، الواقعة على السفح الشمالي للجبل الأخضر ضمن ولاية نخل بمحافظة جنوب الباطنة، من أبرز قرى وادي مستل، لما تتميز به من موارد طبيعية ومقومات زراعية شكلت على مر العقود هوية فريدة للقرية وجعلتها مقصدًا لعشاق الطبيعة والزراعة التقليدية، وتمتاز القورة بتنوع بيئي وجغرافي استثنائي يتجلى في كثرة عيونها المائية، مثل عين الشغا، وعين الصوير، وعين السيدي، التي تُعد شرايين حياة تتدفق بين أوديتها وجبالها، وتُغذي أرضها الخصبة بالماء العذب، فضلًا عن وفرة الأشجار الجبلية المعمّرة التي تظلل الممرات الزراعية وتمنح القرية طابعًا طبيعيًا آسرًا.

وتُعرف القورة بمزارعها الممتدة التي تعكس خبرة الأهالي في استغلال تضاريس الجبال والمنحدرات لزراعة أصناف متنوعة من المحاصيل، ويبرز العنب العُماني كأحد أعمدة الإنتاج الزراعي فيها؛ إذ تنتشر زراعته بشكل لافت على امتداد القرية وأوديتها، ليمنحها شهرة تتعدى حدود ولاية نخل.

وفي إطار تسليط الضوء على واقع الزراعة في هذه القرية الجبلية، التقت «عُمان» بكل من الشيخ داود بن مبروك الريامي، ووليد بن سعيد الريامي، اللذين قدّما رؤيتين متكاملتين حول ما تمتاز به القرية من محاصيل زراعية متنوعة، وما تواجهه من تحديات تؤثر على استدامة هذا النشاط الحيوي.

العنب أهم المحاصيل

أشار الشيخ داود الريامي إلى أن العنب العُماني يُعد من أهم المحاصيل التي تعتمد عليها القرية، حيث تنتشر زراعته على أوسع نطاق في المنطقة مقارنة بباقي القرى، ولا يخفى على أحد أن بيئة القورة الجبلية توفر مناخًا مناسبًا وماءً عذبًا يضفي على ثمار العنب مذاقًا مميزًا، وأضاف أن القرية عُرفت كذلك بزراعة أصناف أخرى مثل المشمش، والخوخ، والتين، والتفاح العُماني، وهي محاصيل طالما ارتبطت بالبيئة الجبلية الباردة، أما زراعة الليمون والسفرجل، فقد كانت مزدهرة في السابق، إلا أنها تعرضت في السنوات الأخيرة لآفات زراعية أثرت على إنتاجها بشكل ملحوظ، وبيّن أن بعض المزارعين اتجهوا في الآونة الأخيرة إلى زراعة الزيتون كمحصول بديل يمكنه التكيف مع طبيعة التربة الجبلية والمناخ الجاف.

من جهته، قال وليد الريامي: إن تنوع المحاصيل الزراعية في القرية يعكس طبيعتها الخصبة وقدرة الأهالي على توظيف الإمكانيات الطبيعية بحكمة، إلا أن استمرار هذا التنوع يواجه مجموعة من العراقيل، على رأسها نقص المياه، بالإضافة إلى غياب الدعم الفني الكافي، خصوصًا في مجالات مكافحة الآفات وتطوير تقنيات الزراعة الحديثة، مما يضع المزارعين أمام تحديات تتطلب تدخلًا مؤسسيًا مدروسًا.

نظام السقي

وحول آلية توزيع المياه في القرية، أوضح الشيخ داود أن القورة تعتمد بشكل أساسي على فلج "المرفع"، الذي يُعد شريان الحياة الزراعية في القرية، حيث يسقي الأراضي وفق نظام متسلسل يبدأ من أول القرية وينتهي في آخرها، ثم يعود من جديد بنفس الترتيب، ويتميز هذا النظام بالدقة والتنظيم، ما يعكس وعي الأهالي وحرصهم على العدالة في توزيع المياه، أما باقي المزارع، فتستمد مياهها من العيون الطبيعية التي تتمتع بها القرية، ولكل عين منها نظام داخلي خاص في التوزيع يُدار عادة بتوافق مجتمعي وتقاليد متوارثة.

في المقابل، أشار وليد إلى أن ندرة المياه في بعض المواسم تؤدي إلى اختلال في نظام الري، ما يتطلب البحث عن حلول داعمة، كحفر الآبار أو توفير صهاريج المياه، خصوصًا في أشهر الصيف حين ترتفع درجات الحرارة وتشتد الحاجة إلى سقي المحاصيل بانتظام، وأضاف أن هذه المعالجات الطارئة لا تغني عن ضرورة التخطيط طويل المدى لتعزيز الأمن المائي الزراعي.

زراعة تقليدية

وفي جانب الممارسات الزراعية، أوضح الشيخ داود أن معظم المزارعين في القورة لا يزالون يعتمدون على الطرق التقليدية في الزراعة، بدءًا من اختيار البذور وحتى الحصاد، مشيرًا إلى أن طبيعة القرية الجبلية تمنع في كثير من الأحيان استخدام الآلات أو تطبيق الأساليب الحديثة، باستثناء بعض التقنيات المحدودة في نظام السقي، التي بدأ الأهالي بتجريبها حسب الإمكانيات المتاحة.

في ذات السياق، أكد وليد أن الحاجة باتت ملحّة إلى دعم مؤسسي حقيقي يُسهم في نقل الزراعة في القورة إلى مرحلة أكثر تطورًا، سواء من حيث توفير المعدات الحديثة، أو تدريب المزارعين على استخدام التقنيات الجديدة، أو تشجيعهم على تحسين جودة المحاصيل النوعية. وأشار إلى أن إدخال أساليب الزراعة الحديثة ممكن إذا تم العمل على تهيئة البنية الأساسية اللازمة، إلى جانب إطلاق برامج توعية وإرشاد زراعي تعزز من وعي المزارعين بأهمية التطوير ومواكبة العصر.

تأثير المناخ

وحول التحديات المناخية التي تواجه القرية، أشار إلى أن فترات الجفاف الطويلة تمثل التحدي الأكبر؛ إذ تؤثر بشكل مباشر على تدفق مياه الأفلاج والعيون، ما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل وتراجع جودتها، لاسيما في موسم الصيف الذي تتضاعف فيه الحاجة إلى الماء، ووجه دعوة إلى الجهات المختصة بضرورة التدخل بدعم واضح وفعّال، يشمل توفير مياه ناقلة أو إنشاء آبار مساعدة تخفف من وطأة الشحّ المائي وتُحافظ على ديمومة الزراعة.

وختم وليد بن سعيد الريامي حديثه بالتأكيد على أن الزراعة في قرية القورة لا تزال تُمارس بروح التمسك بالإرث الطبيعي والحفاظ على تقاليد الأجداد، إلا أنها باتت اليوم بحاجة ماسة إلى أن تُصان وتُطوّر عبر أدوات العصر وآلياته، حتى لا تفقد هذه القرية الجبلية ميزة فريدة طالما كانت مصدر فخر لأبنائها، ومورد رزق كريم يعكس العلاقة المتجذّرة بين الإنسان العُماني وأرضه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشیخ داود الع مانی التی ت إلى أن

إقرأ أيضاً:

دراسة: موجات الحرارة تؤدي إلى زيادة الافكار الانتحارية وتؤثر على الصحة العقلية للبشر

أظهرت دراسة أيرلندية جديدة أن تغيرات المناخ وتقلبات الطقس تعد من أخطر التهديدات لصحة البشر في القرن الحادي والعشرين، وأن هناك صلات قوية بين ما يطلق عليه الصدمات المناخية وبين الصحة العقلية، لاسيما في المناطق المهمشة، مرجحة أن يكون الأشخاص الذين يعيشون في أحياء فقيرة أو مناطق ريفية بدائية الأكثر تضرراً من الصدمات المناخية، لاسيما وأن الكثيرين منهم لا يحصلون على كفايتهم من المياه النظيفة والغذاء والرعاية الصحية.

ورصد باحثو الدراسة زيادة في أعراض الاكتئاب بنسبة 10.8 بالمئة لدى النساء من سكان المناطق العشوائية مقارنة بنظيراتهن من سكان المناطق الريفية المستقرة، وأن الأزمات النفسية قد تتطور في بعض الأحيان لدرجة الوصول إلى الأفكار الانتحارية في المجتمعات السكنية الفقيرة.

ولاحظت الدراسة أن موجات الحرارة تؤدي إلى زيادة بنسبة 14.9 بالمئة في الافكار الانتحارية، وأن الجفاف يؤدي لزيادة هذه الأفكار بنسبة 36.7 بالمئة، ما يشير إلى أن الضغوط الناجمة عن طبيعة الجفاف التي تبعث على التوتر تثير شعوراً بفقدان الأمل لدى الأفراد.

وأوضح الباحث سيبريان موستيرت أخصائي علم النفس وخبير اقتصاديات الصحة بجامعات في أيرلندا وباكستان وكينيا، أنه أجرى الدراسة بالتعاون مع نظراء له في معهد أبحاث المخ والعقل التابع لجامعة “أغاخان” الباكستانية، وتناولت تأثير صدمات تغير المناخ على أعراض الاكتئاب والأفكار الانتحارية، وتركزت على منطقة /كيليفي/ الساحلية في كينيا، حيث عانت هذه المنطقة من موجات الجفاف والطقس الحار وتراجع معدلات الأمطارخلال الفترة ما بين عامي 2010 و2022 ، كما شهدت في عام 2024 فيضانات تسببت في معاناة سكانها.

ولفت إلى تركيز الدراسة على فئتين هما النساء في المناطق العشوائية التي تفتقر للمياه النظيفة، وغيرهن ممن يعشن في مناطق ريفية توجد بها مياه نظيفة واحتياجات الحياة الأساسية، بهدف الوقوف على تأثير التغيرات المناخية على الصحة العقلية في سياقات اجتماعية واقتصادية مختلفة.

الشرق القطرية

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المديرية العامة للأرصاد الجوية لـ سانا: الموجة الحارة التي بدأت سوريا بالتأثر بها خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، طبيعية ويستمر تأثيرها حتى نهاية هذا الأسبوع، وتكون ذروة تأثيرها اليوم وغداً وبعد غد
  • دراسة: موجات الحرارة تؤدي إلى زيادة الافكار الانتحارية وتؤثر على الصحة العقلية للبشر
  • المجر.. مسيرة بالإبل للتحذير من خطر الجفاف وسوء إدارة المياه
  • لترشيد المياه.. إنشاء 3 محطات ري حديثة لخدمة 156 فدانًا في الأقصر
  • ما أبرز ملامح الخطة التي تناقشها حكومة نتنياهو لـإعادة السيطرة على غزة؟
  • خريطة ناسا ترصد مناطق حرارة غير طبيعية في العراق
  • القرية الأوليمبية تستضيف المنتدى الاقتصادي الأول للغرفة التجارية المصرية بالإسماعيلية
  • قمم السودة الجبلية تجذب السياح بالأجواء النادرة
  • إلى المواطنين.. قرارات تصدر بشأن المياه
  • كيف انعكست أزمة الجفاف هذا العام على تربية النحل في سهل الغاب بريف حماة؟