نجاة عبد الرحمن تكتب: 19 كفنا في الصباح الباكر
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
في صباح الجمعة 27 يونيو 2025، تعطلت الحياة في عدد من قرى مركز الباجور بمحافظة المنوفية.
لم تكن صدمة عادية، ولا حادثًا يُضاف إلى قوائم المرور. بل كانت مأساة مفتوحة: 19 روحًا غادرت بلا وداع، و3 ناجين بالكاد ما زالوا يتنفسون.
الناس الذين خرجوا باكرًا إلى العمل، ربما دون حتى شرب الشاي، لم يعودوا إلى بيوتهم.
ساروا في طريق يعرفونه جيدًا، يركبونه كل يوم، ويمرون على نفس المفارق، وربما دعوا الله أن يصلوا فقط في الوقت المناسب. لكنّ الطريق لم يكن في مزاج جيد.
الحادث الذي لا يشبه غيره
ما حدث لم يكن خطأ فرديًا، ولا سوء حظ عابر. في أحد قطاعات الطريق الإقليمي، أمام قرية مؤنسة، اصطدمت شاحنة نقل ثقيلة بميكروباص مزدحم بالبسطاء. لم يكن هناك مجال للفرار أو حتى الانتباه.
الميكروباص تحول إلى شظايا من المعدن واللحم. الأجساد انشطرت، والوجوه تلاشت ملامحها، ولم يستطع المسعفون التفرقة بين من كان يجلس في المقدمة أو في الخلف. كل ما بقي: أشلاء على الأسفلت، وملابس مُلطخة، وهواتف محمولة ترن دون إجابة.
من المسؤول؟ الطريق؟ السائق؟ الدولة؟
في لحظات الكارثة، لا يصمد المنطق كثيرًا أمام الصدمة. لكن ما يجب أن يقال بوضوح هو أن هذا الطريق تحديدًا، الطريق الإقليمي، صار مسرحًا دائمًا للموت. الحوادث عليه لا تُعد، وكل مرة تتشابه التفاصيل: شاحنة تسير بسرعة أو بلا رقابة، طريق بلا كاميرات، ونقل جماعي فقير الإمكانات يركب فيه البسطاء.
ليست مصادفة
الضحايا.. ليسوا أرقامًا
من ماتوا لم يكونوا أسماء على ورق تقارير. بل آباء خرجوا من أجل قوت أولادهم، وأمهات يساعدن في المصاريف، وشبابًا ربما كانوا يحلمون بالزواج، أو بشراء دراجة، أو حتى بيوم إجازة. كل ضحية كانت لها قصة معلّقة في بيت، ومكان على مائدة، ونداء كان يُنتظر بعد العصر.
في كفر السنابسة، وصنصفط، وبلمشط، وسبك، وزاوية رازين، تحولت الجنازات إلى موجات بكاء عام، وامتلأت صفحات الفيسبوك بصور الراحلين، في حفلة وداع افتراضية حزينة.
200 ألف جنيه… وذاكرة لا تُعوّض
أعلنت وزارة القوى العاملة تعويض أسر المتوفين بـ200 ألف جنيه، والمصابين بـ20 ألفًا. ولن يشك أحد في نية الدولة، ولا في سرعة التحرك. لكن لا يمكن اختزال الحياة في رقم. ولا يمكن تعويض أم فقدت ولدها، بقرار مالي مؤقت.
المطلوب ليس فقط التعويض، بل الاعتراف بأن ما حدث لم يكن قدرًا معزولًا، بل نتيجة تراكمات من الغياب المؤسسي.
ما بعد الموت
من السهل أن ننتظر نشرات الأخبار، أو نحتسب الشهداء عند الله. لكن ماذا بعد؟ من سيحاسب السائق؟ من سيراجع خطة تأمين الطريق؟ من يراقب الحمولة، والسرعة، والتراخيص؟ من يتعامل مع النقل الجماعي العشوائي باعتباره ملفًا أمنيًا وصحيًا لا يقل خطورة عن الإرهاب؟
الطريق لا يغفر
الحوادث ستتكرر، والموت لن يتوقف عن عبور الطرق، ما لم تتغير فلسفة التعامل مع السلامة، من كونها رد فعل إلى كونها سياسة وقائية حقيقية.
ما لم نفعل، سيأتي يوم قريب، ونكتب مقالًا جديدًا بنفس النغمة، ولكن بأسماء أخرى، وأحزان جديدة.
لم تكن فاجعة الباجور مجرد حادث… بل جرس إنذار، ينبغي أن يُسمع جيدًا، وأن يُتبعه فعل لا عزاء فقط.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مركز الباجور محافظة المنوفية الطريق الإقليمي لم یکن
إقرأ أيضاً:
إلهام أبو الفتح تكتب: مبروك لمصر
انتصار كبير للبرلمانية المصرية تحقق هذا الأسبوع.
فقد تم اختيار مصر رئيسا لبرلمان دول حوض البحر المتوسط، وجاء هذا الاختيار بإجماع الدول الأعضاء، الذين صوتوا لتولي النائب محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب المصري، رئاسة البرلمان المتوسطي.
هذا الانتصار لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة لسياسة مصر الخارجية، ولثقة العالم المتزايدة في حكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي استطاع أن يعيد لمصر مكانتها الإقليمية والدولية بخطوات ثابتة ورؤية واضحة.
وقد أكد النائب محمد أبو العينين هذا في خطابه عقب تسلمه الرئاسة، حيث تحدث عن حكمة الرئيس السيسي وزعامته وقيادته الحكيمة التي أعادت مصر لريادتها في منطقتها وفي العالم، وعن الدور الكبير الذي يلعبه البرلمان المصري في دورته الحالية برئاسة المستشار الدكتور حنفي الجبالي، وعن الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الأخيرة. وقدم خريطة طريق شاملة للتعاون بين ضفتي المتوسط، تقوم على مبدأ الندية والتكافؤ، بعيدًا عن المساعدات المشروطة أو العلاقات غير المتوازنة. برؤية طموحة، تنقل العلاقات من الكلام إلى التنفيذ، ومن الأزمات إلى الحلول العملية، بروح التعاون الحقيقي.
كنتُ هناك .. شعرت بالفخر كمصرية، وامتلأ قلبي اعتزازًا ببلدي، وهي تحصد احترام العالم وتقديره. لقد رأيت نظرات الاحترام تُوجّه لمصر، ليس فقط لثقلها التاريخي، لكن لدورها في الحاضر وتخطيطها للمستقبل إن اختيار مصر لرئاسة برلمان حوض البحر المتوسط ، وبإجماع 38 دولة، يؤكد أنها لا تزال الركيزة الأساسية لاستقرار المنطقة، وأنها الجسر الطبيعي الذي يربط الشمال بالجنوب، وأوروبا بالعالم العربي وأفريقيا.
النائب محمد أبو العينين، الرئيس الجديد للبرلمان الأورومتوسطي برلماني واسع الخبرة، له سجل طويل في العمل الدولي، ويتمتع بقدرة على التأثير والحوار والبناء المشترك، وهذا ما جعل اختياره محل ترحيب وتقدير واسع.
واختيار مصر هو انتصار لسياستها ومؤسساتها وقياداتها السياسية وشعبها مبروك لمصر، ويارب كل يوم في تقدم، كل يوم في نجاح، وكل يوم تُثبت أنها جديرة بثقة العالم.