وأضاف أن العديد من الأوامر التنفيذية التي تصدرها هذه الإدارة حالياً، في الواقع غير قانونية ومناقضة للدستور، مؤكداً أن ذلك يمثل تقويضاً خطِراً لضمانات الدستور ولنظام الضوابط والتوازنات التي وُضعت لحماية الديمقراطية في أميركا.

ولفت دي سيلفا، الذي عمل في أعلى مستويات السياسة الدولية، وشهد كيف تُتخذ القرارات المصيرية، إلى أن ما يحدث اليوم من اعتقالات عشوائية للناس وترحيلهم إلى مختلف أنحاء العالم دون أي إجراءات قانونية سليمة، يعتبر نوعاً من "الفاشية".

كما أشار إلى أن تأثيرات هذه القرارات غير المدروسة ستمتد إلى المؤسسات الدولية، موضحاً أن واشنطن لا تريد الانخراط الإستراتيجي في هذه المؤسسات، بل تسعى إلى الانفصال عن الحلفاء التقليديين.

وفي مقابلة لبرنامج "المنطقة الرمادية"، حذر دي سيلفا من التأثيرات السياسية العميقة لقرارات ترامب، لافتاً إلى أن آثارها ستمتد عقودا قادمة وتغير وجه التعاون الدولي جذريا.

أزمة دستورية

وفي هذا السياق، أوضح الخبير الدولي، أن الولايات المتحدة تشهد اليوم أزمة دستورية غير مسبوقة في تاريخها، تتجاوز بكثير الخلافات السياسية التقليدية.

وأكد أن الولايات المتحدة بلدٌ يُقسم مواطنوه قَسم الولاء للدستور وليس لأي شخص، سواء كان رئيساً أم رئيس وزراء أم سيناتورا أم عضوا في الكونغرس، مما يعني أن ما يحدث حالياً يتعارض مع الأسس الجوهرية للنظام الأميركي.

وأشار دي سيلفا إلى أن إدارة ترامب فصلت عشرات الآلاف من الموظفين الفدراليين، ممن لا يمتلكون حتى تأميناً صحياً، مشيراً إلى أن هذا الإجراء سيترك آثاراً مدمرة طويلة الأمد على عمل الحكومة الفدرالية.

وبحسب تقديرات المحللين التي استشهد بها، فإن إصلاح الأضرار التي ألحقتها إدارة ترامب قد يستغرق ما بين 30 إلى 35 عاماً.

وفي السياق ذاته، حذر من أن "آخر ملاذ آمن للديمقراطية والدستور الأميركي" والمتمثل في المحكمة العليا، قد كُدس بقضاة موالين لترامب خلال إدارته السابقة، مما يعني أن آليات الحماية الدستورية التقليدية قد قُوضت.

إعلان

انعزال أميركي

وعلى الصعيد الدولي، لفت دي سيلفا إلى التداعيات الخطِرة لهذه السياسات على العلاقات الأميركية بالحلفاء التقليديين.

فدول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بريطانيا وكندا، تعمل بوتيرة متسارعة لإيجاد حلول بديلة تمنحها مسافة أمان من الولايات المتحدة، ويشمل هذا التوجه تقليل الاعتماد على المعدات العسكرية الأميركية وإلغاء المزيد من صفقات المقاتلات من طراز "إف-35".

وتوقع المستشار السابق لكوفي أنان، أن يتم استبعاد المتعاقدين العسكريين الأميركيين من الأسواق الأوروبية والبريطانية والكندية، بسبب ما سماه "أثر ترامب السلبي".

وأكد أن هذا الانعزال ليس مفروضاً من الخارج فحسب، بل إن الولايات المتحدة تعزل نفسها بنفسها، وضرب مثالاً على ذلك بأن أول اتصال أجرته رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، عقب إعلان ترامب فرض رسوم جمركية جديدة، كان مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.

فقدان المصداقية

وعن مصداقية واشنطن، حذر دي سيلفا من فقدان الولايات المتحدة مصداقيتها كوسيط دولي موثوق، متسائلاً: "من سيستمع إلى الولايات المتحدة الآن؟" وأوضح أنه في الماضي، عندما كان السفير الأميركي يدلي بتصريح، كان يُؤخذ على محمل الجد للغاية، أما اليوم فإن تصريحات المسؤولين الأميركيين "تدخل من أذن وتخرج من الأخرى".

ويمتد تأثير سياسات ترامب ليشمل تأثيرات المؤسسات الدولية، حيث حذر دي سيلفا من أن الولايات المتحدة والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن تستخدم نفوذها لدفع الأمم المتحدة إلى مواقف "مناهضة للديمقراطية ومعادية للإنسانية" في الواقع.

وللخروج من هذا المأزق، طرح دي سيلفا حلولاً عملية تبدأ بإنشاء صندوق مالي مستقل يمنح المؤسسات الدولية مساحة للتنفس بعيداً عن الضغوط السياسية، إضافة إلى إعادة هيكلة آليات عمل مجلس الأمن ووضع ضوابط على سوء استخدام حق النقض.

وأكد المستشار السابق لكوفي أنان، أنه في حالة عدم معالجة هذه القضايا الجوهرية، فسيكون من الصعب للغاية أن نشهد أي بارقة أمل في النظام العالمي الدولي.

غير أنه أكد أن الأمم المتحدة تبقى "كل ما نملك" في الوقت الراهن، مما يستدعي العمل على إعادة هيكلتها ودعم الأجزاء منها التي تعمل فعلاً من أجل المصلحة العامة للإنسانية.

الصادق البديري29/6/2025-|آخر تحديث: 23:10 (توقيت مكة)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة دی سیلفا إلى أن

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تهدد المحكمة الجنائية الدولية بعقوبات جديدة


توعدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المحكمة الجنائية الدولية بفرض عقوبات جديدة، مطالبة إياها بتعديل نظامها الأساسي (روما) لضمان عدم إجراء تحقيقات بشأن الرئيس أو كبار مسؤولين.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أن واشنطن "تريد من المحكمة الجنائية الدولية إدخال تعديلات على وثيقتها التأسيسية لضمان أن المحكمة لن تجري تحقيقات بشأن الرئيس الجمهوري ومسؤوليه رفيعي المستوى.. مع تهديدها بعقوبات أمريكية جديدة على المحكمة بخلاف ذلك ".

ووفقا للمصدر، فإن رفض المحكمة لهذه المطالب، والتي تشمل أيضا وقف التحقيقات المتعلقة بالقيادة الإسرائيلية وأفعال القوات الأمريكية في أفغانستان، قد يؤدي إلى فرض واشنطن "عقوبات جديدة على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وعلى المحكمة نفسها". وأشار إلى أن الولايات المتحدة أبلغت مطالبها إلى المحكمة وإلى عدد من الدول الأعضاء فيها.

كما نقلت الوكالة عن المصدر قوله: "هناك قلق متزايد من أن المحكمة الجنائية الدولية في عام 2029 ستركز انتباهها على الرئيس ونائب الرئيس (جي دي فانس) ووزير الحرب (بيت هيغسيث) وآخرين وستبدأ تحقيقا بشأنهم.. هذا غير مقبول، ولن نسمح بذلك".

ولم يوضح المصدر الأساس المحتمل لهذا التحقيق، لكنه أشار إلى نقاشات في الأوساط القانونية الدولية حول احتمال بدء المحكمة تحقيقا ضد القيادة الأمريكية بعد انتهاء ولاية ترامب الحالية في 2029.

وأشارت "رويترز" إلى أن تعديل نظام روما يتطلب موافقة ثلثي الدول الأطراف فيه. وكان ترامب قد وقع في فبراير مرسوما تنفيذيا بفرض عقوبات على المحكمة، ردا على تحقيقاتها المتعلقة بالولايات المتحدة وحلفائها، شملت تجميد الأصول وحظر الدخول لأعضاء المحكمة. وقد أدانت المحكمة القرار الأمريكي وأكدت استمرار عملها.

تأتي هذه الخطوة في وقت، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في نهاية نوفمبر 2024 مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

كما تواصل الولايات المتحدة عملياتها العسكرية ضد مهربي المخدرات قبالة سواحل فنزويلا، مع تقارير عن دراسة خيارات لضربات داخل الأراضي الفنزويلية

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تهدد المحكمة الجنائية الدولية بعقوبات جديدة
  • استقالة سفيرة كندا لدى الولايات المتحدة.. فما الأسباب؟
  • مستشار حكومي:الحكومة لا تمتلك صلاحية الاقتراض في ظل غياب السلطة التشريعية
  • ترامب يعلن موافقة الولايات المتحدة على بيع معالجات H200 من إنفيديا للصين
  • تقرير: ليبيا تصدّر 87 ألف برميل يوميًا من الخام إلى الولايات المتحدة
  • مسؤول أمريكي يكشف لـCNN عدد التأشيرات التي ألغتها إدارة ترامب والأسباب
  • ترامب يحذر الدول التي تغرق الولايات المتحدة بالأرز الرخيص
  • زيلينسكي: المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن خطة سلام لم تكن سهلة
  • أردوغان يدعو مادورو إلى مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة
  • إردوغان يدعو مادورو إلى مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة