سياسة واشنطن في سوريا بين توازنات الحلفاء والمصالح
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
لم تُبدِ الحكومة الأميركية تغييرا واضحا في موقفها تجاه دمشق في أعقاب أحداث السويداء التي جرت أخيرا، فقد أكدت واشنطن على لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا توم برّاك أمس الاثنين أن التعامل مع الحكومة السورية الحالية هو السبيل الوحيدة لتوحيد البلاد التي لا تزال تتخبط من وطأة سنوات الحرب، وتعاني من موجة جديدة من العنف الطائفي، على حد وصفه، وأنه ليس لدى واشنطن "خطة ب" أو خيار آخر في التعامل مع هذا الملف.
لكن هذا الموقف المعلن يشوبه التباس بسبب ما يتضمنه من مواءمة معقدة بين التحول الكبير من سياسة عزل دمشق تحت حكم نظام بشار الأسد، إلى سياسة الانخراط المباشر معها في ظل الحكومة السورية الجديدة بعد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وبين علاقة واشنطن الوثيقة مع إسرائيل التي لا تبدي حكومتها الحالية التزاما باستقرار سوريا أو المنطقة عموما، ولم تُبدِ واشنطن حزما في وقف حملاتها الأكثر وحشية على غزة، ويضاف إلى ذلك علاقة واشنطن بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لا تزال هي والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا خارج مظلة الحكومة السورية.
وتزداد صعوبة فهم هذا الموقف عند إدراك أنه لا يحظى بتأييد واسع لدى فئتين من الفاعلين التقليديين في السياسة الأميركية بالشرق الأوسط: المتطرفين في تأييد الخط الإسرائيلي في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وخصوم الإدارة الأميركية في الحزب الديمقراطي وخاصة التقدميين من معارضي الحكومة الإسرائيلية الحالية. وقد تكررت هذه الأيام في واشنطن انتقادات للمبعوث الأميركي برّاك، وصفت بأنها حملة تهجُّم على دعم الإدارة الأميركية لدمشق، شاركت فيها أطراف أميركية وعربية وحتى سورية من معارضي حكومة الشرع.
وتابعت الإدارة الأميركية تطور أحداث السويداء عن كثب منذ اللحظة الأولى، حين أشار برّاك إلى ضلوعه في محاولات الدفع باتجاه ما وصفه بالحل السلمي الذي يضمن الشمول والمشاركة للدروز والقبائل البدوية والحكومة السورية، لكنه أدخل مع هؤلاء الثلاثة في عبارته "القوات الإسرائيلية"، وذلك قبل يوم واحد من ضربها أهدافا في دمشق بما فيها مقر هيئة الأركان السورية في 16 يوليو/تموز، وما تلا ذلك من صراع أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 558 سوريا وتهجير المئات.
وانطلاقا من مواءمة واشنطن المعقدة، فإنها لم تصدر إدانة مباشرة للضربات الإسرائيلية، واكتفت بوصف ما حدث بأنه "سوء فهم" بين الجانبين السوري والإسرائيلي، وذلك على لسان وزير الخارجية ماركو روبيو الذي ظهر في فيديو بجانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدا استمرار التواصل مع الجانبين للتوصل إلى التهدئة والعودة إلى مسار بناء الدولة السورية الذي ربطه بتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
ومع تطور الصراع في السويداء بعد انسحاب قوات الحكومة السورية ودخول قوات العشائر، والانتهاكات التي طالت بعض المناطق في المدينة، أدان المبعوث الأميركي الانتهاكات ضد المدنيين، كما أشار إلى بيان الرئاسة السورية الذي وصفه بالقوي، داعيا إلى إنفاذ ما جاء فيه من إنهاء العنف وضمان المحاسبة وحماية جميع السوريين.
إعلانوعلى مدى يومين، اجتمع المبعوث الأميركي مع الحكومة السورية وشيوخ العشائر بمشاركة الجانب الأردني وبالتواصل مع تركيا وإسرائيل، حيث تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ونشر قوات الأمن السورية في السويداء وإخراج المعتقلين وإيصال المساعدات الإنسانية، وتوّجت المحادثات بلقاء جمع براك بوزيري الخارجية السوري أسعد الشيباني والأردني أيمن الصفدي، حيث أكد الجانبان الأميركي والأردني أن الاستقرار في سوريا أساسي لاستقرار المنطقة.
ورغم دعوة المبعوث الأميركي إلى عدم التسامح مع أحداث القتل والانتقام والمجازر التي وصفها بالمؤسفة، فإنه أكّد أن الحكومة السورية الحالية طابقت أفعالُها أقوالَها ولم ترتكب خطأ فيما جرى، وأنها تتسم بالقدرة والكفاءة والموثوقية، وأنها قدمت أفضل ما تستطيعه حكومة ناشئة تملك موارد محدودة للغاية لمواجهة قضايا متعددة آخذة بالظهور تباعا والسعي إلى توحيد مجتمع متنوع.
عقدة العلاقة بإسرائيللا يخلو هذا الموقف من علامات الاستفهام حول ملفات فرعية وجوهرية في آن معا، وعلى رأسها سؤال: إلى أي مدى قد تذهب واشنطن في كبح جماح حكومة نتنياهو إذا قررت مواصلة العدوان على سوريا؟ وهل ستكفي وساطات الإدارة الأميركية واتصالاتها مع دول الجوار لوقف القوات الإسرائيلية إذا افترضنا أنها قررت الاجتياح وصولا إلى السويداء؟
وترتبط الإجابة عن هذا السؤال بمدى التزام الحكومة الأميركية باستقرار سوريا في عهدها الجديد، ولا توجد حتى الآن مؤشرات على رغبة واشنطن في العودة إلى الوراء فيما يتعلق بالانزلاق نحو الفوضى، وما يتضمنه ذلك من إفساح المجال لإيران وروسيا بالتسلل من خلال الحدود السورية أو بالشراكة مع ما تبقى من فلول النظام السابق، وهذا هو الإطار العام الذي وضعه وصرّح به وزير الخارجية الأميركي لسياسة بلاده تجاه سوريا منذ لحظة تعيينه.
لكن هناك نقطة ضعف يُخشى أن تكون كعبَ أخيَل في هذه الرؤية الأميركية، وهي العلاقة الأميركية الإسرائيلية التي تمثل عقدة مركزية، ليس في سوريا فقط بل في المنطقة برمّتها، فما زال البيت الأبيض حتى اليوم يصرّح بأن ترامب فوجئ بالقصف الإسرائيلي لسوريا، وقد صرّح براك أيضا بأن الولايات المتحدة لم يطلب رأيها في الضربات الإسرائيلية، وأنها لا تتحمل مسؤولية ما تراه إسرائيل دفاعا عن نفسها، وهذا يبرّئ العدوان الإسرائيلي عمليا ويمنحه أفضلية المبادرة في المستقبل بتوجيه الضربات المباغتة بحسب وجهة النظر الأميركية، وهي أفضلية لا يملكها الجانب السوري في الوقت الراهن.
ويضاف إلى ذلك معطى جديد، ذكره براك في تصريحه الأخير، حين قال إن إسرائيل ترى أنها جزء من القرار في جنوب سوريا، وإن دخول القوات الحكومية إلى السويداء لم يكن ضمن هذه الرؤية، مؤكدا أن اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين السوري والإسرائيلي كان مقتصرا على السويداء، مما يدل على أن الإدارة الأميركية لم تستطع الضغط على إسرائيل باتجاه حسم مسألة سيادة الحكومة السورية على جنوب البلاد.
وهذه التصريحات تجعل من الصعب هضم الانتقادات الأميركية للضربات الإسرائيلية التي وصفها براك بأنها عامل تشويش وبأنها جاءت في أسوأ الأوقات، وقوله إن إسرائيل تفضل أن تكون سوريا مجزّأة وألّا تكون دولة ذات حكم مركزي قوي، وحتى تصريحات أخرى من واشنطن مثل إدانة السيناتور جين شاهين للقصف الإسرائيلي على السويداء ودمشق، فمثل هذه الإدانات تجعل المسؤولين الأميركان أشبه بالمعلّقين الذين يطلقون تحليلات أو مقولات حكيمة على مسألة لا شأن لهم فيها، مثل قول براك إن الأقليات في سوريا باتت تدرك أن وحدتها تحت دولة مركزية أفضل لمستقبلها.
ويتعلق السؤال الجوهري الثاني بمآل العلاقة الأميركية مع قسد، والتي بدأت قبل تعيين المبعوث الأميركي الحالي وحتى قبل فترة رئاسة ترامب الأولى، حينما تأسست على أساس الشراكة في قتال تنظيم إرهابي، في الإشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية. ورغم تصريح إدارة ترامب خلال زيارته للسعودية في مايو/أيار الماضي بأن ملف محاربة الإرهاب سيُدار بالشراكة مع الحكومة السورية الجديدة، فإن موقع قسد من هذه الشراكة لا يزال غير مُعرّف.
إعلانوبعد تعثُّر الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في مارس/آذار الماضي، تدخل المبعوث الأميركي لوضع خريطة طريق لتنفيذ الاتفاق، لكن المفاوضات لم تحقق تقدّما في هذا المسار حتى الآن، وهنا يبرز وجه تشابه آخر مع الملف الإسرائيلي وهو تقارب الموقف الأميركي المُعلن مع موقف الحكومة السورية رغم عدم تمكُّنِها أو تمكينِها من فرض رؤيتها، حيث اعتبر براك أن أمام قسد طريقا واحدا هو الطريق نحو دمشق، وحرص على تكرار الحديث عن أهمية وجود حكومة مركزية قوية في سوريا.
وبالنظر إلى الإطار العام للسياسة الأميركية في سوريا الذي يميل نحو دعم الاستقرار فيها، يبدو أن إدارة ترامب تقترب أكثر من حسم مصير قسد والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، خاصة بعد سعيها إلى إنهاء وجودها العسكري الذي بدأ بتقليص عدد الجنود الأميركيين إلى أقل من ألف جندي، وتصريحات ترامب الداعية إلى تولّي الحكومة السورية مسؤولية مراكز احتجاز عناصر تنظيم الدولة، لكن تخصيص تمويل لدعم مجموعات في سوريا أبرزها قسد ضمن ميزانية عام 2026 يشير إلى أن هذا الحسم قد يتأخر حتى السنة المقبلة على الأقل.
ويضاف إلى الحسم المؤجّل لملف قسد، رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، الذي تبيّن أنه يواجه تحديات تقنية لم يحسمها قرار ترامب التنفيذي في 30 يونيو/حزيران الماضي بإنهاء العقوبات، وخاصة ما يتطلب منها تحركا في الكونغرس من قبيل إلغاء تشريعات قائمة أو وقف تجديد تشريعات أخرى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الإدارة الأمیرکیة المبعوث الأمیرکی الحکومة السوریة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
سوريا وفرنسا والولايات المتحدة تؤكد مواصلة التعاون لتحقيق الاستقرار ودعم قدرات الدولة السورية لمواجهة التحديات
باريس-سانا
أكدت سوريا وفرنسا والولايات المتحدة مواصلة التعاون لضمان وحدة سوريا واستقرارها وسيادتها على كامل أراضيها، ودعم قدرات الدولة السورية ومؤسساتها للتصدي للتحديات الأمنية.
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان اليوم نشرته عبر قناتها على تلغرام:
عقد وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني، ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل باروت، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية في تركيا والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، اجتماعاً صريحاً وبناءً في العاصمة الفرنسية باريس ضمن إطار التعاون الوثيق بين الأطراف المشاركة، وفي لحظة فارقة تمر بها الجمهورية العربية السورية.
وفي أجواء يسودها الحوار والحرص الكبير على خفض التصعيد توافقت الجمهورية العربية السورية والولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الفرنسية على الحاجة إلى:
الانخراط السريع في الجهود الجوهرية لإنجاح مسار الانتقال في سوريا، بما يضمن وحدة البلاد واستقرارها وسيادتها على كامل أراضيها.
الالتزام بالتعاون المشترك لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، ودعم قدرات الدولة السورية ومؤسساتها للتصدي للتحديات الأمنية.
دعم الحكومة السورية في مسار الانتقال السياسي الذي تقوده، بما يهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعي، ولا سيما في شمال شرق سوريا ومحافظة السويداء.
عقد جولة من المشاورات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية في باريس بأقرب وقت ممكن، لاستكمال تنفيذ اتفاق العاشر من آذار بشكل كامل.
دعم الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبي أعمال العنف، والترحيب ضمن هذا الإطار بمخرجات التقارير الشفافة، بما في ذلك التقرير الأخير للجنة الوطنية المستقلة المكلفة بالكشف والتحقيق في الأحداث التي شهدها الساحل السوري.
التأكيد على عدم تشكيل دول الجوار لأي تهديد لاستقرار سوريا، وفي المقابل تأكيد التزام سوريا بعدم تشكيلها تهديداً لأمن جيرانها حفاظاً على استقرار المنطقة بأسرها.
سوريا وفرنسا والولايات المتحدة 2025-07-25BOUTHINA BOUTHINAسابق جريدة الأسبوع الأدبي تسعى لتوسيع الفضاء الإبداعي في سوريا بعد التحرير آخر الأخبار 2025-07-25سوريا وفرنسا والولايات المتحدة تؤكد مواصلة التعاون لتحقيق الاستقرار ودعم قدرات الدولة السورية لمواجهة التحديات 2025-07-25الشيباني يلتقي نظيره الفرنسي والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا في باريس 2025-07-25كندا: منع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية لغزة انتهاك للقانون الدولي 2025-07-25الأمم المتحدة تطلق نداءً لجمع 3.19 مليارات دولار لمساعدة 10 ملايين سوري 2025-07-25الأمم المتحدة تحذر من تزايد معدلات سوء التغذية في غزة 2025-07-25منظمة “قطر الخيرية” تبدأ تسليم منازل مرممة في سهل الغاب 2025-07-25وقفة تضامنية في نوى بريف درعا للمطالبة بالكشف عن مصير المتطوع المختطف حمزة العمارين 2025-07-25بريطانيا تجدد الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة 2025-07-25الأمم المتحدة: نواصل الانخراط مع السلطات السورية لتيسير الوصول إلى السويداء وتقديم المساعدات 2025-07-25جائزة الخدمة المتميزة لطبيب منتخب سوريا أحمد كنجو
صور من سورية منوعات بحث جديد: جلد القرش الأزرق يخفي تراكيب نانوية تساعده على تغيير لونه 2025-07-25 دراسة جديدة: التعرض للمواد الكيميائية الدائمة قد يزيد خطر الإصابة بالسكري 2025-07-25
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |