الحسن الثاني وبن بلّة والغنوشي وآخرون.. حوارات صحفية بنكهة تاريخية
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
صدر في المغرب مؤخرا باللغة الفرنسية كتاب يحمل توقيع الإعلامي المخضرم حميد برادة (مواليد عام 1939) ويضم في نحو 700 صفحة مختارات من سلسلة حوارات أجراها بين عامي 1977 و2012 مع شخصيات سياسية وثقافية بارزة من بلدان المغرب العربي وأفريقيا ومناطق أخرى.
وكانت هذه الحوارات قد نشرت في مجلة "جون أفريك" التي تصدر في فرنسا وتعنى بشؤون القارة الأفريقية ومن المستجوبين فيها الرئيس السنغالي الراحل ليوبول سيدار سينغور (1977) والرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلّة (1990) والملك المغربي الراحل الحسن الثاني (1985) والمعارض التونسي البارز راشد الغنوشي (1990) وسيدة تونس الأولى الراحلة وسيلة بورقيبة (1982).
كما يتضمن الكتاب حوارات مع أعلام فكر وأدب وتاريخ من المنطقة المغاربية، بينهم المؤرخ الجزائري محمد حربي (1977)، والمؤرخ المغربي عبد الله العروي (1980)، والكاتب الجزائري جمال الدين بن الشيخ (1990)، والكاتبة الجزائرية آسيا جبار (2008) وهي أول وجه أدبي عربي يتم انتخابه لعضوية الأكاديمية الفرنسية.
ومن الشخصيات الدولية التي حاورها حميد برادة وزيرا خارجية فرنسا السابقان ميشال جوبير (1979) وهوبير فيدرين (1995)، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق بيير ميسمر (1993).
وتكمن أهمية تلك الحوارات في مكانة الشخصيات المستجوبة في المجالات السياسية والأكاديمية والأدبية والإعلامية وفي قيمة المنبر الذي نشرت فيه آنذاك، وهو مجلة "جون أفريك" التي تأسست عام 1961 على يد الإعلامي التونسي البشير بن يحمد (1928-2021) وأصبحت على مر العقود منبرا مرجعيا في صناعة الرأي العام في القارة الأفريقية وذا تأثير كبير، خاصة في صفوف النخب الحاكمة ودوائر اتخاذ القرار.
وأجريت معظم تلك الحوارات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما كانت الصحافة المكتوبة لا تزال لم تفقد بعد إشعاعها وبريقها أمام البث التلفزيوني الذي تعاظم لاحقا مستفيدا من فورة الإرسال عبر الأقمار الاصطناعية قبل الثورة التكنولوجية التي نعيشها حاليا.
إعلانكما تنبع قيمة تلك الحوارات من مكانة الصحفي حميد برادة الذي كان معارضا بارزا في بداية الستينيات في إطار الحركة الطلابية، وبسبب المضايقات الأمنية فر إلى الجزائر وحُكم عليه غيابيا بالإعدام، إلى جانب المهدي بن بركة، عام 1963 بتهمة "الخيانة العظمى"، فاختار المنفى بفرنسا عام 1965، وهناك أكمل دراساته العليا وامتهن الصحافة وأصبح رئيسا لتحرير المجلة بين عامي 1974 و1985.
وبعد نحو 20 عاما على حكم الإعدام الصادر في حقه، سيكون حميد برادة في حضرة الحسن الثاني في صيف عام 1985 بصفته أول وآخر صحفي مغربي يجري حوارا مع الملك الراحل وكان موضوعه الرئيسي هو ملف الصحراء بعد مرور 10 سنوات على "المسيرة الخضراء".
وفي تلك المقابلة، أدلى الملك الحسن الثاني بتصريح شكّل لحظتها سبقا صحفيا كبيرا، إذ اعترف لأول مرة بأنه لو فشلت "المسيرة الخضراء" التي أطلقها سنة 1975 لاسترجاع إقليم الصحراء من الاستعمار الإسباني، لكان قرر مغادرة المغرب وتسليم السلطة لمجلس الوصاية إلى حين بلوغ ولي العهد سن الرشد، حسب كتاب حميد برادة.
ولم يكتف حميد برادة بتلك المقابلة "الحقيقية"، بل عاد عام 2009، أي بعد 10 سنوات على رحيل الحسن الثاني، إلى إجراء حوار "خيالي" مع العاهل الراحل حيث لعب دور "المحاوِر" و"المحاوَر" وأطلق العنان لخياله لطرح ما شاء من أسئلة ولاستنباط ما قد يجول بذهن الملك الراحل لو كان يتابع ما يجري في المغرب بعد رحيله.
وتكتسي جل المقابلات المنشورة في هذا الكتاب قيمة تاريخية بالنظر إلى سياقها السياسي في كل بلد، وعلى سبيل المثال فإن الحوار مع أحمد بن بلّة عام 1990 تم في وقت كان فيه الضيف بصدد العودة إلى الجزائر بعد نحو 10 سنوات في المنفى وبعد أن أمضى قبل ذلك 15 عاما في السجن ببلاده بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1965.
وفي السنة نفسها (1990) أجرى حميد برادة مقابلتين مطولتين مع المعارض الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، واختار لإحداهما عنوانا تنبؤيا هو "ماذا لو كنت في السلطة؟" وفيها عبّر الغنوشي عن مواقف جريئة وصريحة في كثير من القضايا السياسية والأخلاقية والشرعية الحساسة، وكان لتلك المقابلة صدى واسع، خاصة في أوساط الحركة الإسلامية في المنطقة.
وقبل ذلك بسنوات كان للصحفي المغربي موعد في تونس مع سيدة البلاد الأولى وسيلة بورقيبة، وذلك في مقابلة هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية لزوجة رئيس دولة لا يزال في منصبه.
وكانت منطلق تلك المقابلة -التي أجريت في يوليو/تموز 1982- هو الشأن الفلسطيني إذ كانت وسيلة بورقيبة على تواصل مباشر مع قيادات المقاومة الفلسطينية التي كانت لحظتها على وشك الخروج من لبنان والتوجه إلى تونس عقب الغزو الإسرائيلي لبلاد الأرز في العام نفسه.
وفي تلك المقابلة، تطرقت وسيلة بورقيبة لقضايا أخرى تهم الشأن الداخلي، وأكدت أنها كانت تضطلع فعليا بدور واضح في تسيير الشأن العام في البلاد، وانتقدت حينها قصور الدستور آنذاك عن تدبير انتقال السلطة في البلاد بشكل واضح، وذلك قبل أن تتم الإطاحة بالرئيس الحبيب بورقيبة في "انقلاب طبي" عام 1987.
ويلمس القارئ في تلك الحوارات (عددها 45) أن للصحفي حميد برادة أسلوبا خاصا في استجواب ضيوفه واستدراجهم أحيانا إلى قضايا شائكة بطريقة سلسة تكاد توحي أن هناك تواطؤا بين الصحفي وضيوفه، وكل ذلك على خلفية إعداد جيد ومعرفة دقيقة بالضيف وبحيثيات كل القضايا المطروحة.
إعلانوتجلت تلك المهارات خاصة في محاورة رجال السياسة، حيث يبدو حميد برادة وكأنه يتحرك في ملعبه وهو يستجوب معارضين بارزين، مثل عبد الرحمان اليوسفي الذي كان على وشك قيادة حكومة التناوب عام 1998، والمعارض المغربي الفقيه البصري الذي كان يستعد عام 1995 للعودة إلى المملكة بعد سنوات طويلة من المعارضة في الخارج.
وإلى جانب تلك المقابلات، تضمن الكتاب مقالات تحمل توقيع الصحفي المغربي وتطرقت إلى أحداث ساخنة في المنطقة، بينها مقال في عام 1978 عن قضية الرئيس الجزائري أحمد بن بلّة الذي كان مسجونا من دون أن تتم محاكمته أو إدانته، ومقال عن قرار الملك الحسن عام 1981 اعتقال القيادي الاشتراكي البارز عبد الرحيم بوعبيد على خلفية رفضه مبدأ إجراء الاستفتاء في الصحراء.
وتعتبر تلك الحوارات والمقالات تجسيدا لمقولة سائرة في مجال الإعلام مفادها أن "الصحافة هي المسودة الأولى للتاريخ"، إذ يشعر القارئ وكأنه يقلب صفحات من تاريخ البلدان التي ينحدر منها المتحدثون في تلك المقابلات ويفهم تفاصيل وسياق كثير من الأحداث التي لا تزال تداعياتها مستمرة إلى الآن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات اجتماعي الحسن الثانی فی المغرب الذی کان بن بل ة فی تلک
إقرأ أيضاً:
فرنسا وسوريا تطالبان لبنان باعتقال مهندس قمع السوريين
طلبت سوريا وفرنسا من لبنان اعتقال مدير المخابرات الجوية السورية السابق جميل الحسن المتهم بارتكاب جرائم حرب وباعتباره مهندس حملة العقاب الجماعي التي شنها نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في أعقاب مظاهرات عام 2011، والذي يُعتقد أنه يوجد في الأراضي اللبنانية، وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
ووفق تقرير نشرته الصحيفة أمس الخميس، أكد مسؤول فرنسي أن كلا من باريس ودمشق طالبتا بيروت باعتقال الحسن المدان غيابيا في فرنسا لدوره في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والمطلوب بموجب مذكرة توقيف في ألمانيا، كما أنه مطلوب من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي لدوره في اختطاف وتعذيب مواطنين أميركيين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول قضائي لبناني رفيع قوله إن الحكومة اللبنانية لا تملك معلومات مؤكدة عن مكان وجود الحسن الذي فر من سوريا بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ولا يزال مكان اختباء الحسن مجهولا، لكن العديد من المسؤولين السوريين والغربيين الحاليين والسابقين يشتبهون بوجوده بلبنان، حيث يعيد مسؤولو المخابرات السابقون في النظام بناء شبكة دعم.
هندسة القمعولطالما وُصف جهاز المخابرات الجوية خلال سنوات حكم عائلة الأسد بأنه "الأكثر وحشية وسرية" من بين أجهزة المخابرات الأربعة حينها (أمن الدولة والأمن السياسي والأمن العسكري والمخابرات الجوية)، وتولى الحسن قيادة الجهاز في عام 2009.
وبحسب وثيقة أمنية نقلت عنها الصحيفة، اجتمع الحسن وقادة الأجهزة الأمنية الأخرى في وسط دمشق للتخطيط لحملة تضليل وقمع عنيف بعد عامين من بدء الثورة السورية في 2011.
ووضعوا خطة في وثيقة وقّعوا عليها بالأحرف الأولى، وقد عرض مسؤول أمني سوري سابق الوثيقة على صحيفة وول ستريت جورنال، وأكدها مسؤول آخر.
وبحسب الوثيقة ووثائق أخرى، فضّل الحسن استخدام القوة الغاشمة والدموية مع المتظاهرين والمعارضين، وكانت رسالته إلى الأسد "افعل كما فعل والدك في حماة"، في إشارة إلى المجزرة الدموية التي ارتكبها الرئيس الراحل حافظ الأسد في حماة وأدت إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص عام 1982.
إعلانوكتب قادة أنظمة أمن النظام المخلوع في الوثيقة أنه تجب محاصرة أي مكان تخرج فيه الاحتجاجات عن السيطرة.
وأضافت الوثيقة أنه سيتم إرسال قناصة لإطلاق النار على الحشود مع أوامر بإخفاء مصدر إطلاق النار وعدم قتل أكثر من 20 شخصا في المرة الواحدة، لتجنب ربط ذلك بالدولة بشكل واضح.
وجاء في الوثيقة "لن يُظهر أي تساهل تجاه أي هجوم على أسمى رمز مهما كانت التكلفة، لأن الصمت لن يؤدي إلا إلى تشجيع خصومنا".
وتُظهر وثائق جمعتها لجنة الشؤون الدولية والعدالة أن الحسن أمر قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين.
تعذيب المدنيينكما لعب الحسن دورا أساسيا في الحملة المتوحشة التي تعرضت لها مدينة داريا في عام 2012، حيث أرسل جيش النظام السابق دبابات رافقها رجال مخابرات الجوية التي عملت على مدى عامين لاعتقال المدنيين وتعذيبهم.
وكانت لدى جهاز مخابرات القوات الجوية محكمة عسكرية ميدانية خاصة بها في المزة في دمشق تُصدر أحكاما بالإعدام أو تُرسل المحكومين إلى سجن صيدنايا سيئ الصيت.
كما احتوى موقع القوات الجوية على مقبرة جماعية خاصة به، وفقا لمركز العدالة والمساءلة السوري في واشنطن، والذي استند في نتائجه إلى صور الأقمار الصناعية وزيارة للموقع بعد سقوط النظام.
وتتهم وزارة العدل الأميركية الحسن بتدبير حملة تعذيب شملت جلد المعتقلين بالخراطيم، وخلع أظافر أقدام الضحايا، وضرب أيديهم وأقدامهم حتى عجزوا عن الوقوف، وسحق أسنانهم، وحرقهم بالسجائر والأحماض، بمن فيهم مواطنون أميركيون وحاملو جنسية مزدوجة.