موقع النيلين:
2025-12-14@11:02:00 GMT

إبراهيم شقلاوي يكتب: دعونا نصنع دكتاتوراً..!

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

تجتهد النخب في الحديث عن الانتقال الديمقراطي رغم أن ذلك في الحالة السودانية لم يعد ممكناً كما كان قبل الحرب. فما نشهده الآن ليس فقط تعثراً سياسياً، بل انهياراً شبه كامل لفكرة الدولة نفسها. التهديد الذي يواجه البلاد لم يعد محصوراً في نزاع مسلح أو انقسام سياسي، بل تجاوز ذلك إلى تفكك النسيج المجتمعي، وضياع البوصلة الوطنية وتآكل الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة التي تحاول أن تظل متماسكة رغم التحديات.

في هذا الواقع تبدو الدعوة إلى “صناعة دكتاتور وطني” وكأنها خروج على القيم السياسية المتعارف عليها، وربما تبدو للبعض وكأنها خطوة للخلف في زمن يبحث فيه العالم عن التعددية والديمقراطية والحكم المدني.

لكن التاريخ لا يتقدم دائماً وفق النوايا المثالية. أحياناً تتطلب اللحظة انحرافاً عن الخط المستقيم، لصالح إنقاذ البنيان كله من السقوط. نحن لا نتحدث عن طاغية يبطش، ولا عن عسكري ياتي بانقلاب ، بل عن قيادة مركزية قوية، واضحة الرؤية محكومة بزمن معلوم، وصلاحيات مدروسة، ومشروع وطني جامع. قيادة تفرض القانون، تبسط الأمن، توحّد الناس ، وتؤسس لما بعدها من استقرار وتداول سلمي للسلطة.

حتى الفلاسفة الذين كتبوا نظريات الحرية والعقد الاجتماعي لم ينكروا ضرورة القوة في لحظات الخطر. جان جاك روسو، أحد أعمدة الفكر السياسي الحديث، كتب: “قد تقتضي الضرورة أحياناً أن يُعهد بالسلطة إلى شخص واحد، عندما يكون أمن الشعب مهدداً.” وهذا ما نحن بصدده: تهديد وجودي، يتطلب إدارة استثنائية. لسنا بحاجة إلى ادارات منقسمة ، ولا إلى تحالفات هشة. نحن بحاجة إلى سلطة تتحدث بقرار واحد، وتمتلك الجرأة على الفعل، وتحتكم إلى منطق الإنقاذ والحكمة لا منطق التوازنات الحزبية.

في تجارب العالم، نجد سابقة ملهمة تدعم هذه الفكرة دون أن تجرّنا إلى الاستبداد الأعمى الذي يخشاه الناس. سنغافورة في ستينيات القرن الماضي كانت بلداً هشاً، صغيراً منهكاً بالصراعات العرقية، وعديم الموارد. كان بإمكانها أن تسقط في فخ الفوضى إلى الأبد، لولا أن نهض بها رجل واحد: “لي كوان يو” . حكم بقبضة صارمة، نعم، لكنه كان يحمل مشروعاً وطنيًا واضحاً لإعادة بناء الدولة.

لم يسعَ للبقاء الأبدي في السلطة، بل سعى لصناعة نموذج. وضع خطة، وحدد أعداء التقدم والنهضة : الفساد، التسيّب، الانقسام، وبنى مؤسسات حديثة، ورفع من قيمة التعليم والإنجاز والكفاءة. بعد سنوات، أصبح اسم سنغافورة مرادفاً للمعجزة الاقتصادية والانضباط الإداري والهوية الجامعة، رغم أنها في بداياتها كانت أشبه بذات المرحلة التي نعيشها الآن.

لسنا مطالبين باستيراد هذه التجربة كما هي، لكن مطالبين أن نستلهم روحها. نحن بحاجة إلى قائد من هذا الطراز: وطني، عقلاني، جريء، يفرض القانون بعدل، ولا يخشى اتخاذ القرار. أن يقود لثلاثة أعوام، لا أكثر، يهيئ خلالها الأرضية لبناء الدولة، لا لدوام سلطته، ثم ينسحب كما جاء، دون هتاف أو تمجيد، بل باحترام الشعب له والاعتراف بدوره. ومنذ اليوم الأول، يجب أن تُبنى آليات المحاسبة، والضمانات، وخارطة الانتقال، حتى لا ينزلق السودان مجدداً إلى مستنقع “ما أريكم إلا ما أرى”.

قد يتساءل البعض: أليس ما نقترحه الآن تكراراً لما يُمارس فعلاً عبر المجلس السيادي أو القيادة العسكرية الحالية؟ والحقيقة أن ما نشهده اليوم هو إدارة جماعية استطاعت، رغم كل التحديات، أن تحافظ على وجود الدولة في وجه حرب كانت تستهدف كيانها السياسي والجغرافي والاجتماعي. وهذه، في حد ذاتها، ليست مهمة يسيرة في ظل التهديد الوجودي الذي كان يستهدف كيان الدولة .

لكن ما تحتاجه هذه القيادة الآن الدعم الكامل في سبيل قبضة أمنية حاكمة ومشروع وطني جامع، واضح المعالم، يستند إلى الإرادة السياسية لا ردود الأفعال، ويخاطب الداخل قبل الخارج. وهنا أعني رأس الدولة الحالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، هو من قدّر له أن يتقدم لتحمّل هذه المهمة التاريخية، فإننا نخاطبه لا بصفته العسكرية، بل بصفته الوطنية. نقول له: إن أردت أن تكون، كن مشروعاً لا شخصاً. التاريخ لا يصنعه من يصل إلى السلطة، بل من يعرف متى يستخدمها ومتى يضعها جانباً.

السودان لا يحتاج إلى من يحكمه، بل إلى من يقوده؛ لا إلى من يُطيل الأزمة، بل إلى من يختصر آلامها. كن دكتاتوراً إن لزم الأمر، لكن بالمعنى الذي فهمه “لي كوان يو” ، لا كما مارسه الطغاة في تاريخنا. احكم بشجاعة، لا ببطش. اضرب على يد الفساد، لا على ظهر المختلف. واجعل من نفسك جسراً لا سوراً. وإذا مضت الثلاثة أعوام، لا تنتظر أن يطالبك الناس بالرحيل، بل فاجئهم بالانصراف من تلقاء نفسك… تلك اللحظة وحدها ستخلّد اسمك، لا في قائمة السلطة، بل في ضمير الأمة ودفتر التاريخ.

في #وجه_الحقيقة لسنا في مقام الترويج للديكتاتورية، بل نُسمي الأمور كما هي: إن البلاد في مرحلة تتطلب قبضة تمسك لا تفتك، عقلية تبني لا تنتقم، قيادة تتحدث لغة الواجب لا لغة المجد الشخصي. هي دعوة مرّة بنظرية الحريات ، نعم، لكنها قد تكون العلاج الأخير قبل الموت السياسي الكامل الذي لا وريث له غير التباكي علي وطنا بلا مشروع .اذا فلنصنعه… دكتاتوراً وطنياً بثلاثة أعوام ، لا أكثر. ليضعنا على عتبة الدولة التي نستحق.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية
الثلاثاء 23 يوليو 2025م [email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: إلى من

إقرأ أيضاً:

حرس شرف وسلام وطني.. تفاصيل زيارة رئيس الأركان إلى إيطاليا

عاد إلى أرض الوطن الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والوفد المرافق له، بعد انتهاء زيارته الرسمية لدولة إيطاليا، حيث حيث أجريت له مراسم استقبال رسمية وتم استعراض حرس الشرف وعزفت الموسيقات العسكرية السلام الوطني لكلا البلدين.

والتقى الفريق أحمد خليفة، الفريق أول لوتشيانو بورتولانو، رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية، حيث تناول اللقاء مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

كما عقد الجانبان، جلسة مباحثات موسعة لبحث سبل تعزيز أوجه علاقات التعاون العسكري بين القوات المسلحة المصرية والإيطالية.

وأكد رئيس أركان حرب القوات المسلحة، عمق العلاقات الراسخة بين البلدين الصديقين، معربًا عن تطلعه إلى زيادة أوجه التعاون بين القوات المسلحة المصرية والإيطالية في مختلف المجالات العسكرية.

من جانبه، أشاد رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية، بالدور المصري الفاعل لدعم ركائز الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، مؤكدًا حرص بلاده على تعزيز أواصر العلاقات العسكرية الثنائية بما يلبي المصالح المشتركة للجانبين.

وعلى هامش الزيارة، وضع رئيس أركان حرب القوات المسلحة، إكليلًا من الزهور على النصب التذكاري للجندي المجهول تقديرًا لمن قدموا أرواحهم دفاعًا عن أوطانهم.

كما تضمنت الزيارة تفقد الفريق أحمد خليفة، لمقر قيادة العمليات المشتركة للقوات المسلحة الإيطالية وتابع منظومة العمل بمقر القيادة والذي يعكس أعلى درجات الاحتراف والتنسيق المشترك بين مختلف الأسلحة لإدارة العمليات الحديثة وفقًا لأعلى درجات الدقة والكفاءة.

اقرأ أيضًا:

أمطار ورياح بهذه المناطق.. الأرصاد تكشف عن طقس الـ6 أيام المقبلة

الحد الأدنى للأجور.. فرص عمل جديدة في شركات خاصة

صادرات مصر الزراعية تسجل 8.8 مليون طن في 2025

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة زيارة رئيس الأركان إلى إيطاليا رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية الفريق أول لوتشيانو بورتولانو تعزيز العلاقات العسكرية بين مصر وإيطاليا أخبار ذات صلة رئيس أركان حرب القوات المسلحة يبحث تعزيز التعاون العسكري مع نظيره الإسباني أخبار رئيس الأركان يعود للقاهرة بعد انتهاء زيارته الرسمية للسعودية أخبار رئيس أركان حرب القوات المسلحة يلتقي نظيره الليبي بالقاهرة أخبار

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

أحدث الموضوعات رياضة محلية "سيبك من المدرب".. مرتضى منصور يتحدث عن أزمة محمد صلاح وسلوت مسرح و تليفزيون رمضان 2026.. أحمد داود يبدأ تصوير مسلسل "بابا وماما جيران" أخبار مصر تجمع بياناتك بسرية.. كيف تحمي نفسك من أدوات الذكاء الاصطناعي؟ -فيديو رياضة عربية وعالمية ما هو موقف صلاح؟.. سلوت يعلن تشكيل ليفربول لمواجهة برايتون أخبار المحافظات "سلملي على الرئيس".. سيدة بالقليوبية تحمل مدبولي رسالة للرئيس السيسي الفريق أحمد خليفة يلتقي رئيس أركان القوات المسلحة القطرية لبحث التعاون صور.. وزير الدفاع يشهد المشروع التكتيكي بجنود بالذخيرة الحية أخبار مصر حرس شرف وسلام وطني.. تفاصيل زيارة رئيس الأركان إلى إيطاليا منذ 16 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: مصر والمصريون !!
  • الحباشنة يكتب..مجلس النواب أمام اختبار ضبط الخطاب وحماية استقرار الدولة
  • وفاة الشاب إبراهيم اختناقًا بغاز المدفأة فجر اليوم
  • حرس شرف وسلام وطني.. تفاصيل زيارة رئيس الأركان إلى إيطاليا
  • العقولُ الناشئة... مورد وطني يصنع المستقبل
  • هبة نيسان.. لماذا الآن؟
  • د.حماد عبدالله يكتب: الاستثمار هو الحل !!!
  • د. سعيد الكعبي يكتب: في تأمل النعم
  • علي فوزي يكتب.. السودان بين الصراع والبحث عن قائدٍ وطني
  • الفريق العدوان يكتب : القفز الخاطئ بالمظلة . . !