كيف خسر الغرب معركة النفوذ في البحر الأحمر قبل أن تبدأ؟ تعرف على ابرز الحسابات الخاطئة
تاريخ النشر: 25th, July 2025 GMT
بينما ينشغل الغرب بإخماد حرائق جيوسياسية متعددة من أوكرانيا إلى المحيط الهادئ، يتشكل على تخوم البحر الأحمر نظام بحري جديد تُعيد رسمه ثلاث قوى كبرى: إيران وروسيا والصين. ما كان يُعدّ حتى وقت قريب ممرًا آمنًا للتجارة الدولية، بات اليوم مسرحًا لصراع معقد تتداخل فيه الهجمات الحوثية، والتحرشات العسكرية، وعمليات الاستعراض الدعائي، ضمن بنية إقليمية تُدار من خارج قواعد النظام الدولي التقليدي.
يكشف التحليل الصادر عن المجلس الأطلسي (The Atlantic Council) للباحثة فاطمة أبو الأسرار أن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر ليس فعلًا معزولًا، بل انعكاس لحسابات خاطئة وتراكمات استراتيجية غربية، أبرزها اتفاق استوكهولم لعام 2018 الذي شرعن السيطرة الحوثية على موانئ استراتيجية، وفتح الباب أمام تمدد النفوذ الإيراني.
في هذا السياق، تغدو الهجمات على السفن التجارية، والاصطفافات العسكرية الجديدة، وعمليات التسليح غير التقليدي، مؤشرات على انهيار الردع القديم وظهور ملامح تحالف ثلاثي غير مُعلن، يختبر صبر الغرب، ويملأ الفراغ الناتج عن تردده وتباين أولوياته. فهل يملك الغرب القدرة – أو الإرادة – على استعادة زمام المبادرة؟ أم أن مياهه الجنوبية أصبحت رسميًا خارج السيطرة؟
نص التحليل:
قد يكون تصوير سفينة حربية صينية تُوجّه ليزرًا نحو طائرة مراقبة ألمانية في الثاني من يوليو/تموز عام 2025 استعارةً مثاليةً للواقع البحري الجديد: قوى متعددة تُسيّر دورياتٍ في المياه نفسها بتفويضاتٍ وقواعدَ مختلفة، وتفسيراتٍ متباينةٍ للسلوك المقبول.
كانت الطائرة الألمانية في مهمة دوريةٍ روتينية، ضمن عملية أسبيدس التابعة للاتحاد الأوروبي، عندما فعّل ليزرٌ صينيٌّ احتياطاتٍ أمنيةً، مما أجبر الطائرة على الإلغاء والعودة إلى القاعدة .
نفت بكين وقوع الحادث، حيث صرحت وزارة الدفاع الوطني الصينية بأن "أسطول السفن البحرية الصينية كان يُنفذ مهام مرافقة في خليج عدن. ولم يُنفذ أي عمليات في البحر الأحمر، ولم يُشغّل أي معدات ليزر".
ومع ذلك ، أجرت السفن الصينية المشتبه بها مناورات مشتركة ضمن "حزام الأمن البحري 2025" مع القوات الروسية والإيرانية في خليج عمان قبل أربعة أشهر فقط، مما يُشير إلى أن حادث الليزر - سواءً أكان حقيقيًا أم مُتصوَّرًا - لم يكن مضايقة معزولة، بل جزءًا من ضغط مُنسَّق ضد العمليات الغربية.
في الأسبوع نفسه، اتخذت الأحداث في البحر الأحمر منعطفًا أكثر دموية. حيث شهد أسبوع السادس من يوليو/تموز سلسلة من الإهانات الاستراتيجية للغرب في البحر الأحمر: حادثة الليزر، وإغراق السفينتين "ماجيك سيز" و"إترنيتي سي" اللتين ترفعان العلم الليبيري وتديرهما اليونان، ومقتل أربعة بحارة وأسر ستة عشر آخرين في قبضة الحوثيين، معظمهم من الفلبينيين. هذه ليست تصعيدات عفوية للعنف، بل هي استعراضات مُدبّرة لنظام بحري جديد.
وعندما صوّرت قوات الحوثيين المدعومة من إيران نفسها وهي تصعد إلى سفينة "ماجيك سيز" المهجورة، وتزرع متفجرات متزامنة، وهي تهتف "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود"، كانت قيمة الدعاية محسوبة.
لم ينشأ هذا العنف من العدم. بل ملأ فراغًا تركه الغرب نتيجة حسابات خاطئة، مثل اتفاق ستوكهولم لعام 2018 ، الذي شرعن سيطرة الحوثيين على موانئ رئيسية في البحر الأحمر، بينما احتفت الأمم المتحدة بـ"التقدم" الدبلوماسي.
وقد أصبح الارتباك الناتج عن ذلك بين المسرح الدبلوماسي والواقع الاستراتيجي نمطًا متكررًا، اختار فيه الغرب باستمرار الاحتواء على المواجهة، وهو نمط ثبت تكراره.
استمر هذا النمط حتى كشف الحوثيون عن نواياهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد أظهرت حملتهم المتزامنة ضد التجارة البحرية وإسرائيل التنسيق العملياتي الذي عززته طهران بين وكلائها.
وبتصوير الإرهاب البحري على أنه تضامن مع فلسطين، سعى الحوثيون إلى إضفاء الشرعية على الحرب الاقتصادية، مع كشف هشاشة الغرب أمام التهديدات غير المتكافئة.
إن التردد الغربي في المخاطرة بصراع في البحر الأحمر، على الرغم من أنه مفهوم، إلا أنه خلق شللًا في وقت كانت فيه حاجة إلى عمل حاسم. وقد ألقى مسار التصعيد الذي أعقب ذلك الضوء على تباعد استراتيجي أساسي داخل التحالف الغربي حول كيفية التعامل مع الحوثيين.
عندما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عملية" الفارس الصلد" في مارس 2025، ونشر "قوة مميتة ساحقة" لمحاولة إنهاء هجمات الحوثيين على سفن البحر الأحمر بعد فشل القوة الناعمة بشكل واضح، فقد كشف عن التناقض في قلب الاستراتيجية الغربية. إذ وجدت العواصم الأوروبية، بعد أن استثمرت رأس المال السياسي في تفويض عملية أسبيدس الدفاعي الصريح، نفسها تدافع عن نموذج كانت الأحداث قد أفقدته مصداقيته بالفعل.
إن ارتباكهم بشأن ما إذا كان هذا التصعيد أو التكيف يشكل التهديد الأكبر، حتى مع انهيار ممرات الشحن، يعكس الالتزام المؤسسي بالحلول الدبلوماسية بغض النظر عن الحقائق الميدانية العدائية.
في غضون ذلك، واجهت العملية خلافًا داخليًا في الولايات المتحدة، تفاقم بفعل التغطية الإعلامية التي شككت في مبررات واشنطن. أدى الارتباك السياسي الناتج، مقترنًا بنفقات بلغت مليار دولار وخسائر مادية جسيمة، بما في ذلك طائرتان مقاتلتان، إلى فشل العملية في تحقيق أهدافها الرادعة.
وقد خلق هذا ضغوطًا وحوافز سياسية للإدارة لقبول ما كان في الواقع شروطًا حوثية؛ وقف الهجمات على السفن الأمريكية مقابل استمرار حريتهم في استهداف السفن الإسرائيلية.
بلغ هذا الضغط الداخلي على الإدارة الحالية ذروته بوقف إطلاق النار في 6 مايو بين الولايات المتحدة والحوثيين، والذي كشف عن القيود الهيكلية للعمل العسكري الأحادي الجانب في الحرب غير المتكافئة.
ربما بدت شروط الاتفاق، التي دعت إلى إنهاء هجمات الحوثيين على السفن الأمريكية، وكأنها خفض للتصعيد في ذلك الوقت، لكنها لم تعالج استهداف الجماعة للسفن المرتبطة بإسرائيل، مما أدى في النهاية إلى ترسيخ نظام من مستويين أقر باستراتيجية الحوثيين للإرهاب البحري الانتقائي.
أدى عجز الغرب عن تطوير استجابة متماسكة لسيطرة الميليشيات على ممرات الشحن في النهاية إلى خلق فراغ استراتيجي سارعت الصين وروسيا، بمساعدة إيران، إلى استغلاله.
ثالوث الانتهازية
كشفت أزمة البحر الأحمر كيف يمكن للقوى المتنافسة تحقيق انسجام استراتيجي من خلال السعي المتوازي وراء المصالح الفردية، مما يُحدث آثارًا تراكمية تتجاوز ما يمكن لأي قوة منفردة تحقيقه.
وقد اكتشفت هذه القوى أن السعي المتوازي وراء مصالحها الفردية يُحدث آثارًا نظامية مُعززة لبعضها البعض. لا يواجه الغرب مؤامرة، بل يواجه تحديًا أكبر: انسجام عضوي للمصالح المتعارضة لا يتطلب تخطيطًا مركزيًا للحفاظ عليه، ولا يوفر أي وسيلة ضغط واحدة.
يتجلى هذا التوافق في كل مكان. ففي حين أدانت الصين وروسيا علنًا الهجمات على السفن المدنية، امتنعتا في 15 يوليو/تموز 2025 عن التصويت على قرار الأمم المتحدة رقم 2787 بشأن هجمات الحوثيين، كاشفةً عن الفجوة بين التصريحات الدبلوماسية والسياسات الفعلية.
وحذرت الصين من "إساءة تفسير" قرارات مجلس الأمن أو استغلالها لتبرير العمل العسكري ضد اليمن (وهو في الواقع يخفف الضغط على الحوثيين، وليس على اليمن). يسمح هذا النمط للدول بالحفاظ على الأعراف الدبلوماسية الرسمية مع السعي لتحقيق أهداف استراتيجية متناقضة.
من جانبهم، حقق الحوثيون تكيفًا عملياتيًا متطورًا في استخدامهم للأصول التي استولوا عليها. حُوِّلت سفينة "غالاكسي ليدر"، وهي ناقلة سيارات ترفع علم جزر البهاما، والتي اختطفتها الميليشيات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى محطة رادار عائمة مزودة بأنظمة مراقبة لتتبع حركة الملاحة البحرية .
يُظهر هذا التحول كيف يستغل الوكلاء المدعومون من إيران قدرات الدولة في حرب غير متكافئة. هذا المزيج من جمع المعلومات الاستخبارية المتقدمة والعنف المسرحي، والذي يُبرَّر جميعه بسرديات التضامن الفلسطيني، يوفر مزايا تكتيكية وغطاءً استراتيجيًا لما يُشبه الإرهاب البحري.
لكن الدعم المادي الصيني يُمثل العامل الأهم في تمكين القدرات الإيرانية. فالشحنة القادمة من الموانئ الصينية، والتي تكفي لتزويد 260 صاروخًا متوسط المدى بالوقود وفقًا لحسابات صحيفة فاينانشال تايمز، تُظهر استعداد بكين لتقويض معايير منع الانتشار النووي عندما يخدم ذلك مصالحها.
ويكشف وصفهم للمواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الصواريخ بأنها " تجارة عادية " كيف تستغل القوى الاستبدادية الغموض التنظيمي لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
في وقت سابق من شهر مارس ، اكتشف مركز أبحاث تسليح الصراعات أن طائرات الحوثيين المسيرة أصبحت مزودة بخلايا وقود هيدروجين صينية الصنع، مما يزيد مداها ثلاثة أضعاف مع تقليل بصمتها الحرارية، مما يجعلها بدوره شبه مخفية عن أنظمة الدفاع التقليدية.
تصل المكونات مُلصقة بشكل مزيف على أنها أسطوانات أكسجين، مستغلةً ثغرات جمركية لتُدخل أول محاولة استخدام لوقود الهيدروجين في أنظمة غير مأهولة من قِبل أي جهة مسلحة غير حكومية، عالميًا.
يأتي هذا النقل التكنولوجي بالتزامن مع ترتيب اقتصادي أوسع يكشف عن نهج الصين المدروس تجاه الأزمة. فرغم الضغوط على السفن الأوروبية، تُبحر السفن الصينية في المياه نفسها دون أي مضايقات.
وقد أكدت عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية أن القيادي الحوثي محمد علي الحوثي "تواصل مع مسؤولين من روسيا وجمهورية الصين الشعبية لضمان عدم قيام مسلحي الحوثي باستهداف السفن الروسية أو الصينية العابرة للبحر الأحمر".
في غضون ذلك، تُكمل مساهمة روسيا في هذا الترتيب في البحر الأحمر هذه العلاقة، محافظةً على مكانتها التقليدية كوسيط بين الفوضى والنظام. يُنسجم كشف صحيفة وول ستريت جورنال في أكتوبر/تشرين الأول 2024 عن تزويد روسيا الحوثيين ببيانات أقمار صناعية عبر وسطاء من الحرس الثوري الإيراني، مع نمطٍ من التدخل المتصاعد.
في غضون ذلك، يُظهر اجتماع فيكتور بوت في أغسطس/آب 2024 لترتيب مبيعات أسلحة صغيرة بقيمة 10 ملايين دولار للجماعة المسلحة، بما في ذلك بنادق AK-74 وربما صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، استعداد موسكو لاستخدام حتى أكثر أصولها شهرةً لتأجيج عدم الاستقرار الإقليمي .
التغلب على الشلل في البحر الأحمر
تواجه أطر السياسات الحالية قيودًا متعددة: التردد في تسليح الحكومة اليمنية بسبب مخاوف تتعلق بالحوكمة، وقلة الموارد عند دعم أوكرانيا، والفشل الواضح للاتفاقيات التي توسطت فيها الأمم المتحدة، مثل اتفاقية ستوكهولم. تُنشئ هذه القيود ثغرات عملياتية تستغلها الجهات الفاعلة الإقليمية.
تتجلى اختلافات النهج بوضوح: فالصين تُنفذ ترتيباتها البحرية من خلال العمل المباشر، وروسيا تُقدم الدعم الاستخباراتي لوكلائها، وإيران تُحافظ على سلاسل توريد مكونات الصواريخ رغم العقوبات. ويحدث هذا التنسيق دون وجود هياكل تحالف رسمية، مما يُشير إلى نماذج بديلة للتعاون الاستراتيجي.
أولاً، تتطلب الأطر متعددة الأطراف إعادة تقييم. حيث فشلت اتفاقية ستوكهولم وعملية "راف رايدر" لأسباب متناقضة: إحداهما وثقت بالعملية على حساب القوة، والأخرى وثقت بالقوة على حساب الشراكة.
يتطلب النجاح تكاملاً حقيقياً: هياكل قيادة مشتركة بين القوات الأمريكية والأوروبية، ومنصات استخبارات مشتركة تجمع بين القدرات الإسرائيلية والمراقبة الأوروبية واستخبارات الإشارات الأمريكية، وقواعد اشتباك متزامنة.
تعمل عملية "أسبيدس" الأوروبية والجهود الأمريكية حالياً بالتوازي؛ فهما بحاجة إلى اندماج عملياتي، وينبغي أن تشملا الديمقراطيات الآسيوية لكسر سردية بكين "الشرق مقابل الغرب".
ثانيًا: ربط الابتزاز البحري بمنافسة استراتيجية أوسع. حيث تتطلب أزمة البحر الأحمر إعادة صياغة من مجرد حوادث معزولة إلى استراتيجية منسقة. تخدم هجمات الحوثيين طموحات إيران الإقليمية، والمزايا التجارية للصين، وهدف روسيا المتمثل في تشتيت الموارد الغربية، وليس التضامن الفلسطيني كما يزعمون.
يجب على أي تحليل جاد أن يأخذ في الاعتبار كيف يُسخّر هذا الترتيب الإيراني الصيني الروسي ممرات الشحن لتفكيك التحالفات الغربية وإرساء نماذج جديدة لإضعاف النفوذ الأمريكي.
الفكرة الاستراتيجية هي: الخصوم اكتشفوا أنهم قادرون على جعل القيادة الغربية تدفع ثمنا باهظا دون إطلاق رصاصة واحدة . إن إدراك هذه الروابط يُمكّن من استجابة أكثر فعالية من معالجة كل أزمة على حدة.
ثالثًا: اعتبار اليمن محاولةً إيرانيةً للسيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية. إن تأطير المجتمع الدولي لـ"الحرب الأهلية" يُخفي هدف طهران الحقيقي، وهو السيطرة على العديد من المنافذ البحرية.
تستغل إيران بالفعل مضيق هرمز لتهديد تدفقات الطاقة، وتسعى الآن إلى تكرار هذا النفوذ في باب المندب من خلال وكلائها الحوثيين. في حال نجاحها، ستمنح السيطرة على كلا المنافذ إيران قدرةً غير مسبوقة على خنق التجارة العالمية.
ولتحقيق ذلك، يعمل الحوثيون كحركة محلية وقوة استطلاعية إيرانية متمركزة للسيطرة على الجغرافيا الاستراتيجية لصالح طهران. ونظرًا لهذه المخاطر، فإن دعم الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة الآن أقل تكلفةً بكثير من مواجهة سيطرة إيران على العديد من المنافذ لاحقًا.
لقد أثبت التقارب بين إيران والصين وروسيا أن الخصوم الصبورين قادرون على تقسيم الموارد العالمية المشتركة بينما تناقش الديمقراطيات خيارات الرد. كما أظهروا أن الإرهاب البحري يمكن إعادة تسميته بالمقاومة، وأن الحرب الاقتصادية يمكن أن تكون انتقائية، وأن القانون الدولي لا ينطبق إلا على من يختار اتباعه. البنية التحتية للرد موجودة، لكن ما ينقص هو إدراك أن التقاعس هو في حد ذاته خيار، وهو ما يفسره الخصوم على أنه إذن.
يكشف سعي روسيا لإقامة قاعدة بحرية دائمة في البحر الأحمر عن حساباتٍ مُضلِّلة: إنهم يراهنون على أن السيطرة الغربية لن تعود. وكما يُجادل إيليا كرامنيك، من المجلس الروسي للشؤون الدولية ، فإن هذا يُعزِّز "دور روسيا كقوة عالمية"، لا بالتحوط ضد انتعاش الغرب، بل بافتراض غيابه.
على مدى ثمانية عقود، كان الردع يعني تحدي النظام الدولي الذي يقوده الغرب، ما أدى إلى عواقب تلقائية. لكن الأيام العشرة الأخيرة من العنف المُدبّر في يوليو/تموز أثبتت عكس ذلك. فقد فكّكت الصين وروسيا وإيران السيطرة البحرية الغربية بشكل منهجي، مع بقائها دون حدود الردع، جاعلةً الردع اختياريًا لا تلقائيًا. لقد تعلّم كل خصم محتمل في العالم هذا الدرس، وأنه بضغطٍ وارتباكٍ كافٍ، سيخلق الغرب فراغًا لهم كي يستغلوه
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
اليمن يتقدّم أولويات إسرائيل .. خطة موسّعة ضد صنعاء
ووفقاً لمعلومات نقلتها القناة، فإن الجهات المختصة في الجيش والأجهزة الاستخباراتية تعمل «على مدار الساعة»، في انتظار الإشارة السياسية للانطلاق، وإن تل أبيب «تعرف كيف تكرّر ما فعلته خلال 12 دقيقة في إيران، وتنفّذه في اليمن»، في إشارة إلى العملية الجوية الخاطفة التي نفذتها إسرائيل ضد منشآت عسكرية إيرانية أخيراً واغتالت خلالها عدداً من القادة العسكريين الإيرانيين.
خطة إسرائيلية لضرب «أنصار الله» في اليمن تعكس تحوّلاً في الأولويات الأمنية، وسط فشل الحسم الأميركي ومأزق الردع في البحر الأحمر.
وجاء هذا التصريح في سياق تقييم أمني شامل أجراه وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي اعتبر أن غزة واليمن باتا الجبهتين الأكثر سخونة، مقابل فتور نسبي في جبهتي لبنان وسوريا. وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن اليمن لم يعد ساحة هامشية كما كان خلال العامين الماضيين، حيث تولّت الولايات المتحدة بالوكالة عن إسرائيل استهدافه؛ وبات حالياً يتقدّم اليمن إلى مركز الأولويات الأمنية الإسرائيلية، خصوصاً بعد أن أصبحت العمليات اليمنية (صواريخ ومسيّرات) تشكّل تهديداً ماثلاً لإسرائيل.
ويأتي هذا التصعيد الإسرائيلي المتزايد، في ظل تعطّل كامل في العمل في ميناء «إيلات» - المنفذ البحري الحيوي الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر -، بعد سلسلة استهدافات شنتها حركة «أنصار الله» ضد سفن شحن متّجهة نحو الموانئ الإسرائيلية. ودفعت هذه الهجمات شركات الملاحة إلى تقليص رحلاتها في اتجاه إسرائيل، وهو ما رفع بدوره كلفة التأمين البحري، وحمّل الاقتصاد الإسرائيلي أعباءً إضافية.
ويخشى المسؤولون الإسرائيليون من أن يؤدي استمرار هذا الواقع إلى تكريس «تفاهم غير معلن» بين واشنطن وصنعاء في شأن وقف إطلاق النار، وهو ما تعتبره تل أبيب مقدمة لتثبيت واقع إستراتيجي جديد يكرّس دور «أنصار الله» كقوة بحرية فاعلة من مضيق باب المندب إلى قناة السويس، الأمر الذي ترى فيه إسرائيل تهديداً يتجاوز أمنها القومي ليطال الأمن البحري الإقليمي والدولي.
وليست تلك المخاوف وليدة اللحظة؛ إذ سبق أن وجهت إسرائيل، منذ أكتوبر 2023، نحو ست ضربات إلى اليمن، استهدفت - بحسب ادعائها - منشآت مرتبطة بالبنية اللوجستية والعملياتية للحركة؛ لكن تل أبيب، كما واشنطن قبلها، لم تحقّق «حسماً عملياتياً» من ذلك. وتفيد تقارير عسكرية واستخباراتية غربية بأن «أنصار الله» أعادت بناء قوتها العسكرية على قاعدة التحصينات التحتية، حيث أنشأت شبكة أنفاق تمتد لعشرات الكيلومترات، مزودة بمصاعد كهربائية، وأنظمة تهوئة ذكية، ومولدات مستقلّة، وتضم مخازن للصواريخ ومراكز قيادة محصّنة يصعب استهدافها جواً. وقد عجزت القوات الأميركية، خلال حملتها المكثّفة في البحر الأحمر مطلع 2024، عن تعطيل هذه البنية أو وقف الهجمات «الحوثية» الجوية والبحرية.
وبالتوازي مع التهديدات العسكرية، أفادت تقارير عبرية بأن إسرائيل أعادت توجيه أقمارها الصناعية نحو اليمن، وبدأت عمليات استخبارية لالتقاط بيانات الاتصالات الهاتفية من المحطات الهوائية داخل مناطق سيطرة «أنصار الله»، في محاولة لتفكيك بنية القيادة والسيطرة التابعة للحركة، بالاستفادة من تجربتَي حربيها على لبنان وإيران.
ورغم تسارع التحضيرات العسكرية، تبدو إسرائيل مدركة لتعقيدات الساحة اليمنية. فالجغرافيا الصعبة، والبعد الكبير عن حدودها، والتجربتان السعودية والأميركية، كلها أمور غير مشجعة، وتجعل من خيار «حرب الاستنزاف» أمراً مستبعداً، على عكس ما يجري في غزة أو جرى في إيران. وحتى الضربات الجوية المحدّدة، تواجه تحديات كبيرة في فعالية التدمير، نظراً إلى طبيعة الأهداف المحصّنة.
ويرى محللون أن إسرائيل تميل، في ضوء ذلك، إلى تبني نهج «الضربات الذكية»: عمليات دقيقة عالية التأثير الرمزي، تستهدف شخصيات قيادية أو منشآت ذات بعد سياسي أو معنوي، مع تضخيم إعلامي يخلق انطباعاً بالردع ويعزّز معنويات الجبهة الداخلية الإسرائيلية، من دون الانجرار إلى صراع طويل ومكلف في ساحة بعيدة.
في المحصّلة، إسرائيل أمام معضلة إستراتيجية؛ فمن جهة، ثمة ضغوط متزايدة لضمان أمن الملاحة وكبح قوة «أنصار الله» المتنامية في البحر الأحمر، ومن جهة أخرى، ثمة إدراك بأن اليمن ليس مسرحاً قابلاً للحسم العسكري السريع. وهكذا، تتحرّك المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بين خياري «الرسائل المحدّدة» و«الضربات الرمزية»، في محاولة لاحتواء التهديد، من دون إشعال حرب استنزاف جديدة.
"نقلاً عن الأخبار اللبنانية"