المعتصم البوسعيدي
ها هي بلدةُ الأخضرِ يَغسلُها المطر، يُبَلِّلُ تُربتها الندية، ثمةَ بياضٌ يخرجُ من منزلِه -للمرةِ الأخيرة- محمول على الأكتاف، وهو الذي حمل على كتفِه بُندقيةَ الفرحِ وهي تَدوي مُعلِنةً وصولَ الأودية. واليومَ، لا وادٍ، ولا صوتٌ يهُزُّ الجبال؛ رُبما لأنَّه هو الوادي الكبير الذي يجري في قلوبِنا، قبلَ أن ينهمرَ من المُقلَتين، والأيادي ترتفعُ، والأفواهُ صادحةٌ داعيةٌ: "اللهُمَّ ارحم الوالدَ حامد بن حارث الفرعي، واجعل قبرَهُ روضةً من رياضِ الجنة".
نهارَ الجُمعة، الرابعِ والعشرين من مُحرم، عام ١٤٤٧هـ، يغادرُ دُنيانا الجد والأب وصفحةُ الزمنِ الجميلِ "أبو خليفة"، تاركًا إرثًا لطالما ستتحدثُ عنه الأجيال، وسيرةً محمودةَ الخِصال؛ كرمٌ باذخ، وسمتٌ راسخ، كالفَلجِ إذا تحدثَ نقي، وكالنخلةِ إذا وقفَ بهي، عصاهُ أبناؤه وقبيلته، وقريته التي شبَّ وشابَ فيها، يذكُرُ المعروفَ وهو صاحبه، ويُقدر الإنسانَ ويُنزلُهُ منازله.
ثلاثينيُّ الميلادِ من قرنٍ منصرم، نافحَ ضراوةَ الحياة، وكافحَ في طلبِ العيش، وتعلَّمَ تحتَ ظلِّ الشجرة. علَّمه وأدَّبه والده، ولقَّنهُ العلمَ مشايخُ أَجِلاء، منهم: الشيخ أحمد بن ناصر البوسعيدي، والشيخ حمد بن عبدالله البوسعيدي، والشيخ الراشدي ناصر بن حميد.
وصار مُعلِّمًا -مُعتمدًا- للقرآنِ في بلدته؛ تراه بين حلقةِ كتابِ اللهِ العزيز تارةً، وبين اخضرارِ البساتينِ تارةً أُخرى، يُناجي النخلةَ ويهمسُ لشجرةِ الليمون.
يداهُ -"يدٌ يُحبُّها اللهُ ورسولُه"– تحنَّتا بالماءِ والتُّراب، وهما تبنيانِ المنازل في البلدةِ وما جاورها، و"الشويرة" شاهدةٌ على هندستِه المعمارية، قبل أن ينقل رِكابه نحو مطرح، حيثُ عمل في شركةٍ للإسمنت، وبنى منزلَه الخاص بـ"حلّة الوشل"، ثُمَّ ما لَبِثَ أن انتقل إلى "الرميس" للعملِ في شرطةِ عُمان السلطانية، في مرحلةٍ فارقةٍ من حياتِه، مُشرِفًا على مزرعةِ السجن، التي ازدهرت بعرقِه، ونَمَت بحبِّه وشغفِه؛ إذ جمعَ فيها صنوفَ النباتات، وأقام حظائر للحيواناتِ والطيور، فكان حَصادُها يُباع في أسواق السيب وبركاء ومطرح. ومع تقاعدِه، ترك أثرًا لا تُخطئُه العين، ولم يتوقف عن العمل؛ بل واصلَ حُبَّه للزراعة، فاشترى مزرعةً في حي "عاصم" بولاية بركاء، كانت ملاذَه ونجاتَه من صَخب الحياة وضوضائها.
العمُّ حامد، أكبرُ إخوتهِ الثلاثة، الذين سبقوهُ إلى دارِ البقاء، وهو أخٌ لشهيدَين؛ أحدُهما قضى نحبَهُ دفاعًا عن الوطن إبَّانَ بزوغِ فجرِ نهضةِ عُمان الحديثة، في الجنوبِ الظفاري، والآخر غرقًا في إعصار "جونو". فكان السندَ والوتد، وعمودَ البيوتِ لا بيتًا واحدًا، وهو عنوانٌ للبذلِ والعطاء.
تفرَّغ بعد عودتِه للبلدة، لـ"ضاحيتِه بالوقيف"، يجمع الأحباب، ويُسامر الأصحاب، لحيتهُ البيضاءُ لا يُضاهيها إلا قلبُه الأبيض. ونحنُ صغارٌ، كنَّا نسمع عن العمِّ حامد وقوته "الأسطورية"، ثمَّ عرفناهُ من البُسطاء الرُّحماء، رَامٍ يُصيب الهدف، وصاحب علمٍ فلكي، يرقبُ موقعَ القمرِ بالنسبةِ للشمسِ بالمرآة، فيتنبَّأ برؤية هلالِ الشهرِ الهجري من عدمِه. وبرحيلِه، تفقدُ بلدةُ الأخضر أحدَ أقمارِها، لكنَّ العزاءَ في خَلَفِه المباركِ بإذنِ الله. وحينَ تُمطرُ السماء، ويأتي الوادي، نريدُ أن نسمع صوتَ حامد... فقد مرَّ من هنا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نائب محافظ الوادي الجديد ومديرة اليونسكو تتفقدان مزرعة نخيل بالداخلة
أجرت حنان مجدي نائب محافظ الوادي الجديد، والدكتورة نوريا سانز المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بمصر والسودان، اليوم، جولة ميدانية موسعة بمركز الداخلة، يرافقهما الدكتور علاء عزوز رئيس قطاع الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، والدكتور علي حزين عضو مجلس إدارة مركز بحوث الصحراء، والدكتور مجد المرسي وكيل وزارة الزراعة بالمحافظة، وحامد عبدالله نائب رئيس مركز الداخلة.
تنفيذ مزرعة نخيل خيرية على مساحة 3000 فدان
وتفقد الوفد مزرعة نخيل الجمعية الشرعية بموط المقامة على مساحة 3000 فدان، وتضم 150 ألف نخلة من أصناف المجدول والبارحي والصعيدي، إلى جانب زراعات تحميلية من محاصيل الفول والبصل، بالاعتماد على الري الحديث المطور؛ وذلك لبحث سبل التعاون المشترك في مجال نقل التجربة الرائدة للجمعية في مجال زراعة وإنتاج التمور وتقديم الدعم اللازم ودراسة التحديات التي تواجه المشروع.
وأشادت سانز بتكامل المشروع من إنتاج وتعبئة وتغليف وصولًا إلى مراحل تصدير المنتج، لافتةً إلى أهمية التركيز على الجوانب التسويقية التي تنقل فكرة دعم الفئات الأكثر احتياجًا التي ترعاها الجمعية من عائد المزرعة، والإشارة إليها على عبوات التمور.