ضحايا مصايد الموت.. نيران الاحتلال شلَّت رائد المريدي وجوّعت أطفاله
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
غزة- "كنا مجوَّعين مثل كل الناس وبعد إصابة زوجي اجتمع علينا الجوع والشلل"، تقول الزوجة المكلومة علا عبد العاطي، وهي تشير إلى زوجها الراقد بلا حراك، إثر إصابته بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي في رأسه، تسببت له بشلل كلي.
وتعمَّقت مأساة هذه الأسرة عندما شملت إنذارات الإخلاء الإسرائيلية الأخيرة لمواقع واسعة من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، المنطقة التي كانت تقيم بها داخل خيمة متهالكة، ووجدت علا (32 عاما) نفسها مجبرة على النزوح بزوجها الجريح رائد المريدي (36 عاما) وأطفالهما الخمسة إلى مدينة خان يونس جنوب القطاع.
تقول علا للجزيرة نت "ليته لم يذهب، كان سندنا ومعيلنا، وقد انقلبت حياتنا رأسا على عقب بعد إصابته، أشعر أنني في دوامة لا تنتهي من الألم والحزن والمعاناة، وأصبحت المسؤولة الوحيدة عنه وعن أطفالنا، والله الحمل ثقيل والحياة صعبة".
عاد مشلولا
وصباح يوم 24 يونيو/حزيران الماضي، كانت علا على موعد مع الخبر المفجع، عندما رافق زوجها أصدقاء له، وتوجهوا إلى مركز لتوزيع المساعدات تابع لمؤسسة غزة الإنسانية، المدعومة أميركيا وإسرائيليا، والمرفوضة على نطاق واسع من هيئات محلية ودولية.
وأصيب رائد بـ"شظية أو عيار ناري" لا تعلم الزوجة على وجه الدقة، وتقول: إن الإصابة أحدثت مدخلا ومخرجا في رأسه، وسقط أرضا ينزف دم مثل "ماء يتدفق من نافورة" حسب شاهد عيان ساعد بنقل زوجها للمشفى، ليُعلن إصابته بشلل كلي.
سبق لرائد أن ذهب لمركز التوزيع مرتين قبل هذه "المصيبة"، تصف الزوجة، وتشير إلى أنه "كان يرجع إلينا وكأنه عائد من بين براثن الموت، بملابس رثة محمَّلة بالكثير من التراب والغبار، وبوجه حرقته أشعة الشمس، ويحدثنا عن مشاهد مروعة من إطلاق النار وتساقط الشهداء والجرحى بين أوساط حشود المجوَّعين، الذين تفوق أعدادهم أضعاف المتوفر من كراتين (طرود) المساعدات".
وفي المرة الأولى عاد رائد لأسرته بكيلوغرامين من الطحين فقط، وفي الثانية لم يكن من المحظوظين الذين وصلوا باكرا لمركز التوزيع للحصول على نصيبه من المساعدات الشحيحة، وأعطاه صديق سبقه للمركز عبوة بسعة لتر واحد من الزيت النباتي.
إعلانوأصبح رائد أحد ضحايا هذه المراكز، التي وصفتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بـ"مصايد موت"، وتسببت منذ افتتاحها في 27 مايو/أيار الماضي باستشهاد أكثر من ألف مجوَّع، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 6 آلاف، ولا يزال 45 في عداد المفقودين، حسب توثيق المكتب الإعلامي الحكومي.
وبحرقة تتساءل الزوجة علا "أليست مراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية، فلماذا كل هذا القتل بحق المجوعين؟ وهل باتت دماؤنا سهلة ورخيصة لهذا الحد؟ نقتل بالقصف وبالتجويع منذ عامين والعالم يكتفي فقط بالكلام".
وترفض الأمم المتحدة الخطة الإسرائيلية وترى أنها تفرض مزيدا من النزوح، وتعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وتَقْصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة ولا تلبي الاحتياجات الماسة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، كما تجعل التجويع ورقة مساومة.
وقبل يومين، أجريت لرائد عملية جراحية في "المستشفى الميداني الأردني" في خان يونس، وحُوِّل لقسم الجراحة في "مجمع ناصر الطبي" بالمدينة، المكتظ بالجرحى والمرضى وحالات سوء التغذية، حيث تقدر إدارته نسبة الإشغال بأقسامه المختلفة بنحو 250%.
ويحتاج رائد لعمليات جراحية متقدمة في الخارج، لا تتوفر الإمكانيات لإجرائها في مستشفيات القطاع التي تواجه حالة انهيار جراء الاستهداف المباشر والحصار الخانق، ومنع الاحتلال إدخال الوفود الطبية الأجنبية والأجهزة والإمدادات الطبية.
تقول علا إن الأطباء أخبروها بوجود أمل ضعيف بإمكانية عودة الحياة والحركة لنصف جسد زوجها الأيمن، فيما يظل النصف الأيسر مشلولا بقية حياته.
وبقلب يعتصر ألما، تواصل علا مشيرة للمسؤولية الثقيلة التي باتت تتحملها وحدها "الحياة قاسية للغاية، ولدي 5 أطفال، أكبرهم 13 عاما، وأصغرهم رضيع بعمر 3 أشهر، وزوج جريح قد يبقى مشلولا طوال حياته".
وتضيف "عندما ذهب رائد إلى مركز توزيع المساعدات لم يكن لدينا طحين أو أي طعام نأكله منذ نحو 10 أيام، لكنه كان بيننا ويساعدني بتربية الأطفال وتحمل أعباء الحياة. واليوم، باتت حياتنا أكثر تعقيدا ومأساوية، أرافقه للمستشفيات، وأترك أطفالي في الخيمة وحدهم لساعات طويلة دون حماية أو طعام".
منذ الأيام الأولى للحرب وأسرة رائد تنزح من مكان لآخر، بعد مغادرتها منزلها في حي الزيتون بمدينة غزة، الذي تعرض لاحقا لتدمير كامل، وتتابع علا "أشعر وكأنني في كابوس مرعب".
وباتت علا أكثر خشية على أطفالها إثر إصابة زوجها واشتداد التجويع، وقد عدمت كل الوسائل من أجل تدبير احتياجاتهم الأساسية، وهي نفسها تواجه سوء تغذية حاد، يحرمها القدرة على إرضاع مولودها "ساجد"، بينما تعاني طفلتها رزان (5 أعوام) من سوء التغذية.
وأصيبت رزان بآلام استدعت نقلها لنقطة طبية تابعة لهيئة دولية في خان يونس، وتقول الأم علا "هناك أخبرني الطبيب أنها تعاني من سوء تغذية، وكذلك أنا أعاني مثلها، وقد انخفض وزني في الفترة الأخيرة من 58 إلى 49 كيلوغرام".
إعلانوتشكو علا عدم توفر مكملات غذائية لأطفالها، أو حليب صناعي لرضيعها، فيما الأسواق خاوية، لا تحوي سوى كميات شحيحة من الخضار وبقايا مواد معلبة، وبأسعار باهظة لا يقوى عليها غالبية الغزيين، الذين فتكت الحرب بهم وأفقدتهم كل أموالهم ومدخراتهم.
ويكتظ "مبنى التحرير" في مجمع ناصر الطبي حيث مستشفى الأطفال والتوليد بأطفال يواجهون الموت في كل لحظة، بسبب التجويع وسوء التغذية الحاد، وغياب الحليب الصناعي.
ويقول مدير المستشفى الدكتور أحمد الفرا للجزيرة نت إن حليب الأطفال من النوعين الأول والثاني، الذي يعتبر الغذاء الوحيد للرُضَّع دون 6 أشهر، غير متوفر تماما، وإذا ما وجد، فيكون غالبا منتهي الصلاحية، وبأسعار باهظة.
"مقتلة جماعية"
ويمنع الاحتلال منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في الثاني من مارس/آذار الماضي إدخال حليب الأطفال، ووفقا للطبيب الفرا فإن أمهات لجأن لإطعام أطفالهن الرُضَّع أغذية معلبة، تسببت باختناقهم ومضاعفات استدعت دخولهم المستشفى وخضوعهم لعمليات جراحية.
وفي بيان أصدره، السبت، حذَّر المكتب الإعلامي الحكومي من كارثة إنسانية غير مسبوقة وشيكة، تعصف بنحو 100 ألف طفل أقل من عامين، بينهم 40 ألف رضيع أعمارهم أقل من عام، ويواجهون خطر الموت الجماعي خلال أيام قليلة، في ظل انعدام حليب الأطفال والمكملات الغذائية بشكل كامل.
وارتفعت حصيلة شهداء سوء التغذية إلى 122، بينهم 83 طفلا، ويقول المكتب الحكومي "نحن أمام مقتلة جماعية مرتقبة ومتعمدة ترتكب ببطء ضد الأطفال الرضع الذين باتت أمهاتهم ترضعهم المياه بدلا من الحليب، نتيجة سياسة التجويع والإبادة التي ينتهجها الاحتلال".
وقد سجلت المستشفيات والمراكز الصحية خلال الأيام الأخيرة -وفق المكتب الحكومي- ارتفاعا يوميا بمئات حالات سوء التغذية الحاد والمهدد للحياة، دون أي قدرة على الاستجابة أو العلاج بسبب شبه الانهيار للقطاع الصحي وانعدام الموارد الطبية والغذائية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات سوء التغذیة
إقرأ أيضاً:
100 ألف رضيع فلسطيني يصارعون نزعات الموت ووفاة 1200 مسن في القطاع نتيجة التجويع الصهيوني
الثورة / متابعة/محمد هاشم
يواجه عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة خطر موت وشيك بسبب الحصار الصهيوني فيما تواصل المجاعة المفتعلة من الكيان والولايات المتحدة الأمريكية حصد أرواح الغزييين وسط صمت عربي وإسلامي مخز وتواطؤ دولي مفضوح.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، في بيان صحافي صدر، أمس، إن قطاع غزة على أعتاب مقتلة جماعية مرتقبة بحق 100,000 طفل خلال أيام، إن لم يُدخَل حليب الأطفال فورا.
وأضاف البيان: “نُحذّر بأشد العبارات من كارثة إنسانية غير مسبوقة وشيكة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث يُواجه أكثر من 100,000 طفل أعمارهم من عامين، بينهم 40,000 طفل رضيع أعمارهم أقل من عام واحد، خطر الموت الجماعي الوشيك خلال أيام قليلة، في ظل انعدام حليب الأطفال والمكملات الغذائية بشكل كامل، واستمرار إغلاق المعابر ومنع دخول أبسط المستلزمات الأساسية”.
وتابع البيان: “إننا أمام مقتلة جماعية مرتقبة ومتعمّدة تُرتكب ببطء ضد الأطفال الرضّع، الذين باتت أمهاتهم ترضعهم المياه بدلاً من حليب الأطفال منذ أيام، وذلك نتيجة سياسة التجويع والإبادة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي”.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن “المستشفيات والمراكز الصحية سجلت خلال الأيام الأخيرة ارتفاعاً يومياً بمئات حالات سوء التغذية الحاد والمهدد للحياة، دون أي قدرة على الاستجابة أو العلاج، بسبب شبه الانهيار في القطاع الصحي وانعدام الموارد الطبية والغذائية”، لافتا إلى أن “العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية بلغ 122 حالة وفاة، من بينهم 83 طفلاً”.
وأطلق المكتب الإعلامي في بيانه “نداءً صادماً باسم الإنسانية والضمير العالمي”، مطالبًا بـ ”إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية فوراً إلى قطاع غزة، وفتح المعابر بشكل فوري، ودون أي شروط. وكسر الحصار الإجرامي بالكامل. وتحرك دولي عاجل لوقف هذه المقتلة الجماعية البطيئة”.
وختم المكتب الإعلامي الحكومي بيانه بالتأكيد على أنه “يُحمّل الاحتلال الإسرائيلي والدول المنخرطة في الإبادة الجماعية المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة الوشيكة”، محذّرا من أن “استمرار الصمت الدولي هو تواطؤ صريح في الإبادة الجماعية للأطفال في غزة”.
وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أمس السبت، إلى 59,733 شهيدًا و144,477 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023.
وأوضحت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، في التقرير الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع، أنه وصل إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية، 57 شهيدًا (منهم 3 شهداء انتشال) و 512 إصابة.
وذكرت أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 حتى السبت بلغت 8,581 شهيدًا و32,436 إصابة.
وأفادت بأن عدد ما وصل إلى المستشفيات خلال الـ24 ساعة الماضية من شهداء المساعدات بلغ 29 شهيداً وأكثر من 165 إصابة، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات إلى 1,121 شهيدًا وأكثر من 7,485 إصابة.
ولفتت وزارة الصحة إلى أنه لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة.
واستُشهد 6 مدنيين فلسطينيين على الأقل، بينهم طفلان، وأصيب آخرون بجروح، امس السبت، جراء قصف شنته طائرة مسيّرة للعدو الإسرائيلي على خيمة تؤوي نازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وأكدت مصادر طبية في مجمع ناصر الطبي، وصول جثامين ستة شهداء بينهم طفلان، وعدد من الجرحى إلى المستشفى، مشيرة إلى أن القصف استهدف بشكل مباشر خيمة للنازحين في المنطقة التي كانت تُعد “آمنة” وفق ادعاءات العدو الإسرائيلي، طبقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”.
في سياق متصل قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أمس، إنّ نحو 1200 مسن فلسطيني توفوا خلال الشهرين الماضيين جراء تداعيات سياسة التجويع “الإسرائيلية” وسوء التغذية والحرمان من العلاج التي بلغت ذروتها في الأيام الماضية.
وأعرب المرصد الأورومتوسطي، في تصريح صحفي على موقعه الإلكتروني، عن خشيته من أن يكون العدد الحقيقي للمتوفين أكبر من ذلك بكثير.
وأشار إلى أنّ حجم الوفيات اليومية في الأسبوعين الأخيرين وصل إلى مستويات غير مسبوقة، في وقت يصل يوميا مئات المسنين إلى المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية وهم في حالة إجهاد وإنهاك شديدين، في محاولة للحصول على سوائل تغذية طبية.
وذكر أنّ وزارة الصحة في قطاع غزة وثّقت رسميًا 55 حالة وفاة خلال أسبوع جراء التجويع وسوء التغذية، ما رفع عدد الحالات الموثقة إلى 122 حالة منهم 83 طفلا، مبينًا أن هذه الإحصائية لا تشمل جميع الحالات التي توفت نتيجة تداعيات التجويع والحرمان من العلاج.
وأوضح أنّ فريقه الميداني توثّق من وفاة عشرات المسنين في خيام النزوح نتيجة تداعيات المجاعة وسوء التغذية أو عدم توفر العلاج، وجرى تسجيلهم كحالات وفاة طبيعية، لعدم وجود آلية واضحة لتسجيل هذه الحالات في قائمة الضحايا، وكذلك لميل ذوي الضحايا لدفن ذويهم مباشرة.
وأكد “الأورومتوسطي” أنّ غياب آلية فعّالة لدى وزارة الصحة في غزة لرصد هذه الوفيات يؤدّي إلى تسجيلها كوفيات طبيعية، رغم أنّها في حقيقتها حدثت بسبب سياسات تجويع متعمّد وتفكيك منهجي للنظام الصحي، بما يشكّل نمطًا من أنماط القتل العمد المحظور بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي.
وذكر أنّ هذه الظروف تشمل جرائم التجويع المتعمّد، وإحداث معاناة شديدة، وحرمانًا منهجيًا من الرعاية الصحية، إلى جانب الحصار الشامل، في سياق جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ نحو 22 شهرًا.
وأكّد أنّ ارتفاع عدد الضحايا يأتي نتيجة سياسة “إسرائيلية” متعمّدة تستخدم الجوع والحرمان من العلاج سلاحًا لقتل المدنيين، ضمن حصار خانق جرى تشديده منذ 7 أكتوبر2023، ودخل مرحلة أقسى من التشديد منذ 2 مارس الماضي، يستهدف القضاء على الفئات الأضعف، وتحويل الكارثة الإنسانية إلى أداة مركزية في تنفيذ الإبادة الجماعية.
وأفاد المرصد الأورومتوسطي، بأنّ فريقه الميداني وثق شهادات مؤلمة عن مسنين تدهورت حالتهم الصحية بسبب المجاعة والحرمان من العلاج.