أذواقٌ وأخلاق

د. صالح الفهدي

سُئل الملياردير محمد البرواني: لماذا تسوق السيَّارة الفلانية؟ (ومعروف عنها أنها سيارة ليست غالية الثمن)، فردَّ بالقول: لأنها تروق له، وهي سيارة جميلة. وعلَّقت زوجتهُ الحاذقة بأنَّه يريدُ أن يعلِّم أولاده بأن قيمة الإنسان في أخلاقهِ وليست في مظهره، وهذا تعليقٌ ينمُّ عن أصالة هذه المرأة، ورُشد فكرها.

وقد ذكَّرني ردَّ البرواني بإحدى نصائح الملياردير الأمريكي الشهير (وارن بافيت) الذي قال: لا تركِّز في شراء الماركات لما تلبسه، وبدلًا من ذلك البس ما يروق لك وإن كان رخيص الثَّمن.

وهُنا يبدو الأمر واضحًا، إذ لا يجب أن يقودك مالكَ لما تستخدم، وتستهلك، بل ما يقوده ذوقك الذي يُريحك، وتجدهُ مناسبًا لنفسك، وتشعر أنه يلائم شخصيتك، وأسلوب حياتك. وهذا الذوق إنما يجب أن يكون نتيجة لأصالة أخلاقك وهي التي تشكِّلُ شخصيتك، وترسمُ منهجك في الحياة.

بيدَ أنه ليس غريبًا أن يُدفع العالم بأسره نحو الموضات، والماركات الشهيرة، والتقليعات، في سعار جنوني نحو الاستهلاك، فهذه هي مقاصد العولمة التي تدفعُ الشعوب دفعًا نحو الاستهلاك ولا شيءَ غيره، وبغضِّ النظر إن كان ملائمًا أم لا، وإنَّما أصبح التبجُّحُ بالشراءِ من الماركة الفلانية هو ما يمنح (الدوبامين النفسي) ولهذا ترى السُّعار الخليجي في مدينة الضباب لندن في أقصى مستواه، حيثُ الحقائب التي تخرجُ من (هارودز)، وغيره، ببضاعةٍ هي في الأصل لا تساوي ربع قيمتها لو أنها معروضة في محلٍّ آخر، لكنَّ اسم (هارودز) فيها هو الذي أكسبها القيمة الشرائية العالية.

يخبرني أحد أطباء الأسنان العمانيين منذ سنوات أنه كان في دورة تدريب في إحدى عيادات الأسنان في لندن، فجاءت امرأة خليجية لتعالج أسنانها، ومعلومٌ أنَّ علاج الأسنان في المملكة المتحدة هو من أغلى العلاجات صرفًا مالياً، فلمَّا قيل لها إن تكلفةَ علاجها في حدود عشرين ألف جنيه إسترليني، يقول: أوجعني قلبي فحملتني النخوة والشهامة تجاه ابنة أوطاني، فقلتُ لها ناصحًا: إن سعر العلاج هُنا مرتفعٌ جدًا، لهذا أنصحك بعمل هذا العلاج في وطنك، فالمشكلة هينة جدا لا تستحق هذه الفاتورة العالية، وستوفِّرين بذلك مبالغَ كثيرة، فردَّت عليه بفوقيَّةٍ وتعالٍ: ما دخلكَ أنتَ، هل المال مالك؟!.

هذه العقليات لا تعرفُ كيف تديرُ مالها، ولهذا ستبذر المالَ تبذيرًا دون فائدة تُذكر، لأنها مسلوبةُ القرار بحكم التباهي السائد في مجتمعاتها، وقد أضرَّ هذا التوجُّه كثيرين، فمنهم من يبني بيتًا كبيرًا ليس بحاجةٍ إليه، ومنهم من يقتني السيارات الفارهة، ومنهم من يستهلك ماله في شراء الماركات الباهظة الثمن.

وحين نعود إلى ما قاله البرواني وبافيت وهما أثرياء لا ينقصهما المال إن أرادا أن يشتريا ما يريدان، نجدُ أنَّهما لولا تقديرهما للمال لما وصلا إلى مستوى الثراء العالي.

إنَّه الذوق هو الذي يشكِّلُ الشخصية لا المال، فما تلبسهُ أنتَ بقيمة زهيدة، يمكن أن يُلفت غنيًا فيسألك من أين اشتريته؟! هذا ما قالته امرأة متوسطة الحال حين رأتها امرأةُ أخرى من شريحةٍ غنيةٍ: من أينَ اشتريت زيَّك؟!، لم تفهم السائلة أن الأمر لا يتعلَّقُ بمكانِ الشراء، وإنَّما بذوق صاحبة الزي.

وإذا كان الإنسان يبحثُ عن راحة النفس، فيما يعجب ذوقه، ويريح مزاجه، فلا يبحث فيما هو أغلى، بل فيما يليقُ به ويناسبه، لأنه يريد أن يحقق رضاهُ لا رضى الناس، وسعادته لا سعادة الناس. أما الأخلاق فهي التي تشكِّل الذوق، فبحسب ما يرسخُ في الإنسان من قناعات تتشكَّل أذواقه، فاحكم على أخلاق الإنسان من ذوقه، واحكم على سطحيته أو عمقه من نظرته نحو المظاهر.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية