زيارة جونسون إلى أريئيل.. تكريس أميركي للاستيطان وتحد لحل الدولتين
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
القدس المحتلة- في خطوة اعتبرت رمزية ومثيرة للجدل، زار رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، مستوطنة "أريئيل" المقامة على أراضي الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية المحتلة، برفقة وفد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، في زيارة هي الأولى من نوعها بهذا المستوى الرفيع.
وتأتي هذه الزيارة وسط انتقادات دولية متزايدة موجهة لإسرائيل على خلفية عدوانها المستمر على قطاع غزة، وفي توقيت يشهد اتساعا في دائرة الاعترافات الغربية والأوروبية بدولة فلسطين.
ووسط هذا المناخ، تسعى الحكومة الإسرائيلية ومجالس المستوطنين إلى خلق وقائع جديدة على الأرض، باستخدام الزيارات السياسية رفيعة المستوى، مثل زيارة جونسون، لإضفاء شرعية دولية ورمزية على المطالب الإسرائيلية بفرض السيادة على الضفة الغربية.
وخلال زيارته للمستوطنة، التي وصفها بأنها "جزء من أرض الشعب اليهودي"، شارك جونسون في فعاليات رمزية كغرس الأشجار، مؤكدا، في تصريحات نقلتها القناة السابعة الإسرائيلية، على "أهمية كل ركن من هذا البلد بالنسبة لنا، وخصوصا كوننا في مهد إيماننا"، في إشارة إلى المناطق الفلسطينية المحتلة التي يعتبرها الخطاب اليميني الإسرائيلي جزءا من "يهودا والسامرة" وفق التسمية التوراتية للضفة الغربية.
وفي سابقة دبلوماسية ذات دلالات رمزية عميقة، استضاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، مساء الاثنين، رئيس مجلس النواب الأميركي جونسون وزوجته كيلي لاري، في مستوطنة "شيلو" شمالي رام الله والبيرة، وذلك بحضور السفير الأميركي في تل أبيب مايك هاكابي، وعدد من أعضاء الكونغرس.
الزيارة التي أجريت تحت عنوان "تعزيز العلاقات الإستراتيجية" بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تعد وفق القراءات الإسرائيلية، إشارة ضمنية من واشنطن بمباركة السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، في ظل توسع المشروع الاستيطاني وتقويض متسارع لأي أفق لحل الدولتين.
إعلانوتنذر زيارة جونسون بمزيد من التحديات أمام الجهود الدولية لإحياء المسار الدبلوماسي القائم على مبدأ حل الدولتين، والذي تحاول فرنسا والسعودية الدفع به مجددا إلى طاولة النقاش الدولي، في ظل انسداد الأفق السياسي وتصاعد التوترات الميدانية في الأراضي الفلسطينية.
ووفق التحليلات الإسرائيلية، فإن هذه الزيارة تحمل أبعادا سياسية خطيرة، إذ لم يسبق لمسؤول أميركي بهذا المستوى، أن زار مستوطنة في الضفة الغربية بصفته الرسمية، مع الاخذ بعين الاعتبار أن جونسون يمثل ثالث أعلى منصب في الدولة الأميركية بعد الرئيس ونائبه.
وتتوافق قراءات المحللين الإسرائيليين فيما بينها أن هذه الزيارة تؤكد مرة أخرى الفجوة العميقة بين المواقف الدولية المتزايدة لصالح الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، وبين الدعم الأميركي اللامشروط الذي تتلقاه إسرائيل، حتى في أكثر لحظات عزلتها السياسية والحقوقية.
رسالة دعم
وبحسب ما أورد المراسل السياسي للقناة السابعة الإسرائيلية دفير عمار، فإن زيارة جونسون تحمل أبعادا تتجاوز الشكل البروتوكولي، إذ تعكس تحولا في التعاطي الأميركي مع ملف الضفة الغربية، وخصوصا بعد أن باتت أصوات داخل الكونغرس تطالب بتمكين إسرائيل من ممارسة سيادة كاملة على مناطق "يهودا والسامرة".
ويرى عمار أن الزيارة توجه رسالة دعم واضحة لليمين الإسرائيلي في توقيت حساس، حيث تتسع دائرة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، فيما تواجه إسرائيل عزلة دولية متزايدة على خلفية حربها المستمرة في غزة.
كما أن مشاركة جونسون، وهو ثالث أهم شخصية دستورية في الإدارة الأميركية، إلى جانب وفد كبير من النواب الجمهوريين، تعكس ما يصفه عمار بـ"التحالف الأيديولوجي العميق" بين إسرائيل وبعض الدوائر السياسية الأميركية، خصوصا من الحزب الجمهوري، بما يكرس دعما أميركيا متزايدا لمشروع السيادة الإسرائيلية.
وقال إن هذه الزيارة "ليست مجرد حدث رمزي"، بل تمثل بحسب قراءته "خطوة في مسار إعادة صياغة حدود الشرعية السياسية في الضفة الغربية"، في مواجهة أية مبادرة دولية -سواء فرنسية أم سعودية- تدفع باتجاه إعادة إطلاق مفاوضات على أساس حل الدولتين.
وفي إطار التغطية السياسية والإعلامية لزيارة جونسون إلى مستوطنات الضفة، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، عن رئيس "مجلس بنيامين" الاستيطاني، يسرائيل غانتس، تصريحات تعبّر عن رؤية اليمين الإسرائيلي لأهداف هذه الزيارة ودلالاتها بعيدة المدى.
وقال غانتس في تصريحه "إنه لشرف عظيم أن نستضيف رئيس مجلس النواب الأميركي في يهودا والسامرة (التسمية اليهودية للضفة والقدس)، نشكركم على حضوركم هنا، وعلى كونكم حليفا حقيقيا لدولة إسرائيل".
هذه العبارات، التي بدت في ظاهرها مجاملة بروتوكولية، سرعان ما تحولت إلى خطاب سياسي واضح المعالم، عبّر فيه غانتس عن الطموح الإستراتيجي لمجالس المستوطنات، مؤكدا "نحن محظوظون بإدارة أميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الذي اختار الجانب الصحيح من التاريخ، ويسير جنبا إلى جنب مع إسرائيل".
إعلانوتابع غانتس تصريحه بالكشف عن مبادرة سياسية جديدة عُرضت أمام الوفد الأميركي. وقال "نقدم لكم مبادرة سياسية تدعو إلى بسط سيادة دولة إسرائيل على يهودا والسامرة، والإعلان للعالم أجمع أن هذه الأراضي أصبحت مرة أخرى جزءا أبديا من الدولة اليهودية".
دلالات سياسية
من وجهة نظر مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" لشؤون الضفة الغربية والاستيطان إليشع بن كيمون، فإن التصريحات التي أدلى بها غانتس خلال زيارة جونسون، لم تكن عفوية أو نابعة من السياق اللحظي، بل حملت دلالات سياسية عميقة ومقصودة، موجّهة للمجتمع الدولي في توقيت حساس.
ويرى بن كيمون أن هذه التصريحات لم تأت بمعزل عن الحدث السياسي ذاته، بل جاءت كجزء من رسالة سياسية منسقة ومدروسة، هدفها التأكيد على أن مشروع ضم الضفة إلى السيادة الإسرائيلية لا يزال قائما، ويحظى بزخم جديد، بل وبدعم أميركي فعّال من داخل أروقة الكونغرس، وخاصة من التيار الجمهوري المحافظ.
كما أن التوقيت -وفق تحليل بن كيمون- ليس عشوائيا، فالمنطقة تشهد تحولات إستراتيجية كبرى، أبرزها تداعيات الحرب المستمرة على غزة، وتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل، فضلا عن الاعترافات الأوروبية المتسارعة بالدولة الفلسطينية، ما يضع حكومة نتنياهو في موقع دفاعي على المستوى الدولي.
ويرى بن كيمون أن الرسالة الأساسية التي أراد غانتس إيصالها من خلال هذه التصريحات هي أن "إسرائيل لن تنتظر المسارات الدولية أو المبادرات الدبلوماسية، خصوصا تلك التي تدعو إلى إعادة إحياء حل الدولتين، بل على العكس، ستعمل على فرض سيادتها الفعلية بحكم الأمر الواقع، مستفيدة من اللحظة السياسية الراهنة ومن التحالفات الأميركية داخل الكونغرس".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات یهودا والسامرة الضفة الغربیة زیارة جونسون هذه الزیارة
إقرأ أيضاً:
تحدٍ صهيوني مستمر للعالم.. إمعان في تكريس الاحتلال
خالد بن سالم الغساني
في خطوة استفزازية خطيرة تؤكد استمرار سياسات الاحتلال التوسعية، والضرب عرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية، وعدم الاعتبار لأي قانون أو سلطة يمكن أن توقف الغطرسة الصهيونية والجموح الاستيطاني لمزيد من الاحتلال والتوسع فيه، صادق الكنيست الإسرائيلي، بأغلبية ساحقة، على قرار يدعو إلى فرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية وغور الأردن، معتبرًا هذه الأراضي الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من "الوطن التاريخي المزعوم للشعب اليهودي".
ويهمّنا في البداية أن نؤكد أن هذا القرار الصادر عن سلطة احتلال مغتصبة وغير شرعية، فإنه يفتقر إلى أي أساس قانوني بموجب القانون الدولي، ويُعد خرقًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة، لا سيما قراريها رقمي 242 و2334، اللذين يؤكدان على عدم شرعية ضم الأراضي المحتلة بالقوة، كما إنه يتعارض مع اتفاقيات جنيف التي تحظر تغيير طابع الأراضي المحتلة أو نقل سكانها.
ومن ناحية أخرى، وبالرغم من خطورته، إلا أنه لا يمثل شيئًا جديدًا في إطار النهج الاحتلالي الذي تمارسه سلطات الكيان المحتل، التي لم تتوانَ في اتخاذ أي قرار أو فعل لتدعيم سلطاتها الاستيطانية على الأراضي العربية المحتلة، إلا أن دلالاته السياسية والاستراتيجية تكشف عن تصعيد متنامٍ وغير مسبوق في سياسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، بهدف تكريس الاحتلال وإجهاض أي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإمعان وإصرار على تحدي كل تلك الأعراف والقوانين الدولية.
يأتي هذا القرار في سياق إجماع متزايد داخل الائتلاف الحاكم اليميني والمتطرف في إسرائيل، الذي يرفض بشكل قاطع حل الدولتين، ويعتبر إقامة دولة فلسطينية تهديدًا لما يسمى بـ"المستقبل الإسرائيلي" المبني أساسًا على مستقبل شعب شُرّد وطُرد من أراضيه بالقوة، بعد أن مورست بحقه وأرضه أبشع أنواع القتل والتهجير والتدمير، من قبل كيانٍ محتل غاشمٍ وساديٍ وقح.
إنه يعكس محاولة أخرى واضحة لفرض أمر واقع على الأرض من خلال ترسيخ السيطرة على الضفة الغربية، مستندًا إلى مبررات أيديولوجية تربط بين أحداث عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، وادعاءات أمنية تُروّج لضرورة اتخاذ خطوات "استراتيجية" لضمان هيمنة الاحتلال. وفي الواقع، فإن هذه الخطوة ليست سوى استمرار لسياسات الضم والتوسع الاستيطاني، التي تهدف إلى تهميش الفلسطينيين وتغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للأراضي المحتلة.
إنه تحدٍّ سافر للشرعية الدولية، كما تعوّدت سلطات الكيان، لكنه يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية جادة للتصدي لهذه الانتهاكات التي تسعى إلى تقويض كل فرص يمكن أن تحقق السلام العادل والشامل. إنه يُفاقم التوترات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والعمليات العسكرية اليومية في الضفة الغربية، وسياسة التجويع التي تستهدف حياة الفلسطينيين وتقتل من تبقى منهم.
إن تصريحات مسؤولي الاحتلال التي تدعو إلى ضم الضفة الغربية وغزة مع تهجير الفلسطينيين الذين يرفضون الخضوع للسيادة الإسرائيلية، تؤكد على تكريس نظام فصل عنصري في الأراضي العربية المحتلة، وتنفيذ عمليات نزوح قسري واسعة النطاق.
من ناحية أخرى، فإن هذا القرار يُشكّل دعمًا مباشرًا لسياسات التوسع الاستيطاني، التي تتسارع عبر إخلاء مجتمعات الرعاة الفلسطينيين قسرًا، وتوسيع البؤر الاستيطانية، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي. هذه الإجراءات تهدف إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية، وتفتيتها إلى جيوب معزولة، مما يجعل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مستحيلة عمليًا. كما يُضعف السلطة الفلسطينية، التي تُعاني أصلًا من أزمة شرعية داخلية بسبب الانقسام السياسي ومحدودية سلطتها تحت الاحتلال، مما يُعزز من حالة الإحباط الشعبي ويُعمق التوترات الداخلية.
إن الشعب الفلسطيني الذي يواصل مقاومته الباسلة بكل الوسائل المشروعة، يجد نفسه مع هذا القرار أمام تحدٍّ وجودي يتطلب منه شحذ قواه، وإعادة تنظيم صفوفه ورصّها لتصعيد المقاومة الشعبية والمسلحة للدفاع عن أرضه وحقوقه الثابتة.
وإن استمرار سلطات الاحتلال في تحدي قرارات الشرعية الدولية التي أصبحت مجرد "أحبار على ورق" أمام تعنت الكيان الصهيوني، يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، يتطلب استجابة دولية حاسمة تتجاوز البيانات الشكلية إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل، بما في ذلك وقف الدعم العسكري والمالي، وتفعيل آليات المساءلة عبر المحكمة الجنائية الدولية. كما إنه يدعو الدول المحبة للسلام إلى تعميق عزلة إسرائيل دوليًا، ودعم الحملات الشعبية وحركة المقاطعة وفرض العقوبات.
إن قرار الكنيست إعلانٌ صريح لتكريس الاحتلال وإنهاء أي أمل بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني؛ ذلك أنه يُغلق أبواب التسوية السياسية بشكل نهائي، ويُؤكد أن الصراع مع الاحتلال إنما هو صراع وجودي تؤكده كل ممارسات سلطات الكيان المحتل. إنه يستهدف استئصال الشعب الفلسطيني من أرضه، وفي مواجهة هذا التحدي يواصل الشعب الفلسطيني تمسكه بخياراته المشروعة، عبر المقاومة بكل أشكالها، للدفاع عن حقه في الأرض والسيادة والعودة. وعلى العالم أن يتحمّل مسؤولياته التاريخية، ولا يكتفي فقط بإدانة هذه السياسات، بل إنه مطالب باتخاذ إجراءات عملية لردع الاحتلال ودعم نضال الشعب الفلسطيني، ففي ظل إمعان سلطات الاحتلال في تحدي العالم، يبقى العمل على تعزيز صمود الفلسطينيين ومقاومتهم الباسلة، هو الرد الأقوى على هذا العدوان، والضمانة الحقيقية لاستمرار القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعدالة والحرية في العالم.