على تلة مشرفة على جبل الشيخ وفي بلدة كفرّمان قضاء النبطية في الجنوب اللبناني، شيد الفنان حسين شكرون مشروعه "مسرح الهواء الطلق"، وهذا المسرح لا يشبه المسارح التي اعتدناها، بل يتميز بكونه مسرحا فريدا من نوعه، إذ يقع ضمن بيت الفنان شكرون، حيث اقتطع جزءا منه ومن حديقته الخارجية، وحولها إلى مسرح مع باحة تتسع للمتفرجين.

هذه الخطوة تأتي بعد حرب إسرائيلية على لبنان، ومنها بلدة كفرّمان التي لاقت نصيبا من الاعتداءات، وقد كانت الدافع الأول لشكرون ليحقق حلمه بإنشاء مسرح، ليكون ملتقى لكل الفنانين على مساحة البلاد.

لوحات فولكلورية ضمن فعاليات افتتاح مسرح حسين شكرون في كفرّمان (الجزيرة)مسرح شكرون.. رسالة تحدّ

حفل الافتتاح حضرته مجموعة من أهل الفن إلى جانب حشد من الفعاليات الثقافية والتربوية من العديد من المناطق اللبنانية، وقد دشنته فرقة للرقص الفولكلوري بلوحات متنوعة، وكذلك فقرات فنية للفنانين منير كسرواني ووفاء شرارة وحسين شكرون.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"بي تي إس" تنفي رسميا مشاركتها في ألبوم تكريمي لمايكل جاكسونlist 2 of 2إعادة تدوير الحنين.. كيف تحول نجوم الفيديو كليب بمصر إلى "ميمز"؟end of list

نقيب الممثلين في لبنان الفنان نعمه بدوي لفت -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذا المسرح يعد رسالة صمود وتحد للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن الفن بكافة أشكاله مقاومة، خاصة أنه يأتي في ظل إغلاق المسارح في بيروت أو خارجها، "وهذا أمر غير مقبول، إذ يجب أن تُرعى المسارح وكل الأنشطة الثقافية في كل المناطق اللبنانية"، داعيا الدولة وتحديدا وزارة الثقافة لأن "تتحمل مسؤوليتها تجاه المسارح والفنانين".

بدوره، ثمّن الفنان منير كسرواني -في حديثه للجزيرة نت- لحسين شكرون هذه الخطوة، مؤكدا أنها ردٌ على الحرب الإسرائيلية، وهي عودة مميزة بعباءة الفن، إلا أن الأهم من ذلك هو أن هذا المسرح سيكون متنفسا لكل الفنانين الذين يعانون من ارتفاع كلفة استئجار المسارح، فهنا يمكنهم أن يقدموا ما لديهم من دون دفع مبالغ مالية، خاصة أمام جيل الشباب الذي يريد أن ينطلق في عالم الفن.

فقرات فنيّة مختلفة في افتتاح مسرح حسين شكرون في كفرّمان (الجزيرة)مساحة للمبتدئين والمحترفين

من جانبها، نوهت الفنانة وفاء شرارة بهذه الخطوة التي تتزامن مع شح في المساحات الفنية والثقافية شكل عقبة أمام المواهب الشابة التي ترغب بدخول عالم الفن. وتقول شرار ة في حديثها للجزيرة نت إن "هذا المسرح هو للجميع، ومتنفس لكل الناس، لا سيما لمن لا يجدون مكانا يعبرون فيه عن فنهم أو يعرضون مواهبهم. وهذا المسرح وُجد من أجل هؤلاء، للمحترفين والمبتدئين على حد سواء، فالمبتدئون هم الذين سيكملون المسيرة، ونحن لن نبقى للأبد، بل سيأتي غيرنا ليكمل الطريق".

أما الفنان عصام الأشقر، فتحدث عن إعجابه بجرأة شكرون على اتخاذه هذه الخطوة واصفا إياها بالشمعة في النفق المظلم، وهي رسالة "بأن الشعب اللبناني لا يموت، رغم كل ما تعرض له، بل ينهض من تحت الرماد كطائر الفينيق"، حسب تعبيره.

أما الفنان محمد بِشر، لفت إلى أن شكرون كسر حاجز الخوف، ووقف أمام جمهور منهك أو محبط ليخفف عنهم تبعات الحرب، وقال للجزيرة نت "نحن الفنانين نمتلك أرواحا مختلفة، وربما بعض الجنون، ولكنه جنون إيجابي، ونأمل أن نقدم أفضل ما لدينا للناس، ولكننا نريد من الدولة أن تحمي مواطنيها، ومن ثم تحمي فنانيها، فالفنان كأرزة لبنان إذا حميته حميت بلدك".

حشد من الفعاليات الثقافية وأهالي المنطقة شاركوا في افتتاح مسرح الهواء الطلق للفنان حسين شكرون (الجزيرة)مسرح على أنقاض الحرب

بعد أن توقفت الحرب في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عاد حسين شكرون إلى منزله في كفرّمان وكانت هذه الحرب الشرارة التي دفعته إلى تحقيق حلم الطفولة بإنشاء المسرح، إذ أراد أن يؤسس لمرحلة جديدة في الجنوب وفي بلدته كفرمان، ويرسل رسالة إلى الاحتلال بأن المسرح رسالة صمود وتحد ثقافي وستتوارثه الأجيال القادمة.

إعلان

ولكن الذي يجذب الانتباه في مسرح حسين شكرون هو أن خشبة المسرح التي احتاج لأن يرفعها عن مستوى الأرض استقدم لأجلها حمولات من الردميات، كانت ناتجة عن المنازل المدمرة في الجنوب، حيث لاحظ أثناء قيامه بتفتيت الحجارة الكبيرة أن بداخلها يوجد بقايا من مقتنيات أصحاب تلك المنازل المدمرة، فشاهد ألعاب الأطفال المحطمة، وفستان الزفاف الممزق، وسماعة الطبيب المقطعة، كلها ذكريات لكثيرين لا يعرفهم، لكنه يعرف جيدا أن هذه الذكريات الثمينة ستكون مدماكا لمسرحه الذي يأمل أن يكون منارة ومتنفسا ومنطلقا لأجيال، تؤمن بأن الفن والثقافة والتمسك بالأرض هو قدر أهل الجنوب.

ويتحدث شكرون للجزيرة نت عن هذا الحلم الذي أصبح حقيقة بعد أن بلغ من العمر 66 عاما، "ففي كفرّمان يوجد مواهب مميزة وطاقات كبيرة، إلا أنها بحاجة إلى مساحة وتوجيه في الوقت عينه"، وفي ظل غياب الدولة والمعنيين آثر على نفسه أن يخطو هذه الخطوة، يقول شكرون: "بدأت العمل بمفردي، كنت أُضحي براحتي، وأتقاسم مع المسرح لقمة الخبز، أطعمه قطعة وأحتفظ لنفسي بأخرى، وحولت بيتي من مكان للراحة والنوم إلى خشبة مسرح، تحمل كل أنواع الفنون من موسيقى وغناء وتمثيل وغيرها".

الفنانان حسين شكرون ووفاء شرارة في لوحة تمثيلية على خشبة المسرح (الجزيرة)

وللمسرح أهمية كبرى، بحسب شكرون، فهو عنصر من عناصر التلاقي والاندماج الاجتماعي، ويعرّف الناس ببعضهم بعضا فيتشاركون تجاربهم. ويلفت الفنان اللبناني إلى أن المسرح في القرية يختلف كثيرا عن المدينة، "ففي المدينة هناك إعلام ومحطات تلفزيونية ومؤسسات، أما أهل القرى فمحرومون من كل ذلك".

ويضيف أن "الشاب الذي يدخل الجامعة ويدرس الإخراج أو التمثيل ويعود إلى قريته لعدم قدرته على السكن في المدينة، غالبا لا يجد مكانا يُمارس فيه فنه، فيضطر إلى العمل في الزراعة، وأنا أردت أن أقول له: تعال نكتب ونخرج ونصمم الديكور ونؤلف الموسيقى وندير الممثلين معا، لنُنجز هذا المشروع".

ويختم شكرون "أنشأت المسرح في الهواء الطلق، تماما كما كان المسرح الروماني، ولم أضع له غطاء، بل جعلته منفتحا على الطبيعة، ومن دون أنظمة صوتية. وأول من شجعني على هذه الخطوة هم زوجتي وأولادي وهم من دفعوني إلى الأمام، كما أنني اقترضت المال من زوجتي لأشتري المواد وأباشر العمل".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات للجزیرة نت هذه الخطوة هذا المسرح

إقرأ أيضاً:

القومي للمسرح يحتفي بتجربة سعيد العمروسي.. وتكريم خاص لفارس الخشبة الشعبية

في إطار استمرار احتفائه برموز المسرح المصري في المحافظات، أقام المهرجان القومي للمسرح المصري برئاسة الفنان محمد رياض ندوة خاصة لتكريم الفنان الكبير سعيد العمروسي، أحد رموز المسرح الشعبي والثقافة الجماهيرية، ولتسليط الضوء على مسيرته الممتدة.

المهرجان القومي للمسرح المصري

شهدت الندوة حضور نخبة من الفنانين والمثقفين والنقاد، في مقدمتهم الفنان محمد العمروسي، والكاتبة والفنانة نسرين نور مؤلفة كتاب «سعيد العمروسي.. فارس الخشبة الشعبية»، الذي صدر ضمن إصدارات المهرجان، والكاتب الصحفي والمخرج جمال عبد الناصر الذي أدار الندوة، والفنان عادل عبده مدير المهرجان، والناقد أحمد خميس، في حضور إعلامي ونقدي بارز.

المهرجان القومي للمسرح المصري

وأعرب الفنان سعيد العمروسي عن امتنانه لهذا التكريم، ووجّه شكره للفنان محمد رياض، مشيدًا بمبادرته الجريئة لتكريم الفنانين في المحافظات والذهاب إليهم داخل قصور الثقافة، واصفًا إياها بأنها خطوة فارقة تعكس إدراكًا حقيقيًا لقيمة فناني الأقاليم.

واستعرض العمروسي، خلال الندوة محطات من رحلته الطويلة مع المسرح قائلاً: «أحببت المسرح منذ الصغر، رغم كل ما فيه من صراعات وخلافات، وبدأت من حفلات المدرسة، ثم انتقلت إلى مسرح الثقافة الجماهيرية، وقد شاركت في مهرجان 100 ليلة عرض مسرحي الذي أطلقه الدكتور سمير سرحان، ومن أهم أدواري شخصية (المجذوب) في عرض التشريفة، والتي لاقت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور وكانت من أسعد لحظات حياتي».

المهرجان القومي للمسرح المصري

وأكد، أن تصفيق الجمهور كان دائمًا هو الجائزة الأغلى بالنسبة له، رغم حصوله على العديد من التكريمات، من بينها تكريمه في مهرجان مسرح بلا إنتاج، معتبرًا أن تكريمه في المهرجان القومي للمسرح المصري هو الأهم في مسيرته.

وأشار العمروسي، إلى التحديات التي تواجه العاملين في الثقافة الجماهيرية، مؤكدًا أنها ليست مهنة سهلة، بل تتطلب إيمانًا حقيقيًا برسالة الفن، قائلاً: "كنا نعمل دون مقابل يُذكر، نقدم العروض بالمجان، ونصنع بأنفسنا الديكور والملابس، لكننا كنا نحب ذلك بكل ما فينا".

المهرجان القومي للمسرح المصري

واستعاد العمروسي، ذكرى حادث حريق بني سويف الذي كان شاهدًا عليه، وتحدث بحزن عن فقدانه للعديد من أصدقائه وزملائه في هذه الحادثة الأليمة التي تركت أثرًا كبيرًا في نفسه.

محمد العمروسي: دخلت المعهد لأحقق حلم والدي

وأثناء الندوة، تحدّث الفنان محمد العمروسي عن علاقته بوالده، مشيرًا إلى أن نشأته كانت مليئة بأجواء فنية، حيث كان يستيقظ على صوت أم كلثوم، ويجد والده يحتسي القهوة ويقرأ في مكتبته العامرة بنصوص المسرح، وقال: «أحببت المسرح من خلاله، ورافقته كثيرًا إلى العروض، وكنت أراه في كل خطواتي، واختياري لدراسة المسرح كان تعويضًا له، فقد توقف عن استكمال دراسته الأكاديمية، وأردت أن أحقق له هذا الحلم، فكانت المفاجأة أنني التحقت بالمعهد دون أن أخبره، فبكينا سويًا حين علم بذلك».

نسرين نور: الالتزام أهم ما يميز سعيد العمروسي

من جانبها، تحدّثت الكاتبة نسرين نور عن كتابها «سعيد العمروسي.. فارس الخشبة الشعبية»، مشيرة إلى أن علاقتها بالعمروسي لم تكن مجرد علاقة مهنية، بل إنسانية وفنية عميقة، وقالت: «تعلمت منه الالتزام في المواعيد، وهو من أكثر الفنانين حرصًا على العمل بعيدًا عن أي صراعات، ولهذا حرصت على توثيق محطات مهمة من مسيرته التي ارتبطت بأحداث فارقة».

المهرجان القومي للمسرح المصري

كما استعرضت «نور» تجربة العمروسي المسرحية في مركز أبو حمص، حيث كانوا يقدمون عروضهم في الهواء الطلق وفي "الجرن"، وسط الجمهور، دون ديكور أو حواجز، وهو ما أضفى على العروض طابعًا فنيًا مميزًا وجماهيرية لافتة.

محمد رياض: فخور بتكريم فنان بحجم العمروسي

من جانبه، أكد الفنان محمد رياض رئيس المهرجان القومي للمسرح، خلال الندوة، اعتزازه الكبير بتجربة الفنان سعيد العمروسي قائلاً: «أنا فخور بوجودي في هذا التكريم، وسعيد بأنني تعرفت على هذه المسيرة الفنية الثرية، كل الشكر لك على ما قدمته، ونحن جميعًا نعتز بك وبجهودك المخلصة في خدمة المسرح».

اقرأ أيضا:

أول تعليق لـ محمد رياض على انتقاد محيي إسماعيل لتكريمه في المهرجان القومي للمسرح

«عايز فلوس».. محيي إسماعيل يتصدر التريند بعد هجومه على المهرجان القومي للمسرح

«المهرجان القومي للمسرح» يكرم اسم سميحة أيوب في حفل الافتتاح

مقالات مشابهة

  • «بنصنع أسطورة».. محمد رمضان يشوق جمهوره لعمل جديد
  • شاهد بالفيديو.. سخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان من مطرب “تاه” عن “مسرح” الحفل
  • «رقم واحد يا أنصاص».. محمد رمضان يطرح أحدث أعماله الغنائية
  • تامر أمين: الفنان محمد صبحي مختلف.. وقد فن حمل رسالة بها بعد اجتماعي وأخلاقي وتربوي
  • القومي للمسرح يحتفي بتجربة سعيد العمروسي.. وتكريم خاص لفارس الخشبة الشعبية
  • لأول مرة في مصر.. أم كلثوم وبليغ على مسرح الحياة في عرض غير مسبوق
  • فى ذكراه.. محمد نوح من التجارة إلى الفن
  • فوق المسرح قدام الجمهور | تصرف خارج من مؤدي راب وجدل على السوشيال
  • طرح بوستر مسلسل حب من طرف حامد لـ ميدو عادل