عاطف حسن يتساءل: “ما بتردّ مالك؟”
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
“ما بتردّ مالك؟”
عاطف حسن يوسف
تسقط هذه العبارة على مسامعنا كثيراً لحظة الرّد علي الهاتف.. في البيت والشارع وأروقة العمل.. وكثيراً ما تُقال بعفوية وفي الغالب تقال بانفعال.. عن قصد أو دون قصد. غير أنّ ما يبدو جملة عابرة.. قد يختزن في داخله نفاذاً سريعاً إلى الحكم.. وتغافلاً عن آلاف الاحتمالات التي تجعل الآخر عاجزاً – أو غير مستعد – للرد حينها.
إنّ غياب الرد على الهاتف.. أو التأخر في الإجابة على رسالة.. ليس بالضرورة فعلاً مقصوداً أو تعبيراً عن فتور العلاقة أو اهمال. الأسباب التي قد تحول دون الردّ مفتوحة على فضاء واسع.. ظرف صحي.. انشغال طارئ.. موقف اجتماعي حرج.. أو حتى رغبة صادقة في الصمت. !!! (لحظة خلوة) ..
لذا فإن أول ما ينبغي أن نتعلّمه هو فن التماس العذر.. ووضع الاحتمالات الرحبة قبل أن نصدر أحكاماً أو نصوغ عتاباً سريعاً.
لكن المسألة لا تقف عند حدود الرد من عدمه.. بل تمتد إلى أدب بدء المكالمة أو المحادثة.
إنّ الهاتف.. على ما هو وسيلة تواصل فوري.. لا يرفع الحجب عن حال الطرف الآخر. قد تكون أنت في مزاج ضاحك فتبدأ بنكتة.. بينما الطرف الآخر يقف في بيت عزاء. أو قد تبدأ بخبر وفاة.. بينما المتلقي في لحظة احتفال طال انتظارها. الفارق في التوقيت والمقام قد يحوّل الكلمة العادية إلى جرح غير مقصود.
هنا يتجلّى الذوق العام في التعامل.. لا باعتباره رفاهية اجتماعية.. بل ضرورة أخلاقية. الذوق هو أن تطرق باب المحادثة كما تطرق باب البيت.. بلطف وهدوء. تبدأ بعبارات عامة.. تتحسس بها نبض المتلقي.. وتستشف حاله.. قبل أن تُلقي بثقل ما تحمل من أخبار أو مشاعر أو طلبات.
ومن الذوق أيضاً أن ندرك أنّ الهاتف – كما اللقاء المباشر – ليس فضاءً مفتوحاً بلا حدود.. بل هو مساحة مشتركة ينبغي أن تُدار باحترام متبادل.. احترام وقت الآخر.. وحالته النفسية.. وسياقه الاجتماعي.
إنّ أدب التواصل ليس مجرد كلمات مهذّبة.. بل هو وعيٌ بالمسافة بيننا وبين الآخر.. وإحساس باللحظة التي تجمعنا. وهو فن يقوم على الصبر.. والتمهل.. وحُسن التوقيت.. بقدر ما يقوم على اختيار العبارات.
في زمن السرعة والانشغال.. ربما كان أرقى ما يمكن أن نقدّمه لأنفسنا وللآخرين هو أن نتروّى قبل أن نحكم.. وأن نلتمس العذر قبل أن نعاتب.. وأن ندخل في المحادثة كما يدخل ضيف كريم.. يعرف كيف يجلس في القلب قبل أن يجلس على المقعد. فالكلمة.. مثل الهدية.. لا تُقدَّم في أي وقت أو أي هيئة.. بل في اللحظة التي تجعلها تبني جسراً.. لا أن تفتح فجوة.
"ما بتردّ مالك؟" الهاتفالرد على الهاتفعاطف حسن يوسفالمصدر: تاق برس
كلمات دلالية: الرد على الهاتف قبل أن
إقرأ أيضاً:
“هُدهُد” غزة
“هُدهُد” غزة
#خاص_سواليف مقال الاثنين 11-8-2025#احمد_حسن_الزعبي
هو تفصيلتنا اليومية ،هو #برقية_الألم الساكن هناك ، هو ” #البحر ” الذي لم يفكّر يوماً أن يهجر المكان أو يخلع “زرقة” الصحافة أو #لون_السماء..هو “هُدهد”غزة..
ما زالت صورته لا تفارقني ، عندما بكى على الهواء مباشرة قبل أيام قليلة ، فقال له أحد المارّين “استمرّ استمر يا انس..استمر أنت صوتنا”..فتماسك وأكمل تقريره متعالياً على جراحه ،ووهن جسده ،وألم #الخذلان_العربي ، ووجعه وجوعه من اجل عيون غزّة وأهل غزة..الصحفي الحقيقي يعتاش على محبّة الأوطان ، يعتاش على رضى الناس وثقتهم فيه ، يعتاش على الآمال المعلّقة فوق قامته الصلبة ، يعتاش على “ربّما”..
مقالات ذات صلةلماذا أوجعنا #أنس_الشريف الى هذا الحد؟
لأنه أحد أبنائنا ، لأنه أعاد تعريف الصحافة ، وأعاد تعريف #الشجاعة وأعاد تعريف #الوطن برمّته…صحفي شاب ، شجاع ، أنضجته الحرب قبل أوانه ، عندما استشهد الصف الأول من الصحفيين، وجد نفسه فجأة كأي #قائد_عظيم – كأسامة بن زيد – يرتدي سترهم ويحمل ميكرفونهم،ويملأ مكانهم..لتبقى #التغطية_مستمرة..
هم لم يحملوا أنس الشهيد أنس الشريف فوق الأكتاف..هم حملوا ميكرفوناً ، حملوا صوتنا الذي لم يغب طوال عامين من القتل والدم والابادة، حملوا ضمائرنا .
عندما يشيّع أنس ..هو تشييع لصوتنا ،وكرامتنا ، وانسانيتنا..أنس الى جوار ربّه فرحاً بما أتاه الله ..لكن هذا #العالم_المتواطىء ،المتخاذل المتآمر المتأزم المتقزّم الى أين؟؟..
أنس أب جميل ، له أولاد مثلنا .. كان يشتهي أن يحضنهم ، أن يتناول معهم وجبة واحدة دون الخوف من الموت..أن يؤرجحهم في حديقة قريبة ، أن يدغدعهم قبل النوم..هل فكّرنا بكل هذا؟..هل فكّرنا..كم تحتاج زوجة أنس العظيمة..أن تعرّف الموت لإطفالها..وان تقول لهم باختصار ..الموت: هو غياب الاتصال بين نشرتين اخباريتين..
أنس #هدهد_غزة..الذي كان يأتينا بالخبر اليقين..انس الذي لم يغب يوماً، ولم ينسحب يوماً، ولم يفضّل نفسه على رسالته يوماَ، أنس كان دوماً يأتينا بسلطان مبين..
نم قرير العين يا أنس يا “هدهد” غزّة..وردّد ما بدأت به: ” الله لا اله الا هو رب العرش العظيم”..