لماذا تعتبر معركة كردفان حاسمة في الحرب السودانية؟
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
لا يزال المشهد السوداني معقداً في ظل فشل أيّ من طرفي الصراع في حسْمه لصالحه وفرض سيطرته على ثالث أكبر بلد أفريقي.
وتتجه الأنظار حالياً إلى الغرب السوداني، وإقليم دارفور، الذي تسيطر قوات الدعم السريع عليه كله باستثناء عاصمة ولايته الشمالية، الفاشر، لتكون بذلك آخر مدينة رئيسية في الإقليم تحت سيطرة قوات الجيش النظامي.
ومنذ أبريل/نيسان 2024، تفرض قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً على الفاشر، فشلت في كسره القوات النظامية حتى الآن.
وإلى الشرق من الفاشر والغرب من الخرطوم، يقع إقليم كردفان، الذي يشهد حالياً قتالاً ضارياً بين الجيش والدعم السريع الذي يُكّثف هجماته في الإقليم.
وإذا كان الجيش النظامي قد تمكّن في عدة مناطق بينها الخرطوم والنيل الأبيض من طرد قوات الدعم السريع، فإن الأخيرة تسيطر الآن على أجزاء في شمال وغرب كردفان، وعلى جيوب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، فضلاً عن أربعٍ من ولايات إقليم دارفور الخمس.
وكانت قوات الدعم السريع أعلنت في يونيو/حزيران الماضي السيطرة على منطقة المُثّلث الاستراتيجية في أقصى الشمال الغربي للبلاد، التي تشكل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر- في محاولة لفتْح مسار إمداد آمِن لإحكام السيطرة الكاملة على إقليم كردفان، فضلاً عن تعزيز السيطرة على إقليم دارفور.
ويرى مراقبون أنه لو تمّ لهذه القوات السيطرة على كردفان، فإن ذلك كفيل بأن ينتهي إلى تقسيمٍ جديد للسودان- بين الدعم السريع في الغرب والجيش النظامي في الشرق.
وفي حديث لبي بي سي، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، العميد جمال الشهيد، أن إقليم كردفان يعدّ “ساحة صراع حاسمة في هذه الحرب المستعرة منذ أكثر من عامين”.
وحول أهمية كردفان الاستراتيجية، قال الشهيد، إن “الإقليم بحُكم موقعه الجغرافي يُشكّل حزاماً دفاعياً استراتيجياً بين وسط السودان وغربه، وإن السيطرة عليه تمثّل مفتاحاً للتحكم في خطوط الإمداد العسكري بين الخرطوم ودارفور والميناء الرئيسي ببورسودان”.
وأشار الشهيد إلى أن “إقليم كردفان يحتوي على مطارات يمكن استخدامها في النقل العسكري والدعم اللوجستي لأي من طرفَي الصراع، كما أن الإقليم قريب من مناطق النفط والذهب ما يجعله هدفاً رئيسياً لأيّ طرف يريد السيطرة على موارد لتمويل الحرب”.
وعلى الجانب الآخر، يؤكد عمران عبد الله، مستشار قائد قوات الدعم السريع، أهمية إقليم كردفان الاستراتيجية، كـ “محور رئيسي في الصراع الدائر في السودان، لكَونه يربط بين شرق وغرب وشمال وجنوب البلاد”.
وفي حديث لبي بي سي، لخّص عمران الأهمية العسكرية لإقليم كردفان بأنه “ممرّ مُهمّ للقوات العسكرية والإمدادات، حيث يربط بين دارفور ومركز البلاد، بما في ذلك الخرطوم”.
وأشار عمران إلى مدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان، التي تحتوي على محطة قطار رئيسية تربط غرب السودان بشرقه وشماله بجنوبه.
وعن الأهمية السياسية لكردفان، قال مستشار قائد الدعم السريع إن “الإقليم يُعدّ رمزاً للقوة والنفوذ السياسي في السودان، وإن السيطرة عليه يمكن أن تعزز من موقف قواتنا في الصراع”.
وعن الميزات الاقتصادية، يحتوي إقليم كردفان على موارد هامة كالزراعة لا سيما مشروع الجزيرة، فضلاً عن الثروة الحيوانية، وفقاً لعمران عبد الله.
وبسؤاله عن التقسيم، نفى عمران في حديثه لبي بي سي، وجود أيّ نيّة لدى قوات الدعم السريع في تقسيم السودان، مؤكداً أن هذه “ادعاءات وأكاذيب من قِبل ‘الحركة الإسلامية’ التي أشعلتْ الحرب وتحاول تشويه صورة الدعم السريع وتشتيت الأنظار عن الفشل في حسم المعركة عسكرياً”، على حد تعبيره.
من جانبه، رأى العميد جمال الشهيد أن فكرة التقسيم قد طُرحتْ أكثر من مرة وباءت بالفشل، قائلاً إن “الذين يراهنون على تقسيم السودان هم كمَن يراهن على السراب”.
وأوضح الشهيد في حديثه لبي بي سي: ” بُحكم تعقيداته الإثنية والديموغرافية، من الصعوبة بمكان أن يتمّ تقسيم السودان؛ خاصة وأن الدعم السريع لا يُعبّر عن كل مكونات أهل دارفور القبَلية التي تقف ضد مشروع التقسيم بالأساس”.
“علاوة على أن تاريخ إقليم دارفور حافل بالاحتراب بين قبائل عربية وأفريقية، مما يُصعّب من عملية التقسيم ويجعلها شديدة التعقيد؛ وحتى لو قامت دولة فستشهد احتراباً داخلياً ما سيُلقي بظلاله على دول الجوار والإقليم بشكلٍ أوسع”، وفقاً للشهيد.
ويتفق ياسر زيدان، الباحث في شؤون القرن الأفريقي بجامعة واشنطن، مع هذا الرأي الأخير، قائلاً إن “إقليمَي كردفان ودارفور لن يدِينا للدعم السريع، لاشتمالهما على مكوّنات محلية غير عربية قائمة ولا تزال تدافع وتقاتل في كردفان والفاشر”.
“كما أن المجازر التي ارتكبها وما زال يرتكبها الدعم السريع بحقّ هذه المجتمعات المحلية والأصلية ستجعل من الصعب أن تستقر هذه السلطة التي يسعى إليها الدعم السريع في تلك المناطق”، وفقاً لزيدان.
وفي حديث لبي بي سي، أشار الباحث بجامعة واشنطن إلى “فشل الدعم السريع في تجارب سابقة في تقديم نموذج حُكم في مناطق سيطرته مثل الجزيرة وسنار والخرطوم قبل تحريرها من قِبل الجيش السوداني”.
ونوّه الباحث زيدان إلى أن “الدعم السريع لا يطمح في دولة صغيرة قِوامها دارفور وكردفان؛ وإنما مشروعه لكلّ السودان، وفق ما كان يردّد”.
وفي يوم الأربعاء الماضي، رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خُططاً تقدّمتْ بها قوات الدعم السريع ترمي إلى تدشين حكومة منافِسة في المناطق التي تسيطر عليها.
وحذّر مجلس الأمن، في بيان شديد اللهجة، من مثل هذه الخطوة الكفيلة بـ “تهديد وحدة الأراضي السودانية”، فضلاً عن تأجيج الصراع الدائر على الأرض.
يُذكر أن السودان وجنوب السودان كانتا دولة واحدة حتى عام 2011، حين أعلنت الأخيرة الاستقلال بعد عقود من الصراع مع الشمال، وقبل هذا الانفصال، كان السودان أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة.
وشهد إقليم دارفور، غربي السودان، عملية “إبادة جماعية” في 2003 راح ضحيّتها وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة نحو 300 ألف نسمة غالبيتهم من أصل أفريقي ينتمون لقبائل الزغاوة والمساليت والفور، وذلك بأيدي قوات نظامية سودانية وفصائل عربية موالية كانت تُسمّى الجنجويد (الدعم السريع حالياً).
وبالعودة إلى كردفان، يواجه سُكان الإقليم الذي يشتهر بمزارع القمح والذُرة الرفيعة، الموت جوعاً، بعد أن دمّر العنف بين الطرفين المتقاتلين المحاصيل الرئيسية، بحسب تصريحات العديد من المسؤولين في الإقليم.
وتتهم الأمم المتحدة طرفَي الصراع في السودان باستخدام الجوع كسلاح، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن حوالي 637 ألف سوداني يعيشون الآن في مجاعة، وإن حوالي ثمانية ملايين إنسان في حاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة.
وتشير إحصاءات أمريكية إلى أن أكثر من 150 ألف شخص لقوا مصرعهم في هذه الحرب التي شرّّدتْ على مدى أكثر من 28 شهراً حوالي 14 مليون نسمة- مما يجعلها أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
أحمد الخطيب – بي بي سي عربي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الدعم السریع فی إقلیم کردفان إقلیم دارفور السیطرة على لبی بی سی ی الصراع بی بی سی أکثر من
إقرأ أيضاً:
17 قتيلاً في قصف لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر السودانية
أسفر قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع على أحياء سكنية في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عن مقتل 17 شخصًا وإصابة 25 آخرين، وفق ما أفاد به مصدر طبي لوكالة “فرانس برس”، وسط تصاعد حدة القتال وتفاقم الأوضاع الإنسانية في الإقليم.
وأكد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، أن “عدد القتلى الذين وصلوا إلى المستشفى بلغ 17، إلى جانب 25 جريحًا، وهناك قتلى دفنتهم عائلاتهم دون التوجه إلى المستشفى بسبب الظروف الأمنية”.
وقالت “تنسيقية لجان مقاومة الفاشر”، وهي جهة مدنية مستقلة توثق الانتهاكات، في بيان إن المدينة تعرّضت منذ فجر السبت لقصف مدفعي عنيف “استهدف أحياءً سكنية داخل المدينة”، وأدى إلى “سقوط قتلى وجرحى مدنيين، وأضرار كبيرة في الممتلكات والبنية التحتية”.
وأضاف البيان أن القصف استمر حتى بعد منتصف النهار، ما خلق “حالة من الذعر والهلع وسط السكان العزل”، ودفع إلى “موجات نزوح جديدة من بعض الأحياء المتأثرة”.
كما طال القصف مخيم أبو شوك للنازحين شمال المدينة، بحسب “غرفة طوارئ مخيم أبوشوك”، التي أكدت سقوط عدد من القتلى، دون تحديد الحصيلة الدقيقة.
وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر والمخيمات المحيطة بها منذ مايو 2024، لكنها كثفت من هجماتها في الأشهر الأخيرة بعد أن أحكم الجيش السوداني سيطرته على الخرطوم ومدن أخرى.
وتُعد الفاشر آخر مدينة رئيسية في إقليم دارفور لا تزال خارج سيطرة قوات الدعم السريع.
وتعاني المدينة من أوضاع إنسانية كارثية. فمع استمرار المعارك، تفاقم سوء التغذية وانتشرت الكوليرا بشكل واسع. وأدى تدهور الأوضاع إلى موجات نزوح ضخمة، خاصة من مخيم زمزم الذي كان يضم مئات الآلاف من النازحين، حيث فر معظم سكانه باتجاه مدينة طويلة غرب الفاشر، والتي بدورها تعاني من نقص حاد في الغذاء والمياه.
ووفقًا لمصادر طبية، توفي 63 شخصًا على الأقل خلال الأسبوع الماضي بسبب سوء التغذية، فيما أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” وفاة أكثر من 40 شخصًا بسبب الكوليرا في دارفور خلال الفترة نفسها. وسجلت المنظمة نحو 100 ألف إصابة بالكوليرا وأكثر من 2400 وفاة خلال العام الماضي فقط.
بدوره، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن حوالي 40% من الأطفال دون سن الخامسة في المنطقة يعانون من سوء التغذية الحاد، من بينهم 11% في حالة حرجة.
وأشار المدير الإقليمي للبرنامج، إريك بيرديسون، إلى أن “الجميع في الفاشر يواجه محنة يومية”، محذرًا من أن “أرواحًا ستُزهق في غياب وصول فوري ومستدام للموارد الأساسية”.
وتشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا غير مسبوق، حيث ارتفعت أسعار القمح والذرة الرفيعة بنسبة 460% مقارنة ببقية مناطق السودان، في وقت أصبحت فيه الأسواق شبه فارغة، وأغلقت أغلب المطابخ المجتمعية أبوابها، ما اضطر العديد من العائلات إلى تناول العلف أو بقايا النفايات للبقاء على قيد الحياة.