المدنيون في الفاشر السودانية.. بين مطرقة الجوع وسندان الطائرات المسيرة
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
السودان"رويترز": يلجأ سكان مدينة الفاشر السودانية المحاصرة إلى مخابئ تحت الأرض لمحاولة حماية أنفسهم من الطائرات المسيرة والقذائف بعدما تزايدات الهجمات على مراكز الإيواء والمستشفيات والمساجد.
ومدينة الفاشر التي تعاني من مجاعة هي آخرمعاقل الجيش السوداني في منطقة دارفور مترامية الأطراف بغرب البلاد، حيث يخوض معارك ضد قوات الدعم السريع شبه العسكرية في حرب أهلية مستمرة منذ عامين ونصف العام.
وحقق الجيش مكاسب على الأرض في مناطق أخرى من السودان، لكن دارفورهي معقل قوات الدعم السريع التي تهدف أن تكون مقرا لحكومة موازية .
وتشير بيانات من الأمم المتحدة إلى فرار أكثر من مليون شخص من الفاشر خلال حصار قوات الدعم السريع المستمر منذ 18 شهرا. لكن مغادرة المنطقة صارت خطرة ومكلفة. وتشير تقديرات إلى أن ربع مليون مدني لا يزالون فيها، وهناك مخاوف من أعمال انتقامية جماعية في حال سقوط المدينة.
* ضربات المسيرات
حفر كثيرون ممن بقوا في المدينة مخابئ لحماية أنفسهم من الضربات المتكررة على المدنيين، وفقا لأكثر من عشرة من السكان الذين تم التواصل معهم هاتفيا بالإضافة إلى لقطات حصلت عليها رويترز وتحققت منها.
ووصف السكان كيف يتجنبون هجمات المسيرات من خلال الحد من الحركة والتجمعات الكبيرة خلال النهار، وعدم استخدام الأضواء بعد حلول الظلام.
وقال الصحفي المحلي محيي الدين عبد الله "لا نستطيع دفن الجثث إلا ليلا، أو في الصباح الباكر جدا..لقد أصبح الأمر عاديا بالنسبة لنا".
وذكر خمسة من السكان أن طائرات مسيرة تلاحق المدنيين لمناطق يتجمعون عادة فيها مثل المستشفيات. وقال الطبيب عز الدين أسو رئيس مستشفى الفاشر الجنوبي "عندما تريد أن تتجول، تلتصق بالجدار مثل الضب حتى لا ترصدك الطائرة المسيرة عند دخولك".
وفي مركز إيواء بمدرسة أبو طالب في الفاشر، قتل 18 شخصا على الأقل خلال الأسبوع الذي بدأ في 30 سبتمبر بسبب القصف وهجوم بمسيرة ومداهمة لقوات الدعم السريع، بحسب عبد الله الذي زار الموقع قبل الهجمات وبعدها.
وأظهرت لقطات تحققت منها رويترز أسقف المدرسة المحطمة وجدرانها المتضررة. وفي فناء المدرسة، ظهرت جثة ملقاة قرب حاوية شحن دفنت في الأرض لتكون كالملجأ، مع أكياس رمل حول المدخل.
ولم يرد الجيش ولا قوات الدعم السريع على طلبات مكتوبة أو اتصالات تطلب التعليق على الأحداث التي وقعت في مدرسة أبو طالب وأماكن أخرى في الفاشر.
واتهم السكان الذين ظهروا في اللقطات قوات الدعم السريع بالمسؤولية عن الهجمات.
وقالت خديجة موسى المدير العام لوزارة الصحة في ولاية شمال دارفور عبر الهاتف من الفاشر "لا يفرقون بين المدنيين والجنود. إذا كنت إنسانا يطلقون النار عليك".
وتواجه قوات الدعم السريع وحلفاؤها اتهامات بالمسؤولية عن موجات من أعمال العنف بدوافع عرقية في دارفور خلال الحرب، وخلصت الولايات المتحدة العام الماضي إلى أنهم ارتكبوا إبادة جماعية.
وقالت قوات الدعم السريع في بيان صدر في 12 أكتوبر إن مدينة الفاشر "خالية من المدنيين". وأضافت أن الجيش والمستنفرين المتحالفين معه ومتمردي (القوات المشتركة) السابقين "يتخذون من المستشفيات والمساجد ثكنات عسكرية ومنصات انطلاق صاروخية".
ويستخدم الجيش السوداني، الذي ينفى مسؤوليته عن مقتل المدنيين، طائرات مسيرة أيضا في الفاشر.
* هجمات متكررة
في 10 و11 أكتوبرتعرض مركز إيواء آخر، وهو دار الأرقم الواقع داخل حرم الجامعة ويضم مسجدا، لهجمات متكررة وسجل مدير المركز هاشم بوش سقوط 57 قتيلا بينهم 17 طفلا ثلاثة منهم رضع.
وقال بوش في رسالة صوتية لرويترز يصف فيها الهجوم الأول "كانوا يستهدفون المسجد. هاجموا بعد صلاة الجمعة مباشرة". وأضاف أن الهجوم الثاني جاء بطائرة مسيرة تتبعت أشخاصا يركضون إلى حاوية شحن أخرى تستخدم كملجأ.
وتابع أنه في صباح اليوم التالي، سقطت أربع قذائف أخرى في أثناء صلاة الفجر. وأكد سكان، في مقطع فيديو التقطه ناشطون محليون وتحققت منها رويترز، وقوع الهجمات.
وأظهرت اللقطات أيضا ما بدا أنها 10 جثث مغطاة بملاءات في الموقع، وأخرى بحجم يظهر أنها لطفل مغطى بسجادة صلاة صغيرة، والعديد من الجثث المشوهة والمكشوفة داخل الحاوية.
وأظهرت صور ملتقطة بالأقمار الصناعية نشرها مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل في 16 أكتوبر ست نقاط يظهر عليها أثر ضربات على مباني دار الأرقم.
* جثث متناثرة في الشوارع
يقول مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل إن قوات الدعم السريع مددت الحواجز الترابية لتطويق الفاشر بشكل كامل تقريبا منذ الرابع من أكتوبر .
ونتيجة لذلك، حذر ناشطون الأسبوع الماضي من أنه حتى العلف الحيواني الذي يلجأ الناس إلى تناوله لم يعد متوفرا.
ويقول ناشطون من شبكة محلية تدعى (لجنة مقاومة الفاشر) إن 30 شخصا في المتوسط يلقون حتفهم يوميا بسبب العنف والجوع والمرض.
وتقول (غرفة طوارئ معسكر أبو شوك)، وهي شبكة من المتطوعين، إن أعدادا كبيرة جدا من الجثث متناثرة في الشوارع بما يشكل خطرا على الصحة العامة.
وقال سكان تحدثوا إلى رويترز إنهم يخشون التعرض للخطف أو السرقة أو القتل إذا حاولوا المغادرة.
وأفاد أحد أعضاء طوارئ معسكر أبو شوك، والذي عرف نفسه فقط باسم محمد "الفاشر مدينة بلا حياة تقريبا... لكن المغادرة أشد خطورة من البقاء".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی الفاشر
إقرأ أيضاً:
الفاشر المنسية في أجندة الرباعية الدولية
بلغت هجمات الدعم السريع البرية على مدينة الفاشر 248 هجوما بحلول منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، فضلا عن القصف المدفعي وهجمات المسيّرات المستمرة على تجمعات المدنيين ومعسكرات النازحين والبنية التحتية للمدينة التي أصبحت بلا مستشفيات ولا مدارس؛ تمسي وتصبح على رائحة الموت، فمن لم يمت بالجوع يقتله رصاص الدعم السريع وسط الصمت الدولي المريب.
فمنذ عام ونصف تضرب قوات الدعم السريع حصارا كاملا على المدينة الصامدة التي أصبحت رقما صعبا في معادلة حرب السودان؛ سقوطها في يد التمرد يعني سيطرته على كامل إقليم دارفور (ما يعادل ثلث مساحة السودان) وامتلاكه لكرت المناورة بالانفصال وتأسيس دولة خطط الغرب لها، لتكون الثانية بعد جنوب السودان في مشروع تفكيك السودان إلى خمس دويلات صغيرة، بلا إرادة، وخاضعة لخطة إعادة الاستعمار بشكله الجديد، وإن لم تنفصل دارفور اتخذ منها الدعم السريع نقطة للهجوم على كردفان، وربما يفكر في العودة إلى أمدرمان في ظل تدفق الإمدادات العسكرية والبشرية من كل حدود السودان.
وأزمة الفاشر الإنسانية تحولت إلى كارثة، فالناس بلا طعام أو دواء، والأطفال يموتون ليل نهار، ويعيش الناس تحت الأرض ويموتون تحت الانقاض، فهي غزة أخرى ولكنها ليست ضمن أولويات ترامب ولا رباعيته الدولية.
ونقلا عن المتمسكين بالأرض داخل الفاشر، فإن قوات الدعم السريع أحاطت المدينة بالخنادق ومنعت الدخول والخروج الا لمنسوبيها فقط، وكل من يحاول إدخال شيء إلى المدينة فمصيره الموت.
وحتى عندما سمحت قوات التمرد للمواطنين بالخروج من المدينة اعتدت عليهم وسحبت دماءهم لصالح جرحاها في مستشفياتها الميدانية. ولا دواء داخل الفاشر، والمستشفيات توقفت، وتحولت إلى حاويات حديدية بعمق متر ونصف تحت الأرض تجنبا لقصف المدفعية والمسيّرات، وتستخدم الكوادر الطبية قماش "الناموسيات" لتضميد الجراح، ونفد عندهم حتى طعام الحيوان، فلماذا يتفرج العالم على مأساة الفاشر ويعجز عن فك حصارها بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة بهذا الخصوص؟ ولماذا يصمت العالم بأثره عندما يقصف الدعم السريع تجمعا سكنيا بالمسيرات فيقتل 60 مواطنا في الحال؟
والإجابة على هذه الأسئلة تقودنا إلى السيناريوهات المتوقعة لخطة سلام السودان التي تتبناها الرباعية الدولية، فحصار الفاشر يستخدمه داعمو التمرد وسيلة ضغط على الجيش السوداني وداعميه للقبول بالتفاوض مع الدعم السريع وإيجاد مخرج لعودته للحياة السياسية في السودان بعد وقف الحرب. والمجتمع الدولي لا يرغب في فك حصار الفاشر إلا في حال سقوطها في يد الدعم السريع أو ضمن صفقة سياسية تعيد حميدتي للسلطة؛ بعد أن طرده الجيش السوداني من الخرطوم منذ بداية الحرب، وفشل مشروعه في حكم السودان بالقوة. كما أن بقاء الفاشر تحت سيطرة الجيش السوداني يهدد مشروع الاستيلاء على إقليم دارفور الغني بالمعادن والثروات التي بنى الدعم السريع ترسانته القتالية منها، ولا تزال هذه الثروات محل مطامع دولية وإقليمية؛ بعضها ينشط في مبادرة الرباعية والآخر يدعمها سرا وعلانية.
إلا أن تحركات الرباعية المتسارعة هذه الأيام ليست سوى دليل على خيبة أملها في حسم الدعم السريع للمعركة عسكريا وإعلان الفاشر عاصمة للدولة الموازية، لكن صمود الجيش والقوات المشتركة والمستنفرين بعثر الأوراق؛ لتصبح المدينة ضمن أجندة الحل السياسي الشامل ووقف الحرب في السودان تماشيا مع رغبة تيارات سياسية ترغب في أن تكون الفاشر ضمن خطة متكاملة لوقف الحرب، تنتهي بتفكيك الجيش السوداني الحالي واستبداله بجيش جديد تكون نواته قوات الدعم السريع وفصائل تقاتل الحكومة السودانية منذ سنوات لبناء السودان الجديد.
وبالرغم من أن مبادرة الرباعية القديمة بثوبها الجديد تجد رفضا واسعا في السودان، إلا أنها تحاول التسلل إلى صدارة المبادرات الداعمة للسلام في السودان، متجاوزة منبر جدة الذي يتمسك به الرئيس البرهان وأكد عليه في زيارته الأخيرة للقاهرة بجانب القوى السياسية الداعمة للجيش؛ أنه لا تقدم في المسار السياسي إلا وفق الشروط المطروحة في منبر جدة: تجميع المتمردين في مناطق محددة تحت سيطرة الجيش وجمع سلاحهم تمهيدا لدمجهم، وهو مبدأ يجد القبول عند السودانيين (الجيش الوطني الواحد)، وعدم عودة آل دقلو للحياة السياسية التي سيقرر فيها السودانيون بعد عودتهم إلى منازلهم التي أخرجتهم منها قوات الدعم السريع، وعدم مشاركة الإمارات في الوساطة الرباعية الدولية.