الذكاء الاصطناعي والتنمية الاقتصادية
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
يشهد العالم تحولات وتقدّمًا تكنولوجيًا متسارعًا بسبب تطوّر تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي يعد أحد الابتكارات التي ساعدت على التنمية الاقتصادية في البلدان التي استطاعت توظيف تقنياته في القطاعات الاقتصادية من خلال تطوير بعض المفاهيم، مثل تحليل البيانات والاقتصاد الرقمي، والاستفادة منها في فهم ديناميكية الأسواق عبر الاقتصاد القياسي الذي يتنبأ بالأوضاع الاقتصادية من خلال استخدام قواعد البيانات.
من فوائد الذكاء الاصطناعي الواضحة للجميع أن تقنياته ساعدت كثيرًا على فهم سلوك المستهلك بدقة الذي بدوره عزّز قدرته على التنبؤ ووضع الحلول الاستباقية، أيضا أوجد الذكاء الاصطناعي حلولًا للأخطاء البشرية في الرصد والتحليل والقيام ببعض المعادلات الحسابية المعقدة، ما ساعد الشركات على وضع الحلول الاستباقية والتعامل مع الأزمات قبل حدوثها بالاستناد إلى تحليل البيانات والفرضيات، فالعلاقة بين الجانب المعرفي والتنمية الاقتصادية لا تقتصر على تجميع الأموال وزيادة حجم الودائع البنكية، بل في كيفية إدارة الأموال وتعظيم الاستفادة منها في التنمية الاقتصادية، وهو ما يطلق عليه مفهوم رأس المال الحقيقي من خلال توظيف فكرة «تمثيل المعرفة» المكتسبة من أدوات الذكاء الاصطناعي عبر تطابق الواقع والاستدلال عن طريق الحاسبات الآلية للوصول إلى التنمية الاقتصادية.
رغم توقّع بعض الاقتصاديين أن الاقتصادات غير المعتمدة على الذكاء الاصطناعي ربما تواجه تحديات مستقبلية، والاقتصادات التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي سينتج عنها مكاسب اقتصادية على مستوى القطاعات المختلفة والاقتصاد الكلي، إلا أنّ الذكاء الاصطناعي وحده قد يسبب تحديات للاقتصاد الكلي من خلال تراجع مؤشر التوظيف والتشغيل، والتحدي الأكبر يكمن في حجم الأموال التي سيتكبدها الاقتصاد في إنشاء مراكز بيانات ضخمة،وربما يتم تقييد أجزاء أخرى من الاقتصاد كالاستثمارات مثلا بسبب توجيه الأموال لتوظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، فتحقيق التنمية الاقتصادية مرتبط تماما بكيفية إحداث مزيجٍ من الموارد المالية والمعرفة العلمية؛ لإدارة المال علميًا ومعرفيًا، وبالتالي الوصول إلى تنمية اقتصادية شاملة من خلال الاستفادة من الإدارة المالية الكفؤة، ولتحقيق ذلك لابد من الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي ودمجها مع الخبرات البشرية المتراكمة في إدارة الاقتصاد وموارده من خلال التنبؤ واستشراف المستقبل الاقتصادي، وبالتالي فإن الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للاقتصاد، سيكون لها الأثر الفاعل في ازدهار الأنشطة الاقتصادية، ولذلك من المهم أن نستفيد من الرصيد العلمي الرصين الذي تديره عقول معرفية وموارد مالية كبيرة في تنمية الاقتصاد العُماني،
وكذلك من المهم أن نستفيد من الذكاء الاصطناعي وتطوّر أدواته في تحسين التنبؤ وإجراء المعادلات الرياضية المعقدة؛ للاستفادة من البيانات الدقيقة في استشراف المستقبل، بحيث يتم دمج الحدس البشري والذكاء الاصطناعي في ابتكار نموذج جديد يسهم في دقة التنبؤ والتخطيط الاستراتيجي للمستقبل، أيضا من الجيد أن يتم تسريع إدماج مفاهيم ومصطلحات الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات التعليمية؛ لما لذلك من انعكاس على كفاءة التعليم وتشجيع الطلبة على التحليل النقدي باستخدام وسائل ذكية تساعد على التحليل النقدي الداعم لتنمية الاقتصاد وتطوير المجتمع، إضافة إلى تبني فكرة زيادة عدد الأنشطة الإعلامية التي تشجع على تحفيز النشاط الذهني والعقلي؛ بهدف تعزيز مهارات الإبداع والابتكار في التنمية الاقتصادية وإدارة مواردها المالية بكفاءة عالية.
في رأيي، أن الذكاء الاصطناعي ربما يكون مفيدًا للتنمية الاقتصادية ومفيدًا لتسريع نمو بعض الأعمال والأنشطة الاقتصادية، لكنه قد يخفي بعض التحديات التي تواجه تطبيق السياسات الاقتصادية؛ لأن الذكاء الاصطناعي يوفر النتيجة وحدها لا الوسيلة أو طريقة الوصول إلى النتيجة، وبالتالي من المهم أن يتم دمج الذكاءين البشري والاصطناعي في تحديد السياسات المناسبة؛ بسبب أن الذكاء الاصطناعي يحتاج وقتًا لتحقيق إمكاناته التحولية، ولأثره على الاقتصاد الكلي والسياسات الاقتصادية عمومًا من خلال التأثير على التشغيل والإنفاق تحديدا، وبالتالي ربما يكون الاقتصاد يمر بمرحلة جدل ونقاش مستفيض حاليا بين تسارع تطوّر تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته وبين السياسات المتخذة التي ربما تتعارض مع وجهات نظر الباحثين والمحللين الاقتصاديين.
أعتقد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد من وحي الخيال، بل واقعًا وربما يكون سببًا في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي مستقبلا، وأرى أننا أمام فرصة حقيقية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تنمية الاقتصاد العُماني، لكننا في الوقت ذاته نحن بحاجة إلى فهم التحولات الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعامل معها كواقع لابد من التفاعل والتأقلم معه، والاستفادة من قدراته التنبؤية، ومدى توظيف تقنياته في دمج أدوات الاقتصاد الرقمي والاقتصاد التقليدي لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة في سلطنة عُمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی أن الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی التنمیة الاقتصادیة تنمیة الاقتصاد من خلال
إقرأ أيضاً:
منظور قيادي لمستقبل التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة
شهدت قاعة الاحتفالات الكبري بجامعة القاهرة جلسة رفيعة المستوى بعنوان "الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم العالي.. منظور قيادي"، بمشاركة نخبة من رؤساء الجامعات المصرية والدولية وصنّاع القرار في التعليم العالي، وبحضور نواب رئيس الجامعة، وعدد من عمداء الكليات، ولفيف من أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
وأكد الدكتور محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعة القاهرة، خلال الجلسة، أن القيادة داخل المؤسسات التعليمية تُعد ركيزة أساسية لضمان استمرارية التميز والتطوير، موضحا أن القائد المؤثر يمتلك رؤية مستقبلية، ويحث زملاءه على الإبداع والابتكار، ويحول الأفكار إلى إنجازات، ويمتلك رؤية استشرافية للمستقبل.
وأشار إلى التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم العالي، والتي من بينها البنية التحتية للجامعات، والكوادر البشرية المدربة والمؤهل للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتمويل والاستدامة، وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم العالي، مبينا أن الجلسة يتم من خلالها مناقشة طرق الاستخدام الأمثل للذكاء داخل منظومة التعليم العالي.
ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد دلال رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن مؤتمر جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي يأتي في توقيت بالغ الأهمية لمحاولة اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي والتعامل داخل مختلف المؤسسات، والتي من بينها الدراسة الجامعية.
وأشار إلى ضرورة إعادة تعريف النزاهة الأكاديمية، وإعادة النظر في تقييم الطلاب من خلال استخدام طرق جديدة بدلًا من الطرق القديمة والتقليدية، والتي لا يصلح استخدامها خلال الوقت الراهن، لافتًا إلى أن الجامعات تواجه تحديات مرتبطة بالتكلفة والبنية التحتية، والنزاهة، والقدرة على المشاركة في صناعة الذكاء الاصطناعي.
وبدوره، أكد الدكتور مصطفى رفعت أمين المجلس الأعلى للجامعات الحرص علي تخريج طالب يمتلك الجاهزية لمتطلبات سوق العمل المحلي والدولي، وذلك من خلال وضع سياسات لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى إطلاق الإطار الاسترشادى للذكاء الاصطناعي في التعليم العالي بمصر، والذي يتضمن 10 محاور، من بينها نمط التدريس من خلال إلقاء الضوء على المنصات وكيفية استخدامها بشكل فعال في عملية التعليم والتعلم.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعى ليس بديلا عن عضو هيئة التدريس داخل العملية التعليمية، وأن المجلس الأعلى للجامعات له دور ممتد، ليس فقط من خلال إطلاق أدلة استرشادية، ولكن من خلال تبنى المشروعات، كما أشار إلى اطلاق المجلس منذ عام ونصف المساعد المستخدم للذكاء الاصطناعي للرد على كافة التساؤلات والاستفسارات الواردة للمجلس.
وأضاف: أن الذكاء الاصطناعي متواجد منذ عام 1950، ولكن الإتاحة للحوسبة الضخمة ساهمت بشكل كبير في سرعة الانتشار، كما أن إطلاق المجلس الدليل الاسترشادى لاستخدام الذكاء الاصطناعي، هو الدليل الثالث لتحديث التقنيات ورسم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
ومن جهته، قال الدكتور محمد ضياء رئيس جامعة عين شمس "إن الجامعة تمتلك استراتيجية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي بداية من الحوكمة لوضع إطار للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وخاصة في مجال البحث العلمي وإعداد الرسائل العلمية"، منوها في هذا الصدد أن الجامعة أتاحت الإطار العام لاستخدامات الذكاء الاصطناعي لكافة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة.
وأوضح أن الجامعة تنظم دورات متخصصة لأعضاء هيئة التدريس في مجال الذكاء الاصطناعي منذ أغسطس 2025، وتم خلالها تدريب نحو 1600 عضو هيئة تدريس لقيادة التكنولوجيا الحديثة بالجامعة، لافتا إلى وجود منصة داخل الجامعة من أجل تطوير وسائل وطرق التعليم ونظم التدريس بالجامعة، فضلا عن وضع بنوك أسئلة من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأكد الدكتور محمد لطفى رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة أن الذكاء الاصطناعي أصبح من محاور العمل داخل الجامعات في مختلف القطاعات، لافتا إلى حرص الجامعة على تسخير أدوات الذكاء الاصطناعى وتوظيفها علي مستوى التعليم والتعلم والبحث العلمي.
ولفت إلى ضرورة استحداث منصب جديد داخل الجامعات المصرية، وهو منصب نائب رئيس الجامعة للذكاء الاصطناعي، أسوة بالجامعات العالمية يختص بمهام وضع استراتيجيات حول الاستخدامات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على كافة المستويات التعليمية والبحثية، سواء للطلاب أو لأعضاء هيئة التدريس.
وناقشت الجلسة، التحولات الجذرية التي يشهدها التعليم العالي في ظل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ودور القيادة الجامعية في توجيه هذه التغيرات نحو بناء منظومة تعليمية أكثر مرونة وكفاءة وجودة.. كما تناولت نماذج التدريس والتعلّم المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وقضايا نزاهة التقييم الأكاديمي، والتخصيص واسع النطاق لمسارات التعلم، وتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس.
واستعرض المتحدثون، خلال الجلسة، آفاق تسريع البحث العلمي عبر أدوات الذكاء الاصطناعي التحليلية، وبناء بيانات مؤسسية داعمة للابتكار، مؤكدين أهمية تطوير سياسات واضحة للاعتماد والجودة، وضمان الخصوصية والشمول والمساواة في الفرص التعليمية.. وطرح المتحدثون رؤية متكاملة لحوكمة البيانات الرقمية داخل الجامعات، ووجود ميثاق أخلاقي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي داخل الجامعات، وضرورة سد الفجوة في المناهج التعليمية، ومدى تأثير الذكاء الاصطناعي على التعاون الدولي.
وأوصت الجلسة بضرورة بناء قدرات القيادات الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس والطلاب في مجال الذكاء الاصطناعي، ودمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي والتفكير النقدي داخل المناهج الدراسية، وإعادة النظر في معايير الحوكمة والاعتماد والجودة مع تشجيع التعاون المؤسسي الإقليمي والدولي لسد الفجوة التعليمية.. كما أوصت بوضع إطار حوكمة واضح للذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات مع إشراك الطلاب في رسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي للاستفادة من أفكارهم الإبداعية وامتلاكهم ملكات ومهارات استخدام التكنولوجيا الحديثة.
اقرأ أيضاًوزير التعليم العالي: الدولة المصرية داعم رئيسي للتعليم الفرانكفوني والجامعات القومية نموذج للتعاون الدولي