أنقرة- في مشهد انتخابي حمل دلالات سياسية عميقة، حسم مرشح المعارضة ورئيس الحزب الجمهوري التركي طوفان أرهورمان، السباق إلى رئاسة جمهورية شمال قبرص التركية، متفوقا بفارق واسع على الرئيس المنتهية ولايته أرسين تتار.

ويعكس هذا الفوز تحولا محتملا في مسار التعاطي مع المسألة القبرصية، إذ يطرح أرهورمان مقاربة تقوم على استئناف المفاوضات برعاية أممية من أجل تسوية اتحادية مع القبارصة اليونانيين، على النقيض من منافسه تتار المدعوم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي تمسّك خلال ولايته بحل يقوم على دولتين لشعبين على جانبي الجزيرة المقسمة.

أرهورمان أصبح رابع رئيس للجمهورية منذ إعلان قيامها عام 1983 (الأناضول)فارق كبير

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في جمهورية شمال قبرص التركية فوز مرشح الحزب الجمهوري التركي طوفان أرهورمان (55 عاما) بمنصب الرئاسة، بعد حصوله على 62.8% من الأصوات، متفوقا بفارق واسع على الرئيس المنتهية ولايته أرسين تتار (65 عاما) الذي حصل على 35.8%، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات نحو 65% من إجمالي 218 ألف ناخب مسجل.

وبهذا الفوز من الجولة الأولى، يصبح أرهورمان رابع رئيس للجمهورية منذ إعلان قيامها عام 1983، خلفا لتتار الذي تولى المنصب في 2020.

وينتمي أرهورمان إلى تيار يسار الوسط، وقد بنى حملته على تعهد بإعادة إحياء محادثات السلام المتوقفة، انطلاقا من التزامه بحل سياسي يقوم على توحيد الجزيرة ضمن نظام اتحادي برعاية الأمم المتحدة.

في المقابل، خاض تتار الانتخابات مرشحا مستقلا، بدعم من حزب الوحدة الوطنية الحاكم ومن أنقرة، وتمسك خلال ولايته بخيار إقامة دولتين منفصلتين، داعيا المجتمع الدولي للاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية كدولة ذات سيادة، موازية للجمهورية القبرصية المعترف بها دوليا في الجنوب.

وتجدر الإشارة إلى أن جزيرة قبرص تعيش منذ عقود حالة انقسام سياسي وعرقي، إذ تسيطر جمهورية شمال قبرص التركية على الثلث الشمالي من الجزيرة، منذ التدخل العسكري التركي عام 1974، وتحتفظ تركيا فيها بنحو 35 ألف جندي في الشمال، في إطار دورها كدولة ضامنة لأمن القبارصة الأتراك.

إعلان

أما الجمهورية القبرصية في الجنوب -ذات الأغلبية اليونانية- فهي عضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ 2004، وتمثل الجزيرة في المجتمع الدولي.

وينظر إلى فوز أرهورمان على أنه فرصة محتملة لكسر هذا الجمود، وفتح نافذة جديدة لاستئناف المحادثات على أساس الحل الفدرالي ثنائي المناطق والطائفتين، وهو النموذج الذي يحظى بدعم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، باعتباره الإطار الأنسب لتسوية دائمة للنزاع القبرصي.

 

جمهورية شمال قبرص التركية تسيطر على الثلث الشمالي من الجزيرة منذ التدخل العسكري التركي عام 1974 (الجزيرة)ردود الفعل

قوبل فوز طوفان أرهورمان في شمال نيقوسيا بمظاهر احتفال واسعة، حيث خرج أنصاره إلى الشوارع يلوحون بأعلام الحزب الجمهوري التركي، تعبيرا عن ابتهاجهم بالتغيير السياسي الذي حملته صناديق الاقتراع.

وفي كلمة ألقاها أمام حشد من المؤيدين، وصف أرهورمان انتصاره بأنه "نصر لجميع القبارصة الأتراك، بمختلف انتماءاتهم"، مؤكدا عزمه على إدارة السياسة الخارجية "بتنسيق وثيق مع تركيا"، حفاظا على وحدة الصف والموقف.

في المقابل، أقر الرئيس المنتهية ولايته أرسين تتار بالهزيمة، وهنأ الرئيس المنتخب داعيا إلى احترام إرادة الشعب، رغم تباين رؤيتيهما إزاء مستقبل الجزيرة ومسار التسوية السياسية.

وعلى الجانب التركي، سارعت أنقرة إلى الترحيب بنتائج الانتخابات، ووجه الرئيس رجب طيب أردوغان تهنئة علنية عبر منصة "إكس" مشيدا بما وصفه بـ"النضج الديمقراطي" الذي أظهره القبارصة الأتراك في اختيار قيادتهم.

وشدد أردوغان على أن تركيا ستواصل "الدفاع عن الحقوق السيادية لجمهورية شمال قبرص التركية في جميع المحافل"، مؤكدا التزام بلاده الثابت بالوقوف إلى جانب القبارصة الأتراك.

من جانبه، سارع رئيس جمهورية قبرص نيكوس كريستودوليدس إلى تهنئة الرئيس المنتخب، معربا عن استعداده لاستئناف مفاوضات السلام "في أقرب وقت ممكن".

ثوابت أنقرة

في السياق، قال الأكاديمي في جامعة بورصة الدكتور محمد يوجا، إن جمهورية شمال قبرص التركية تمثل بالنسبة لتركيا أكثر من مجرد ارتباط تاريخي أو ثقافي، إذ تُعد ركيزة إستراتيجية في معادلة الأمن والهيمنة الجيوسياسية في شرق البحر المتوسط.

وأشار يوجا في حديثه للجزيرة نت، إلى أن سياسة أنقرة تجاه شمال قبرص ليست خاضعة للظروف الآنية أو التغيرات السياسية، بل تمثل نهجا ثابتا للدولة التركية يقوم على مبادئ الأمن القومي والسيادة والمصالح الإستراتيجية.

وأوضح أن أولويات تركيا تتمثل في الاعتراف بالمساواة السيادية للقبارصة الأتراك، واستمرار الوجود العسكري التركي، والحفاظ على نظام الضمانات، وحماية الحقوق البحرية في شرق المتوسط، ورفض الادعاءات القبرصية اليونانية بالسيادة المنفردة على الجزيرة.

وحول موقف أنقرة من الرئيس المنتخب طوفان أرهورمان، قال يوجا إن "أرهورمان ورغم تبنيه خطابا اتحاديا خلال الحملة الانتخابية، إلا أنه سيضطر بحكم موقعه الجديد إلى تبني مقاربة أكثر واقعية، تأخذ في الاعتبار المصالح الإستراتيجية لتركيا في شرق المتوسط".

ولفت إلى أن تجربة الحكم في شمال قبرص تظهر أن أي إدارة لا يمكنها رسم سياسة خارجية مستقلة تماما عن أنقرة، مؤكدا أن تصريح أرهورمان حول "عدم اتخاذ أي قرار خارجي دون التشاور مع تركيا" يعكس هذا الإدراك.

الرئيس التركي أردوغان أكد أن تركيا ستواصل الدفاع عن الحقوق السيادية لجمهورية شمال قبرص التركية (أسوشيتد برس)جمود متجذر

من جانبها، قالت الخبيرة في السياسة الخارجية زينب جيزام أوزبينار، إن فوز طوفان أرهورمان في الانتخابات أثار في البداية انطباعا بإمكانية استئناف المفاوضات حول القضية القبرصية، غير أن المعطيات الإقليمية والدولية تجعل من الصعب تحويل هذا الأمل إلى فرصة حقيقية.

إعلان

وأوضحت أوزبينار في حديث للجزيرة نت، أن مشكلة الجمود القبرصي لا تكمن في تغير القادة، بل في استنفاد نموذج المفاوضات القائم على الاتحاد الفدرالي، مشيرة إلى أن هذا النموذج جُرب لعقود طويلة، وانتهى مرارا إلى طريق مسدود بسبب إصرار الجانب القبرصي اليوناني على مفهوم "السيادة الواحدة" ومحاولاته تكريس واقع التفاوت القائم على الأرض.

وأضافت أوزبينار أن "العقبة الكبرى أمام أي حوار جديد تتمثل في تمسك الجانب القبرصي اليوناني بادعاء تمثيل جمهورية قبرص، بوصفها الكيان الشرعي الوحيد، وهو ما يقوض مبدأ المساواة بين الطرفين، ويهمش الحقوق السيادية للقبارصة الأتراك".

وختمت أوزبينار بالقول إن "الحل الواقعي اليوم لا يكمن في العودة إلى مفاوضات الاتحاد الفدرالي، بل في الاعتراف السياسي بالوضع القائم، عبر تثبيت نموذج الدولتين المتساويتين في السيادة"، معتبرة أن هذا النهج هو الضامن الفعلي لأمن القبارصة الأتراك واستقرار شرق المتوسط.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات جمهوریة شمال قبرص الترکیة القبارصة الأتراک إلى أن

إقرأ أيضاً:

من هو توفان إرهورمان رئيس شمال قبرص الجديد؟

أنقرة (زمان التركية) – فاز توفان إرهورمان، زعيم الحزب الجمهوري التركي (CTP) الذي يقود المعارضة، في الانتخابات الرئاسية لشمال قبرص، بولاية رئاسية مدتها ست سنوات.

وتوجه سكان شمال شبه الجزيرة إلى صناديق الاقتراع لاختيار قائدهم الجديد، حيث أظهرت النتائج غير الرسمية تفوقه بنسبة 62.80% من الأصوات، مقابل 35.77% للرئيس الحالي إرسين تتار.

وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات فتح 753 صندوق اقتراع من إجمالي 777 صندوقًا في هذه الانتخابات. بدأ التصويت الساعة الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي، وسط ترشح سبعة مرشحين، أبرزهم تتار – الرئيس الحالي وزعيم حزب الوحدة الوطنية (UBP) سابقًا – وإرهورمان. كما شمل السباق عثمان زوربا من الحزب الاشتراكي القبرصي، وعارف صالح كرداغ، أحمد بوران، محمد هاسغولر، وإبراهيم يازيجي كمستقلين.

في تطور مثير، انسحب المرشح المستقل حسين غورلك يوم السبت 17 أكتوبر/تشرين الأول لصالح تتار الذي عن حل “الدولتين” المتساويتين في الجزيرة، بينما يسعى إرهورمان إلى اتحاد فيدرالي مشترك مع جمهورية قبرص اليونانية.

رغم طابعها الرمزي إلى حد كبير، تعد الرئاسة في شمال قبرص محورية لتمثيل القبارصة الأتراك في مفاوضات حل النزاع القبرصي.

ويجسد تتار وإرهورمان توجهين متعارضين حول القضية القبرصية، والعلاقات مع تركيا، والسياسة الخارجية.

يؤكد إرهورمان على استئناف المفاوضات الرسمية مع جمهورية قبرص، والتي كان آخرها عام 2017، ويرفض حل “الدولتين” كوسيلة واقعية لكسر العزلة الاقتصادية والسياسية.

وتوفان إرهورمان أكاديمي ومحامي ودبلوماسي قبرصي تركي ورئيس سابق لمجلس وزراء شمال قبرص،  وهو باحث في القانون العام من حيث المهنة. عمل سابقًا في وزارة العدل التركية بين عامي 1999 و2004. وهو الزعيم الحالي للحزب الجمهوري التركي. شغل منصب رئيس الوزراء اعتبارًا من يناير 2018 حتى مايو 2019، عندما انتخب أرسين تتار رئيسا للبلاد.

منذ توليه المنصب عام 2020، يرفض أرسين تتار المفاوضات القائمة على الاتحاد مع الجانب اليوناني متبنيا وجهة النظر التركية، ويدعو بدعم من أنقرة إلى “نموذج الدولتين” الذي يضمن سيادة كاملة للقبارصة الأتراك. كما يشترط “الثلاثي الأبعاد” لأي حوار: رحلات جوية مباشرة، تجارة مباشرة، وتواصل مباشر.

أثارت تدخلات أنقرة جدلاً واسعًا في الانتخابات، حيث سافر عشرات من كبار السياسيين والمشاهير الاتراك إلى الجزيرة لدعم تتار، منهم سليمان صويلو (وزير الداخلية السابق)، خلوصي أكار (وزير الدفاع السابق)، مصطفى ديستيجي (زعيم حزب الوحدة الكبرى)، أوميت أوزداغ (زعيم حزب النصر)، ومسعود أوزيل (لاعب كرة قدم سابق). وفقًا للخبراء، سيحرص أي رئيس منتخب على تعزيز الروابط مع تركيا، لكن انتصار إرهورمان قد يعيد توازن القوى.

في جدل إضافي، زعم مصطفى أكينجي – منافس تتار في انتخابات 2020 – تعرضه وعائلته لتهديدات من جهاز المخابرات التركي (MIT)، وطلب سحب ترشيحه. لكن السفارة التركية في نيقوسيا وتتار نفى هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً.

 

Tags: أردوغانارسين تتارالمعارضةتركياقبرص التركية

مقالات مشابهة

  • إحباط محاولتي تسلل على الواجهة الشمالية
  • انقلاب سياسي في شمال قبرص التركية.. المعارضة تطيح بالرئيس الحالي
  • تهاني يونانية لرئيس قبرص الشمالية بعد فوزه على مرشح تركيا
  • الجيش يحبط محاولة تسلل على الواجهة الشمالية
  • من هو توفان إرهورمان رئيس شمال قبرص الجديد؟
  • تركيا تعلق انتخابات شمال قبرص بعد خسارة مرشحها
  • الرئيس المنتخب للقبارصة الأتراك يتخلى عن رئاسة حزبه
  • طوفان أرهورمان يفوز بالانتخابات الرئاسية في قبرص التركية
  • السفير التركي بالقاهرة: فخورون بعودة سفن المساعدات التركية للعريش بعد وقف إطلاق النار