الأنفاق السرية للنازية.. سياحة في قلب تاريخ مظلم
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
ليست برلين الواقعة وسط القارة الأوروبية فقط عاصمة جمهورية ألمانيا الاتحادية وأكبر مدنها، بل إنها أيضا تعد مزارا سياحيا مهمة يرجع في جزء كبير منه إلى تاريخ حافل ومثير.
ولكن ما نتحدث عنه ربما لا يعرفه الكثيرون ممن لم يزوروا هذا البلد، ويتعلق الأمر بتلك الممرات والمخابئ الخرسانية التي أنشأتها السلطات خلال الحقبة النازية لحماية المدنيين أثناء الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، وقد استخدمت المخابئ والممرات لاحقا لغايات متعددة.
في الوقت الحاضر، تتاح أجزاء من هذه المنشآت للزيارة ضمن جولات رسمية، تقدم للزوار معلومات دقيقة حول الحياة أثناء القصف الجوي الشديد التي تعرضت له البلاد خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.
تحت الأرضتتيح جمعية "برلين تحت الأرض" للزوار فرصة فريدة لاستكشاف التاريخ الخفي للعاصمة الألمانية، وذلك عبر جولات متحفية داخل عدد من المخابئ التي شُيدت خلال الحرب.
من أبرز هذه الجولات تلك التي تحمل عنوان "من أبراج المضادات إلى جبال الأنقاض"، حيث يصطحب المرشدون الزوار المشاركين للغوص في ثلاثة طوابق من أصل سبعة ضمن أحد أكبر المخابئ، والذي يقع على عمق يفوق 15 مترا تحت سطح الأرض.
وتُعرض خلال الجولة قصص حقيقية ومؤثرة للمدنيين الذين احتموا بهذه المخابئ أثناء الغارات الجوية، مما يمنح الزائر إحساسا ملموسا بظروف الحياة تحت القصف إبان تلك الحرب، والتي سببت قتلا ودمارا كبيرين.
تجدر الإشارة إلى أن درجة الحرارة داخل الممرات لا تتجاوز 10 درجات مائوية حتى في فصل الصيف، ولهذا يُنصح الزوار بارتداء ملابس مناسبة وكذلك أحذية مريحة لضمان الراحة أثناء الجولة.
ويمكن حجز التذاكر مسبقاً عبر الموقع الإلكتروني للجمعية، حيث يبلغ سعر التذكرة سبعة عشر يورو، وتستغرق الجولة قرابة 90 دقيقة مليئة بالتفاصيل والمشاهدات.
ويقع مقر الجمعية في شارع برونن شتراسه 105، بجوار محطة غيزوندبرونن شمال وسط برلين، ما يجعل الوصول إليه سهلاً عبر المترو، أو قطارات الضواحي.
إعلانوفي هذه المساحة نجمع لكم بعض تعليقات من خاضوا هذه التجربة حيث يقول أحدهم على موقع "تريب إدفيزر" TripAdvisor "الحيز ضيق ويحتاج بعض الدرج والمشي، لكنه تجربة ثرية لعشاق التاريخ… تجربة توثق الجانب الإنساني للحرب بعيدا عن الدعاية المعتادة".
ويكتب آخر في خانة "مراجعات غوغل" (Google Reviews) للمكان "أفضل جولة قمت بها في برلين. المرشد يعرف كل التفاصيل الصغيرة ويشرحها بحماس. الجو داخل المخبأ بارد فعلاً، لكنه يجعل التجربة أكثر واقعية".
هامبورغ السفلىلا تنحصر تجربة الاطلاع على أنفاق النازية على برلين، ففي مدينة هامبورغ الواقعة شمال ألمانيا، يتوارى مخبأ برلينر تور العميق تحت محطة المترو التي تحمل الاسم نفسه.
وقد شيد المخبأ في عام 1940 على عمق 11 مترا، ويصل سمك جدرانه إلى مترين، مما جعله واحدا من أبرز الملاجئ المدنية خلال فترة الحرب العالمية الثانية، إذ لعب المخبأ دورا محوريا أثناء عملية "غوموراه"، وهي سلسلة من الغارات الجوية الكاسحة التي دمرت المدينة عام 1943.
كان المخبأ يتسع لنحو 800 شخص، ولا تزال بعض أجزائه تحتفظ بحالتها الأصلية حتى اليوم، ما يمنح الزائرين فرصة نادرة لمعايشة أجواء تلك الحقبة.
وتُنظم الجولات داخله على فترات محدودة، وتشرف عليها جمعيات محلية متخصصة في توثيق آثار الحرب، مع ملاحظة أن التصوير داخل هذه الأنفاق غالباً ما يكون غير مسموح به، حفاظا على خصوصية الموقع وأصالته.
ويتميز مخبأ برلينر تور بسهولة الوصول إليه من مركز هامبورغ؛ إذ يمكن ركوب المترو إلى محطة برلينر تور عبر الخطوط الرئيسة، ثم النزول من الممر الشرقي مباشرة.
أما الزوار القادمون من العاصمة برلين، فبإمكانهم ركوب القطار السريع المباشر إلى هامبورغ، حيث تستغرق الرحلة قرابة ساعة و45 دقيقة.
أحد رواد منصة "تريب أدفايزر" يحكي عن تجربته في أنفاق النازية في هامبورغ قائلا "كان الشعور غريبًا ومهيبًا في الوقت نفسه. الأنفاق ضيقة ولكنها نظيفة، والمرشد يشرح التفاصيل الدقيقة عن كيفية بقاء الناس أحياء هنا أثناء القصف".
بون مخبأ الحكومةوقرب مدينة بون، وتحديدا في وادي آر غرب ألمانيا، يقع "متحف موقع توثيق مخبأ الحكومة" في بلدة أهرفايلر، والذي يفتح أبوابه للزوار كجزء صغير من مجمع كان يُعد أحد أسرار الحرب الباردة.
ويمتد المخبأ الأصلي على مساحة شاسعة تبلغ 17 كلم من الأنفاق الخرسانية المتداخلة، غير أن الزائر اليوم لا يرى سوى ما يقارب 200 متر منها، تم تخصيصها بعناية لتوثيق تلك المرحلة الحرجة من تاريخ ألمانيا المقسمة.
وتستمر الجولة داخل المخبأ ما يزيد على الساعة، إذ تتيح للزائر استكشاف تجهيزات الطوارئ وغرف القيادة وأجهزة الاتصالات، والتي ما زالت على حالها منذ ستينيات القرن الماضي.
إعلانويبلغ سعر تذكرة الدخول إلى المخبأ نحو 15 يورو مع توفير خصومات للطلاب وكبار السن، في محاولة لجعل الزيارة متاحة لمختلف فئات المجتمع.
ومن أجل الوصول إلى المكان، يمكن الانطلاق من مدينة فرانكفورت عبر القطار السريع إلى بون في رحلة تستغرق قرابة ساعة ونصف، يتبعها ركوب القطار الإقليمي إلى محطة أهرفايلر ماركت والتي تبعد قرابة 45 دقيقة.
وأما الزوار القادمون من مدينة كولونيا، فستستغرق رحلتهم أقل من ساعة واحدة للوصول إلى هذا الموقع التاريخي الفريد.
وفي مراجعة على موقع "تريب أدفايزر" كتب أحد الزوار قائلا "جولة دقيقة ومنظمة، ترى فقط جزءا صغيرا من المجمع العملاق، لكنها كافية لتشعر بمدى السرية والقلق الذي عاشته ألمانيا في الحرب الباردة"، فيما كتب آخر على مراجعات غوغل ما يلي "مكان يستحق الزيارة لمحبي التاريخ. تشعر أنك عدت إلى الستينيات، فكل شيء ما زال كما هو: الهواتف، المكاتب، الأسرة، وحتى رائحة الخرسانة الباردة".
تجربة فريدةلا تمثل هذه المخابئ مجرد آثار لحرب مضت، بل هي فصول ملموسة من تاريخ أوروبا الحديث، فعند الدخول إلى هذه الممرات الضيقة والمعتمة يمكن للزائر أن يستشعر معاناة من عاشوا تلك الفترة العصيبة.
وعلى الرغم من أن البعض يطلق عليها "أنفاق سرية"، إلا أنها في الواقع مخابئ دفاعية صممت للحماية من الغارات الجوية، ولتتحول اليوم إلى مواقع توثيقية وسياحية تمنح الزائرين تجربة واقعية لمعنى الحياة تحت وطأة الخطر.
إن زيارة هذه الأنفاق ليست مجرد مغامرة ترفيهية، بل تُعد رحلة ثقافية تعيد صياغة مفهوم النجاة، وتبرز كيف تمكنت المدن الألمانية من النهوض من بين الأنقاض لتسرد قصتها للعالم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الغارات الجویة
إقرأ أيضاً:
تظاهرة في برلين تضامنًا مع فلسطين وللمطالبة بإدخال المساعدات لغزة
برلين - صفا شهدت العاصمة الألمانية برلين، الليلة الماضية، مظاهرة تضامنية مع فلسطين ضد الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مطالبين بعدم تزويد "إسرائيل" بالأسلحة. وتجمع عدد كبير من الأشخاص وسط ميدان بحي ميته في برلين، تعبيرًا عن دعمهم لفلسطين. وطالب المتظاهرون بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ومحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووقف دعم ألمانيا لـ"إسرائيل". وحملوا أعلام فلسطين ولافتات كتب عليها عبارات من قبيل "الحرية لفلسطين"، "كرامة الإنسان مصونة"، "أوقفوا الحرب والاحتلال"، و"لا لتزويد إسرائيل بالأسلحة". ورفعوا صورًا لصحفيين وأطفال قُتلوا على يد الاحتلال في غزة، مرددين هتافات مثل "إسرائيل تقتل الأطفال"، و"نتنياهو إلى المحكمة"، و"إسرائيل دولة إرهابية".