ياسمين عبدة تكتب: من الدارك ويب إلى الشارع المصري والقانون لا يزال قاصرا
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
لم تعد جرائم الأطفال في مصر مجرد حوادث عابرة يمكن تبريرها بالاندفاع أو غياب الوعي. نحن أمام جيل جديد صنعته الشاشات لا المدرسة، وتكوّن وعيه داخل الإنترنت لا في حضن الأسرة. جيلٌ يواجه العالم من خلف شاشة مضيئة ويتعامل مع الجريمة كأنها “ترند” أو مشهد في لعبة إلكترونية.
لكن الأخطر أن القانون ما زال يتعامل مع هؤلاء على أنهم “أطفال” لا يُدركون، في وقتٍ أصبحت فيه عقولهم أكبر من أعمارهم، وأخطر من قدرتنا على السيطرة عليهم.
لقد سبق الانفتاحُ التكنولوجيُّ القوانينَ بعقود، وفتحت السوشيال ميديا أبوابها على مصراعيها دون حراسة أو وعي. صارت المنصات ساحات لتحديات الموت، والجرائم تُبث على الهواء مباشرة، والأطفال يتعلمون منها كيف يخططون، لا كيف يتراجعون. وبينما المجتمع يرتجف من جريمة تلو الأخرى، لا يزال النص القانوني القديم يُغلق عينيه وكأنه يعيش في زمن أبيض وأسود لا يعرف الدارك ويب ولا الذكاء الاصطناعي.
حادث الإسماعيلية الأخير كان جرس إنذار مدوٍ. لم تكن جريمة عادية، بل استعراضًا علنيًا لجيلٍ جديد يرى في الجريمة بطولة تُصور وتُشارك على تيك توك. ومع ذلك، خرج البعض ليقول: “ده لسه طفل، القانون ما يعاقبوش!”
لكن أي طفل هذا الذي يخطط، يصور، ينشر، ويتباهى؟ وأي منطق يجعل من البراءة ستارًا لجرائم تهز الرأي العام؟
قانون الطفل المصري وُضع في زمن لم يكن يعرف الإنترنت ولا العنف الرقمي. كان الهدف منه حماية القُصر من القسوة، لا حماية القسوة منهم. اليوم، صار القانون في كثير من الأحيان جزءًا من المشكلة، لا الحل. نحن لا نتحدث عن أطفالٍ جائعين للّعب، بل عن مراهقين تَغذّوا على محتوى دموي، وتربّوا على ثقافة “اللايك” و“المشاهدة”، حتى أصبح القتل مادة ترفيهية، والضحايا مجرّد أرقامٍ في بثٍ مباشر.
الدارك ويب اليوم أخطر من الإرهاب المسلح، لأنّه يزرع الفوضى في العقول لا في الشوارع فقط. هناك، تُباع الأسلحة والمخدرات والمعلومات، وتُصنع الجرائم خلف شاشاتٍ خافتة الضوء. وكلما تجاهلنا هذا العالم، تمدد فينا أكثر.
فمن يملك كلمة المرور يملك القدرة على ارتكاب الجريمة دون أن يخرج من غرفته، ومن يدير عقول الأطفال عبر الشاشات أخطر من من يوجه بندقية على الأرض.
لقد تغيّر الوعي الشعبي تمامًا، وصار الناس يدركون أن الانفتاح بلا ضوابط أخطر من الفقر ذاته. امتلأت مواقع التواصل بتعليقات غاضبة تطالب بتعديل قانون الطفل فورًا. كتب أحدهم: “احنا مش في زمن البراءة المطلقة للأطفال دلوقتي، الانفتاح واللي بيشوفوه يوميًا خلّى في جرائم بشعة بيقوم بيها أطفال صعب تتصدق.” وآخر يقول: “الوعي اتغير، فالقوانين لازم تتغير.”
هذه الأصوات لا تنادي بالانتقام، بل بالعدالة، وبأن يكون القانون متزنًا مع الواقع لا منفصلًا عنه.
إن تعديل قانون الطفل لم يعد ترفًا تشريعيًا، بل ضرورة لحماية الأمن القومي. يجب أن يُعاد النظر في سن المسؤولية الجنائية في الجرائم الإلكترونية والجرائم العمدية، وأن تُفرض رقابة إلكترونية حقيقية على المحتوى العنيف. لا بد من عقابٍ رادع يُعيد للدولة هيبتها ويمنع تحوّل أطفال اليوم إلى مجرمي الغد.
نحن لا نريد أن نسجن الطفولة، بل أن ننقذها من الانقراض.
فحين يصبح الجيل القادم أسيرًا لمواقع لا تعرف الرحمة، وحين يسبق الإنترنت القانون بعشرة أعوام، يصبح الصمت جريمة أكبر من الجريمة نفسها.
لقد دخلت مصر حربًا جديدة بلا إطلاق نار: حرب الوعي.
العدو ليس جيشًا، بل شاشة. والسلاح ليس رصاصة، بل “فيديو”.
فهل ننتظر حتى ينهار جدار المجتمع، أم نبدأ معركة التشريع قبل أن يبتلعنا الدارك ويب تمامًا ؟
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: جرائم الأطفال غياب الوعي حضن الأسرة الدارک ویب
إقرأ أيضاً:
وليد هندي: جريمة الإسماعيلية جرس إنذار خطير يكشف تأثير المحتوى العنيف على سلوك الأطفال
في جريمة مروعة هزت محافظة الإسماعيلية وأثارت موجة واسعة من الغضب والصدمة، قام طفل بقتل زميله في الواقعة المعروفة إعلاميًا بـ«واقعة المنشار الكهربائي».
الجريمة التي راح ضحيتها طفل يبلغ من العمر 12 عامًا، لم يكن له من ذنب سوى أنه وثق في زميله وذهب معه إلى منزله، حيث وقعت تفاصيل الحادث البشع.
وتعود بداية الواقعة إلى العثور على أشلاء جثة طفل مجهول الهوية خلف مبنى «كارفور» بدائرة مركز الإسماعيلية، في مشهد دموي صادم كشف لاحقًا عن واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها المحافظة في السنوات الأخيرة.
استشاري نفسي: تعرض الأطفال لمشاهد العنف يصيبهم بتبلد الإحساس ويحول الخيال إلى سلوك عدوانيقال الدكتور وليد هندي إستشاري الصحة النفسية في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد إن ثلث مستخدمي الإنترنت في العالم من الأطفال، موضحًا أن هذا يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بما يُعرف بـ«متلازمة الشاشات الإلكترونية».
وأكد أن دماغ الطفل يمتص ما يزيد عن 60% من الإشعاعات الصادرة عن الأجهزة الذكية، وهو ما يؤثر على تكوين الدماغ ومساراته العصبية ويولد سلوكًا عدوانيًا مفرطًا لديهم.
وأوضح أن المحتوى العنيف والعميق الذي يشاهده الأطفال عبر التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى تبلد إحساسهم تجاه مشاهد العنف والدماء، ويفقدهم الإحساس بالخطر، مشيرًا إلى أن ذلك يزيد من احتمالية تقليدهم للمشاهد العنيفة التي يرونها.
وأضاف أن الطفل يمتلك آلية نفسية تسمى «التقمص» تجعله يتوحد نفسيًا مع أبطال المشاهد العنيفة ويتقمص شخصياتهم بعد التشبع بها، وهو ما ينعكس على سلوكهم الواقعي ويحول العنف من صورة على الشاشة إلى سلوك عملي في الحياة اليومية.
وأكد أن هناك دراسات أوروبية وأمريكية أثبتت أن التعرض المستمر لمشاهد العنف على مدى سنوات طويلة يترك تأثيرًا تراكميًا خطيرًا، يؤدي إلى ارتفاع معدلات الجرائم العنيفة لدى البالغين الذين اعتادوا مشاهدة هذا النوع من المحتوى منذ الطفولة.
وشدد على أن جريمة الإسماعيلية الأخيرة تمثل مؤشرًا خطيرًا، إذ ارتكب طفل يبلغ 13 عامًا جريمة بشعة بعد تأثره بمحتوى عنيف، واستخدم أدوات خطيرة كانت متاحة له داخل المنزل، مما يعكس حجم المخاطر الناتجة عن غياب الرقابة الأسرية.
ولفت إلى أنه لا يجوز ترك الأبناء أمام المحتوى العنيف على الشاشات لمجرد أن المنصة توضح الفئة العمرية +16 أو +12، مشددًا على ضرورة وجود رقابة وتوجيه من الأسرة.
كما حذر من ترك الأدوات الخطيرة الخاصة بالمهن المختلفة في متناول الأطفال، سواء كانت أدوات حادة أو مواد يمكن استخدامها في إيذاء النفس أو الآخرين.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن ما حدث في الإسماعيلية ليس مجرد واقعة فردية، بل جرس إنذار يستوجب رفع الوعي الأسري، واحتواء الأبناء، وحمايتهم من التأثر بمشاهد العنف التي تشوه فطرتهم وتزرع فيهم سلوكًا عدوانيًا خطيرًا.