حسب الرسول العوض إبراهيم

منذ أن برز اسم عبد الفتاح البرهان إلى واجهة المشهد السياسي عقب سقوط نظام البشير في أبريل 2019 ظلت مواقفه تتسم بالتقلب والتناقض ، مما جعله يبدو كقائد يعيش في ارتباك سياسي دائم. فقد بدأ مشواره متحالفاً مع قوى الثورة ، ثم تراجع بعد فض اعتصام القيادة العامة ، ليعود بعدها ويوقع على ماعرف بالوثيقة الدستورية قبل أن ينقلب عليها لاحققاً في أكتوبر 2021 بمشاركة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومع كل محطة وحدث كان البرهان يظهر بمواقف متبدلة لا تعكس رؤية سياسية واضحة .

وجد البرهان نفسه لاحقاً محاصرا من الإسلاميين داخل الجيش وخارجه، فحاول التغلب عليهم بتحالف مؤقت مع قوات الدعم السريع وقدّم مقابل ذلك ثمناً باهظاً دفعته البلاد من خلال الحرب الدامية التي اندلعت لاحقاً. لكن مكر الإسلاميين كان أعمق مما تخيل إذ دفعوه إلى أتون مواجهة عسكرية مفتوحة مع الدعم السريع، ثم تركوه يواجه العزلة السياسية والعسكرية بعد خسارته للتحالف.

ومنذ ذلك الوقت ظل البرهان يسعى للفكاك من هيمنتهم، فأرسل وفودا سر ية إلى عواصم عدة في محاولة لفتح قنوات تفاوض غير معلنة مع الدعم السريع، غير أن تلك المساعي كانت تُجهض في كل مرة بتدخل الإسلاميين، فيما يلتزم البرهان الصمت وكأنه يدور في حلقةٍ مفرغة لا يملك كسرها.

في المقابل عملت القوى المدنية المناهضة للحرب على توحيد صفوفها داخلياً وخارجياً وسعت إلى كسب الدعم الإقليمي والدولي لوقف الحرب وشرح مأساة السودانيين ونجحت في نقل المشهد للعالم ،ومع تصاعد الجهود الدولية برزت مبادرة الرباعية التي ضمّت دولاً صديقة للسودان وهو ما أثار ذعر الإسلاميين ودفعهم إلى توجيه تحذيرات سرية ومعلنة للبرهان بعدم قبولها. إلا أن البرهان نفسه كان مدركًا لتعقيدات المشهد الدولي وموقف المجتمع الدولي من التيارات الإسلامية المرتبطة بالإرهاب ، اضطر إلى الموافقة على الرباعية بعد تلقيه رسائل حازمة عبر النظام المصري تؤكد أن الوقت لا يحتمل المراوغة أو الالتفاف.

ورغم قبوله بالمبادرة، فإن البرهان لا يزال يفتقر إلى رؤية واضحة للتخلص من عبء الإسلاميين، إذ يوازن بينهم وبين الخارج بخطابٍ مزدوج ، يرسل تطمينات للداخل ويصعد خطاب الحرب في العلن، في محاولة يائسة لإرضاء الجميع دون أن ينجح في كسب أحد. وهكذا يجد الرجل نفسه اليوم بين مطرقة الإسلاميين وسندان الضغوط الدولية، محاصرا في ورطةٍ سياسية وعسكرية جعلت من أزمته عنواناً لانسداد الأفق في السودان.

يبدو أن مستقبل عبد الفتاح البرهان أصبح أكثر غموضاً من أي وقتٍ مضى. فالرجل الذي بدأ رحلته بعد سقوط البشير وهو يمسك بخيوط السلطة، بات اليوم محاصراً بالعزلة السياسية والتحديات العسكرية. الحرب التي راهن عليها لم تمنحه القوة، بل استنزفته داخلياً وخارجياً بينما تتقدّم القوى المدنية في بناء تحالفاتها وطرح بدائلها.

وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية الرافضة لاستمرار نفوذ التيارات الإسلامية، يجد البرهان نفسه أمام خيارين أحلاهما مر ، إما أن يواجه مصيره منفردا إذا أصر على الارتهان للإسلاميين، أو أن يغامر بتفكيك تلك المنظومة التي تحيط به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبله السياسي. إن ورطة البرهان اليوم ليست في خصومه فحسب، بل في غياب الرؤية والقدرة على اتخاذ القرار، وهو ما يجعل من بقائه في المشهد رهيناً بموازين القوى القادمة، لا بإرادته أو وعوده.
في نهاية المطاف، لم يعد السؤال عن خيارات البرهان بقدر ما أصبح عن قدرته على البقاء. فاستمراره في دوامة المراوغات والولاءات المزدوجة جعله أسيراً للإسلاميين من جهة، وللضغوط الدولية من جهة أخرى، بلا إرادةٍ حرة أو رؤيةٍ واضحة. وإذا أصر على الرهان على الحرب كوسيلة للبقاء، فلن يحصد سوى مزيدٍ من الخراب والعزلة. لقد أرهقت الحرب السودان وأبناءه، ولم يبق فيها ما يبرر الصمت أو التردد. والبرهان إن لم يواجه الحقيقة الآن، فسيجد نفسه خارج المشهد قريباً تماما كما خرج الذين ظنوا من قبله أن السلطة يمكن أن تُحمى بالخداع والمناورة.

* كاتب ومحلل سياسي

[email protected]

الوسومحسب الرسول العوض إبراهيم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التیارات الإسلامیة عبد الفتاح البرهان مع الدعم السریع القوى المدنیة البرهان نفسه فی محاولة أصر على من جهة وهو ما

إقرأ أيضاً:

شاهد بالفيديو.. الزعيم السياسي مصلح نصار عن علاقته القوية برئيس مجلس السيادة: (البرهان زي الدنيا ولا أشك في وطنية حميدتي)

تحدث الزعيم السياسي, السوداني, المعروف مصلح نصار, في لقاء تلفزيوني عبر قناة البلد, الفضائية عن بعض القضايا بالساحة السياسية بالسودان.

وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فقد تحدث نصار, عن علاقته القوية برئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

الزعيم السياسي, شبه رئيس مجلس السيادة بالدنيا, حيث قال: (البرهان, دا زي الدنيا تمشي معه دقري يمشي معاك دقري).

كما تحدث مصلح نصار, بحسب ما شاهد محرر موقع النيلين, عن قائد مليشيا الدعم السريع, وقال: (أنا لا أشكك في وطنية حميدتي, لكن المواقف هي البتوضح الحقائق).

محمد عثمان _ الخرطوم

النيلين

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • لازم أتخيل هشام قدامي.. ليلى أحمد زاهر تحكي كواليس تصوير ما تراه ليس كما يبدو
  • ورطة البرهان، وتحوّل المراوغة إلى مازق سياسي
  • أسرة ضابط سابق في الدعم السريع تطالب بالإفراج عنه بعد اعتقاله عشرة أشهر
  • جبريل إبراهيم يكشف ملامح المشهد الاقتصادي.. إيرادات تتزايد دون دعم خارجي وتوقعات حذرة للدولار مع اقتراب العودة إلى الخرطوم
  • بقدرات ذكاء اصطناعي مطوّرة .. OnePlus تكشف عن نظام OxygenOS 16
  • الدعم الإماراتي لمليشيا الدعم السريع.. كيف غيّر مسار الحرب ودمّر اقتصاد السودان؟
  • شاهد بالفيديو.. الزعيم السياسي مصلح نصار عن علاقته القوية برئيس مجلس السيادة: (البرهان زي الدنيا ولا أشك في وطنية حميدتي)
  • البرهان: مستعدون للتفاوض بما يصلح السودان ويبعد أي تمرد
  • محلل سياسي إسرائيلي: نتنياهو ترك العصابات التي موّلها في غزة تواجه مصيرها