في أعقاب عملية سطو هزت أركان عالم الفن، أبقى متحف اللوفر الشهير في باريس أبوابه مغلقة أمام الزوار أمس الاثنين، غداة سرقة 8 حلي "لا تقدر بثمن" على أيدي 4 لصوص ملثمين، في وقت تواصل الشرطة الفرنسية عملية بحث واسعة النطاق عنهم.

وصبيحة أول أمس الأحد، وبينما كان أكبر متحف في العالم يستعد لاستقبال زواره، نفذ اللصوص عمليتهم في وضح النهار، مما أدى إلى إغلاق المتحف فورًا.

وأُبلغ الزوار المصطفون في طوابير بأن المتحف سيظل مغلقًا "لظروف استثنائية" وأن أثمان التذاكر ستُرد. وعبر زوجان أسكتلنديان عن خيبة أملهما قائلين "لقد خططنا لهذه الزيارة منذ 6 أشهر ونغادر غدًا. لن نتمكن من زيارة المتحف".

وقد أثارت عملية السرقة، التي وقعت في أحد أكثر المواقع حراسة بالعالم، اهتمامًا عالميًا واسعًا وجدلًا سياسيًا حادًا في فرنسا، وأعادت فتح النقاش المُلح حول أمن المتاحف. وعقد وزيرا الداخلية لوران نونيز والثقافة رشيدة داتي اجتماعًا طارئًا أمس لبحث تشديد الإجراءات الأمنية حول المؤسسات الثقافية، حيث اعترف نونيز بأن المتاحف تعاني "ضعفًا كبيرًا".

وقد كشف تقرير أولي لديوان المحاسبة الفرنسي أن اللوفر يعاني من "تأخير مستمر" في نشر المعدات المصممة لحماية نشاطه. واعترف وزير العدل جيرالد دارمانان بوجود تقصير أمني سمح للمجرمين بتنفيذ عمليتهم بسهولة نسبية.

تفاصيل السطو

وقعت السرقة بين الساعة 9:30 و9:40 صباحًا، واستخدم اللصوص شاحنة مجهزة برافعة رُكنت على رصيف نهر السين، وصعدوا بواسطتها إلى نافذة بالطابق الأول.

وبعد تحطيم النافذة بجهاز قص محمول، دخل اثنان منهم إلى "قاعة أبولون" المرموقة التي تضم مجوهرات التاج الفرنسي. وقاموا بتهشيم واجهتين تتمتعان بحماية عالية وسرقوا 8 حلي تعود للقرن الـ19، وصفها بيان وزارة الثقافة بأنها "لا تقدر بثمن على الصعيد التراثي".

إعلان

ومن بين المسروقات عقد من الياقوت يعود للملكة ماري-إميلي (زوجة الملك لوي-فيليب الأول) مرصع بـ8 أحجار ياقوت و631 ماسة، وعقد من الزمرد يعود للإمبراطورة ماري لويز (الزوجة الثانية لنابليون الأول) مكون من 32 حجر زمرد و1138 ماسة.

وخلال فرارهم، أسقط اللصوص قطعة تاسعة هي تاج الإمبراطورة أوجيني المرصع بحوالي ألفي ماسة.

وقد استغرقت السرقة برمتها "8 دقائق" فقط، بحسب وزير الداخلية الذي وصف المنفذين بأنهم لصوص "متمرسون" قد يكونون "أجانب". وفر اللصوص الأربعة الملثمون على دراجات نارية، ولا يزال البحث جاريًا عنهم.

ورجحت المدعية العامة لباريس لور بيكو فرضيتين: إما أن اللصوص تصرفوا "لصالح جهة معينة" طلبت القطع بعينها، أو أنهم يهدفون إلى تفكيك الحلي لسرقة الأحجار الكريمة واستخدامها في "عمليات غسل أموال" نظرًا لاستحالة بيع القطع المسروقة كما هي في السوق.

وأعلنت وزيرة الثقافة إطلاق تحقيق إداري، إلى جانب التحقيقات القضائية "لتكوين صورة حقيقية عما حدث".

إيطاليا ترد بالذكاء الاصطناعي

في رد فعل سريع على حادثة اللوفر التي سلطت الضوء مجددًا على هشاشة أمن المتاحف، أعلنت "الثقافة" الإيطالية أمس عن أنظمة أمنية متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وقالت الوزارة في بيان إن "أمن التراث الثقافي أصبح أولوية قصوى".

وتعمل مديرية المتاحف الإيطالية على "مشروعين تجريبيين رئيسيين يركزان تحديدا على التراث الأثري" بتمويل أوروبي يزيد على 70 مليون يورو. وتهدف هذه المبادرات، التي مُولت عام 2024، لتحسين أدوات الوقاية والمراقبة عبر استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة والأمن السيبراني.

وأوضحت الوزارة أن "هذه الأنظمة تعتمد على تحليلات مقاطع فيديو ذكية قادرة على رصد السلوكيات غير العادية والحركات المشبوهة، مع الالتزام التام بقواعد السرية، وإصدار تنبيهات تنبؤية في الوقت المناسب".

وأضافت أن "أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه، المدعمة بخوارزميات مدربة خصيصًا، قادرة على التعرف على الأنماط السلوكية وإشارات الخطر بدقة متزايدة".

وتأتي هذه الخطوة الإيطالية لتؤكد القلق المتزايد بشأن أمن الكنوز الفنية في مواجهة عصابات إجرامية منظمة، ولتظهر كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تلعب دورًا حاسمًا في حماية تراث الإنسانية.

ردود فعل وتعهدات

في فرنسا، أثارت السرقة ردود فعل سياسية غاضبة. قال رئيس حزب التجمع الوطني اليميني جوردان بارديلا "هذه إهانة لا تحتمل. إلى متى سيستمر انهيار الدولة؟". في حين صرح لوران فوكييه زعيم كتلة حزب الجمهوريين اليميني بقوله "فرنسا نُهبت. علينا حماية أثمن ما لدينا: تاريخنا".

ومن جانبه، تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول أمس بأن تعثر السلطات على المسروقات "ويحال الفاعلون على القضاء". وكان ماكرون قد تعهد في يناير/كانون الثاني بترميم وتوسيع متحف اللوفر بعد مخاوف بشأن تردي وضعه.

وتُعد هذه السرقة الأولى في متحف اللوفر منذ عام 1998، وتأتي بعد سلسلة من السرقات التي تعرضت لها متاحف فرنسية أخرى مؤخرًا، مما يؤكد الحاجة الملحة لإعادة تقييم شاملة لأنظمة الأمن بالمؤسسات الثقافية ليس فقط في فرنسا بل جميع أنحاء العالم.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

بعد واقعة سرقة مجوهرات بـ102 مليون دولار.. فضيحة جديدة تضرب متحف اللوفر بإتلاف مئات الكتب النادرة

بعد أيام قليلة فقط من تعرض متحف اللوفر في باريس، إلى أجرأ عملية سطو في تاريخ المتاحف الأوروبية، حيث سُرقت مجوهرات تُقدر قيمتها بـ102 مليون دولار من داخل أروقة المتحف، اندلعت فضيحة جديدة تهز واحدة من أهم المؤسسات الثقافية في العالم.

فقد تسبب تسريب مياه مفاجئ، ناتج عن تهالك أنابيب قديمة، في إتلاف مئات الكتب والمخطوطات النادرة داخل قسم الآثار المصرية في المتحف، في حادثة تكشف حجم الإهمال الإداري الذي يضرب القسم منذ سنوات.

كارثة تسريب.. ومكتبة غارقة بالمياه الملوّثة

وقعت الحادثة داخل مكتبة قسم الآثار المصرية التابعة لجناح «موليان»، حيث تسربت كميات كبيرة من المياه المتسخة إلى إحدى غرف المكتبة الثلاث، بعد عطل مفاجئ في أنبوب متهالك يمرّ مباشرة فوق الرفوف التي تحوي مجموعات فريدة من الكتب والوثائق الأثرية.

بحسب تقديرات أولية، فإن ما بين 300 إلى 400 كتاب نادر تعرضت لأضرار جسيمة، بعضها أصبح تالفًا بشكل كامل، فيما فقدت مجلدات أخرى أغلفتها الأصلية التي تعود إلى قرون مضت.

ووفق شهادات العاملين في المكتبة، لم يقتصر الضرر على الكتب وحدها، بل امتد إلى الأرضيات والخزائن الخشبية وملفات أرشيفية لا تقل أهمية، كما وصلت المياه إلى خزانة كهربائية في الطابق السفلي، في واقعة كانت قاب قوسين أو أدنى من التسبب بحريق قد يلتهم قاعات بأكملها داخل الجناح.

تحذيرات تجاهلتها الإدارة لسنوات

الأدهى من حجم الخسائر، هو أن الكارثة كانت متوقَّعة، فالعاملون في قسم الآثار المصرية سبق أن وجّهوا تحذيرات متكررة لإدارة المتحف بشأن وضع الأنابيب القديمة التي تعاني من صدأ وتآكل واضحين، كما تقدّم القسم بطلبات تمويل لإعادة تأهيل شبكة المياه الواقعة مباشرة فوق المكتبة، ونقل المجموعات النادرة إلى مساحة جديدة أكثر أمانًا، كانت قد أُخليت مؤخرًا، غير أن هذه الطلبات، بحسب مصادر داخل القسم، قوبلت بالرفض مرارًا وتكرارًا من الإدارة العليا، التي فضلت «تأجيل» أعمال الصيانة إلى أجل غير معلوم، رغم الحوادث الطفيفة السابقة التي سجّلت تسربات محدودة خلال العامين الأخيرين.

تسريب ليس الأول.. بل تكرار متعمّد للصمت

المثير للدهشة أن التسريب الكبير سبقه تسريب آخر أصغر قبل الحادثة بيوم واحد فقط، وهو ما يُعد مؤشرًا واضحًا على وجود خلل حقيقي في شبكة المياه يستدعي تدخلاً عاجلاً، لكن غياب الاستجابة السريعة وعدم اتخاذ إجراءات احترازية عقب الحادث الأول جعلا وقوع الكارثة مجرد مسألة وقت.

وصف موظفون في القسم المشهد بأنه كان «دراميًا»، إذ هرع الجميع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الكتب عبر سحبها من المياه وتجفيفها يدويًا، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل، بعض المجلدات انتفخت بالكامل، وبعضها فقد تماسكه، فيما غمرت المياه أوراقًا لا يمكن تعويضها.

فضيحة توقف عندها الإعلام الفرنسي مطولًا

الفضيحة لم تمر مرور الكرام، الصحافة الفرنسية تناولت الحادثة بوصفها استمرارًا لـ«سلسلة الكوارث» التي تضرب متحف اللوفر، أكبر متحف في العالم وأكثرها شهرة، فبعد أيام قليلة من عملية سطو غير مسبوقة داخل مبنى يُفترض أنه الأكثر تحصينًا، يأتي الآن إهمال إداري يتسبب في إتلاف إرث مكتوب لا يقدر بثمن.

ووفق تقارير محلية، فإن إدارة المتحف تواجه ضغوطًا متزايدة لفتح تحقيق شامل في كيفية حدوث هذا الإهمال، ولماذا لم تتخذ إجراءات لحماية قسم يُعد من أهم أقسام اللوفر وأغناها علميًا، إذ يضم مكتبة كبيرة متخصصة بتاريخ الحضارة المصرية، تحتوي على وثائق لا تتوفر حتى في مصر نفسها.

بين السرقة والتسريب.. أزمة إدارة أم أزمة أولوية؟

بحسب مراقبين، فإن تراكم هذه الحوادث يطرح سؤالاً محوريًا حول سياسة الإدارة الحالية للمتحف، ومدى التزامها بالحفاظ على المقتنيات والوثائق والأرشيفات الخاصة بالأقسام العلمية.

ففي الوقت الذي تتجاهل فيه الإدارة طلبات صيانة ملحة لحماية التراث، تُوجه الانتقادات إلى الإنفاق على مشاريع تجميلية وأعمال تجديد لمكاتب إدارية، تُعد أقل أهمية مقارنة بقيمة المجموعة الأثرية.

هذه المفارقة تفتح الباب أمام جدل واسع في الأوساط الثقافية، خصوصًا فيما يتعلق بأولوية إدارة المتحف بين الرفاهية والوظائف الإدارية من جهة، وحماية التراث العالمي من جهة أخرى.

خسارة لا تُعوض.. وأسئلة كثيرة تنتظر جوابًا

لا يزال حجم الخسائر الحقيقي قيد التقييم، لكن المؤكد أن مئات الكتب النادرة، بعضها يعود لطبعات قديمة من القرن التاسع عشر، لن تعود كما كانت أبدًا، ويخشى خبراء حفظ وترميم الكتب أن تكون بعض المجلدات قد فُقدت بشكل نهائي، ما يعني ضياع جزء من ذاكرة بحثية تتعلق بتاريخ مصر القديمة وعمليات التنقيب والدراسات المبكرة في هذا المجال.

وفي حين يترقب العالم نتائج التحقيق الرسمي، تبقى الأسئلة معلقة: كيف لمتحف عالمي بحجم اللوفر أن يسمح بوقوع كارثتين بهذا الحجم في أسابيع قليلة؟ وأين هي خطة حماية التراث التي لطالما صدّرها المتحف للناس؟، وهل سيشهد اللوفر موجة إصلاحات داخلية حقيقية.. أم أننا أمام بداية انهيار منظومة كانت تُعد الأكثر صرامة في العالم؟

طباعة شارك متحف اللوفر باريس سُرقت مجوهرات إتلاف مئات الكتب فضيحة متحف اللوفر الإعلام الفرنسي

مقالات مشابهة

  • إضراب بمتحف اللوفر بعد سرقة أكتوبر وتضرر 400 وثيقة بمكتبة الآثار المصرية
  • كارثة وفضيحة.. عمرو أديب يعلق على غرق مكتبة الآثار المصرية بمتحف اللوفر
  • نكبات اللوفر تتواصل .. متحف العالم الأكبر يواجه انهياراً فى حماية الآثار المصرية
  • باحث يكشف حقيقة تضرر الآثار المصرية في متحف اللوفر جراء تسرب مياه
  • بعد واقعة سرقة مجوهرات بـ102 مليون دولار.. فضيحة جديدة تضرب متحف اللوفر بإتلاف مئات الكتب النادرة
  • فضيحة في متحف اللوفر.. تسرب مياه يغرق مكتبة الآثار المصرية
  • فضـ.يحة في متحف اللوفر.. غرق مكتبة الآثار المصرية بسبب تسرب مياه
  • من قلب المتحف الأشهر عالميا.. انهيار منظومة الأمان يغرق آثارا مصرية لا تقدر بثمن
  • مجدي شاكر: ما حدث في اللوفر كارثة… وآن الأوان لعودة آثارنا إلى بيتها الآمن
  • رغم الانتقادات التي تضمنتها «الوثيقة الأمريكية».. واشنطن الحليف الأكبر لأوروبا